المعتدون على اليمن.. كيف ساهم تضارب المصالح في ترسيخ الهزيمة؟ وما سيكون بعد المبادرة السعودية؟
المعتدون على اليمن.. كيف ساهم تضارب المصالح في ترسيخ الهزيمة؟ وما سيكون بعد المبادرة السعودية؟
يمني برس:
ما نشره موقع “الميادين نت” مؤخّراً عن “الأسباب العسكرية للانتصار الأغرب عبر التاريخ” أو انتصار اليمن بجهود وتضحيات وحدات الجيش واللجان الشعبية اليمنية ووحدات “أنصار الله”، بمواجهة تحالف من عدة دول قادرة ومتمكّنة عسكرياً ومالياً وإعلامياً، ومدعومة بقوة من دول خارجية كبرى، أضاء، وبشكل مفصّل، على مناورة أبناء اليمن في هذه المعركة الوجودية التي تدرَّجت في عدة مراحل، حملت كل مرحلة منها أكثر من معادلة استثنائية، أولاً في الدفاع والهجوم وقيادة المعارك وتنسيقها، وثانياً في تطوير القدرات النوعية وحسن استغلالها في دعم المعارك الداخلية الكبرى (“نصر من الله” و”البنيان المرصوص” و”فأمكن منهم”)، وفي فرض الردع الاستراتيجي.طبعاً، مع أهمية تلك الأسباب العسكرية المذكورة في تحقيق الانتصار، لا بدّ من الإضاءة على أسباب أخرى، ساهمت، ولو بنسبة أقل، في تحقيق هذا الانتصار. إننا نتكلّم هنا عن تعارض مصالح وأهداف الأطراف المشاركين في العدوان، والذي كان له دور مهم في هزيمتهم، وذلك على الشكل التالي:بدايةً، بالنسبة إلى الجيش واللجان الشعبية وحركة “أنصار الله”، إنّ أهدافهم ومصالحهم من الحرب معروفة، وهي طبيعية ومفروضة ونتيجة واجب مقدّس ولا مفرّ منها، يسيّرها واجب الدفاع عن الأرض والمواطنين والسيادة والكرامة، وواجب القتال لحماية الوجود.وبالنسبة إلى أهداف داعمي أبناء اليمن ومصالحهم، فهي أيضاً مصالح وأهداف معروفة وواضحة، تنقسم بين واجب الالتزام بالمحور والتحالف والوقوف مع الحق والعدالة، والمصلحة الاستراتيجية للجمهورية الإسلامية الإيرانية وأطراف محور المقاومة، في صراعهم الواسع ضد الصهاينة والأميركيين أو المرتهنين لهؤلاء من الدول العربية والإقليمية المعروفة.
أهداف السعودية من الحرب
إن قيام جبهة وطنية متماسكة في اليمن – كلّ اليمن بجغرافيته الكاملة وبجميع أبنائه من دون استثناء – وبقيادة وإدارة سلطة موحّدة في العاصمة صنعاء، يشكل معادلة تاريخية لطالما عملت السعودية أو نظام آل سعود على منعها، وهم الذين حاربوا دائماً وجود سلطة قوية ذات سيادة على قرارها وأرضها، قادرة على إدارة البلاد واستغلال ثرواتها لكلّ أبناء اليمن؛ سلطة قادرة على الوقوف في وجه كل الدول موقف الند للند من موقع السيادة واحترام حقوق الدول ومصالحها، سلطة غير مرتهنة يتقاسم أبناؤها إدارتها ومواقعها بعدالة ومساواة، سلطة قادرة على إعادة تنظيم اليمن وتطويره وتجاوز مآسي الحرب وآثارها. هذا هو ما تخشاه السعودية التي لطالما رأت في اليمن تابعاً أو فرعاً مرتهناً. من هنا، يمكن اعتبار الموقف السعودي أساسياً في نشوء الصراع وتوجيه الحرب واستمرارها. وحيث إنَّ السعودية استطاعت جرّ أغلب القوى الإقليمية المتحالفة معها إلى الانخراط في توجّهاتها والمشاركة معها في العدوان بشكل أو بآخر، فإنَّ تعقيدات المشهد المُنتجة لمراوحة الوضع من دون حسم هذه الحرب من جهة، ومن دون سلوك أية تسوية جدية لخروج الأطراف المنخرطة فيها من مستنقع الجمود من جهة أخرى، هي في الأساس وليدة موقف سعودي مُعاند لا يريد أن يعترف بفشله أو باستحالة إمكانيته تحقيق أي هدف أساسي من الأهداف التي وضعها عند بداية عدوانه، هذا إضافة إلى نتيجة تداخل وتعارض مصالح أغلب أطراف هذا الصراع، وخصوصاً الإقليميين والدوليين منهم.
