مصر واليمن: مقاربات ومفارقات .. بقلم : عبد الباسط الحبيشي
يمني برس – كتابات :
مصر واليمن دولتان لهما جذور تاريخية عميقة وتراث قديم وأصيل وشعبان عريقان يصعب تجاوزهما بسهولة مهما بلغت المحاولات الخارجية من إبتكار وسائل ثقافية وسياسية أو حتى إرهابية لتطويعهما لاسيما في المبالغة بإستخدام العنف المفرط لتركيعهما بالقوة.
ولهذه الأسباب وغيرها فإن مصر واليمن تواجهان حالياً خصماً مشتركاً وهو (جماعة الإخوان المسلمين) المدعومة مالياً ومعنوياً وعسكرياً وسياسياً من قوى خارجية جعلتها أداة هدم للأمة العربية ومستقبلها. وهذه الجماعة تتبنى الإرهاب بصراحة ووضوح في كلا البلدين بصرف النظر عن المصطلحات والتسميات المستخدمة التي تصف الفاعل.
في مصر: تخرّج من عباءة الإخوان العديد من التنظيمات المتأسلمة آخرها من تبنى تفجير مديرية الأمن في المنصورة وتفجير آخر في مدينة نصر يوم الخميس الماضي تحت إسم (أنصار بيت المقدس) ويمثل هذه الجماعة جناحها السياسي (حزب العدالة والتنمية) على غرار إسم حزبهم “الإخوان” في تركيا.
اليمن: تخرج من عباءة الإخوان فروع تنظيم القاعدة بمسمياتها المختلفة ومنها من تبنى تفجير العُرضي في وزارة الدفاع اليمنية قبل أسابيع بإسم (جبهة النصرة). ومن المعروف أن تنظيم القاعدة هو تنظيم إرهابي دولي مسجل على قائمة الإرهاب الدولية، ويعتبر الجناح العسكري لجماعة الإخوان المسلمين، ومن المعروف أيضاً أنه من يمثل هذه الجماعة سياسياً هو (التجمع اليمني للإصلاح).
بما أن مصر هي رائدة وقائدة الوطن العربي لما تشكله من ثقل ثقافي وحضاري وأستراتيجي تعتبر هي أيضاً الخاصرة والنموذج الأهم في نفس الوقت للأمة العربية سلباً وإيجاباً؛ بدونها يُقضى على الجميع، وبها ينهض الجميع، لذا فإن التركيز على تركيعها بكل قوة كان سمة وعنوان العقود الطويلة الماضية منذ معاهدة كامب ديفيد التي لم يكتفى بها وحسب، بل أنه في الآونة الأخيرة أصبح لزاماً على القوى الدولية لإكمال إستراتيجياتها في المنطقة، القضاء على دور مصر الريادي بالكامل وذلك للتخلص من أي أمل في إعادة هذا الدور وذلك من أجل تنفيذ بقية الخطط الإستراتيجية في المنطقة فتم إخراج الإخوان المسلمين من القمقم وتسليمهم حكم مصر بعد تم الإعداد لذلك مسبقاً ولأعوام طويلة.
في اليمن أدت السعودية الدور المماثل التي أدته معاهدة كامب ديفيد في مصر وذلك بسيطرتها الكاملة على الشأن اليمني سياسياً وعسكرياً وأقتصادياً وأجتماعياً مع إستدخال دور محدد للإخوان المسلمين حتى يكونوا على أهبة الجاهزية لإستلام الحكم في اليمن لاحقاً.
المفارقة هو أن مصر تمكنت من الإحتفاظ بمؤسساتها الوطنية وعلى رأسها الجيش والقضاء والأمن بينما في اليمن تم تدمير الجيش والقضاء والأمن وكل شئ آخر ومن وقت مبكر.
المعالجات التي تم إتخاذها في كلٍ من البلدين إزاء الخطر
في مصر إنقلب الشعب بقيادة مؤسسته العسكرية على جماعة الإخوان وأودعوا قياداتها في السجون وقاموا بمواجهة المؤامرة الدولية وتبنوا خطة سياسية أسموها (خارطة الطريق) للخروج من الأزمة والمأزق السياسي الذي واجتهه مصر. أعاقت بقايا عصابات الإخوان ومن يقف ورائها تنفيذ العملية السياسية (خارطة الطريق) بكل صلف وقوة وذلك من خلال القيام بالعديد من الأعمال الإرهابية، فتصدت الحكومة المصرية المؤقتة بإصدار حضر قانوني وإعتبار الإخوان جماعة إرهابية.
