هل تبعد المصالحة الخليجية قطر من محور الإخوان؟
هل تبعد المصالحة الخليجية قطر من محور الإخوان؟
يمني برس:
اليوم تظهر بوضوح آثار الوجود التركي في مساحة واسعة من المنافسات الجيوسياسية، من آسيا الوسطى إلى الخليج الفارسي ومن الشمال إلى القرن الأفريقي.
إن محاولة أردوغان لعب دور في هذا التنافس الجيوسياسي واسع النطاق مع مجموعة واسعة من المنافسين الإقليميين والدوليين، بالإضافة إلى تحقيق المصالح لتعزيز نفوذ تركيا، كانت دائمًا ذات مخاطر خاصة.
تتمثل إحدى نقاط الضعف الرئيسية لأردوغان وحزب العدالة والتنمية في التحديات الاقتصادية في الداخل، والتي استخدمها المنافسون الإقليميون والدوليون كأداة ضغط في شكل عقوبات لتعديل السياسة الخارجية لأنقرة، وفي بعض الحالات أجبرت أردوغان على القيام بتقلبات مفاجئة.
منذ سنوات وتركيا تواجه أزمات اقتصادية، ويعتقد الخبراء أن استمرارها سيسوق تركيا إلی هاوية اقتصادية.
وفي هذا الصدد، استعرض “إبراهيم قهوتشي” الخبير الاقتصادي وكاتب العمود في صحيفة “قرار” التركية في مقال له في 10 سبتمبر بعنوان “السقوط الكبير” الوضع الاقتصادي لتركيا، وقال: “تعيش تركيا أزمةً اقتصاديةً منذ عام 2015، وقد خلقت هذه الأزمة متاهات كبرى في 2018. والآن بدأ منعطف جديد للأزمة الاقتصادية”.
وبحسب الخبير الاقتصادي، بلغ دين الحكومة للقطاع العام 817.3 مليار ليرة في يوليو 2018، لكن في غضون ثلاث سنوات أي في يوليو 2020، ارتفع إلى تريليون و720.9 مليار ليرة.
من جهة أخرى، في تقرير صدر الشهر الماضي عن الوضع الاقتصادي في تركيا، ذکرت وكالة “بلومبرج” الأمريكية أن الليرة فقدت 7.5 بالمئة من قيمتها مقابل الدولار في أكتوبر، وهو أكبر انخفاض شهري لليرة منذ أزمة العملة 2018. وکانت الليرة قد تراجعت 30 بالمئة منذ بداية العام، وهو أسوأ أداء لها بعد العملة البرازيلية.
وفي هذه الظروف، بالإضافة إلى إجراء إصلاحات اقتصادية وتغيير السياسات النقدية والمالية، يراهن أردوغان علی دعم الدوحة الاقتصادي وتنمية العلاقات معها بشکل خاص.
مساعدات قطر الطارئة للاقتصاد التركي
قطر، التي كانت دائمًا حليفًا موثوقًا لأردوغان في الأزمات الاقتصادية، لم تتجاهل مساندة حليفها الاستراتيجي في ظروف المنطقة الحالية، وهرعت لمساعدة أنقرة. حيث قام أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني بزيارة مهمة لأنقرة في الأسبوع الأول من شهر ديسمبر الماضي، وقَّع خلالها البلدان 10 اتفاقيات استراتيجية.
وكان من أهم الاتفاقيات شراء الحكومة القطرية 10٪ من بورصة اسطنبول للأوراق المالية، بهدف دعم الاقتصاد التركي وتقوية “الليرة”، حتی أن بعض الاقتصاديين وصفوه بأنه هبّة هذا البلد العربي الصغير والثري لإنقاذ الليرة.
کما أن قطر تقدمت لمساعدة القطاع الخاص التركي أيضاً، معلنةً أنها تشتري 48٪ من أسهم “مول استينيا بارك”، وهو مركز تسوق قيمته مليون دولار كان يعاني من أزمة خلال الأشهر القليلة الماضية مع انخفاض قيمة الليرة، لکي يتمكن هذا المركز التركي الكبير والخاص للتسوق من استئناف عمله.
ومن القضايا المهمة الأخرى المتفق عليها في هذه الاتفاقيات، کانت إدارة قطر للموانئ التركية. حيث تم نقل الأسهم في ميناء أنطاليا وهي من الموانئ الدولية التركية الرئيسية إلى مشغل ميناء Terminals WLL القطرية.
