قصص حول المأساة تُنشر لأول مرة بلسان أهالي الحي.. عطان 5 أعوام بعد القنبلة
قصص حول المأساة تُنشر لأول مرة بلسان أهالي الحي.. عطان 5 أعوام بعد القنبلة
يمني برس:
كانت الساعة الـ10 و35 دقيقة من صباح الاثنين 20 أبريل 2015م، عندما هز العاصمة صنعاء انفجار ضخم وصل مداه إلى ضواحي صنعاء، وصاحبه تصاعد ألسنة نار كثيفة من جبل عطان، جنوب غرب العاصمة، يُقدر قطرها بنحو 500 متر، لتتشكل بعد ذلك سحابة سوداء تصاعدت على شكل شجرة بارتفاع كيلومتر نحو السماء، وتبع ذلك بلحظات إعصار شديد ضرب حي عطان والأحياء المجاورة له، فالأرض تشققت وانفطرت، والسماء أمطرت حجارة وشظايا، ليعتقد الأهالي أن الساعة اكتملت وبدأت عملية النفخ في الصُّور.
وخلّف الانفجار دماراً شاملاً لحي عطان والشوارع والأحياء المجاورة له، متسبباً بمقتل وإصابة نحو 450 مواطناً من مختلف الفئات العمرية، ليتضح بعد ذلك أن طائرات العدوان السعودي قصفت حافة جبل عطان بسلاح فتاك محرم دولياً.
صحيفة «لا» زارت حي عطان بعد 5 سنوات من وقوع الجريمة، لتشارك أبناء الحي وأبناء اليمن عامة، إحياء هذه الذكرى، بقصص تُنشر لأول مرة بلسان أهالي الحي، عن المأساة التي عاشوها لحظة القصف، إضافة إلى معلومات تفصيلية مزودة بالأرقام والبيانات عن الانفجار ونتائجه.
عصف مأكول
بخطوات بطيئة يتجول نبيل محمد حسين، من أهالي حي عطان، في ما تبقى من سطح منزله الذي دمرته صخرة كبيرة قذف بها الانفجار من حافة الجبل لتخترق المنزل المكون من دورين، وتحدث دماراً كبيراً فيه.
يقف الشاب نبيل على أطلال منزلهم متحدثاً لصحيفة «لا» بحسرة وألم كبيرين، قائلاً: كنا جالسين في أمان الله داخل بيتنا الثاني، وهذا البيت قمنا بتأجيره لآخرين، وفجأة اهتزت الدنيا مع دوي انفجار ضخم، ثم أظلمت السماء وأمطرت حجارة وشظايا، وتحول الشارع إلى ما يشبه العصف المأكول.
ويضيف نبيل: «سقط ضحايا كثيرون ودمرت منازل وامتلأ الشارع بالجرحى والقتلى من المدنيين، وهناك أشخاص دفنوا تحت الأنقاض ولم يتم معرفة ذلك إلا بعد مرور يومين من القصف».
زلزال
من جهته، يوضح محمد معصار- أحد الشخصيات الاجتماعية في حي عطان- أنه وقت حدوث الانفجار كان خارج المنزل، وشعر بالهزة الأرضية التي سببها القصف، معتقداً أن زلزالاً ضرب العاصمة صنعاء، ولم تمض سوى لحظات حتى بدأت عاصفة ترابية تضرب الحي وتقضي على كل شيء يعترض طريقها.
ويقول معصار: هرعت مع عدد من المواطنين لإسعاف الضحايا، وشاهدنا الأهوال والمآسي، رجال ونساء وأطفال، سقطوا هنا وهناك جراء تهدم أجزاء من المباني السكنية عليهم وفي الطرقات والمساكن، واستمررنا الساعات الطوال في البحث عن الضحايا ومحاولة إنقاذ من هم على قيد الحياة، فيما شكلنا فريقاً آخر لحماية المنازل من أعمال النهب والسلب التي قد تحدث أثناء انشغال الناس بالمأساة.
ويضيف أن الكثير من الأهالي اضطروا إلى إعادة بناء منازلهم التي دمرها العدوان بالغارة الجوية، بعد أن يئسوا من تقديم أي تعويضات أو دعم حتى يتمكنوا من إصلاح منازلهم المدمرة.
