الإمام الحسين.. نهج يصنع الثورات.. مقاربة تاريخية
الإمام الحسين.. نهج يصنع الثورات.. مقاربة تاريخية
التاريخ الإنساني مليءٌ بالحركات الدينية والوطنية ، والثورات العسكرية والتغييرات، والحركات الوطنية ، لكنها جميعاً تأخذ زمنها الذي لايتجاوز العشرين عقداً من الزمان، في أفضل الحالات، ثم يأفل نجمها، بعد أن يُكتب لها النصر، أو تُمنى بالإنكسار والهزيمة، وتموت فكرتها، ويخفت وهجها وينطفئ، وتتحول إلى قصة عابرة في تاريخ الشعوب .. غير أن ثورة (الإمام الحسين إبن الإمام علي بن أبي طالب) عليهم الصلاة والسلام، شكلت مساراً ثورياً لايتوقف، ووهجاً إيمانياً لايخبو ولاينطفئ. ومنهجاً مُلهماً للثوار والقادة عبر التاريخ
لهذا نحن أمام شخصية إيمانية ثورية إستثنائية، في تاريخ الإنسانية كلها. هذه الشخصية الإستثنائية وضعت الجميع أمام تساؤل: من هو (الإمام الحسين) وما السر في أن ثورته مازالت قائمة ، بعد أكثر من 1400عام، من خلال استمرارية اندلاع ثورات مماثلة،وعلى النهج نفسه.
ولكي نجيب على هذا التساؤل، يجب أن نستوعب أننا أمام أول ثورة إسلامية، كان رمزها ومايزال سبط خاتم الانبياء والمرسلين، صلى الله عليه وآله، وابن ولي كل مؤمنٍ ومؤمنة حتى تقوم الساعة، وأُمه سيدة نساء العالمين، وبضعة المصطفى صلى الله عليه وآله، الحوراء الكاملة، والزهراء الطاهرة، ما لاحت حقيقتها الكلية إلا لباب الرحمة النبوية. وقبل هذا وذاك، فإن جدّه هو من دنى من الله وتدلّى، وكان قاب قوسين أو أدنى. سيرته عليه السلام نبوية، رسائلية وتاريخه يتضوع إيماناً وورعاً وتقوى وفداءً وتضحية، فهو أحد الخمسة أهل الكساء النبوي المحمدي، الذين نزلت بهم الآيات القرآنية، وجاءت بوصفهم الأحاديث النبوية الصحيحة، بإجماع الأمة. فقال فيهم النبي الأعظم سيدنا محمد صلى الله عليه واله وسلم، كما جاء في كتاب «الجمع بين الصحاح الستّة لأهل السنّة»، و هي عبارة عن: ( «الموطّأ» لمالك بن أنس الأصبحيّ، و «صحيح مسلم»، و «صحيح البخاريّ» و «سنن أبي داوود السجستانيّ»، و«صحيح الترمذيّ»، و النسخة الكبيرة من «صحيح النسائيّ» )، في تفسير هذه الآية المباركة: (إنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا) .. عن عائشة أنـّها قالت: خَرَجَ رَسُولُ اللَهِ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، و علیهِ مِرطٌ مُرَحَّلٌ مِن شَعْرٍ أسْوَدَ، فَجَاءَ الْحَسَنُ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَ الْحُسَيْنُ فَأَدْخَلَهُ، ثُمَّ جَاءَتْ فَاطِمَةٌ فَأَدْخَلَهَا، ثُمَّ جَاءَ عليٌّ فَأَدْخَلَهُ، ثم قَالَ: «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» .
وجاء أيضاً: عَنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها وأرضى زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ،: أَنَّ هَذِهِ الآيَةَ نَزَلَتْ فِي بَيْتِهَا «إِنَّمَا يُرِيدُ اللَهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا» . قَالَتْ: وَأَنَا جَالِسَةٌ عَنْدَ الْبَابَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولُ اللهِ أَلَسْتُ مِن أَهْلِ الْبَيتِ ؟ فَقَالَ: إِنَّكِ إلِي خَيْرٍ إِنَّكَ مِنْ أَزْواجِ رِسُولِ اللهِ، قَالَتْ: وَ فِي الْبَيْتِ رَسُولُ اللهِ، وَ علیٌّ، وَ فَاطِمَةُ، وَ حَسَنٌ، وَ حُسَيْنٌ، فَجَلَّلَهُمْ بِكَسَاءٍ وَقَالَ: ( اللَهُمَّ هَؤلاءِ أَهْلُ بَيتي فَأَذْهِبْ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَ طَهِّرْهُمْ تَطْهِيراً ).
