على قلب رجلٍ واحد بدت السعودية وإسرائيل في تفاعلهما مع قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني. انسحابٌ من شأنه تقصير المسافة أكثر فأكثر بين الرياض وتل أبيب، ودعم جهود «دفع المصالح المشتركة ومواجهة الدول المتطرفة والمنظمات الإرهابية التي تعمل بإيعاز من إيران» على حدّ تعبير السفير الإسرائيلي في مصر، ديفيد غوفرين. الدبلوماسي الصهيوني، الذي كان يتحدث من القاهرة حيث أقيم الثلاثاء الماضي احتفال بذكرى تأسيس كيان الاحتلال، أشاد بـ«انضمام ولي العهد السعودي (محمد بن سلمان) إلى هذه الرؤية» التي لن يؤدي قرار ترامب الأخير إلا إلى تعزيزها. وهو ما تجلّى سريعاً في تصريح قد يكون غير مسبوق أدلت به، أمس، الحكومة الأصغر في الخليج، لم يفارق في شيء ما يجاهر به حلفاء إسرائيل المعلَنون.
صحيح أن مسار المواقف الخليجية، السياسية والإعلامية، طيلة الأشهر الماضية، كان يصبّ في الاتجاه نفسه: دعم التقارب مع إسرائيل، إلا أن ما أعلنه وزير الخارجية البحريني، خالد بن أحمد آل خليفة، يُعدّ تجاوزاً فاضحاً يمكن التأسيس عليه في استشراف العلاقة بين مَن جمعهتم المحنة خلال المرحلة المقبلة. علّق آل خليفة على الاعتداءات الإسرائيلية على سوريا ليل الأربعاء ــ الخميس بالقول: «طالما أن إيران أخلّت بالوضع القائم في المنطقة، واستباحت الدول بقواتها وصواريخها، فإنه يحق لأي دولة في المنطقة، ومنها إسرائيل، أن تدافع عن نفسها بتدمير مصادر الخطر». موقف سافرٌ يشي بأن ما بعد نسف «خطة العمل المشتركة الشاملة» من قبل إدارة ترامب فصل أكثر وضوحاً وجرأةً من التعاون الإسرائيلي ــ الخليجي، الذي يستهدف في نهاية المطاف «توقيع اتفاقية سلام شاملة، والتفرغ لمواجهة المشروع الإيراني في المنطقة»، بحسب ما باتت تدعو إليه صراحة المنابر الإعلامية السعودية. وهي دعوةٌ كانت قد تتالت المؤشرات إليها منذ ما قبل قرار ترامب، بالغةً ذروتها أواخر شهر نيسان/ أبريل الماضي، عندما نشرت صحيفة «إيلاف» الإلكترونية السعودية مقابلة مع وزير الأمن الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، هدّد فيها بأن إسرائيل «ستضرب طهران، وستدمر كل موقع عسكري إيراني يهدّد إسرائيل في سورية، مهما كان الثمن».

أبدت السعودية استعدادها لسدّ الفجوة المتوقعة في الإنتاج النفطي

بناءً على تلك المعطيات، يمكن القول إن ما سمّاه وزير الاتصالات الإسرائيلي أيوب قرا «الدعم التاريخي لإسرائيل»، تعليقاً على تغريدة وزير الخارجية البحريني، سيتعزّز إلى حدّ كبير، مع اندفاع السعودية وملحقاتها نحو أداء دور أكثر فاعلية في التحريض على إيران وإيذائها، جنباً إلى جنب تل أبيب، بالاستفادة من الأجواء التي أشاعها قرار ترامب. ولعلّ أولى الأوراق التي ستسعى الرياض إلى تفعيلها في ساحة المواجهة هي ورقة النفط، في ظلّ توقعات بهبوط إنتاج إيران النفطي بما يتراوح بين 300 ألف برميل ومليون برميل يومياً. هذا ما قاله صراحة، أول من أمس، وزير الطاقة السعودي خالد الفالح، ليعود المحللون الاقتصاديون ويؤكدوه أمس بقولهم إن «السعودية ربما تتمكن من البدء بزيادة إنتاجها النفطي، في وقت أضحت فيه أسعار النفط مرتفعة بالفعل»، وإن «ذلك يوفر للسعوديين مزيداً من الأموال لدعم برنامجهم الاستثماري، بينما يتقلص العجز»، بحسب ما ذهبت إليه كبيرة المحللين الاقتصاديين لدى بنك أبو ظبي التجاري، مونيكا مالك، التي توقعت ارتفاع الإيرادات النفطية السعودية بما يتراوح بين سبعة وتسعة في المئة عن المستوى الذي كانت ستصل إليه من دون قرار ترامب.
هذا الاندفاع السعودي نحو سدّ الفجوة المتوقعة في الإنتاج النفطي العالمي، سيرافقه على الأرجح عزف متجدد ومكثف من قبل الرياض على نغمة «سباق التسلح» في المنطقة، بهدف تصعيد الضغوط على إيران. وهو ما سارع إليه وزير خارجية المملكة، عادل الجبير، مباشرة عقب إعلان ترامب انسحابه من وثيقة فيينا، عندما أعاد لازمة أميره، محمد بن سلمان، بتهديده بأنه «إذا حازت إيران قدرات نووية، فسنبذل كل ما بوسعنا للقيام بالشيء نفسه». تهديدٌ سيتصاحب الإلحاح عليه من الآن فصاعداً مع تكثيف عمل اللوبيات السعودية في واشنطن، بقيادة سفير المملكة هناك، خالد بن سلمان، على تزخيم الأجواء المعادية لإيران والدفع نحو تشديد الخناق عليها، تحت تأثير اعتقاد مبالغ فيه بقدرة المملكة على تغيير المعادلات. وقد كان شقيق ولي العهد، خالد، واثقاً من ذلك بوضوح عندما شدّد، في معرض تعليقه على قرار ترامب، على أن «أيّ اتفاق مع إيران في المستقبل يجب أن يتضمن برنامجها الصاروخي، ودعمها المالي والعسكري المتزايد للإرهاب والطائفية»، مُجدِّداً القول إن الاتفاق الموقّع عام 2015 «يدفعنا نحو كارثة».
«الكارثة» المفترضة التي يجهد خليفة بندر بن سلطان لـ«تلافيها»، سيوازي الاشتغال بشأنها الدفع نحو المصادقة على اتفاق نووي مع الولايات المتحدة يُنتظر أن تتمّ إحالة مسودته إلى الكونغرس بحلول منتصف حزيران/ يونيو المقبل. في هذا الإطار، يُتوقّع أن تكثّف السعودية محاولاتها إغراء الإدارة الأميركية بالحلول شريكاً نووياً محلّ إيران، بإمكانه تعويض الخسائر الناجمة عن الانسحاب من اتفاقية فيينا. محاولات قد لا تظلّ من غير تأثيرات عملية، في ظل اجتهاد شركات أميركية، في مقدمها «ويستنغهاوس»، في اقتحام مجال الاستثمار النووي في السعودية، والذي يُرتقب أن تصدر قائمة بالشركات المؤهَّلة للعمل فيه خلال العام الجاري. لكن، تبقى أمام السعودية عقبات عدة، تبدأ من مزاج أميركي عام غير متودّد إليها، ولا تنتهي بالشروط التي سيقيّد بها الكونغرس أيّ اتفاق من هذا النوع، بما لا يمكن الرئيس الأميركي تجاوزه.