سيناريوهات ثلاثة أمام الرياض: ما بعد مأرب شرق اليمن.. السعودية خارج المعادلة العسكرية ومواجهات أو مفاوضات بين صنعاء وأبوظبي لمنع إنفصال الجنوب
سيناريوهات ثلاثة أمام الرياض: ما بعد مأرب شرق اليمن.. السعودية خارج المعادلة العسكرية ومواجهات أو مفاوضات بين صنعاء وأبوظبي لمنع إنفصال الجنوب
يمني برس:
في الصراعات السعودية يحضر “التكتيك” وتغيب “الاستراتيجية” سيشكل مأزقها العسكري والسياسي في اليمن موضع دراسة نقدية ، وربما بدأ ذلك بإدراج مصطلح الفشل مع مصطلح التحالف العسكري الذي تقوده بدعم من الولايات المتحدة الأمريكية وبعض الدول الأوروبية في كبريات الصحف في العالم ولدى أبرز الكتاب والمحللين العسكريين والسياسيين ، نضع هذا جانبا للتاريخ المستقبلي، ونبحث الآن في مارب اليمنية، آخر محطات التواجد السعودي شمال وشمال شرق اليمن.
مسافة أسابيع سيحصل في هذه المنطقة التحول الأكبر في الحرب العدوانية التي تجري منذ مارس 2015 فالزحف العسكري للجيش الذي تقوده صنعاء يحيط المدينة من كل جهاتها بعد أن استعاد كل المعسكرات والجغرافيا الحامية واستمال بعض القبائل، ويجري ترتيب استعادة المجمع الحكومي وإخلاء المدينة من الوجود العسكري للسعودية وأدواتها المحلية وأبرزهم ( حزب الاصلاح) أو (اخوان اليمن) عندما يحصل هذا سيعني ذلك أنه تم إخراج السعودية من المعادلة العسكرية والسياسية بشكل شبه نهائي وتتحول الأنظار إلى المدينة التالية .. كل التالي سيكون على حساب الإمارات.
بالنسبة للعاصمة صنعاء الهدف القادم سيكون استعادة المحافظات الجنوبية ، الحفاظ على الوحدة، وبالتالي الطرف المسيطر هم “حلفاء” الإمارات، الانتقالي الجنوبي ، يسيطرون حاليا على الجزء الأكبر من محافظة الضالع ولحج وعدن وأبين وجزيرة سقطرى وجزء من شبوة ولديهم انصار وتواجد لابأس به في حضرموت والمهرة، هذه المحافظات كانت تشكل الشطر الجنوبي من اليمن ، يريدون الآن الانفصال والعودة إلى ما قبل الوحدة 1990.
هناك تعثر كبير في تحقيق ذلك يتعلق بالانقسامات والنزاعات الحاصلة حول الطرف الذي يمثل ” الجنوب ” بالاضافة إلى القوانين الأممية التي تؤكد مرارا على الحفاظ على اليمن موحدا .
الأهم من كل ذلك قدرة صنعاء العسكرية وتمسكها باستمرار الوحدة ولديها الكثير من الحلفاء والشخصيات البارزة التي تمثل هذه المحافظات من بينهم رئيس حكومة الإنقاذ الوطني في العاصمة صنعاء الدكتور عبد العزيز بن حبتور وعدد من الوزراء والمسؤولين البارزين في الدولة ، وحلفاء آخرون خارج هذا المربع ، علاوة على تمثيل كبير في المجلس السياسي الأعلى الحاكم .
نعود إلى المعادلات العسكرية والسياسية التي تتشكل لما بعد استعادة العاصمة صنعاء لمارب شرق البلاد ، وبالتالي استعادة كل الشمال ، والبدء بنقل المعارك إلى الجانب الآخر .
هناك ثلاثة سيناريوهات متوقعة:
ـ الأول – أن تحرك السعودية المفاوضات المجمدة منذ 2018 ومن المتوقع ان تلقى تجاوبا من الرئيس الامريكي جوزيف بايدن الذي يبدي رغبة في “إنهاء الحرب ووقف المساعدات التي تقدم للسعودية منذ بداية العدوان على اليمن، سيلقى هذا التحريك أيضا دعما من الاوروبيين.
اذا اختارت الرياض هذا الطريق سيكون عليها أن ترضخ لإسقاط القرار الدولي 2216 من ملفات التفاوضات بعد أن كانت متمسكة به في كل الجولات السابقة منذ نهاية 2015 والاتفاق على مرحلة انتقالية بشروط صنعاء ، ومن غير المستبعد أن يتم إخراج حزب الاصلاح كليا من المشهد باعتباره طرف خاسر والرياض نفسها وضعته ضمن قائمة ” الإرهاب “وهي أيضا تحمله مسؤولية الإخفاق العسكري كجزء من الاختباء من الفشل ، والتعويض عنه بدعم تيار عبد ربه منصور هادي مع بعض الأحزاب الحليفة له مثل الاشتراكي والناصري وحزب الرشاد السلفي.
هذا السيناريو فيه الكثير من التعقيدات داخل المكونات التابعة للسعودية، فوق التعقيدات المتوقعة والتي ستنتج حول شكل الحل السياسي وخاصة الشق العسكري والأمني منه وأي مفاوضات مستقبلية ستكون بشروط المنتصر ، ولكن كيف ستكون شروط صنعاء في هذه الحالة؟
سنترك ذلك في حال وجدنا أن السيناريو يتشكل.
