موجة هروب جديدة من مدينة مأرب.. رجالات هادي وقيادات الإصلاح “ينفُدون” بمالهم
موجة هروب جديدة من مدينة مأرب.. رجالات هادي وقيادات الإصلاح “ينفُدون” بمالهم
يمني برس:
في موجة قد لا تكون الأخيرة، بدأت دفعة جديدة من مسؤولي حكومة عبد ربه منصور هادي السياسيين والعسكريين مغادرة الرياض ومأرب، نحو وُجهات عربية وأجنبية سبقهم إليها قياديون آخرون. ويترافق هذا النزوح الجماعي مع عملية تهريب أموال نشطة من مأرب، من أجل استثمارها في أماكن آمنة، بعدما وصلت التطورات الميدانية إلى مفارق باتت معها عودة عقارب الساعة إلى الوراء شبه مستحيلة.
مع تسارع التحوّلات الميدانية في اليمن، والتي باتت حكومة الرئيس المنتهية ولايته، عبد ربه منصور هادي، في ظلّها، يائسة من إمكانية إعادة الأوضاع إلى ما كانت عليه قبل عام 2015، خصوصاً بعد اقتراب الجيش اليمني و«اللجان الشعبية» من مدينة مأرب، المعقل الرئيس الأخير للحكومة، لا يجد مسؤولو الأخيرة بدّاً من ترتيب أوضاعهم، والبحث عن بدائل دائمة من الإقامة في الرياض، لا سيما أن السلطات السعودية شدّدت إجراءات تجديد الإقامات لمعظم المسؤولين اليمنيين من الدرجتَين الثانية والثالثة، ما يدفع الكثيرين منهم إلى اللحاق بِمَن سبقهم إلى عدد من الدول العربية والأجنبية، وخصوصاً مصر والأردن والإمارات وتركيا، وذلك لترتيب إقامات دائمة لهم، فيما يُسجَّل نزوح جماعي لقيادات من قوات هادي وحزب «الإصلاح» إلى خارج مأرب.
وبحسب معلومات «الأخبار»، فإن «عدداً من قيادات الصف الثالث في الإصلاح، قد تركوا مأرب بالفعل وتوجّهوا إلى تركيا»، في حين لا يزال المحافظ سلطان العرادة، ورئيس الأركان صْغَيّر بن عزيز، وعدد من قيادات المعسكرات، داخل المدينة.
على أن حالة الهروب هذه لا تقتصر على البشر، بل تشمل أيضاً الأموال والأصول والثروات، بما أدّى سابقاً وسيظلّ يؤدّي لاحقاً إلى تدهور سعر صرف العملة اليمنية. وفي هذا السياق، تمكّن مسلّحون من قبيلة آل عوشان شمال مأرب، الاثنين الماضي، من السيطرة على شاحنة أموال منقولة من فرع البنك المركزي في المدينة إلى منطقة الوديعة المجاورة، وذلك ضمن ترتيبات لمرحلة ما بعد سقوط مركز المحافظة بيد حركة «أنصار الله».
وتوضح مصادر قبلية، في حديث إلى «الأخبار»، أن «الشحنة المالية التي تمّ الاستيلاء عليها كانت تحمل مبالغ كبيرة بالعملة السعودية والعملة اليمنية القديمة»، مُبيّنةً أن هذه «العملية تأتي ضمن عملية كبيرة لتهريب العملة من مأرب، يقوم بها فرع المركزي في المدينة منذ أيام».
وتضيف المصادر أن «محافظ مأرب الموالي للإخوان قام بتهريب ملايين الدولارات عبر شركة الخضر للصرافة إلى تركيا، حيث اشترى فيلا فارهة في أحد أحياء إسطنبول بأكثر من 300 ألف دولار».
وفي الموازاة «نقل محافظ الجوف الموالي لهادي، أمين العكيمي، ملايين الدولارات إلى تركيا، وظهر مؤخراً في اسطنبول كمستثمر». وسبق ما تَقدّم قيام رئيس حكومة هادي، معين عبد الملك، بشراء فيلا فارهة في إحدى ضواحي باريس، بعدما كان نجل الرئيس المنتهية ولايته جلال قد اشترى بدوره عدداً من الفلل الفارهة في جزر المالديف مطلع عام 2014، أي قبيل انتهاء الفترة الرئاسية المؤقّتة لوالده.
