كانت أمل واليوم صارت ألماً بل قصة ألم وصورة ألم ، كان أمل الإنسانية في أن تكون أمل حياة ونبضاً وتعبيراً ورسالة ، لكنه الانتظار الذي طال دون أمل ولم ينته إلا بعد أن انهار ذلك الجسد العليل ، أمل كانت تدرك بصيصاً من النور يتراءى لها حلماً قد يتحقق في يومٍ من الأيام لكن سرعان ما خاب الأمل وخَذلت أمل قسوةُ الظروف وخيّمت عليها المعاناة في كل تفاصيلها وعجز ممن هم حولها عن الانتصار لحلمها في الحياة وأملها في العيش في أدنى مستوياته ، أمل كانت تنظر إلى عمق الفضاء وإلى أبراج السماء في شموخ وكبرياء دون أن تمد يدها للعملاء أو تشبع بطنها من فتات الأثرياء ، أمل كانت هزيلة ونحيلة جداً لكنها في نفس الوقت صلبة وقوية وذات نفسٍ عالية تعاني وتصمد وتصارع الألم من أجل البقاء ، لكنه الموت حال بينها وبين الحياة التي لم تر في ساحاتها إلا عدواناً وظلماً وجشعاً ليس في قاموسه أي معنىً للإنسانية بما اشتملت عليه من رحمة وعطف وشفقة وحنان ، أمل كانت روحا وجسداً بين أيدينا فأضحت في لحدها ألمٌاً يؤنبُ الضمير ويوجع القلوب ويهز المشاعرَ والأحاسيس ، أمل روحٌ وخيالٌ وإرادة واجهتها قسوة الطغيان والعدوان وجبروته الذي اغتال الآمال والأحلام وانتزع البسمة من وجوه الأبرياء ، أمل كانت الدم الذي يسري في ما تبقى من عروق الإنسانية ، أمل بعد الألم في أبعادها معاناة وفي قصتها مأساة ما كانت لتحدث إن حُجب عنها شبح الجوع الذي لا يرحم وبُني بقية عمرها في دماء الأدعياء ، أمل رسالة وتأكيد للتربص والوعيد بالعقاب لكل متخمٍ ومترف لم يحنو ولم يتفقد ، أمل رحلة وتفاصيل محزنة من المعاناة وهي الإنسانية التي فُقدت ولم نعد ندرك منها إلا ذراتٍ مبعثرة من أجل شعار أممي كاذب أو صوتٍ دولي ماكر ، أمل كانت بحاجة إلى وطن وإلى أمة وإلى مجتمعٍ دوليٍ حاضن وإلى أممٍ متحدة تترجم قراراتها ومبادئها إلى أفعال وإلى واقعٍ ملموس ، أمل هي تلك المشاهد التي وصل صداها إلى القلوب في هذا العالم الأعمى و الأصم ، وهي تلك التضاريس الحصينة الدافئة التي تحمي الوطن وتدفع عنا شر الأعداء وكيدهم ومكرهم ، أمل هي ذلك النبض الذي توقف حين توقفت فينا النزعة والحمية لنجدتها ، أمل هي الإرادة والعزيمة التي إن كُسرت ستبقى العديد من الآمال والأحلام الجميلة والتي إن هزمت ستورقُ مرةً أخرى والتي لو انهارت ستبنى من جديد لتكون شبحاً يهدد المتخمين ، والتي لو جاعت وخارت قواها لقامت مرة أخرى تتوعد المترفين ، أمل هي نقطة الانطلاق إلى العمل وهي الفاتحة في مسيرة الصمود والتضحيات ، أمل وإن صارت ألماً ستبقى أملاً يتفاءل بها المستضعفون والجائعون ويعتبر منها المتخمون والمترفون ، أمل هي الواقع والحقيقة في قادم الأيام التي ستقفُ خصماً لتواجهَ الطغاة الظالمين في ميدان العدالة الإلهية يوم لا ينفع مالٌ ولا بنون إلا من أتى الله بقلبٍ سليم ..