ما هي طبيعة وأهداف تهديدات “أنصار الله” للكيان الصهيوني؟
ما هي طبيعة وأهداف تهديدات “أنصار الله” للكيان الصهيوني؟
يمني برس:
أعلنت حركة أنصار الله اليمنية أنها مستعدة للإفراج عن طيارين سعوديين اسيرين مقابل إطلاق سراح فلسطينيين من حركة حماس محتجزين لدى السعودية. فمن الجوانب المهمة في هذا الموضوع هي المواجهة الواضحة التي تأخذها صنعاء بالحسبان لمصالح الكيان الصهيوني في شبه الجزيرة وإعلان التضامن مع المقاومة الفلسطينية.
فمنذ بداية العدوان العسكري السعودي على اليمن في اطار تحالف ما تسمى عاصفة الحزم في أبريل 2015 ثم استمراره تحت اسم عملية اعادة الأمل منذ 21 ابريل حتى الان، والذي يمضي عليه أكثر من 5 سنوات ، كان الحديث عن دور الكيان الصهيوني ووجوده يدور دائما في مجريات هذه الحرب.
وأصبحت هذه القضية أكثر وضوحاً مع مرور الوقت، بحيث أنه في آب 2019 ، أكد وزير الخارجية الإسرائيلي آنذاك غيتس، خلال اجتماع لجنة الشؤون الخارجية والأمن في الكنيست ، التزام تل أبيب بمنع تعزيز نفوذ إيران في المنطقة، مشيرا إلى تدخل إسرائيل في قضية اليمن.
وفي ذلك الوقت (9 آب 2019) تحدثت وسائل إعلام يمنية عن دور الكيان الصهيوني في اغتيال إبراهيم بدر الدين الحوثي شقيق زعيم حركة أنصار الله عبد الملك الحوثي. وبعد ذلك، حذر عبد الملك الحوثي في 8 نوفمبر من أي عمل للكيان الصهيوني ضد الشعب اليمني، وهدد إسرائيل بتنفيذ هجمات شديدة.
و وصلت هذه المواجهة الآن إلى مرحلة تفيد فيها حركة أنصار الله برصد أنشطة للكيان الصهيوني في تطورات الحرب اليمنية. وفي هذا الصدد، قال وزير الدفاع في حكومة الإنقاذ الوطني “محمد ناصر العاطفي” لوسائل الإعلام يوم أمس (5 يناير): “هناك جنود وضباط للكيان الصهيوني يعملون في مراكز قيادة وسيطرة وشبكات تنصت وتجسس، في كثير من المناطق والمواقع اليمنية المحتلة”.
والأسبوع الماضي، بعد أن أعلنت صحيفة “هآرتس” الصهيونية عن نية الإمارات والكيان الصهيوني إقامة قاعدة عسكرية مشتركة في جزيرة سقطرى ، هددت وزارة الخارجية اليمنية تل أبيب وقالت: “في حال إقدام الكيان الصهيوني على أي تحرك أو عمل متهور يمس اليمن فإن أي مصالح لإسرائيل أو شركائها في البحر الأحمر ستكون هدفا مشروعا، في إطار حق الرد الذي كفلته كافة المواثيق والاتفاقيات الدولية”.
أبعاد تهديد أنصار الله للكيان الصهيوني
جعل الصهاينة التطورات في اليمن إحدى أهم الأولويات في استراتيجيات سياستهم الخارجية دائماً نظراً إلى العزلة الجيوسياسية التاريخية في المنطقة وما يترتب على ذلك من اعتماد اقتصادي حيوي على الوصول إلى المياه الحرة عبر البحر الأحمر ومضيق باب المندب الاستراتيجي. إن النزعة التوسعية لهذا الكيان للتواجد والسيطرة العسكرية على مضيق باب المندب الاستراتيجي بين اليمن وجيبوتي في القرن الإفريقي الذي يعتبر بوابة الدخول الى المحيط الهندي، حولت هذا الكيان إلى أحد مديري المشهد الرئيسيين في قمع الحركة الثورية اليمنية في النظام السابق. ثم العدوان العسكري على هذا البلد وكذلك مخطط تقسيم هذا البلد.
لذلك، إن جذور عداء أنصار الله مع الكيان الصهيوني ليس مجرد قضية أيديولوجية تتعلق بالتطورات في العالم الإسلامي والقضية الفلسطينية، بل دفاعا عن المصالح الوطنية اليمنية أيضاً، ما أدى إلى تلاحم أكبر من قبل أنصار الله مع باقي فصائل المقاومة في فلسطين ولبنان.
