تقرير : أزمة “إسرائيل” الداخلية تتعمق .. والمستجدات الدولية قد تكبح استقواءها
تقرير : أزمة “إسرائيل” الداخلية تتعمق .. والمستجدات الدولية قد تكبح استقواءها
يمني برس:
خلص “تقرير “مدار” الإستراتيجي 2021 – المشهد الإسرائيلي 2020″ إلى أن المستجدات الإسرائيلية تكشف عن صورة متناقضة، تظهر فيها “إسرائيل” من جهة دولة قوية تتصرف وكأنها “قوة إقليمية كبرى” خارجياً، فيما تبدو دولة مأزومة داخليًا من جهة أخرى، حيث عززت نتائج الانتخابات الأخيرة التي جرت في 23 آذار 2021 ، (الرابعة خلال عامين) من مشهد التفكك السياسي وعمّقته.
وقال التقرير السنوي الذي أعلن عنه المركز الفلسطيني للدراسات الإسرائيلية “مدار” في رام الله، يوم الأربعاء في مؤتمر عقد عبر تقنية “زووم”: إن الأزمة الانتخابية تتعدى الصراعات الحزبية، وتشكّل محصلة للتحولات الداخلية العميقة في “إسرائيل”، من حيث انتهاء هيمنة الجماعة الواحدة، وصعود جماعات متعددة تتنازع على الهيمنة، ما يعني أن الأزمة ليست حدثًا عابرًا، بل منتج لتغيرات بنيوية ستكون لها إسقاطات بعيدة المدى، خاصة على محور الصراع والاحتلال.
وذكر التقرير أن التناقض بين التخبط الداخلي والصعود الإقليمي ينعكس في القراءات الإستراتيجية الإسرائيلية للعام 2020، التي ترى أن “إسرائيل” لم تواجه خلال العام المنصرم أي تهديد إستراتيجي على وجودها، وأنها تنشط تقريبًا بشكل حرّ على المستوى العسكري والأمني في البيئة الإقليمية المحيطة، لكنها من جهة أخرى، تواجه نتيجة تقاطع جائحة الكورونا مع الأزمة السياسية المستمرة، خطرًا إستراتيجيًا داخليًا يمكن أن يؤدي إلى إضعاف مؤسسات الدولة وفقدان الثقة بها، ووفقًا لهذه التقديرات، تحول “النظام الإسرائيلي الداخلي” لأول مرّة إلى مصدر للتهديدات والمخاطر التي قد تمسّ بالأمن القومي وتنخر “المناعة” الجماعية.
ورصد التقرير تقاطع ثلاثة عوامل استثنائية أسهمت في بلورة المشهد الإسرائيلي وضبط إيقاع علاقاته الداخلية والإقليمية والخارجية، تمثلت في: وجود دونالد ترامب في رئاسة الولايات المتحدة في عام انتخابي، استمرار الأزمة السياسية الداخلية، وانتشار جائحة الكورونا.
لكن هذه العوامل، وفق التقرير، تغيرت جزئيًا مع نهاية العام 2020 وبداية العام 2021، فقد بدأت “إسرائيل” تُظهر مؤشرات إيجابية تجاه احتواء الكورونا، بعد أن قامت بحملة تطعيمات واسعة، فيما انتهى عصر ترامب المتماثل مع نتنياهو، وحلّ محلّه الديمقراطي جو بايدن، مؤسساً لمرحلة جديدة يغلب عليها، حتى الآن، الحذر الأميركي والقلق الإسرائيلي من ارتدادات علاقة ترامب- نتنياهو المستقبلية، الأمر الذي يتزامن مع اتخاذ محكمة الجنايات الدولية في قرار بدء التحقيق في جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية.
وتوقع التقرير أن يكون لهذه المستجدّات إسقاطات مهمة على سياسات “إسرائيل” تجاه المسألة الفلسطينية مستقبلاً وعلى إدارتها لملف الصراع خاصة، وأن تكبح جزئيًا حالة الاستقواء الإسرائيلية التي ميّزت سياستها في العام 2020، معتبرا ان قرار الجنائية الدولية يعيد سؤال الاحتلال الإسرائيلي وممارساته الاستيطانية في الضفة الغربية إلى الساحة الدولية من جديد.
وفي رصد التفكك السياسي تناول التقرير النتائج المتمثلة بتضخم عدد الأحزاب التي اجتازت نسبة الحسم من 8 قوائم في الانتخابات السابقة إلى 13 قائمة في هذه الانتخابات، حيث تفكّكت القائمة المشتركة إلى قائمتين، وكتلة يمينا إلى اثنتين، وانشقّ جدعون ساعر عن حزب الليكود مكونًا حزبًا جديدًا، وتفكّك تحالف “أزرق- أبيض” إلى حزبين (“أزرق أبيض” و”يوجد مستقبل”)، بالإضافة إلى تفكّك تحالف حزب العمل- ميرتس إلى قائمتين من جديد (العمل وميرتس).
واعتبر التقرير أن أهم إسقاطات الانتخابات الأخيرة تبييض أحزاب الكهانية المتطرّفة بعد أن عمل نتنياهو بقوة على توحيدها في قائمة الصهيونية الدينية لتدعمه مستقبلا، معتبرا انه في حال نجح نتنياهو في إقامة ائتلاف يميني ضيّق، فمن المتوقّع أن يتم الدفع باتجاه تعزيز مساعي تصفية القضية الفلسطينية التي يتبنّاها نتنياهو أصلاً.
