تعكس تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب الأخيرة حول جريمة قتل الصحافي السعودي، جمال خاشقجي، رغبته على ما يبدو في توفير مخرجٍ لولي العهد السعودي من تلك الأزمة التي نالت من صورة المملكة عالمياً.
تصريحات ترامب تعدّ مثالاً استثنائياً على «الصراحة السياسية»، ولو أنَّها دُعِّمت بتحليلٍ خاطئ تماماً، كما يقول الدبلوماسي الإيطالي ماركو كارنيلوس، الذي يعتقد أن «ترامب تخلَّى عن أسلوب الخطاب الفارغ العام المعتاد من الرؤساء الأميركيين السابقين فيما يتعلق بالمملكة العربية السعودية»، بحسب ما أكد لموقع «ميدل إيست آي» البريطاني.
وأوضح ترامب بجلاءٍ أنَّ الولايات المتحدة ستتغاضى عما فعله ولي العهد محمد بن سلمان، أي الأمر بقتل خاشقجي؛ لأنَّ المملكة تساعد في احتواء إيران، وتشتري الأسلحة الأميركية، وتساعد على التحكُّم في أسعار النفط بما يتوافق مع المصالح الأميركية، بحسب تعبيره.
ويقول كارنيلوس، الذي عمل سفيراً لإيطاليا في عدد من الدول العربية بمقال في Middle East Eye، إنه «حين تتعارض القيم الأميركية، مثل الدفاع عن حقوق الإنسان وسيادة القانون، مع المصالح الأميركية، فإنَّ ترامب سيختار الأخيرة بكل تأكيد».
الثمن المطلوب: 450 مليار دولار
ربما أصبح من الواضح أن الولايات المتحدة ستستمر في دعم المملكة العربية السعودية مهما حدث. لكن الغرض الرئيسي من بيان ترامب، الصادر مساء الأربعاء الماضي 21 نوفمبر/تشرين الثاني بشأن السعودية، كان في الواقع تحديد ثمن هذا الدعم.
والرسالة الضمنية التي بعث بها البيان إلى الديوان الملكي السعودي هي أنَّ إنقاذ ولي العهد السعودي من المتوقع أن يُكلِّفهم 450 مليار دولار من الاستثمارات.
وهنا، ربما تتحول «المبالغ» التي نُوقِشَت خلال زيارة ترامب للسعودية العام الماضي وزيارة ولي العهد السعودي التالية للولايات المتحدة -التي لم تتعدَّ حتى الآن مستوى إعلان النوايا- إلى عقودٍ مُلزِمةٍ في أقرب وقتٍ ممكن.
وفي حال لم تكن رسالة واشنطن واضحةً بما يكفي للسعوديين، فإنَّ ترامب غَادِرٌ بما يكفي للتلويح بالمبادرات المحتملة من الكونغرس الأميركي، والتي تسير في اتجاهات تختلف عن اتجاه ترامب، إذ لمَّح إلى احتمالية النظر في أمرها قائلاً: «سآخذ بعين الاعتبار جميع الأفكار المُقدَّمةِ إليّ»، بمعنى آخر، تقول واشنطن للرياض: «سارعِوا في صياغة وتوقيع العقود».
ما يؤكد أيضاً سباق الزمن عند ترامب لتسلّم الثمن، هو ما قاله وزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، الجمعة 23 نوفمبر/تشرين الثاني 2018، لتلفزيون (سي.إن.إن ترك)، بأن ترامب يريد دفن القضية والتغاضي عنها، وأن موقف ترامب بالتعامي عن الجريمة ليس مقبولاً، وأنه ليست كل الأمور تتعلق بالأموال، في تلميح منه إلى حرص ترامب على علاقة مع الرياض؛ لأنها تملك الثروة.
إنقاذ ولي العهد السعودي ربما يُحدث صراعاً بين ترامب و«CIA»
يعي ترامب أنَّ وكالة الاستخبارات المركزية (CIA) توصَّلت على الأغلب إلىاستنتاجاتٍ مُختلفةٍ بشأن مسؤولية محمد بن سلمان عن مقتل خاشقجي، في الوقت الذي ما زالت فيه بعض أقسام الوكالة تشعر بالأسف على فقدان التعاون الممتاز الذي كانوا يتمتعون به في ظل ولي العهد السابق الأمير محمد بن نايف، وهو الأمر الذي قد يدفعها إلى عرقلة خطط ترامب لإنقاذ ولي العهد الحالي، بحسب رأي الدبلوماسي الإيطالي كارنيلوس.
الذي يرى أيضاً، أن هناك مخاطرة بأن تتحول هذه القضية إلى صراعٍ آخر بين البيت الأبيض والوكالات الاستخباراتية كما حدث في فضيحة ووترغيت. وكان ترامب شكَّك في تحليل وكالات الاستخبارات الأميركية المتعلق باختراق الاستخبارات الروسية للحزب الديمقراطي وأنظمة الاقتراع أثناء الانتخابات الرئاسية الأميركية لعام 2016.
ومما زاد الأمور سوءاً أنَّ مجموعةً من أعضاء مجلس الشيوخ تنتمي إلى الحزبين الجمهوري والديمقراطي أرسلت يوم الأربعاء خطاباً إلى ترامب لفتح تحقيقٍ في اختفاء خاشقجي.
فقد دعا الخطاب، الذي كتبه السيناتوران الجمهوريان بوب كوركر وليندسي غراهام مع السيناتورَين الديمقراطيين بوب مينينديز وباتريك ليهي، ترامب إلى التحقيق في اختفاء خاشقجي بموجب قانون ماغنيتسكي الدولي للمساءلة حول حقوق الإنسان.
ويسمح قانون ماغنيتسكي للرئيس بفرض عقوباتٍ على الأشخاص والدول المُتورِّطة في انتهاكات حقوق الإنسان.
وقال كوركر في مقابلة: «إنَّه موقفٌ حساسٌ حين يكون لدينا حليف قديم يعود التحالف معه إلى عقود، لكن لدينا في الوقت نفسه ولي عهدٍ أعتقد أنَّه أَمَرَ بقتل صحافي».
ربما لن يكون إنقاذ ولي العهد السعودي محمد بن سلمان مهمةً سهلة، خاصةً في حال ظهور المزيد من التسريبات التركية بشأن مقتل خاشقجي، والتي تُشير آثارها إلى ولي العهد السعودي مباشرةً. ومن ثَمَّ، على الأغلب ستستمر ملحمة خاشقجي.