ـ الثاني – أن تسارع الرياض وأبوظبي في إيجاد تسوية في المحافظات الجنوبية بناء على اتفاق الرياض في( 5 نوفمبر 2019 ) وتصعد عسكريا باتجاه الساحل الغربي لمحاولة الوصول إلى محافظة الحديدة الساحلية غرب اليمن ( يخضع هذا المحور لاتفاق وقف اطلاق النار بناء على وثيقة السويد 2018 ) ومحاولة العودة إلى أجواء الحرب الضاغطة .
هذا الخيار سيصطدم بدعوات المجتمع الدولي للتهدئة بسبب الاوضاع الانسانية ، خاصة أن الجانب الانساني كان له دور في الدفع لوقف القتال في هذه المناطق ، علاوة أن الوضع الاقليمي والدولي لا يخدم هذا الاتجاه حاليا ومستقبلا .
ومن ناحية أخرى أن الهجوم العسكري وإعادة المواجهات إلى الساحل الغربي قد يتسبب في ضربة عسكرية اخرى للتحالف اذا خسر هنا أيضا ، يضاف إلى ذلك أنه سيدفع صنعاء لتعزيز الاستهداف الصاروخي المكثف والطائرات المسيرة على الداخل السعودي وربما أيضا الإماراتي.
ـ الثالث – أن تعيد السعودية فتح غرفة التفاوضات “السرية” في مسقط، مع الوفد الوطني المفاوض لإيجاد تسوية لمنع استهدافها ووقف المواجهات على الحدود اليمنية السعودية ، مقابل وقف الغارات والعمليات العسكرية.
يجب التذكير بأن الغارات التي يقوم بها التحالف وخاصة اذا خسر مارب وهذا مسألة وقت ، لم تعد تعطي أي مفعول عسكري ولا سياسي، وكانت الرياض قد وافقت فعليا ان توقف الغارات والعمليات العسكرية ولكنها كانت متمسكة بالابقاء على الحصار وهذا مرفوض صنعانيا ، ففريق المفاوضات اليمنية ولدي معلومات مؤكدة بذلك رفض هذا الطرح السعودي جملة وتفصيلا العام الماضي 2019 ووضع أمام السعودية والأمم المتحدة الرؤية الوطنية الشاملة (تتعلق بالحل السياسي الشامل).
ومن يتابع ردود السيد محمد علي الحوثي عضو المجلس السياسي الأعلى ومن بينها رده على تسريبات تبنتها وكالة رويترز الشهر الماضي بشأن “توجه سعودي لوقف إطلاق النار مقابل مناطق آمنة في الحدود اليمنية السعودية” سيجد ذلك بشكل واضح ومتكرر.
هذه الخيارات الثلاث هي طرق إجبارية بالنسبة للسعودية، في حين أن صنعاء لديها طريق آخر هو الضغط العسكري باتجاه استعادة المحافظات الجنوبية اليمنية، وبالتالي المواجهة أو الحوار مع الامارات، ومن هنا فإن المعادلة العسكرية في هذه الحالة ستؤكد على إخراج السعودية كليا من المعادلات العسكرية والسياسية، ونقل المعركة إلى مستوى جديد يتعلق بالوحدة اليمنية ومنع الانفصال والضغط العسكري على الإمارات لوقف دعم الانفصاليين ومشروع تقسيم اليمن.
ستأخذ المواجهات بعدا وطنيا جديدا لصالح صنعاء يتعلق بالجغرافيا ومصير الدولة اليمنية الواحدة من صعدة إلى المهرة.
على هامش هذا التحليل، تجدر الاشارة إلى تسريبات لا املك القدرة على تأكيدها أو نفيها ولكنها تحمل جانيا كبيرا من الموضوعية، تقول هذه التسريبات وأقتبس (أن مباحثات سِرية تجري بين عدد من القوى الإقليمية والدولية، بهدف إنشاء منطقة خاضعة لإدارة مُستقلة خارج نطاق السيطرة اليمنية على مشارف مضيق باب المندب وأن هذه المباحثات غير المُعلنة جرى حصرها بين مُمثِّلين لكلٍّ من السعودية والإمارات ومصر والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وروسيا، وتهدف إلى إيجاد منطقة بالقرب من مضيق باب المندب تخضع لإشراف دولي مشترك ومباشر يشترط السماح بتواجد عسكري ونفوذ مستقل في المنطقة، دون أي قيود من قبل السلطات اليمنية.
وأشارت المصادر إلى توافق رؤى تلك الدول في اختيار مدينة المخا، إضافة إلى ضمِّ الشريط الساحلي الممتد إلى مديرية رأس العارة وأجزاء أخرى من الساحل الغربي اليمني، واعتبارها -جُملةً- منطقة خاضعة لنفوذ دولي مستقل).
ما ورد بين القوسين يعزز إدراك القوى الدولية بإن فشل السعودية والامارات في السيطرة على اليمن وإعادة عبد ربه منصور هادي إلى صنعاء مسّلمة لا جدل عليها، وأن ما يهم القوى الدولية الآن هو وضع يدها على باب المندب وانتظار الطرف اليمني الذي سيخرج منتصرا في جغرافية خارج هذا المضيق.
طالب الحسني – إعلامي يمني