إفطار بالدم
وبخلاف الأهالي في المنازل الذين سقطوا ضحايا تهدم منازلهم فوق رؤوسهم بسبب الأحجار والشظايا التي خلفها الانفجار، هناك أيضا العاملون في المحال التجارية وغيرها، ومن هؤلاء الشاب إبراهيم محمد عقلان، عامل في ورشة لتصليح السيارات بالقرب من فج عطان، حيث أصيب لحظة الانفجار، ولازال يحمل المأساة إلى اليوم.
يقول إبراهيم: كنت عائداً من المطعم أحمل وجبة الفطور في يدي، حيث تعودنا أنا وزملائي الميكانيكيون تناول الفطور في الورشة، ثم حلقت طائرات العدوان وحدث الانفجار الضخم، وتطايرت الأحجار والشظايا في كل مكان، وكان من نصيبي شظية اخترقت ساقي اليمنى وشظايا أخرى تفرقت بين ساقي اليسرى وأجزاء من جسدي.
ويضيف: «بعد ذلك تم إسعافي إلى المستشفى، وقرر الأطباء قطع الساق اليمنى، وأجبرت على البقاء في المستشفى لمدة عام كامل، ثم تم إخراجي وتركيب ساق وقدم صناعية مقدمة من مركز الأطراف بصنعاء».
لم يحتمل إبراهيم البقاء في المنزل كشخص معاق، كما أن الحالة المادية لأسرته ليست جيدة، فاضطر إلى العودة لممارسة عمله في تصليح السيارات رغم الإعاقة التي سببها له طيران العدوان.
قصص متفرقة
الأطفال محمد وعلي وأحمد محمد العطاني، كانوا جوار منزلهم المكون من 3 طوابق، عندما تم قصف حافة جبل عطان، وسقطت صخرة كبيرة على المنزل، ما أدى إلى تدميره بالكامل وإصابة الأطفال الثلاثة بجروح مختلفة.
أما المواطن توفيق صالح الهمداني، فقد حدث الانفجار وهو نائم في منزله بحي عطان، ثم اخترقت شظية جدار المنزل لتصيبه في رأسه، وتوفي فوراً.
الطفل عبدالرزاق ناجي، (13 عاماً) كان في سطح منزلهم أثناء قصف جبل عطان، فأصيب بحالة ذعر وخوف ودفع به ضغط الانفجار إلى السقوط من سطح الدور الرابع للمنزل، ما أدى إلى وفاته، مضيفاً مأساة أخرى إلى أسرته، كون والده مصاباً بالجنون، ووالدته مصابة بمرض السرطان.
قرية حصن عطان
ولم تسلم قرية حصن عطان الأثرية من حقد طيران العدوان السعودي، حيث تعرضت القرية للدمار الكبير نتيجة الغارات المتكررة على جبل عطان، وأيضا جراء عصف حافة الجبل بفعل القنبلة الفراغية.
وتبعد القرية عن موقع القصف مسافة 300 متر ويعود تاريخ بنائها إلى نحو 500 عام، وفقاً لبعض الأهالي.
ويطلق عليها اسم الحصن لوقوعها في قمة جبل عطان المطل على العاصمة صنعاء، وهي محاطة بسور شيده الأجداد قبل نصف قرن من الزمن.
واضطر عدد من أهالي القرية إلى النزوح إلى مناطق متفرقة في صنعاء، بعد أن دُمرت منازلهم جراء الغارات المتكررة لطيران العدوان على القرية.
جريمة بحق الإنسانية
إلى ذلك، أكد تقرير صادر عن المركز القانوني للحقوق والتنمية، حول قنبلة عطان، أن السعودية وتحالفها استهدفوا أحياء سكنية ومنشآت مدنية، مما يشكل جرائم يعاقب عليها القانون الدولي والإنساني، وأن لجميع الضحايا والمتضررين الحق في مقاضاة السعودية وتحالفها، داعياً محكمة الجنايات الدولية إلى سرعة التحقيق في هذه الوقائع وإحالة مرتكبيها إلى القضاء ومعاقبتهم حتى لا تسهم في الإفلات من العقاب، مع حق الضحايا في اللجوء إلى القضاء الوطني.