في اليمن على العكس من ذلك تم تسليم البلاد ومقدراتها وقرارها السيادي والسياسي للخارج هروباً من إستحقاقات الثورة الشعبية عن طريق التوقيع على ما سميت ب(المبادرة الخليجية) وتم مكافأة الإخوان المسلمين (المجرمين، المتآمرين) بفرض إشراكهم في السلطة ومع ذلك لم يكتفوا وأستمروا بإستخدام جناحهم العسكري (القاعدة) بإرتكاب المجازر والعمليات الإجرامية في عموم البلاد.
في مأزق أم في ظرف إستثنائي
– تمر مصر في ظرف إستثنائي ومؤقت بعد أن تجاوزت الخطر المحدق بها بخروجها من النفق المظلم وذلك من خلال إتخاذ قرار القضاء على جماعة الإخوان المسلمين والتمشيط على الجماعات الأخرى التابعة لها في عموم البلاد.
– تجاوزت مصر محنة التقسيم والتمزيق والتشرذم أو الحرب الأهلية.. وهي الآن بصدد إعادة بناء الدولة المتكاملة لكنها تعيش في ظرف إستثنائي بسبب حجم الكارثة والهجمة الشرسة التي واجهتها وماتزال تواجهها، ولذلك فإن مصر بحاجة إلى معالجات إستثنائية.
المعالجات الإستثنائية
ينبغي على الحكومة المصرية المؤقتة أن تخرج من قُمقم الإجراءات التقليدية في تنفيذ خارطة الطريق التي سيصعب تنفيذها في الظرف الإستثنائي الحالي الذي يتم فيه مواجهة جحافل الإرهاب، وأن تبتعد ولو مؤقتاً عن الصندوق الإنتخابي الذي أصبح عبارة عن (تابو) او الإعتقاد بتحريم أو بعدم جدوى إتخاذ أي معالجات سياسية وديموقراطية بدونه. ثورة ثلاثين يونيو الماضي الذي أزاح الإخوان عن السلطة كان إبتكاراً مصرياً فذاً وعبقرياً. فما هو المانع من إكمال خارطة الطريق بنفس هذا الإسلوب الراقي والعبقري كالتالي:
1 – الإستفتاء على الدستور بخروج الشعب المصري بنفس طريقة ثلاثين يونيو بعيداً عن الصندوق.
2- إلغاء الإنتخابات البرلمانية بشكلها التقليدي الصندوقي، ليتم عوضاً عن ذلك إعداد قائمة بالشخصيات المعروفة بالعفة والنزاهة والقدرة والكفاءة من كل دوائر مصر الإنتخابية وبالعدد المطلوب للبرلمان، ويستفتى عليها من قبل الشعب المصري وذلك بخروجه بنفس الطريقة السابقة.
3 – يقوم مجلس الشعب الذي أستفتي عليه من كل الشعب أو غالبيته على مرأى ومسمع من العالم أن يقوم بترشيح الرئيس الذي يتم الإستفتاء عليه أيضاً بنفس الأسلوب الجماهيري المهيب. وبهذا تكون مصر قد أنجزت خارطة الطريق ونفذت حكومتها المؤقتة ماتم وأن وعدت به فضلاً عن إبتكار آليات ديموقراطية مناسبة للتعامل مع مجتمعاتنا العربية.
أما اليمن فإنه في مأزق تأريخي وليس في ظرف إستثنائي
وهذا هو الفرق الجوهري بين اليمن ومصر، وقد بات الوقت متأخراً بأن يحذو اليمن خطوات مصر لأنه قد بدأ فعلياً بالدخول في النفق المظلم بقيادة الإخوان المسلمين الذين لا يرجون هذه الأيام إلا الإستكانة والسلامة أكثر من أي شئ آخر بعد إنكشافهم في مصر بعد أن وضعوا البلاد على شفى هاوية والتي سينتهي بها المطاف في أحسن الأحوال إلى إقامة سلطات متعددة في إطار حكم ذاتي (غير مستقل). مايتم الآن من تجاذبات في أروقة مؤتمر الحوار الوطني وخارجه بين مختلف الفرقاء هو محاولة الوصول على الأقل إلى هذا المخرج (حكم ذاتي) تابع للخارج لا أقل ولا أكثر بل أقل من مستوى السلطة الفلسطينية الحالية، إضافة إلى تعدد الكيانات والقيادات والولاءات والمناطق. هل هذا مأزق؟؟ بالتأكيد هو مأزق وكبير أيضاً! هل يمكن الخروج منه؟ التكملة في مقالة الأسبوع القادم.
عبدالباسط الحبيشي
[email protected]