وبذلك يكون الإمام الحسين ممن أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً .. وهنا إشارة عظمى وهي أن الله تعالى قال (يذهب عنكم)ولم يقل (يذهب منكم) صلوات الله عليهم ولنا أن نعرف الآن أن قائد هذه الثورة الأم، مطهرٌ تطهيرا من الله عز وجل، والتطهير من الله هنا عصمة، إذا ً نحن نتحدث عن قائد ثورة معصوم.
وعندما نستدل من كتب السنة وليس من كتب آل البيت او الشيعة عليهم السلام انما نريد ان نلزمهم الحجة.
وورد في صحيح البخاري، وفي الترمذي وغيره:
قال رسول الله صلى الله عليه وآله:
{حسينٌ مني و أنا من حسين. أحب الله من أحب حسيناً. حسينٌ سبطٌ من الأسباط} .
الذي يُفهم من الحديث «حسينُ مني»: حسينُ ولدي، حسينُ بضعة مني .. ولكن ماذا نفهم من قوله صلى الله عليه وآله: «وأنا منه»؟ الذي يُفهم من «وأنا منه»، «وأنا من حسين» أن دعوة الحسين ودعوة الرسول صلى الله عليه وآله ، دعوة واحدة. أن ثورة الحسين تتوافق مع ماجاء به الرسول الاعظم وانها رسالة واحدة .
وهذه حجةٌ دامغةٌ، ومزيةٌ بالغةٌ، مادام أن الحسين من رسول الله ورسول الله من الحسين .. وبذلك، إنما أراد البغاة بقتلهم للإمام الحسين، قتل سيدي رسول الله صَلَّي اللَهُ علیهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وأرادوا محو منهجه الرسالي، الذي حمله الإمام الحسين. ..
إذاً هذه بعض شذرات قدسية من الشخصية النبوية، التي قادت أم الثورات الإسلامية، وأولها.
ولما استحالت النبوة ملكاً عضوداً، وحلّت بالأمة الداهية الدهياء، واستفرد بدين الله الأدعياء، فدارت القيان، وظُربت حُمرُ الخيام، وتَرَبّعَ على محراب النبوة شواذ الصبيان، قُوِّمَ الإمام الحسين من الرحمن، فقام وإلى جواره آل البيت الأطهار، والخُلَّصُ من التابعين الأخيار، في عام 61 من الهجرة؛ لكي يُقَوِّموا ما اعوَجَّ من منهج الرسالة بفعل الأدعياء، ويعيدوا الأمة إلى ما أوصى به رسول الله صلى الله عليه وآله، كي لا يَضِلّوا بعده أبداً.
وكان من مآسي كربلاء ماكان، فمن أوصاهم به رسول الله صلى الله عليه وآله بأن يحبوه، قاموا فقتلوه، وما أبِهوا ببغض الله لهم، ولا بدعوة النبي صلى الله عليه وآله عليهم، فذبحوا الإمام الحسين وإخوته وأبناءهم، واقتادوا حفيدات المصطفى بالسلاسل والقيود.
فكان المرتكز الأساسي لهذه الثورة، الممهورة بأزكى الدماء، أن هذه الثورة، التي ستلد ثورات، لاتنتهي .. مرتكزها الأساسي هو القران الكريم، والعترة الطاهرة، لقوله صلى الله عليه واله: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً، كتاب الله وعترتي آل بيتي)، ولذلك فقد كان من مخرجات هذه الثورة:
1) أن الإمام الحسين تكرر عبر التاريخ، كحالة ثورية إيمانية، من خلال أعلام الهدى من آل بيت رسول الله صلى الله عليه وآله وشيعتهم الاوفياء.
2) أن الطاغية يزيد وأباه، بدأوا أشخاصاً، واستمروا حالات سلطوية مستبدة تتنقل في الحكام، ظمن مشروع تخريبي، يستهدف المنهج و الأمة والعترة المنوط بها إصلاح حال الأمة، والحفاظ على حقيقة المنهج الإسلامي الصحيح.