تمثّل مصر وجهة مفضّلة لقيادات «المؤتمر» فيما أصبحت تركيا الوجهة الأولى لقيادات «الإصلاح»
الولاء السياسي يحدّد الوجهة
وتتفاوت وجهات الهاربين بحسب أهوائهم السياسية؛ إذ تُمثّل مصر وجهة مفضّلة لمعظم المسؤولين المنتمين إلى حزب «المؤتمر الشعبي العام» (جناح الخارج) وقيادات الأحزاب اليسارية الموالية للتحالف السعودي ـــ الإماراتي وبعض المستقلّين حزبياً. ونظراً للتسهيلات التي قدّمها النظام المصري لليمنيين في القاهرة بخصوص الإقامة، تشير التقديرات إلى أن أكثر من مليون يمني يعيشون في العاصمة والمحافظات المصرية الأخرى، فيما بلغت نسبة شراء المسؤولين اليمنيين للفلل والشقق في القاهرة أعلى مستوياتها منذ مطلع العام الفائت.
أمّا قيادات الإصلاح»، فقد أصبحت تركيا ملجأهم الأوّل، بالاستفادة من التسهيلات الممنوحة لهم هناك، بعد أن كان السودان وجهتهم المفضّلة خلال السنوات الماضية. وغادر الكثير من قيادات الحزب الخرطوم بعد إطاحة نظام الرئيس السابق عمر البشير، متّجهين صوب إسطنبول وأنقرة حيث نشأت تجمّعات متفرّقة لقيادات عسكرية وقبلية وسياسية ورجال مال وأعمال ينتمون إلى «الإصلاح». ومَثّل تصنيف السعودية، مطلع تشرين الأول من العام الفائت، «الإخوان المسلمين»، كـ«جماعة إرهابية منحرفة»، دافعاً إضافياً لتسرّب العشرات من قيادات الحزب من أراضي المملكة باتجاه تركيا.
ووفقاً للإحصائيات الصادرة عن هيئة الإحصاء التركي، فإن مستوى إقبال اليمنيين على شراء العقارات التركية ارتفع منذ عام 2018، حتى بلغ أواخر العام المنصرم 5000 عقار، بالإضافة إلى شراء عشرات المزارع وإنشاء المئات من الشركات التجارية والخدمية بمليارات الدولارات، من قِبَل قيادات حزبية وسياسية تقيم في إسطنبول، وذلك بتشجيع ودفع من القانون التركي الذي ينصّ على منح الجنسية التركية للمستثمرين الأجانب.
وكان «الإصلاح»، الذي يدير الملفّات العسكرية والأمنية تحت غطاء حكومة هادي في مأرب ووادي حضرموت وشبوة وتعز، ويستحوذ على إيرادات مالية ضخمة من عائدات النفط والغاز في مأرب وإيرادات منفذ الوديعة البرّي الرابط بين اليمن والسعودية، استطاع توظيف عشرات الآلاف من أعضائه في وظائف مدنية أو عسكرية خلال السنوات الماضية لضمان ولائهم، وبالتالي حماية وحدته الداخلية، غير أن علاقته بالتحالف السعودي ـــ الإماراتي شهدت تدهوراً كبيراً، ليصبح هدفه مقتصراً على محاولة حفظ مصالحه في المحافظات الخارجة عن سيطرة حركة «أنصار الله».
وينقسم الحزب اليوم إلى تيّارَين، الأوّل يقوده «الصقور» الموالون لـ«التحالف»، ويتزعّمه نائب الرئيس الجنرال علي محسن الأحمر، ورئيس الهيئة العليا للحزب محمد اليدومي، وأمينه العام عبد الوهاب الأنسي. أمّا القسم الثاني، من «حمائم» الصفَّين الثاني والثالث، فمتركّز في تركيا ومدعوم من قطر، ويتبنّى خطاباً مناهضاً للسياسات السعودية والإماراتية.
(رشيد الحداد – جريدة الأخبار)