عندما تحكم المجتمع العصبية فقط ..
يمني برس _ أقلام حرة
بقلم / رياض علي الكبسي
هل قُدِّر للمجتمع اليمني البسيط والساعي نحو المدنية والذي حاول تغيير شكل حياته البائسة بصورة سلمية، أن يغرق في هذه المستنقع من العنف الوحشي الذي لا يتوقف؟
هذا ما تريده للمجتمع القوى النافذة المالكة للأوطان والشعوب من أصحاب الأنظمة المشيخية والشمولية ، ولكن لا شيء مقدّراً أو محتوماً. فالشعب ضحية أفكاره وعقليته، ولا سبيل إلى الخروج من الغفلة إذا لم يغيّر طريقة تعامله مع الواقع .
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم . تجد الناس منقادين إلى حيث تنعدم المبادئ وإلى الرذيلة التي رسختها الأنظمة الفاسدة في نفوسهم فتجد أن المواطن لا يتكلم عن اللصوص وعن المسئول في الدولة وإنما يتكلم عن أسباب أخرى بأنها هي المسببة للفشل والانحطاط فتراه يتهم هذا الفريق أو ذلك ويبرئ هذا ويقيس بمقاييسه الملوثة التي رسخها في عقله الفاسدون والمتحزبون والمتمذهبون فتراه يقيس الواقع من زاوية واحدة فقط وهذا سبب رئيسي من أسباب التخلف.
فتراه دائما لا يشخص الموضوع تشخيصاً كاملا فعندما تكلمه أن من مهام رجال الدولة القبض على المجرمين والمخربين الذين يضربون أبراج الكهرباء، ويفجرون أنبوب النفط يقول لك أن المخربين هم بقايا النظام .
وعندما تقول له: يا أخي هؤلاء قبضوا عشرات ومئات الآلاف من الدولارات في كل مرة تتعرض فيها الأبراج للضرب والأنبوب للتفجير، وذلك مقابل مقاولاتهم في إصلاح الكهرباء وإصلاح الأنبوب ، يرد عليك بأنك تحسدهم على مناصبهم .
تقول له : يا أخي أنت لا تنتقد شخصاً لانتمائه كمواطن … أطلب من الدولة أداء مهامها ؟ لا تبرر لها العجز والفشل و لا ترجع الفشل لانتماءات المسئولين السياسية والطائفية والقبلية وغيرها …..
وتقول له في أي دولة في العالم تكون من مهام رجال الأمن فيها القبض على القتلة والإرهابيين وغيرهم من المجرمين والمخربين وقطاع الطرق، وتؤكد له فشلهم وتثبت له بأنهم لا يقومون سوى بالقبض على العمولات والرشوات.
عندما يكون الوعي والعلم منعدمان تجد المواطن لا يستطيع إطلاقاً توجيه اتهامه وردة فعله تجاه المسئول كمسئول في الدولة وإنما تجاه كل تيار وكل اتجاه معارض له وليس فيه ، غير ان ما يقال من البعض ذوي العقلية المتشنجة والاستفزازية الحاقدة والعدائية والطائفية والمتمذهبة والمتحزبة،
إنما يدلّ على هزيمة هؤلاء، وعلى جهلهم بالوطن والشعب، وهم بذلك ينسفون التعايش في المجتمع اليمني ويخدمون قوى التسلط والهيمنة والعمالة فبدلاً من القبول بالمجتمع كمجتمع، وسطي، مدني، تسامحي ، متآخي ، متعدد الطوائف والمذاهب و الأنماط السياسية، أو الثقافية ، وهي مزايا جعلت من اليمن مثالاً للحرية وللتعايش ،
فلن يعيش المواطن حياة هانئة وعصرية إلا عندما يحسن قراءة المجريات وتفكيك الأزمات ومحاربة الأخطاء ، عندها فقط سيعيش الشعب في ظل دولة ، وليست قبيلة أو طائفة أو مذهب . بقدر ما تعمل القوى الخارجية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية وأذنابها في المنطقة على النزاعات القبلية و العرقية والمناطقية والطائفية حين تستغل كل هذا من أجل تثبيت أركان الوصاية والاحتلال للبلد ،
فإننا اليوم نشهد نفس المحاولة من الداخل عبر القوى النافذة في السلطة وعلى رأسها هادي ، حيث يبدو واضحاً أن الرئيس يقوم بدور الابتزاز! كطريق لتثبيت أركان حكمه فتراه يغض الطرف عن الحروب العبثية التي تشتعل شمالاً أو جنوباً ،
لا يجب أن يكون كل إصلاحي مؤيد لوزراء حزبه الفاسدين وكذلك المؤتمر وبقية الأحزاب ، التعصب يحارب بعدم العصبية ، أن يغض الطرف أصحاب المبادئ في كل حزب ،هذا بحد ذاته تشجيع على العصبية والطائفية ، فلا يتم محاربة الطائفية إلا بدون الطائفية .
يشهد الواقع عند تبادل أطراف حديث ما أنه إذا كان هذا الشخص من حزب المؤتمر فرضاُ فعند إقناعه برأي ما لا بد أن تنتقد الإصلاح وأدائهم وأن تتعرض لهم بالتجريح والتشويه إن أمكن والعكس كذلك ،
هذا مؤشر خطير على انحطاط الثقافة و ترسيخ المفهوم السيئ للتبعية والانتماء ، ليس هناك أحزاب أو فئات من المجتمع معصومة من ارتكاب الأخطاء، ولكن هناك فرق بين أن يرتكب أفراد أو مجموعات جرائم، وبين أن تكون الجرائم بدعم وتحريض أو مباركة وحماية من قيادات المجموعة.
وهناك أيضاً فرق بين أن ترتكب الجرائم باسم الحزب قيادات دكتاتورية معزولة، وبين أن يحتضن ذلك الحزب أو الطائفة بكاملها المجرمين وتعتبرهم أبطالاً، لأنها هذه الحالة الأخيرة تلوث موقف المجموعة بكاملها. المطلوب من أجل حصار العصبية هو أن يتصدى الشرفاء والعقلاء في كل جهة لمن يستخدم دعوى الجاهلية المنتنة، والقبيلة العصبية والمذهبية التكفيرية ، وأن يدعم المواطن الرأي الصائب الناشئ من المعتدلين في كل مكونات المجتمع وطوائفه .