ديكتاتورية فضيعة لـ “دويتشه فيله” الألمانية تجاه موظفيها بسبب الكيان الصهيوني
ديكتاتورية فضيعة لـ “دويتشه فيله” الألمانية تجاه موظفيها بسبب الكيان الصهيوني
أقرت قناة “دويتشه فيله DW” الألمانية تحديثا جديدا على مدونة قواعد السلوك الخاصة بها، ألزمت بموجبه موظفيها بعدم “معاداة السامية” والإقرار بـ”حق إسرائيل بالوجود”، وإلا فستتخذ ضدهم إجراءات قانونية وفقا لقانون العمل، قد تصل إلى الفصل.
وجاء هذا التعديل بعدما خسرت القناة قضيتين في المحاكم العمالية أمام الصحفيتين فرح مرقة ومرام سالم، اللتين فصلتهما المحطة هن وأربعة آخرين من الصحفيين العرب بزعم نشرهم مواد معادية للسامية على مواقع التواصل الاجتماعي.
وأكدت إدارة القناة في خبر لها على ضرورة الالتزام بمدونة قواعد السلوك وتحديثها الجديد ليس فقط داخل العمل، بل حتى في ما ينشره الموظفون في حساباتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي.
انتهاك لحرية التعبير
ووفقا لخبراء قانون وصحفيين تحدثت معهم “عربي21″، فإن الشرط الجديد المُلزم للموظفين بالاعتراف بحق “إسرائيل” بالوجود، مع التهديد بالفصل في حال عدم الالتزام به، يعدّ انتهاكا لحرية التعبير والإعلام.
من جهته أكد أنس الجرجاوي، مسؤول العمليات في المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، أنه “من ناحية المبدأ يحق لكل مؤسسة وضع سياسات وقواعد داخلية خاصة بها”.
وتابع الجرجاوي في حديث خاص لـ”عربي21″: “لكن المهم هنا، ألا تتعارض تلك السياسات مع حقوق الموظفين والعاملين في المؤسسة بشكل خاص، ومبادئ حقوق الإنسان الأساسية بشكل عام”.
ونبه إلى أن “هناك خشية من أن يكون البند الذي نص على أن DW لديها التزام خاص تجاه “إسرائيل”، قد يخلق انحيازا قويا لـ إسرائيل في الخط التحريري للوكالة واستراتيجياتها في تغطية الأحداث، وإثارة جو من الخوف وعدم الارتياح والترهيب بين العاملين والموظفين في الوكالة عندما يتعلق الأمر بتناول انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها إسرائيل”.
وأكد أن التوبة والندم الألماني على جريمة “الهولوكوست” لا يعنيان بأي شكل من الأشكال التغاضي عن الفظائع التي عانى منها الفلسطينيون، كما أنه يجب دائما على وسائل الإعلام أن تتعامل مع الأحداث بمهنية وموضوعية واستقلالية، ولا ينبغي أن تخلق استثناءات لأي جهة بناء على معايير خاصة”.
وحول تأثير هذا التحديث على حرية الإعلام في ألمانيا، قال الجرجاوي: “بكل تأكيد هذه السلوكيات التعسفية تصب في خانة تقييد حقوق الصحافيين العرب العاملين في وسائل الإعلام في ألمانيا، وستؤدي بالضرورة كذلك إلى الحد من قدرة وحرية وسائل الإعلام من تناول الأحداث المرتبطة بإسرائيل بموضوعية واستقلالية”.
وأكد أن المرصد “رصد خلال المدة الأخيرة حملات تشويه منظمة ضد صحافيين عرب في وسائل الإعلام الألمانية من صحف ومنظمات وجماعات يمينية متطرفة، تهدف في المقام الأول لتجريم كشف أو انتقاد الانتهاكات الإسرائيلية”.
من جانبه، قال الصحفي والباحث في الشأن الأوروبي، وسام أبو الهيجا، أن “التحديث الأخير الذي أقرته DW على مدونة قواعد السلوك الخاصة بها، يُشكل مخالفة صارخة للفقرة الأولى والثانية من المادة الخامسة للقانون الأساسي الألماني، وتغولا سافرا من الخارجية الألمانية التي تشرف على سياسة المحطة التحريرية وعلى حرية الإعلام وحرية التعبير”.
وأوضح أبو الهيجا خلال حديثه لـ”عربي21″، أن “الحكم القضائي الأخير الذي صدر لصالح الصحافية فرح مرقة، يؤكد بما لا يدع مساحة للشك أن الإجراءات التي تتبعها مؤسسة دويتشة فيلة تأتي في سياق سياسي خاضع لاعتبارات معروفة، ولا وجود لسند قانوني يحد من حرية الصحفيين في التعبير عن آرائهم بعيداً عن العنصرية وخطاب الكراهية والتحريض ضد فئة أو عرق أو جنس، وهو ما يستدعي تحركا عاجلا من الحقوقيين ورابطة الصحفيين الألمانية”.