3) أن ثورة الإمام الحسين أفرزت قيماً إيمانيةً ثوريةً، ضد كل مظاهر الظلم، وقدمت مُثُلاً عُليا، عملية ومنهجية، توارثها أعلام الهدى وأنصارهم الصادقون.عبر التاريخ الى أن يرث الله الارض ومن عليها.
4) والمهم في ثورة الإمام الحسين عليه السلام، أنها مثلت أنموذجاً للثورات المقتفية لذالك المسار الثوري العظيم، والتي ماتوقفت حتى يومنا هذا.
فكانت هذه الثورات على سبيل المثال لا الحصر هي:
▪ ️ثورة أهل المدينة المنورة، وهي الثورة التي خرج فيها القلة المنتجبون الأخيار، من التابعين وأبنائهم، على الماجن الملعون يزيد بن معاوية، وخلعوا بيعته .. وكما جاء في تاريخ الخلفاء للسيوطي ص193 أن خيار التابعين الذين خلعوا بيعة يزيد، عللوا ذلك بقولهم: (والله ماخرجنا على يزيد وخلعنا بيعته إلا لأننا خفنا أن نُرمى بالحجارة من السماء. إنه رجل ينكح أمهات الأولاد والأخوات، ويشرب الخمر، ويدع الصلاة).. ولما خُذلوا من أغلب المسلمين التابعين،قام الخمّار يزيد بتجهيز جيش قوامه زهاء عشرون ألفاً من بلاد الشام، وهاجم مدينة رسول الله، وذلك في عام (الحَرّة) ، واستباحها لمدة ثلاثة أيام، حدث فيها ماحدث فاغتُصبت النساء، وقُتل في هذه الواقعة أعدادٌ كبيرة من مهاجرين وأنصار، ودخلت خيول ابن معاوية المسجد النبوي الحرام، واستباحته وبالت وتروثت فيه.
ثم بعد ذلك بزمن وعلى النهج النبوي الحسيني، انطلقت (ثورة التوابين)، وذلك في سنة 65 للهجرة، بقيادة الصحابي المجاهد (سليمان بن صرد الخزاعي). والتوابون هم الذين خرجوا على المنحلّ يزيد، تحت شعار (يالثارات الحسين المظلوم).. وقاتلوا الجيش الأمويّ أيّما قتال، في منطقةٍ اسمها (عين الوردة)، وأبادوا من الجيش الأموي زهاءَ خمسة آلاف، وانتصر التوابون في تلك المعركة.
وعادت الكَرّةُ من جديد، بعد أن استنجد جيش (الخليع الأموي) بعشرات الآلاف من جيوش الشام، الذين كانوا لايُفَرِّقون بين الناقة والجمل، بسبب التلقين المنهجي الخاطئ للدين، ووضع الأحاديث الكاذبة التي أخرجها فقهاء السلطة لبني أميّة، في النيل من فضائل آل البيت، وتحريم المعصية لهم، واستبدلوا كل ذلك بفضائل لبني أميّة ، ما أنزل الله بها من سلطان..، ودارت المعركة الثانية، واستشهد فيها قائد التوابين سليمان ابن صرد الخزاعي، وجمعٌ غفيرٌ من جيشه.
▪️ثورة المختار
وهي الثورة المحمدية الحسينية، التي قامت في عام 66 من الهجرة، وهي الثورة التي قادها (المختار بن عُبَيْدِاللّهِ الثقفي)، الذي كان أبوه أحد مناصري (الإمام علي) عليه السلام، وكان يسمى حواري الإمام علي وهو أحد اعظم قادة جيوشه..، اندلعت هذه الثورة في العراق بالكوفة، وتم لها السيطرة على الكوفة والبصرة وكل مدن العراق، حيث فرّ الوالي الأموي (عبدالله بن زياد) مع حاشيته، وتمكن (المختار عليه السلام، وإبراهيم بن الأشتر، وجموع من المسلمين الأحرار) من إقامة الدولة الإسلامية، وتصحيح المنهج، وذلك لمدة عامين، وتم قتل المنحرفين من عبدة المال البغاة، الذين كانوا قد باشروا قتل (الإمام الحسين) عليه السلام .. بعدها تم التنسيق بين سلطة (الزبير) في المدينة والحكم الأموي في الشام، للنيل من ثورة المختار .. واستشهد عليه السلام، بسبب خذلان جيشه له، حيث آثروا السلامة ..