أهداف تركيا وقطر
يبدو أنّ ثمة تقديراً تركياً وقطرياً مشتركاً بأنّ حالة “عدم الحسم” التي يعيشها الملف اليمني تُغري الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بالعمل على تحقيق مكاسب استراتيجية في اليمن، تتمثّل في محاولة ترسيخ موطئ قدم تركية في هذا البلد العربي، وذلك عبر تقديم المزيد من الدعم التركي – القطري لحزب “الإصلاح” اليمني، بهدف توفير بيئة نفوذ مناسبة لاستراتيجية العدالة والتنمية، من شأنها أن تضم اليمن إلى نقاط الانطلاق التركية في المنطقة العربية، جنباً إلى جنب مع التواجد العسكري التركي في الصومال وقطر، وهو مشروع يراهن عليه الرئيس إردوغان لتعويض خسارته جزيرة “سواكن” في السودان، وتعويض شح المكاسب التركية في سوريا، في ظل التضييق الروسي – الإيراني على أنقرة في محافظة إدلب، إضافة إلى ما حصل من تقييد للتموضع التركي في ليبيا، بعد أن توسع التدخل الدولي هناك وتشعّب. هذا الموقف التركي المعارض بشكل كامل لموقف السعودية والإمارات وأهدافهما في اليمن، مع قدرة إردوغان عبر حزب “الإصلاح” (الإخواني) على التأثير، ولو بشكل نسبي، في عرقلة أهداف التحالف السعودي، ساهم في إضعاف جبهة الحرب على اليمن لمصلحة معركة الجيش واللجان و”أنصار الله”.
أهداف الإمارات العربية المتحدة وموقفها
بعد أن انكشفت مؤخراً الأهداف الاستراتيجية للإمارات، والمتمثلة في تحضير الأرضية المناسبة لدخول “إسرائيل” وتموضعها – عسكرياً على الأقل الآن – في جزر اليمن الجنوبيّة وسواحلها، مع الموقف الفاضح للفصيل المدعوم بقوة إماراتياً، المجلس الانتقالي الجنوبي، والذي عبّر القيادي الأول فيه، هاني بن بريك، عن النيّات الحقيقيّة للمجلس الانفصاليّ المدعوم إماراتياً في التقرّب من كيان الاحتلال الإسرائيلي، وعدم اعتباره عدوّاً، يمكن أن نستنتج موقف الإمارات العربيّة المتّحدة وأهدافها البعيدة.صحيح أنَّ الإمارات واكبت العدوان السعودي بكلّ تفاصيله ومراحله، وكانت وحداتها في خط متقدم دائماً في المواجهة، وسقط لها الكثير من الضباط والجنود، وخصوصاً في معارك الساحل ومحاولة السيطرة على الحديدة، إضافةً إلى خسارتها الضخمة في العتاد والآليات والقاذفات أيضاً، ولكن استراتيجيتها لم تكن عملياً متفقة في البعد الاستراتيجي مع موقف السعودية وأهدافها، لناحية العدوان على اليمن طبعاً وليس لناحية النظرة إلى “إسرائيل”. بناء على ذلك فإن هذا التعارض في الأهداف من العدوان كان له تأثير مهم في إضعاف رأسي السهم الأساسيين في الحرب على اليمن، وفي عدم وجود موقف موحّد للدولتين في المعركة، ما ساهم في توسيع هزيمة كلّ منهم.
أهداف الأميركيين من الحرب على اليمن
بمعزل عن الموقف الأميركي المستجدّ حالياً مع الرئيس بايدن، والّذي أعلن عن بعض الخطوات التي تنتظر صدقية تنفيذها، لناحية وقف توريد الأسلحة الهجومية إلى دول العدوان أو قراره بالعمل لحلّ الأزمة سياسياً، فقد كان الموقف الأميركي في الأساس هو الأكثر تأثيراً في الحرب على اليمن، في شنِّها بداية، وفي تسعيرها وعرقلة حَلِّها لاحقاً.ومن أهدافه في هذه الحرب، نذكر الآتي: أهداف مادية: شكّلت الحرب على اليمن، والتي أنهت عامها السادس، فرصة مهمّة للأميركيين وبعض الغربيين في الاستفادة الماليّة، من خلال عقود ضخمة من الأسلحة، من الصّواريخ الموجّهة والقنابل الذكية الغالية الثمن والجزئيات والعتاد العسكريّ، إضافةً إلى ثمن الخبرات والاستشارات الفنية لوحدات العدوان، والمدفوع ثمنها بالكامل.أهداف سياسية: من خلال إبقاء سيف الدعم مسلطاً على السعودية دبلوماسياً وعسكرياً، عبر إبقاء جرح أو ملف أو مستنقع مفتوح تتخبّط فيه، فتلجأ إلى واشنطن، التي تمارس بدورها سياسة الابتزاز مع الرياض بكل ما للكلمة من معنى، في المواقف السياسية المتعلقة بمواجهة إيران أو تلك المتعلقة بالحاجة إلى موقف عربي داعم للتطبيع مع “إسرائيل”، تؤمّنه السعودية مع حلفائها الخليجيين بكل رحابة صدر. أيضاً، رأى الأميركيون في استمرار الحرب وعدم حسمها فرصة مؤاتية للضّغط على إيران، من باب التزام الأخيرة بدعم اليمنيين، بشكلٍ يسمح بإبقاء ملف مفتوح ومعقد يَهُمّ الإيرانيين، تعتقد واشنطن أنَّها تستطيع من خلاله الضغط على إيران وابتزازها.
وأخيراً، يبقى دور الأمم المتحدة المشبوه في مقاربة الحرب على اليمن، من خلال ابتعادها عن أداء دورها المفترض أن تؤديه، استناداً إلى القانون الدولي والمبادئ التي أُنشِئت على أساسها عصبة الأمم ومجلس الأمن، حول وجوب حماية سيادة الدول ومنع الاعتداءات والتدخّلات غير المشروعة عليها، إضافةً إلى غضّ نظر تلك المؤسّسات الأممية عن الكثير من التجاوزات التي تخالف القانون الدولي، وقانون الحرب والقانون الدولي الإنساني، والقوانين التي تحظر الأسلحة المُحرَّمة دولياً.
*شارل أبي نادر – محلل عسكري واستراتيجي لبناني