المنبر الاعلامي الحر

مأرب .. من قاعدة هجوم إلى مركز دفاع عن مشروع أمريكي يتداعى

مأرب .. من قاعدة هجوم إلى مركز دفاع عن مشروع أمريكي يتداعى

يمني برس:

 

علــــى الولايات المتحدة أن تستعد لمرحلة ما بعد استعادة “صنعاء” لمأرب، فلن يتغير شيء في الموقف الإيراني لناحية الاتفاق النووي، وستظل الشروط كما هي، قبل مأرب وبعدها، ولكن ما سيتغيّر هو حالة أدواتها العدوانية على اليمن، حيث ستصبح ما تسمى “الشرعية” عالة كليا على الخزينة السعودية ـ الإماراتية، وستتآكل مقومات شرعيتها المتهالكة أصلاً، وسيصبح من المتعذر على واشنطن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

 

لم تتغير استراتيجية العدوان في اليمن منذ انطلاقه قبل ست سنوات، وهذا لسببٍ بسيط وواضح، وهو أنها غير موجودة أصلاً، فالسعودية في المعادلة اليمنية إحدى الأدوات الأمريكية، وليست طرفاً أصيلاً، هي فقط وكيل شبه حصري عن بعض “حكومة هادي”.

 

أمّا الاستراتيجية الأمريكية فهي تنحصر في إعادة تدوير الفشل، من خلال محاولات إعادة بث الروح في جثة السلوك “الأوبامي”، حيث شنّ الحروب من خلف الستار دون التورط المباشر، لتبدو كطرفٍ صالحٍ ليكون وسيطاً، بما يضمن لها تحقيق مصالحها مع جميع الأطراف وعلى كل الصُّعد، وكذلك لتكون جلاداً في حال فشل أدواتها، ليتحملوا كامل المسؤولية عن تبعات الفشل، وهذه قاعدة أمريكية، حيث الغنائم لها، ولأدواتها المغارم.

 

واليوم في اليمن هناك إصرار سعودي على عزف سيمفونية وحيدة، وهي أنّ “أنصار الله” فهموا الرسالة الأمريكية خطأً، حيث إنّهم اعتبروها ضوءاً أخضر للتصعيد، مع زعم أنّه “تصعيد إيراني” مفتعل للضغط في ملفها النووي، وهذا ما يتم تكراره إعلامياً ورسمياً سعودياً وعبر ما يسمى “الشرعية”.

 

وهذه السيمفونية نشازٌ بحت، وكأنّ “حكومة صنعاء” هي من تشن العدوان على بني سعود نيابة عن أمريكا وليس العكس، فيما المفترض أن تفهم السعودية الرسالة، فهي الأداة المستخدمة أمريكياً، ورسالة رفع “أنصار الله” من قوائم الإرهاب الأمريكية -وإن وضعتها واشنطن في الإطار الإنساني- فإنها تأتي في إطار ما تسميها الولايات المتحدة الأمريكية سياسة حسن النوايا تجاه طهران، حيث هناك تعنت أمريكي لحشر ما تسميه “النفوذ الإيراني” ضمن شروط العودة للاتفاق النووي، فهناك قناعة أمريكية راسخة بعد خبرةٍ طويلة في المفاوض الإيراني، أنّ اتفاق (5+1) عام 2015 هو أفضل وآخر ما يمكن التوصل إليه مع طهران، وعليه يُعتبر الملف النووي باتفاقه هو نهاية المطاف بالنسبة لطهران على مستوى تقديم التنازلات. لذلك تعتبر الولايات المتحدة الأمريكية أنّ حشر ملفات إقليمية ساخنة في عملية التفاوض النووي سبيل لتحقيق مكتسبات على هامش العودة للاتفاق النووي، وهذا ما يفسر الإصرار على الزّج باسم طهران في كل شاردةٍ وواردة في الملف اليمني وكل ملفات المنطقة، وهذا ما يسمى “إعادة تدوير الفشل”.