وأشار إلى أن “هنالك اغتيالات معنوية تمارسها جماعات الضغط الإسرائيلية بحق الصحفيين الفلسطينيين العاملين في المؤسسات الصحفية والإعلامية الألمانية، وذلك من خلال زجهم بقضايا معاداة السامية بناء على انتقادهم لإسرائيل عبر حساباتهم الشخصية على المنصات الرقمية، أو مشاركتهم في وقفات احتجاجية ضد الممارسات الإسرائيلية بحق الفلسطينيين”.
وسرد مثالا على نتائج هذا التحريض على الصحفيين “ما حدث مع الصحفية الفلسطينية نعمة الحسن التي حرمت من تقديم إحدى البرامج الرئيسية في قناة WDR إثر حملة تحريض شرسة تعرضت لها من قبل مؤيدي “إسرائيل” في ألمانيا”.
واعتبر أن “هذا التحريض والعقوبات ضد الصحفيين ممارسات غير مشروعة وباتت جزءا من بيئة الخوف المخيمة على غرف الأخبار الألمانية، والتي تكشفت فضائحها في الصحف الألمانية خلال الأسابيع الماضية”.
ونبه إلى أنه “إذا ما تم تمرير مثل تلك القواعد السلوكية على الصحفيين، فسنكون أمام انهيار غير مسبوق في استقلالية وسائل الإعلام الألمانية والصحفيين العاملين لديها، وهي مخالفة دستورية تتم باسم دافعي الضرائب الألمان ولا بد من إجراء تحقيق في الأمر”.
شرط غامض
وعلى خلفية اعتبار المحكمة العمالية فصل الصحفيتين فرح مرقة ومرام سالم غير قانوني، يبرز تساؤل حول ما إذا كان الشرط الذي يلزم الموظفين بالاعتراف بحق “إسرائيل” بالوجود قانوني أم لا؟
أليس جارسيا، مسؤولة المناصرة والاتصال في المركز الأوروبي للدعم القانوني، قالت إن ” هذا الشرط الجديد يرتبط ارتباطا مباشرا بالالتزام بمكافحة العنصرية ومعاداة السامية والتمييز، لكن لماذا هذا الالتزام المحدد؟”.
وتابعت جارسيا خلال حديثها لـ”عربي21″: “يبدو أن DW تضيف معتقداتها الأيديولوجية في مدونة قواعد السلوك الخاصة بها والتي من شأنها أن تنطبق على الآلاف من الموظفين في جميع أنحاء العالم، وهذا أمر مقلق للغاية بالنسبة لحرية الصحافة، وحرية التعبير ويتناقض مع المبادئ الأخلاقية الأساسية للصحافة المشتركة بين جميع مدونات أخلاقيات الصحافة في أوروبا: استقلال وسائل الإعلام ونقل الحقائق كما هي”.
من جهته، قال جيوفاني فاسينا، مدير المركز الأوروبي للدعم القانوني، إن “هذا التحديث والمدونة بشكل عام مُلزمة لجميع موظفي DW والشركات التابعة لها، وكما حدث وقد يحدث مستقبلا يمكن أن يواجه الموظفين عواقب إذا انتهكوا هذه القوانين المنصوصة في المدونة بما فيها الفصل من العمل”.
وتابع فاسينا خلال حديثه : “لكن نظرا لأن هذا الشرط غامض للغاية، فمن الصعب معرفة نوع الالتزامات التي قد تترتب على موظفي DW والشركات التابعة لها بموجبه”.
وأوضح متسائلا: “هل يعني ذلك الدعم غير المشروط لدولة “إسرائيل”؟ هل يعني ذلك أن موظفي DW لن يكونوا قادرين على انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية وممارساتها في تقاريرهم أو وسائل التواصل الاجتماعي الخاصة، دون الخوف من الفصل؟”.
وأضاف: “أيضا نظرا لأن DW لديها موظفين وفروع في جميع أنحاء العالم، فمن المحتمل أن يتعارض ذلك مع التشريعات الوطنية المتعلقة بحرية الصحافة وحرية التعبير، والتي تشمل “حرية اعتناق الآراء وتلقي ونقل المعلومات والأفكار دون تدخل من السلطة العامة” على النحو المنصوص عليه في المادة 10 من الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان”.
وحول إمكانية طعن الموظفين في هذا الشرط قانونيا أو حتى بالفصل نتيجة لتطبيقه، قال فاسينا: “كما فعلت فرح مرقة ومرام سالم وآخرون، لا يزال من الممكن الطعن في DW في المحكمة إذا اتخذوا أي عقوبة بناءً على هذا القانون وعلى مزاعم لا أساس لها من معاداة السامية، لكن القانون الجديد نفسه يخلق بالفعل تأثيرا مخيفًا على موظفي المحطة والشركات التابعة، مما يعد انتهاكًا لحرياتهم الأساسية”.
يُذكر أن هناك قضايا لصحفيين عرب ضد المحطة لا زالت عالقة في المحاكم، كان الصحفيون قد رفعوها ضد DW بعد أن فصلتهم بحجة أنهم يعادون السامية في منشوراتهم على حساباتهم الشخصية في مواقع التواصل الاجتماعي.
المصدر عربي 21