ما الذي يحدث في تعز
محمد أحمد ناجي
مطالبة البعض لأنصار الله كي يدعموا أحد أطراف الصراع في تعز يراد منه دفع الأنصار نحو مستنقع الصراع ،على أسس مناطقية ومذهبية .وهو ما ظل الأنصار حذرين من السقوط فيه حتى الآن .بل إنني أزعم أن هذا تميز في الخطاب تحلوا به .
استطاع أنصار الله أن يوصفوا الصراع اليمني اليمني ،بأنه صراع سياسي يمكن تداركه على أرضية الشراكة السياسية ، متى ما تم فك الأرتباط مع أهداف تحالف الغزو والاحتلال .
فالصراع محليا صراع سياسي بين اليمنيين حول الشراكة الوطنية ،ومع الغزاة هو صراع وطني ،وبالتالي استطاعوا أن يحسموا خلافهم مع الرئيس علي عبد الله صالح ،على أرضية الحسم السياسي في 4ديسمبر 2017م ،ولم يسقطوا في ثنائية (الزيدية المذهبية والزيدية المناطقية) التي أراد لهم الغزاة أن يسقطوا فيها.وإنما فسروا الصراع بامتداداته مع تحالف الغزو والاحتلال،الذي تقوده مشيخات الخليج ،وفي مقدمتها السعودية والإمارات،كواجهات لمشروع أمريكي بريطاني صهيوني في المنطقة .لقد رفض الأنصار وتصدوا بوعي قيادي وتنبه حركي لكل محاولة تريد أن تنحرف بالصراع إلى حضيض المناطقية والمذهبية ،لهذا استمرت العاصمة صنعاء ،هوية وطنية جامعة لكل اليمنيين ،مما عزز من الدور الوحدوي للعاصمة ،وجعل إمكانية استعادة الدولة الوطنية الجامعة مسألة وقت ،طالما أن الإيمان بالسيادة على أرضية الوحدة واستقلال الإرادة واضح ومتقد.
بالمقابل فإن التجمع اليمني للإصلاح (إخوان اليمن )والسلفيين في تعز حددوا معركتهم ضد ما سموه (الحوثي) من منطلق مذهبي عرقي مناطقي(الروافض/المجوس /الهضبة /المركز المقدس/المتوردين /الخ)بما يحقق أهداف الغزاة والمحتلين وذلك بتقسيم اليمن والمجتمع اليمني عموديا ،مذهبيا وطائفيا وعرقيا ومناطقيا !انخرط السلفيون مع العدوان والاحتلال بحجة محاربة (الروافض / المجوس)وحدد تجمع الإصلاح عدوه ب(الهضبة /المركز المقدس)بمعنى أنهم لا يمتلكون مشروعا وطنيا جامعا ،وإنما يؤسسون لإمارات وكنتونات تديرها عصابات مسلحة ،بلافتة اسمها (الشرعية واستعادة الدولة )لهذا يصبح طبيعيا أن ينتقل هذا الانقسام الطحلبي إلى المجتمع ،كصراع بين الإصلاح والسلفيين ،وهو صراع محتدم منذ بداية تسعينيات القرن العشرين … تنظيف على الطريقة الامريكية لمدينة تعز كي تخلو وجه المدينة للتجمع اليمني للإصلاح …
منذ عقد التسعينيات واحتدام الصراع بين السلفيين والاخوان (الاصلاح) يحتد بين الفينة والاخرى على المساجد فضاء لسلطة دينية تمثل للطرفين رأسمال حضورهم الشعبي،ويحتد الصراع مع كل فعل جماهيري كالاستفتاءات والانتخابات ،لكن الطرفين ومنذ عمل تحالف العدوان والاحتلال على حشدهما في سياق أهدافه في اليمن بذريعة محاربة (الحوثي) ظل كل طرف يتربص بالآخر ويكدس السلاح ليوم معلوم،وبتمويل من مشيخات الخليج بغرض استنزاف مدينة تعز وتهجينها لعقود قادمة…