وأشار التقرير إلى أن فريقه الميداني كان متواجداً صباح الـ20 من أبريل 2015م، في حي عطان، لرصد الانتهاكات وتوثيق الأضرار المادية وآثار القصف الذي استهدف الحي خلال الأيام الماضية، والتي كان من بينها استهداف حي عطان بسلاح قوي منتصف ليل الـ18 من أبريل 2015م، متسبباً بانتشار غاز كثيف في المنطقة بعد القصف، رائحته تشبه الكلور، ما أدى إلى إصابة بعض سكان الحي بحالات اختناق وصعوبة في التنفس، ونظراً لتواجد فريق المركز القانوني للحقوق والتنمية في المنطقة لحظة قصفها صباح الـ20 من أبريل 2015م، فقد تعرضت إحدى الراصدات لإصابة بليغة نتيجة لارتطام إحدى الأحجار المتطايرة من الانفجار بحوضها، فيما الآخرون من فريق الرصد أصيبوا برضوض وخدوش نتيجة ضغط وقوة الانفجار الذي دفعهم للخلف وتسبب بسقوطهم للأرض، ليفيقوا بعد هول الصدمة على مشهد مأساوي يصعب وصفه، أناس مصدومين من هول الانفجار منهم من يصرخ والبعض يهرب وآخرين يهرعون إلى مكان تواجد أطفالهم ونسائهم وأقربائهم.
وصف الانفجار ونوع السلاح المستخدم
وثق المركز أنه وعلى بُعد مسافات قد تصل إلى كيلو ونصف وحتى كيلومترين، تطايرت الصخور من الجبل بأحجام صغيرة وكبيرة نتيجة القوة الهائلة للانفجار، حيث يبدو أنه حدث ذوبان للجبل امتلأت به شوارع العاصمة في فج عطان بشكل أحجار صغيرة وتراب ناعم.
وبحسب خبراء مختصين أفادوا المركز بأن هذا الانهيار المتطاير للجبل بهذا الشكل وبُعد المسافات التي وصلت إليها أحجاره، وبما أن مقدار الصلابة لمعادن الجبل تقريبا ما بين 4 و6 وكثافته عالية تصل في المتوسط 2,4 كجم، إلا أن تفتت الجبل بهذا الشكل الهائل وتحوله إلى أحجار صغيرة، يؤكد معطى آخر علمياً يثبت أن السلاح المستخدم قد ولد طاقة حرارية هائلة تتجاوز درجة انصهار المعادن المكونة للجبل، قد تصل إلى أكثر من 4000 درجة مئوية.
انبعاثات مشعة
ووفقاً لتقرير صادر عن المركز الوطني لعلاج الأورام السرطانية الذي قام بالنزول الميداني بتاريخ 22/4/2015م، إلى مكان الانفجار، لمسح المنطقة بالأجهزة المخصصة لقياس الانبعاثات الإشعاعية، فقد خلص إلى التالي «تدرج زيادة القراءة لجهاز «survey meter» (الماسح الإشعاعي المكاني) كلما اتجهنا صوب مركز الانفجار، وذلك يشير إلى أن هناك نشاطاً إشعاعياً كبيراً نسبياً، وهذا يعطينا مؤشرات علمية أولية أن الانفجار انبعثت عنه أشعة».
وطبقاً للتقرير الصادر عن المركز القانوني للحقوق والتنمية، فقد استمع المركز إلى تصريحات عدد من الخبراء المحليين وإفادات أطباء وشهود عيان، واطلع على مقاطع الفيديو التي وثقت القصف لحظة الانفجار، بالإضافة إلى توثيقه اتساع رقعة الدمار الذي خلفه الانفجار لعدة كيلومترات، وسرعة ونوع الدمار وقوة الانفجار وقوة صوته وكميات الغازات المنبعثة عنه، وتزايد الأدلة عن وجود إشعاعات مسرطنة في بؤرة الانفجار والمناطق المحيطة به، كل ذلك يؤكد أن قصف الطيران السعودي لحي عطان بتاريخ 20/4/2015م، كان باستخدام سلاح فتاك محرم دولياً.
(عادل عبده بشـر- فاطمة أحمد مطهر / صحيفة لا)