وقال التقرير إن اليمين نجح بزعامة نتنياهو في فرز القوائم العربية بين ما يعتبره متطرفين ومعتدلين؛ حيث اعتبر “الموحدة” ممثلة للتيار المعتدل، وبالتالي أعاد ضبط خطابه تجاه القائمة الموحدة باعتبارها قائمة شرعية، ويمكن أن تكون بالتالي شريكة في تحالف يقوده، بالمقابل قامت الموحدة من طرفها بالاكتفاء بطرح قضايا مطلبية، وتذييل الخطاب الوطني.
وتناول التقرير وقائع ازدياد اهتمام الأحزاب الإسرائيلية بجمهور الناخبين العرب البالغ عددهم نحو مليون ناخب (15% من مجموع أصحاب حق الاقتراع)، فبعد أن دلت استطلاعات الرأي العام على أن القائمة المشتركة التي حظيت في انتخابات آذار ٢٠٢٠ بنحو 87% من أصوات العرب ستتراجع من 15 عضو كنيست إلى 10 أعضاء بسبب الخلافات الناشبة فيها، انقض قادة الأحزاب اليهودية للفوز بهذه الأصوات الضائعة.
على الصعيد الإقليمي قال التقرير إن الإعلان عن اتفاقيات أبراهام جاء في لحظة استقواء غير مسبوقة لليمين الإسرائيلي، الأمر الذي جاء في سياق تغير جيو-إستراتيجي مَوضع “إسرائيل” في خارطة التحالفات الإقليمية كجزء من الحلف السني المعتدل، وعبر عن نفسه في توسيع النشاط العسكري لإسرائيل الذي شمل مهاجمة أهداف تعتبرها إسرائيل “معادية” في سورية والعراق وإيران، وتمديد الضربات من البر والجو لتشمل البحر أيضًا. وعلى الساحة الفلسطينية؛ انعكس ذلك في مساعي تصفية المسألة الفلسطينية كما جاء في صفقة القرن، التي وضِعَت وفق المنظور الإسرائيلي اليميني وبمساعدته، وطرح مشروع الضم، ومحاولة فرض مبدأ “السلام مقابل السلام” الذي صكّه نتنياهو في موازاة مبدأ “الأرض مقابل السلام”.
وفي تحليل أسباب هذا الاستقواء، إلى جانب وجود إدارة ترامب الاستثنائية والتفوق العسكري والتكنولوجي الإسرائيلي، أشار التقرير إلى عوامل موضوعية إضافية، منها هشاشة الوضع الاستراتيجي العربي والانقسام الفلسطيني وعدم وجود ثمن للاحتلال والوضع الإستراتيجي الإقليمي وحرب المحاور والاصطفافات والتحالف الإسرائيلي مع دول الهوامش الأوروبية والأنظمة الشعبوية واليمين العالمي.
في المقابل، مس التحالف المطلق بين نتنياهو وترامب المدعوم من الفوقية البيضاء والافنجيلية الصهيونية واليمين الشعبوي، وفق التقرير، العلاقات ما بين “إسرائيل” ويهود الولايات المتحدة. وفيما يصوت أغلب يهود الولايات المتحدة للحزب الديمقراطي ويتبنون مواقف ليبرالية إجمالًا ويبدون قلقًا من نزعات معاداة السامية والعنصرية التي يحملها جزء من جمهور ترامب، فإن 70% من اليهود الإسرائيليين يرون أن ترامب هو الأفضل لإسرائيل مقابل 30% لبايدن.
على المستوى الأوروبي، ذكر التقرير أن “إسرائيل” عملت بشكل مثابر على نسج علاقات مع الدول الهامشية في الاتحاد الأوروبي التي يسيطر فيها اليمين، وتتميّز بتغليب السياسات المحلية والأولوية القومية على السياسات الموحِّدة الإقليمية للاتحاد الأوروبي مثل: بولندا، تشيكيا، هنغاريا، سلوفاكيا، ودول البلقان، وبلغاريا ورومانيا وغيرها وتساهم علاقات إسرائيل مع هذه الدول في الدفع نحو عرقلة اتخاذ قرارات بالإجماع تجاه القضية الفلسطينية، إضافة إلى محاولة استمالتها لنقل سفارتها للقدس.
وأجمل التقرير استخلاصاته: مع نهاية 2020 وبداية 2021 تغيرت جزئيا بعض العوامل، إذ يبدو أن “إسرائيل” تتجه نحو الخروج من أزمة الكورونا داخليًا، لكنها تتجه نحو مزيد من تأزم المشهد السياسي، على نحو ما أظهرته نتائج الانتخابات الرابعة، أما على الصعيد الخارجي فقد انتهى عهد ترامب بصخب وندب داخلية، وانتقل الحكم للحزب الديمقراطي الذي أصبح يعتمد أكثر على قواعد إثنية متعددة، في هذا السياق، تحول التماثل الترامبي- النتنياهوي إلى مصدر للتوتر والقلق مع الإدارة الأميركية الجديدة، ومع اليهود في الولايات، فيما اتخذت الجنائية الدولية قرارًا ذا أهمية كبيرة ببدء التحقيق في جرائم الحرب في الأراضي الفلسطينية، ما يعني إمكانية تحويل مصادر الاستقواء باتجاه الفلسطينيين من حيث الاستيطان وسياسات التهويد والتماثل الترامبي النتنياهوي إلى فرصة لتقوية النضال الفلسطيني، والدفع باتجاه إنهاء الاحتلال.