ضربة موجعة وقاصمة تلقاها التحالف السعودي في اليمن منحت الجيش واللجان مفاتيح تحرير هامة وأوراقاً تفاوضية جديدة بيد المجلس السياسي
ضربة موجعة وقاصمة تلقاها التحالف السعودي في اليمن منحت الجيش واللجان مفاتيح تحرير هامة وأوراقاً تفاوضية جديدة بيد المجلس السياسي
يمني برس:
في أقل من 48 ساعة، تمكن أبطال الجيش واللجان الشعبية من توجيه ضربة مباغتة وقاصمة للظهر إلى آخر نقاط تواجد تنظيم القاعدة والتنظيمات التكفيرية المرتبطة بالتحالف السعودي الأمريكي في اليمن.
قوات الجيش واللجان الشعبية تمكنت من السيطرة على مديريتي الصومعة ومسورة آخر نقاط تواجد تنظيم القاعدة والتنظيمات التكفيرية في البيضاء وآخر قلاعها الحصينة، بعد تهاوي معاقلها الأساسية في قيفة ويكلا منتصف العام 2020م، بعملية واسعة للجيش واللجان الشعبية، أسفرت عن طرد القاعدة وداعش من معاقلهما التي تحصنا بها لعقود.
العمليات العسكرية في محافظة البيضاء منذ انطلاقها عكست تحديا استراتيجيا للقيادة اليمنية في العاصمة صنعاء، فالمحافظة يسيطر عليها لعقود تنظيم القاعدة، ومنذ نهاية 2015 م جرى زراعة داعش هناك إلى جوار القاعدة، لينخلق التنافس بين التنظيمين التكفيريين للسيطرة على مناطق البيضاء.
شُن العدوان في الـ26 من مارس 2015م لينقذ القاعدة حينها من التلاشي بعد خسارة معاقلها تقريبا في البيضاء باستثناء يكلا التي وقفت قوات الجيش اللجان على تخومها عشية العدوان، وخسارة معاقلها الأساسية في محافظة أبين جنوب اليمن.
استطاعت القاعدة ومعها داعش – والأخيرة بشكل محدود – التمدد من جديد بفعل انشغال الدولة بمواجهة الظرف الناشىء عن العدوان المفاجئ في مارس 2015م ، وإعادة ترتيب أولوياتها ، وكذا مد التنظيمات التكفيرية بالأسلحة المتطورة من قبل التحالف وإدماجها في كيان ” الشرعية الزائفة” التي يتذرع بها التحالف للمضي في عدوانه، وهو ما رصدته وسائل إعلام دولية وغربية في تعز ومارب وأعلنته القاعدة وداعش على صدر صفحاتها ولسان قادتها – ليس المحل يتسع هنا لسرده – وعززت ذلك الوثائق التي وقعت بيد أجهزة الاستخبارات عقب كل عملية للجيش واللجان الشعبية.
عادت القاعدة من جديد لتحكم قبضتها على البيضاء وتنفذ عملياتها في مركز المحافظة والمناطق الحرة ، منتشية بنصر التحالف وسيطرته على عدن وأبين في أغسطس 2015م ، واتخذ الجيش واللجان موقع المدافع منتهج سياسة الحد من عمليات القاعدة الهجومية أو تلك التي تبرع فيها بزرع العبوات وتفجير الانتحاريين في الأسواق والمساجد وفي الطرقات والمدارس.
ويقول مسؤول أمني إن العمل العسكري ضد القاعدة والتنظيمات التكفيرية في البيضاء يختلف عن الجبهات الأخرى رغم مشاركة القاعدة وداعش في أكثر من جبهة، وفق ما صرح به زعيم تنظيم القاعدة السابق خالد باطرفي ، حيث يتطلب الأمر جهدا استخباراتيا قويا لضمان نجاح العمل العسكري وتثبيت نقاط متقدمة للجيش واللجان الشعبية والقوات الأمنية.
