الحرب العدوانية الجديدة إلى أين؟
الحرب العدوانية الجديدة إلى أين؟
يمني برس:
إن العدو قد خسر الحرب الكلاسيكية باعترافه بخسارة عدوانه على اليمن في كافة الجبهات التقليدية؛ فهل هو مستعد للرحيل الآن وتحمل النتائج الأخلاقية والقانونية، والخروج بشكل متوازن مشرف من الحرب والعدوان وضمان مصالح وحقوق كل الأطراف؟ وإذا كان غير مستعد للرحيل، رغم ما حدث ورغم المفاوضات المنخرط فيها الآن تحت ضغوط المعارك والهزائم الميدانية، فما هي خياراته التكتيكية الاستراتيجية ورهاناته الحالية التي يستند إليها؟ وما هي مآلاتها ومصيرها؟
هل تنسحب الإمارات من الحرب في اليمن أم هي مجرد تكتيكات ومناورات تخدم الاستراتيجية العدوانية؟
الحقيقة أن الإمارات إلى الآن لم تنسحب من اليمن شماله وجنوبه، فإذا كانت قد تراجعت من الشمال الساحلي حول الحديدة فذلك نتيجة هزيمتها هناك واضطرارها للانسحاب المنكسر من ميدان المعركة.
الإمارات تتلاعب بالكلمات وتقول إنها انسحبت من اليمن، ولكن أي يمن انسحبت منه؟ إنه الساحل فقط، ومجبرة. وعادت بقواتها إلى الجنوب، فهي متواجدة بقواتها في عدن ولحج وحضرموت والمهرة وشبوة وتبلغ قواتها هناك عشرة آلاف مجند إماراتي و150 ألف مرتزق جنوبي، حسب تصريحات قيادتها وقيادة المرتزقة، وهي تحاول القول إنها انسحبت من شمال اليمن وتركزت في الجنوب المنفصل في نظرها.
نقل مركز الثقل في الحرب من الخارج إلى الداخل
نقل مركز الثقل من القوات الإماراتية مباشرة إلى الاعتماد على المرتزقة المحليين في حرب جديدة تنطلق من الجنوب نحو الشمال، معتمدين على قيادات أمثال بن بريك والزبيدي وجواس وهيثم قاسم وعبد الغني الصبيحي وشكري الصبيحي.
وستختفي من الواجهة أسماء قادتها المعروفين مثل «أبو أحمد» الإماراتي والطنيحي والبلوشي و»أبو الدثنة» البنجالي و»أبو طحنون» وشخبوط، وغيرهم من الأسماء الذين أداروا معاركها طوال فترة العدوان الماضية المشبعة بالهزائم والانكسارات، وسوف تنقل الأسلحة الثقيلة من الوحدات الإماراتية إلى مرتزقتها المحليين، مع الاحتفاظ بقيادتها العامة للحرب الجديدة على مليشياتها المحلية من المرتزقة الجنوبيين والعفاشيين، أما قواتها الإماراتية فسوف توزع على الوحدات المحلية للمرتزقة على صورة وحدات إسناد خاصة، كتائب وسرايا وفصائل وتشكيلات مخابرات واستطلاع وإدارة لوجستية، وستقوم بعمليات دمج استراتيجي للقوات الإماراتية ومرتزقتها المحليين في قوات مشتركة مندمجة.
تغيير شكل قيادة وإدارة الحرب العدوانية
إن الإمارات تنسحب من ميدان القتال والمعارك المباشرة إلى ميدان الحرب العدوانية غير المباشرة ضد اليمن بالتراجع عن واجهة القتال إلى مؤخراته، أي أنها تعيد تنظيم استراتيجيتها وخططها بما يتواءم وأهدفها الراهنة.
إن من يعتقد أن الإمارات تخرج من العدوان على اليمن يخطئ كثيرا في قراءة المشهد القائم والتطورات الجارية على الأرض ونتائجها وأهدافها ومساراتها الجديدة.
لماذا تفعل الإمارات ذلك؟ وهل هي وحدها؟
أولاً تفعل الإمارات ذلك ضمن تنسيق سعودي ـ أمريكي مشترك في استراتيجية واحدة، استراتيجية حربية عدوانية جديدة تقوم على الانتقال بالحرب من الحرب التقليدية القديمة الفاشلة إلى حرب جديدة رخيصة قليلة الأكلاف. ولتوضيح جوهر تلك الحرب الجديدة الرخيصة، هناك محاضرة استراتيجية هامة للجنرال الأمريكي في أكاديمية الحرب العليا الأمريكية في «تل أبيب» على نخبة من الجنرالات الأمريكيين و»الإسرائيليين» الكبار، تحدد بدقة النظرية الجديدة التي يتبناها العدوان في الظروف الجديدة.