ولكن سرعان ما اعدمهم السفاح (عبدالله بن الزبير) إعدام النعاج.
ويستمر النهج الثوري الحسيني بثورة (الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي ابن أبي طالب) صلوات الله عليهم..
اندلعت هذه الثورة الزيدية الحسينية في عام 121 من الهجرة، في الكوفة، أثناء تسلط الوالي الأموي (هشام بن عبدالملك)، بعد أن بلغ في الناس من الفساد والإضطهاد والظلم ما لاتقوى الجبال على حمله، مما حدى بالإمام زيد إلى إنكار ذلك على هشام بن عبدالملك، ومواجهته وتعريتة واظهار ظلمه للرعية، ونهب ممتلكاتهم، وسرقة حقوقهم من قِبَلِ وُلاتِهِ وحاشيته، فأعرض هشام عن تلكم المحاججة، وزاد استكباراً وغروراً. حينها أعلن الإمام زيد ثورته، التي أيّدَها جَمْعٌ كبير من العلماء وأئمة الهدى .. حتى استشهد الإمام زيد، فانتزعوا جثمانه من مرقده، وصلبوه، وأحرقوه، وذرّوا رماده.
وعلى النهج الحسيني نفسه، قامت ثورة (يحى بن زيد بن علي) عليهم السلام، في عام 125 هجرية، وقاتل يحي ابن زيد بن علي جيوش السلطة الأموية، في منطقةٍ إسمها (أبرشهر – من نواحي طوس)، واستمر يقود الثورة الحسينية حتى كتب الله له الشهادة، وفعلوا بجسده الشريف كما فعلوا مع أبيه الإمام الشهيد زيد بن علي .
️وخلال العصر العباسي استمر أئمة الهدى من آل البيت عليهم السلام في تصحيح المفاهيم والثقافات المغلوطة، وازالة العقائد المنحرفة، عبر المنهج القرآني السوي، وكان ذلك التصحيح والإرشاد يمثل ثورات منهجية على طغاة الدولة العباسية، مما دفع الدولة العباسية بحكامها الطواغيت إلى تصفية الأئمة من آل البيت عليهم السلام، فمنهم من تم قتله بالسم، ومنهم بالسجن في غرف وأعمدة مصمتة حتى الموت، أو التشريد في أصقاع الأرض، وكذلك فعلوا بمناصريهم وأشياعهم ومحبيهم.
وكانت تلك المسارات، الثورية الفكرية منها أو المسلحة، ليس لها مقصد دنيوي، أو مأرب أنوي، وإنما دفاعاً عن الدين الحق القويم،والأخذ بيد الأمة الإسلامية، التي أُستلبت إرادتها وعبثوا بمقدراتها وانحرفوا بمسارها الحكام الطغاة، وأولياؤهم من اليهود والنصارى المشركين بالله، وذلك على مر التاريخ، ليردوا هذه الأمة عن دينها إن استطاعوا.
وقد اخبرنا الله بذلك في محكم كتابه، إذ قال أعز من قائل: (ولايزالون يقاتلوكم حتى يردوكم عن دينكم إن استطاعوا ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فاولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون) صدق الله العظيم.