ويضيف أن البيضاء اتسمت بخصوصية لكونها تمثل معاقل لتنظيم القاعدة تغلغلت فيها منذ عقود بدعم وتشجيع من النظام السابق الذي غيّب الدولة عمليا لصالح زراعة التنظيمات التكفيرية وتنفيذا لمصالح ورغبات سعودية ، فضلا عن كونه وجدها فرصة واستثمرها في الصراع ضد خصومه ، وتجلى ذلك بوضوح عقب الوحدة في الاغتيالات التي وقعت بحق قادة الحزب الاشتراكي وفي حرب صيف 94م ، وعقب أحداث 2011م، حيث عمت الاغتيالات العاصمة صنعاء والمدن اليمنية بقصد ترويع الشارع وأطراف سياسية وثورية أمام سلطة الخائن هادي وتدخلات الأمريكان والسعوديين المباشرة والفجة والتي بلغت حد المضي بتقسيم اليمن إلى أقاليم وتدمير الجيش اليمني من بوابة إعادة هيكلته.. بالإضافة إلى شن العدوان المفاجئ على ثورة الحادي والعشرين – والتي كانت حينها لاتزال غضة وطرية – بعد نحو 6 أشهر من انطلاقها، حيث عمد الأمريكيون وعملاؤهم من المرتبطين بزعيم الخيانة عفاش إلى تحطيم مقدرات جهاز الأمن القومي – الاستخبارات – وإتلاف الأجهزة وقاعدة المعلومات التي كان يحتويها عن التنظيمات التكفيرية ، ما خلق صعوبة إضافية وفرض إعادة بناء قاعدة معلوماتية تضمن للجيش واللجان الشعبية تحقيق النصر والتعامل بالشكل الصحيح مع خطر هذه التنظيمات التي تضمحل وتتستر معاملها وورشها التفخيخية بين المدنيين.
خلال الأعوام 2016م – 2019م، جرى إعادة بناء قدرات أجهزة الاستخبارات بجهد محلي ، وجرى إدماج جهازي الأمن السياسي والقومي في جهاز استخباراتي واحد، لتكون الفاعلية أكبر وفي سياق مواجهة الحصار الاقتصادي كذلك.
بالنظر إلى الأمن الذي تمتعت به المناطق المحررة، فقد مكنت العمليات المحدودة للجيش واللجان الشعبية في البيضاء وغيرها من الجبهات وعمليات أمنية نوعية من بناء بنك معلومات ثري وجديد عن تنظيم القاعدة وداعش وعلاقة كل منهما.
اطلاع القيادة العسكرية على معلومات دقيقة تخص العلاقة التصادمية بين داعش والقاعدة مكنها من وضع خطة ناجحة كليا في الميدان، واستطاعت قوات الجيش واللجان الشعبية من إجبار كل تنظيم على القتال لوحده دون مواجهة التنظيمين أو منحهما فرصة للتعاون ، وصولا إلى اقتلاع داعش نهائيا من البيضاء ومقتل زعيم داعش في اليمن رضوان قنان المكنى أبو الوليد العدناني، وفرار من تبقى من قيادات القاعدة إلى الصومعة أو عبور سايلة يكلا باتجاه مارب، حيث مناطق سيطرة حزب الإصلاح.
وفقا لمسؤول أمني فإن العمليات العسكرية – في محافظة البيضاء خصوصا -ارتكزت بشكل كبير على شقين أمني سابق ومساند للجهد الهجومي العسكري، مكن – كما حصل في الصومعة وما سبقها من معاقل القاعدة – من حسم المعركة بوقت قياسي وتحييد خطر الانتحاريين، والعبوات الناسفة.
وأضاف أن قوات الجيش واللجان الشعبية يعملان بشكل منسق في البيضاء تجلى ذلك في العملية الهجومية الكبيرة على معاقل القاعدة في قيفة ويكلا وقبل أيام في الصومعة ومسورة، حيث نفذت عمليات دهم واعتقال لمعاقل القاعدة وأوكار قياداتها بالتزامن مع تحرير الأرض من قبل الجيش واللجان الشعبية ، وتحرير مديرية الزاهر أخيرا.