تجمع الاصلاح بتعز لا يستأسد إن لم يكن لديه ضمانات إقليمية ودولية ،فهو يظل داعية السلمية ،والاعتصام والاجتماع على كلمة سواء طالما ليس هناك ضوء اخضر ،وما أن يجد ذلك الضوء حتى يتوحش لفرضه بعنف مفرط ،تاركا قناع السلمية ،ومتذرعا بلباس الشرعية والقانون…
في ظل إعلام وإعلاميين وناشطين حقوقيين يمثلون في الحقيقة طرفا واحدا هو تجمع الاصلاح ،ويتوزعون الادوار ،بطريقة خلق ضوضاء منضبطة،ومتفقة في سقف لغة التغطية بسياقات مطاطة تخفي ولا تبين ،وتطمس الأثر ولا تدين -يتحرك الاصلاح مطمئنا ومستريحا للنتائج …
ولا بأس من بعض التشنجات (الصديقة) طالما أن وظيفتها الفعلية مواراة الضحية ،وظهور الاصلاح بمظهر القوة الحاسمة…
السلفيون في هذه المعركة قد تم تقليم وتكميم صوتهم الإعلامي ،فليس هناك من صوت يتفيد الفراغ سوى صوت الإصلاح بتنوع ماكينته الإعلامية ،ومنتدبيه اعلاميا وحقوقيا …
المعركة محسومة،والتنظيف مستمر،على الطريقة الأمريكية حين تدخل بكل قوتها لتعصف بخصم ضعيف بغرض أن تحصد من معركة محدودة غنائم مستدامة في جغرافية تتسع انقساماتها كدوائر الماء…
الإصلاح في نهجه الغير الرشيد ،والمندفع مع اللحظة بشراهة ونهم من لا يرى أبعد من أرنبة أنفه مستمر في هاوية قيعان مجتمعية بلا قاع مستقر ،ولذلك فهو على المدى المتوسط الخاسر الأكبر ،إن لم يتدارك بنقد ومراجعة حقيقية مساره ،ويفك ارتباطه مع قوى العدوان والاحتلال إقليميا ودوليا .فهذا الطريق يراكم ضده الاحتقانات المناطقية والمذهبية في تعز .فالانقسام المناطقي بين شمال تعز المدينة ،مسنودا بمديريات المخلاف وشرعب وبعض عزل التعزية ،يقابله حاضنة سلفية ومؤتمرية في جنوب تعز ،أي أن شارع جمال الذي كان خط التماس بين الإصلاح من جهة والسلفيين والمؤتمريين من جهة أخرى لم يتلاش ،لكنه يتعزز بفعل تمويل مشيخات الخليج ،لهكذا صراعات ،وانقسامات .
الحسم المسلح لصراع مناطقي ومذهبي هو في جوهره هزيمة مجتمعية لتجمع الإصلاح في تعز ،وتأجيج للكراهية ضدهم ،وهي كراهية معززة بموقف سلبي من قوى اليسار والقوميين ضدههم ،مما يجعل من المشروع الأمريكي في تطييف المنطقة كبديل للدولة ،وتجريف أية إمكانية لاستعادة اللحمة بين اليمنيين تتحقق بوتيرة سريعة ،ومن هنا فإن تجمع الإصلاح أدرك ذلك أو لم يدرك يحفر قبره بيده ،حين يكون مجرد بيدق في مشروع تعزيز وإدارة هلال الأزمات ،وتوسيع دوائر الهيمنة الأمريكية في المنطقة .لتتفرغ الولايات المتحدة الأمريكية ووصيفها البريطاني ،وذراعها الصهيوني ،وأدواتها الخليجية في التمدد نحو السيطرة على ثروات آسيا الوسطى ،وخنق الصين وروسيا داخل سجنهم البري ،لولا أن بقاء إيران صامدة في منطقة الشرق الأوسط هو ما يفشل حتى الآن إمكانية توسع دوائر الهيمنة الأمريكية إلى آسيا الوسطى وشرقها .
ما يحدث في تعز هو تنظيف وتجريف لإمكانية بناء الدولة الوطنية الجامعة لليمنيين ، مع سيطرة أمريكية على الممرات المائية والجزر والموانيء والمدن الاستراتيجية ،ومن خلال اقتتال اليمنيين داخل أسوار المناطقية والمذهبية تطمئن أمريكا على آبار نفطها في الخليج حين تولي وجهها نحو قبلة آسيوية ترضاها …