المنبر الاعلامي الحر

حصان طروادة الجديد

 

كتب / حسين الجنيد

 

 

في بعض الأحيان، ينبغي علينا قراءة ومراجعة التاريخ، فهو نسخة استباقية للكثير من أحداث الحاضر والمستقبل، ومخطئٌ من يظن أن التاريخ مجرد صفحات أرشيفية للحكايا وقصص الغابرين.

إنه خلاصة العبر من خطايا الأسلاف، والمتكررة في أجيالهم بما يقترفونه، باسم الاشارة لما وجدوا عليه الأباء.

وهنا دعوني استحضر من صفحات التاريخ قصة حصان طروادة، وسقوط أعتى المدن وأشدها تحصيناً ومنعة قبل 3000 سنة.

فعندما عجز الإغريق عن اقتحام مدينة طروادة، بسبب صمود أهلها واسوارها العالية، قاموا بحصارها مدّة عشر سنوات.

وبعد أن تملكهم اليأس من اقتحامها، جاءت للإغريق فكرة عبقرية، فقاموا ببناء حصانٍ خشبي ضخمٍ جداً، يتجاوز ارتفاعه المئة متر، يزن ما يقارب 3 أطنان، وكان مجوَّفاً من الداخل، ووضعوا الجنود في داخل الحصان الخشبي ووضعوا الحصان أما بوابة طروادة. ظنَّ الطرواديون أن هذا الحصان هو دليل سلام من الإغريق.

فقاموا بإدخاله داخل أسوارهم واحتفلوا في ذلك اليوم بانتصارهم على الإغريق.

وبعد انتهاء الاحتفالات في الليل، نزل الجنود المختبئون في الحصان الخشبي وقاموا بقتل من قابلهم من الجنود وفتحوا البوابات وأدخلوا بقية الجيش الإغريقي، فقاموا بنهب المدينة وأخذ كل النساء والأطفال كعبيدٍ لهم.

إن الربط بين احتفالية اخواننا المؤتمريين بعيد تأسيس حزبهم، وحكاية “حصان طروادة” هو اسقاط تاريخي على الصورة الحالية للوضع والسياسي، على ضوء التطورات الأخيرة التي تشهدها الساحة.

فحكاية هذه المدينة التي صمدت في مواجهة الحصار عشر سنوات، ولم يخضعها الا ذلك الحصان الخشبي المخادع الذي سمحوا بإدخاله الى مدينتهم، بفعل وسوسات جاسوس اغريقي استغل حالة غياب الوعي والنشوة الزائفة التي عاشها الطرواديون، فأقنعهم بـ”حسن نوايا” قائد الجيوش الإغريقية، فسارعوا الى فتح أبواب مدينتهم امام الحصان الخشبي الضخم الذي قيل لهم انه هدية لهم تعبيرا عن الرغبة في المصالحة والسلم، فحمل اليهم الموت والدمار لمدينتهم.

من المصادفة، ولعل الكثيرين سيتساءلون، لماذا قام الإغريق بعمل التمثال على هيئة حصان وليس أي شكلٍ آخر؟ فقد كان باستطاعتهم أن يصنعوه بأي هيئة، ولكن لماذا الحصان؟

لأن الحصان كان له مكانة خاصة عند أهل طروادة من التكريم والقداسة والاحترام. وهذا نموذج على أن العدو إذا لم يستطع هزيمتك لمَنْعَتِكَ عليه، فقد يستغل أي شيء عزيز أو مقدَّس لديك؛ ويقوم باستغلاله لهزيمتك والظَّفَر بك.

وهذه هي العبرة المستوحاة من هذه القصة، وهنا أقول للإخوة المؤتمريين: لا تكونوا سذجاً كأهل طروادة الذين أعماهم تقديسهم للحصان وأدَّى ذلك إلى هزيمتهم شرَّ هزيمة.

إن عدونا لن يدَّخر جهداً في سبيل أن يتخلل صفوفكم، ويعرف مواطن ضعفكم ليُقَوِّضها فتتحقق كل أهدافه، فكونوا على مستوى المسئولية والوعي التام بما تحاك من مؤامرات في الظلام والغرف المغلقة، وخذوا حذركم من أي غريب أو حتى قريب يحاول أن يسير بكم إلى طريق لا تعرفون أين تقود نهاياته، واحذروا كل الحَذَر من أن تدخلوا طريقاً قد تَظُنُّوه على ما تعرفوه من خير، ولكنه حصان طروادة؛ للدخول إلى وطننا الذي استعصى عليهم طوال ثلاثة أعوام فيهزمنا جميعاً.

 

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com