ولفت إلى أن الوقت يترك عادة للجهد الاستخباري لتحديث بنك المعلومات الدقيق للجيش واللجان، بغية حسم المعركة بأقصر وقت وتجنب وقوع الخسائر في صفوف الجيش واللجان ، وأسر قيادات كبيرة للقاعدة.
وبحسب المصدر فإن العملية الأمنية مستمرة في البيضاء لتمشيط المديريات التي تحررت أخيرا أو السابقة حتى التأكد تماما من الوصول إلى كامل أوكار ومخازن القاعدة ، واعتقال كافة عناصرها ممن يتخفون بين المدنيين.
تحتل محافظة البيضاء موقعا استراتيجيا في القلب من الجغرافيا اليمنية، حيث تتوسط 5 محافظات يمنية، وهو سبب كاف يفسر لماذا تم اختيار المحافظة لزراعة القاعدة وداعش بها من قبل الرياض منذ عقود؟!
قبيل الوحدة اليمنية اتخذت محافظة البيضاء منطلقا لتنظيم القاعدة لمهاجمة مناطق الجنوب، حيث كان يسيطر الحزب الاشتراكي، تحت ذريعة محاربة الشيوعية.
بحسب مصدر استخباراتي، فقد أدار الخائن علي محسن عمليات القاعدة في جنوب اليمن، وأشرف شخصيا على زراعتها هناك، وعقب أحداث العام 2011م حضرت القاعدة بشكل كبير في محافظة أبين.
مطلع العام 2015م تهاوت معاقل القاعدة في أبين وشبوة على يد الجيش واللجان الشعبية، قبل أن تعاود سيطرتها وتتمدد من جديد عقب احتلال التحالف لعدن والمناطق الجنوبية في اليمن لتسيطر القاعدة مجددا على زنجبار عاصمة أبين قبل أن تنسحب بصفقة مشبوهة مع التحالف، وذات الصفقات وقعت بين التحالف والقاعدة في شبوة وحضرموت وتضمنت انسحابا صوريا للقاعدة ومنحها أموالاً وحصصاً في التجنيد بداخل ما يسمى الجيش الوطني والنخب والأحزمة التابعة للسعودية والإمارات.
شكلت عملية البنيان المرصوص بداية الانقلاب في معادلات الميدان اليمني، انتقال الجيش اليمني واللجان الشعبية من الدفاع إلى الهجوم، مع تأمين كامل للعاصمة صنعاء، منح الفرصة للقيادة العسكرية لتحديد أولوياتها ، وفي مقدمة أولوياتها أتى تأمين البيضاء قلب الجغرافيا اليمنية.
يضع تحرير كامل مساحة البيضاء من التنظيمات التكفيرية وأدوات التحالف، إحدى أهم محطات النهاية لتنظيم القاعدة والتنظيمات التكفيرية ، ما تبقى من التنظيمات التكفيرية من معاقل ومناطق في الجنوب أو مأرب التي يقترب موعد عودتها إلى حضن الدولة، لا يعادل ما فقدته من معاقل استراتيجية في البيضاء، أو يعوض خسارة قياداتها التي قضت أو وقعت في الأسر هناك، وذلك يفسر المحاولة الفاشلة من قبل التحالف للسيطرة على البيضاء عبر عملية جرى الإعداد لها على مدى شهور وانتهت بالسيطرة على مديرية الزاهر، قبل أن يجري خسارتها مجددا في بضعة أيام، وتنهار آمال التحالف في كسر شوكة هجوم الجيش واللجان الشعبية عن مرتزقته في مأرب.
والأمر الآخر أن تحرير جغرافية البيضاء بالكامل يضع في يد المجلس السياسي مفاتيح تحرير هامة، وأوراقاً تفاوضية كبيرة، دخول الجيش واللجان إلى بيحان شبوة ليس إلا مثالا على تلك المفاتيح، وعرضا لبعض أوراق التفاوض الجديدة بيد صنعاء الحريصة على وحدة الأرض والهوية اليمنية.
(تقرير – إبراهيم الوادعي)