ووفقا لتقرير نشره الباحث الصهيوني شاؤول شي مدير الأبحاث في معهد السياسات والاستراتيجيات ، في آذار 2020 ، يعود التعاون العسكري بين حزب الله اللبناني وأنصار الله إلى عام 2009 أثناء حرب صعدة السادسة. ومع ذلك، تعززت العلاقات بين الجانبين منذ سيطرة أنصار الله على صنعاء في سبتمبر 2014.
تتيح العلاقات الوثيقة بين أنصار الله والمقاومة في فلسطين ولبنان للطرفين الاستفادة من الخبرة العملياتية للطرف الآخر. وعليه ، فإن تهديدات أنصار الله لتل أبيب ، والتي تهدف إلى الضغط على أمريكا والكيان الصهيوني لكونهما الفاعلين الرئيسيين وراء الحرب اليمنية لإجبار السعودية على وقف الحرب والحصار ، ليست مجرد شعارات وخطابات ، بل في الواقع وضعت الصهاينة امام مواجهة وتحد أيضاً.
ونجحت حركة أنصار الإسلام خلال الحرب التي استمرت خمس سنوات، في مهاجمة السفن السعودية والإماراتية باستخدام صواريخ ساحلية ، فضلاً عن إصابة السفن الأمريكية. بطبيعة الحال، إن أحد أبعاد التهديد للكيان الصهيوني هو استهداف سفنه في المياه القريبة من اليمن في باب المندب.
كما يستخدم اليمنيون أنواعا مختلفة من القذائف الصاروخية والصواريخ الباليستية وحتى صواريخ كروز لاستهداف أهداف التحالف في اليمن وفي عمق السعودية ، وحتى أهداف في الإمارات العربية المتحدة بشكل كبير. وفي هذا الصدد، إن مشهد الحرب اليمنية يوفر الفرصة لحزب الله لاكتساب الخبرة في إطلاق الصواريخ الباليستية بعيدة المدى (مدى أكثر من 1000 كم) وكذلك صواريخ كروز، رغم توافر الخبرة الكبيرة لدى حزب الله في إطلاق الصواريخ.
ومن ناحية أخرى، بينما تعد الطائرات المسيرة مكونا مهما لمفهوم الحرب غير المتكافئة في العصر الحالي ، يستخدم أنصار الله طائرات مسيرة تحمل متفجرات لمهاجمة سفن التحالف السعودية الحربية والموانئ والمنشآت النفطية قبالة سواحل السعودية ، وهذا يعتبر تكتيكاً مبتكراً يمكن لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية أن تتعلمه وتنفذه في المواجهة المستقبلية مع إسرائيل.
ويعد استخدام الألغام البحرية من أكثر أساليب أنصار الله استخداما لضرب مصالح المعتدين، كما لم تتمكن التكنولوجيا الغربية الحديثة المتاحة للسعوديين والإماراتيين من فعل أي شيء حيال ذلك. ويتمتع أنصار الله أيضا بخبرة واسعة خلال الحرب ضد السعودية في التعامل مع أنظمة الدفاع الصاروخي باتريوت وإلحاق الهزيمة بها، بينما لا يمتلك حزب الله خبرة مماثلة واسعة في التعامل مع نظام الدفاع الصاروخي الإسرائيلي ، وفي هذا الصدد، يبدو أن حزب الله وفصائل المقاومة الفلسطينية أمامهم فرصة الاستفادة من تجارب اليمنيين.
وتحارب حركة أنصار الإسلام في ميدان يتمتع فيه التحالف السعودي بتفوق جوي مطلق، في وضع يشبه وضع حزب الله وحماس في ميدان المواجهة مع الصهاينة. في حين نجحت حركة أنصار الله خلال الحرب اليمنية في تحويل صواريخ جو – جو سوفيتية الصنع، والتي كانت تستخدم في الأصل من قبل مقاتلات ميغ 29 التابعة للقوات الجوية اليمنية، إلى صواريخ أرض جو محمولة على شاحنات خفيفة، وإسقاط عدد من مقاتلات التحالف، بما في ذلك طائرات إف -15 وطائرات هليكوبتر أباتشي التابعة للتحالف ، وكذلك عدد من الطائرات الغربية المسيرة المتطورة التي تمتلكها السعودية.
لذلك، وبناء على ما ذكر، يمكن فهم أن تهديدات أنصار الله للكيان الصهيوني هي محاولة لتجفيف جذور العدوان العسكري على اليمن ومؤامرات الصهاينة وراء الكواليس لمستقبل هذا البلد من خلال وجوده في المناطق الجنوبية.
(الوقت)