خلال السنوات الخمس الماضية التي تعرضت فيها قطر للحصار السياسي والاقتصادي من قبل السعودية، تم عقد 18 اجتماعاً بين قادة قطر وتركيا، وهذا الحجم من الاجتماعات يشير إلى عمق العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين.
وبينما بلغت قيمة الاستثمارات القطرية في تركيا 22 مليار دولار، تضاعفت صادرات تركيا إلى قطر سنوياً منذ عام 2017، مما يشير إلى وجود اقتصادي تركي قوي في قطر. وبحسب وزارة الخارجية التركية، فقد بلغت صادرات تركيا إلى قطر في عام 2017 إلى 649 مليون دولار، ثم ارتفعت في عام 2020 إلى 1.6 مليار دولار.
لا شك أن تركيا لن تكون قادرةً على تجاوز موجات التحديات الاقتصادية التي تواجهها من خلال الاستثمار القطري فحسب، ولكن يمكن لمسؤولي أنقرة أن يأملوا في أن يؤدي وجود قطر واستثماراتها، إلى تقليل التحديات الاقتصادية بشكل كبير، لتقليل الضغط على سكان تركيا البالغ عددهم 82 مليون نسمة، بسبب الألم الناجم عن الإغلاق وركود المشاريع التنموية.
أزمة الخليج الفارسي وآفاق العلاقات التركية القطرية
بينما كان يُنظر في السنوات الأخيرة إلى أن التطور الشامل للعلاقات بين تركيا وقطر تابع للتطورات في الخليج الفارسي دائمًا، ولا سيما في الفترة التي أعقبت حظر الدوحة من قبل الدول الأربع وهي السعودية والإمارات والبحرين ومصر منذ يونيو 2017، كان السؤال المطروح دائمًا هو هل أن تذليل هذا الخلاف وحل أزمة دول مجلس التعاون، سيؤدي إلى إبطاء الاتجاه الصاعد في التعاون بين الدوحة وأنقرة؟ خاصةً وأن الأسبوع الماضي شهد تأکيد السعودية وقطر علی التکنهات بنهاية وشيكة للأزمة، عقب زيارة ممثلي البيت الأبيض إلى المنطقة.
وعلى الرغم من وجود العديد من الأسئلة التي لم تتم الإجابة عليها حول المصالحة بين قطر والدول المحاصِرة، ولکن يمكن التقدير بأن المصالحة الأخيرة لن يكون لها تأثير يُذكر على العلاقات التركية القطرية.
عقب الاجتماع بين أردوغان والشيخ تميم، أصدر مجلس الشورى القطري رسالةً مهمةً مفادها أن “تركيا وقطر جددتا التزامهما بتعزيز العلاقات الأخوية القوية والشراكة الاستراتيجية في مختلف المجالات”.
فمن ناحية، يعود نجاح جهود الوساطة، بدلًا من حل الخلافات داخل مجلس التعاون، إلى الضغوط الخارجية على الحكومة السعودية من قبل إدارة ترامب، لتسريع تطبيع العلاقات العربية الإسرائيلية، وإكمال سلسلة الضغوط الاقتصادية على إيران، وکذلك بسبب قلق محمد بن سلمان من السياسات المحتملة لإدارة بايدن.
ويمكن ملاحظة هذه الحقيقة في موقف الإمارات، التي لا تخشى ضغوط واشنطن، حيث لم تبدِ رغبةً كبيرةً في إعلان تسوية الخلافات مع قطر. وهذا يعني أن اللغز الأمني في الخليج الفارسي سيستمر مع الإعلان عن إنهاء محتمل للحصار.
إن الدول التي تحاصر قطر لا تزال تبقي الإخوان المسلمين على قائمة الجماعات الإرهابية، وتعتبر المواجهة مع محور الإخوان في المنطقة هدفًا استراتيجيًا. وهو الموضوع الذي يشجع قطر على الحفاظ على العلاقات مع أنقرة.
ومن ناحية أخرى، إن غلبة قطر على المخاطر السياسية والأمنية والاقتصادية للعقوبات على مدى السنوات الثلاث الماضية، أدت إلى زيادة قدرة الدوحة على تغيير ميزان القوى في مجلس التعاون، فضلاً عن زيادة الاستقلال في السياسة الخارجية. ولذلك، سيكون الحفاظ على العلاقات مع تركيا وتعزيزها على أجندة السياسة الخارجية للشيخ تميم بالتأكيد.
(الوقت)