 

ويتم اتخاذ معركة مأرب باعتبارها نموذجاً على التصعيد، مع أنّ مأرب هي الجبهة الأسخن منذ بدء العدوان على اليمن، حيث شكّلت مخزوناً للسلاح والمرتزقة، وانطلاقاً للعمليات ومحاولات اختراق خطوط الدفاع عن العاصمة صنعاء، كما أنّها المخزون النفطي الذي يوفر الأموال اللازمة لاستمرار العدوان براً وبحراً وجواً؛ ولكن ما حدث هو تغيير في قواعد اللعبة، حيث تبدّل موقع مأرب من كونها منطلقاً للهجوم، وأصبحت مركزاً للدفاع، وهو دفاعٌ ليس عن مجرد محافظة، بل هو دفاعٌ عن مشروعٍ أمريكي يتداعى.

 

استعادة “حكومة صنعاء” لمحافظة مأرب سيكون بمثابة استعادة دمشق لحلب، حيث انهيار المشروع بمخططاته الأصلية والاحتياطية، فتم اللجوء لمحاولات الضغط بوسائـل أخـــرى، لتقليــل حجم الخسـائر الأمريكيــة و”الإسرائيلية” والتركية، لذلك فإنّ تحوّل مأرب من قاعدة هجوم إلى مركز دفاع، بكل تداعيات هذا التحوّل، هو ما جعل صراخ الأطراف المعتدية يعلو، وهو صراخٌ كسيناريو يتم تكراره، فالمؤلف واحد، رأسه في واشنطن وذيله يتمدد في جغرافيا منطقتنا.

 

في سورية مثلاً كان يبدأ الصراخ كانتصاراتٍ يحققها الإرهاب على الجيش السوري. في المرحلة التالية، يتم تطعيم صراخ الانتصارات بلمحةٍ إنسانية، حيث إنّ المعارك “تطحن المدنيين وتزيد في أعداد اللاجئين”. وفي المرحلة الأخيرة، أي قبل مرحلة ركوب الباصات الخضراء، يتم التركيز على الصراخ الإنساني حصراً. وفي مأرب يتم تكرار السيناريو ذاته، وقد وصلوا إلى المرحلة الثانية، حيث تخطوا مرحلة الانتصارات البحتة، إلى مرحلة الانتصارات المطعّمة باللمسة الإنسانية، وهي مرحلة تمهيدية قطعاً لمرحلة الصراخ الإنساني الصرف.

 

على الولايات المتحدة الأمريكية أن تستعد لمرحلة ما بعد استعادة صنعاء لمأرب، حيث لن يُغير هذا أي شيء في الموقف الإيراني لناحية الاتفاق النووي، وستبقى الشروط الإيرانية هي ذاتها قبل مأرب وبعدها، ولكن ما سيتغيّر هو حالة أدواتها في العدوان على اليمن، حيث ستصبح ما تسمى “الشرعية” عالة بالكلية على الخزينة السعودية ـ الإماراتية، ويتناقص الخزان البشري في المناطق التي تسيطر عليها، وقد يصل إلى ما دون العشرين في المائة من تعداد الشعب اليمني، وستتآكل مقومات شرعيتها، المتهالكة أصلاً، وسيصبح من المتعذر على واشنطن إعادة عقارب الساعة إلى الوراء.

 

فمع استعادة “حكومة صنعاء” لمأرب ستتضاعف قدرة الجيش اليمني واللجان الشعبية على استعادة كل الجغرافيا اليمنية، وسيكون التفاوض -إن قررت واشنطن عقده- على هذا الهدف بالنسبة لـ”حكومة صنعاء”. فالوقت لا يعمل في صالح أطراف العدوان، بل في صالح صنعاء، وما يؤشر على الوصول إلى هذه المرحلة هو تكلس خطاب دول العدوان وأطرافه بما لا يتلاءم مع الوقائع الميدانية، حيث القرار الأممي واتفاق الرياض ومخرجات الحوار الوطني.

 

ولو أنّ من يسمى “رئيس الشرعية” تخلص من قرص التسجيل الذي زرعوه في لسانه، ليكرر مفردة إيران عشرات المرات في كل تصريحٍ أو بيان، لأدرك الغيبوبة التي عاش فيها منذ ست سنوات ولا يزال، ولأدرك أنّ أفضل ما يمكن فعله هو الذهاب إلى صنعاء مباشرةً لتقديم استقالته هناك، ويقضي ما تبقى له هناك كرئيسٍ سابق فرّ وضلّ فعاد.

 

*إيهاب زكي – كاتب وباحث فلسطيني في الشؤون السياسية

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com