نظرية واستراتيجية العدوان الجديدة
ـ ليس الهدف تحطيم المؤسسات العسكرية لأحدى الأمم، بل الانهاك والتدمير البطيء لدولة المستهدفة لكن بثبات واستمرارية لإرغام العدو على الخضوع لإرادتنا، وهذا يتم عبر زعزعة استقرار الدولة وسقوطها وتقسيمها إلى كانتونات متقاتلة هو الهدف الاستراتيجي للحرب الجديدة، وهذا العمل توكل مهمة تنفيذه للمرتزقة المحليين على الأرض لخلق الدولة الفاشلة. فبحسب الجنرال الأمريكي المذكور سابقاً سوف يستيقظ عدوك ميتا ذات عبر أساليب ووسائل التآكل البطيء والتدمير المتدرج للدولة ومقوماتها واقتتال فئاتها ومكوناتها، وتحويل الناس إلى قطعان هائمة وشل قدرة البلاد على تلبية الحاجات الأساسية والخدمات والضرورات، وفي هذا الواقع من الحرب سوف تشاهدون قتلى وأطفالاً موتى، فلا تنزعجوا وعلينا المضي مباشرة إلى الهدف، لا تتركوا المشاعر تحول دون تحقيق الهدف.
ـ استراتيجية الإنهاك: وتعني نقل الحرب من جبهة إلى أخرى واستنزاف كل قدرات الدولة المستهدفة على مراحل متباعدة وجعل الدولة المستهدفة تقاتل على جبهات متباعدة ومحاصرة بضباع (مرتزقة) محليين، والتخطيط لتسخين جبهة وتبريد أخرى واستمرار إدارة الأزمة وليس حلها.
ـ اعتماد الانهيار البطيء للدولة: لأن الانهيار السريع يبقي على العديد من مؤسسات الدولة، بينما الهدف هو السيطرة على الدولة والمجتمع وفق عملية طويلة وعبر استمرار الصراع بين فئات الدولة ومكوناتها وانقسامها وتجزئتها.
النتيجة: إن العدوان الأمريكي ـ السعودي ـ الإماراتي ـ البريطاني قد انتقل من استراتيجية الحرب الخارجية المباشرة القديمة التي فشلت في تحقيق أي من أهدافها إلى حرب إنهاك جديدة طويلة المدى تقوم على المرتزقة المحليين من الانفصاليين والإخوانيين والسلفيين الوهابيين، وغيرهم من المرتزقة من كل شكل ولون وجنس، وتجنيدهم وتسليحهم ودعمهم وتقديمهم للرأي العام الدولي والإقليمي بصورة محاربين من أجل الحرية والعدالة والمساواة وغيرها من القيم الليبرالية.
ينتقل العدو من حرب مباشرة خسرها إلى حرب غير مباشرة يؤمل كسبها، لأنها تحقق أهدافه كيفما كانت نتائجها
بين مكونات القوى اليمنية المحلية، فهو يسعى إلى الخروج التدريجي من الحرب المباشرة إلى حرب يعتمد فيها على أدواته ووكلائه المحليين الذين حولهم إلى جيوش وقوات حربية كبيرة العدد قادرة على القيام بدور القوات البرية على الأرض.
أهداف العدو الراهنة
تتمثل أهداف العدو الراهنة في فتنمة الحرب، وذلك عبر تحقيق الأهداف التالية:
1 ـ تحقيق تسوية ترسخ التقسيم والتجزئة، وتؤدي إلى توقف الهجمات اليمنية على العمق السعودي والإماراتي، وتبرد الحرب على جبهاتهما وتسمح لهما بالتراجع التكتيكي عن المشهد ومقدمته المباشرة، ونقل قيادة الصراع منهما إلى القيادات المحلية المرتزقة، وتسمى هذه المرحلة مرحلة فتنمة الحرب.
2 ـ السيطرة على منابع النفط والمواقع الاستراتيجية جنوبا وشرقا باسم دعم الانفصال وحق تقرير المصير للجنوبيين وتمويل حملات التصويت للانفصال ورفض الوحدة اليمنية وسلخ الجنوب وحضرموت والمهرة وسقطرى والمندب.
3 ـ شن حرب الاستنزاف والإنهاك والحصار من الجنوب ومن الشمال والشرق.
4 ـ تعتبر عملية تسليم السلطة الصورية في الجنوب واحدة من معالم الطريق المؤدية إلى الهدف العدواني الكبير، أي إقامة كانتونات محلية مهمتها الدفاع عن مصالح المحتل السعودي ـ الإماراتي، باعتبار أنه يمثل كيانا محليا إقليميا شطريا وقضية جنوبية عادلة.
5 ـ ترسيخ سيطرة المرتزقة على إقليم شرق مأرب الجوف (سبأ) وشمال صعدة وغرب حجة، وفي هذا المسعى تأتي عمليات نقل قوات ألوية الرئاسة العشرة الباقية في عدن الجنوب وتحويلها إلى التمركز على الحدود الشمالية للسعودية بعد تعرضها لانهيارات متوالية، وتعود قوات المرتزقة المحليين لتؤدي دورها المرسوم في استراتيجية العدوان على اليمن، حيث تؤدي دور المهاجم على الأرض في حال الهجوم ودور الدفاع عن الحدود السعودية في حال تراجع العدوان.
(تقرير – علي نعمان المقطري)