ولما كانت الموآمرة برمتها، من البداية إلى النهاية، هي تزييف المنهج وتبديل المفاهيم الجوهرية للدين، حتى يسهل صياغة العقل الإسلامي صياغة منحرفة، تجعله يرتد عن دينه، فيستسلم ويخضع للإدخالات المضلة، ويفرط بعقيدته، بما فيها من مكارم أخلاق عظيمة تشمل العفاف والطهر والشرف، والغيرة على الأوطار الرفيعة والأوطان، والأعراض المنيفة الشريفة، والنيل من حضارتها الممتدة إلى بدء الخليقة…
ولأن حقيقة وجوهر هذا الدين الإسلامي هو الأخذ بيد الإنسانية جمعاء، باعتباره رسالة للناس كافة، يحررهم من عبادة العبيد ونزواتهم وشرورهم وشذوذهم وانحرافاتهم، إلى عبادة الله وحده لاشريك له؛ من أجل ذلك كله، مثلت ثورة الإمام الحسين عليه السلام جرس الإنذار المبكر الذي أربك مشاريع الطغاة، وخلط عليهم أوراقهم وبرامجهم، فاستمرت ترددات ذلك الجرس المحمدي الحسيني النوراني تتشكل ثورات منهجية، ومحطات مواجهة عبر التاريخ، بين أعلام الهدى وإلى جانبهم كل المؤمنين الصادقين، وبين الطرف المناوئ، برموزه الظالمة، الذين يبغونها عوجاً، ليتمكنوا من إحكام تسلطهم، فيخدمون بذلك داعميهم من أعداء الأمة، حتى يتيسر لهم جميعاً التخلص من أعلام الهدى، كأدلة عرفانية للأمة، وتحريف المنهج القرآني كدستور في مجالات الحياة، المتعددة والتمكن من استبداد الأمة المؤمنة كرافعة شعبية وجماهيرية للمشروع القرآني العظيم.
وكانت أبرز المحطات العظيمة في مواجهة الطاغوت وأزلامه، هي الثورة الحسينيةالإيمانية الإيرانية الإسلامية، في عام 1979م، بقيادة الإمام الرباني السيد (آية الله الخميني)، الذي غير مجرى الليل الطاغوتي، وأشرق بنور التحرر الإسلامي الثوري، مستلهماً انتصار الدم الحسيني على سيف البغاة.
حيث مثلت هذه الثورة يقضة إسلامية، استجاب لها أحرار المسلمين وأحرار الإنسانية جمعاء، في (جمهورية إيران الإسلامية) وفي المنطقة والعالم.
وبسقوط شُرطيِّ الخليج شاه إيران (محمد رضاء بهلوي) في هذه الثورة، انهزم محور الشر العالمي، الذي قادته كل من (أمريكا وإسرائيل) ومن لف لفهم من الغربيين والأعراب في الشرق الأوسط، فبدأت هذه الثورة الإسلامية بتغيير معادلة الصراع في المنطقة والعالم، لصالح المستضعفين في الأرض.
ومن بين الظلام الكثيف، أشرقت الأرض بنور ربها، فانطلقت بشائر الثورة اليمنية، في عام 1992م ، بقيادة العالم الرباني والمجاهد العرفاني السيد الحجة (بدرالدين بن امير الدين الحوثي) ومعه الشهيد القائد محمدي الهدى علوي النهج حسيني المسار، السيد الذي انتظرناه كمستضعفين ردحاً من الزمن، السيد (حسين إبن بدرالدين الحوثي) رضوان الله عليه، فبدأت على يديهما والخُلَّصِ الأطهار من القبائل اليمنية، وعلى رأسهم العلامة المجاهد الصمداني والمؤمن الرباني (أبو يحى الرزامي) -أدام الله عزه- بدأت هذه المسيرة بتشكيل الشباب المؤمن، كنواة حركية وعمليه لثورة المسيرة القرآنية، وأُعلن شعار الثورة، الذي يُعَبِّرُ عن الموقف والسلاح في وجه الغطرسة الأمريكية الإسرائيلية، وأدواتهما في الداخل والإقليم والعالم..، انطلق الشعار بنص محكم الدلالة، متناسب مع طبيعة الصراع، ومشخص لرموز البغي المعاصر ومآلهم:
الله أكبر
الموت لأمريكا
الموت لإسرائيل
اللعنة على اليهود
النصر للإسلام
وهو الشعار الذي كان اليهود يتحسبون لقدومه ، إذ سرعان ماتم إبلاغ السفارة الأمريكية في صنعاء، من قِبَلِ بعض اليهود اليمنيين:
أنّ المُكَبِّرَ – أي صاحب الصرخة- قد خرج من جبال صعدة، وهو الأمر الذي استدعى الولايات المتحدة الأمريكية إلى توجيه سفارتها في صنعاء بسرعة التنسيق مع سلطة عفاش في القضاء على قائد الثورة ورفاقه.
وبالفعل، وعبر الأدوات الأمريكية، الرسمية منها والميلشاوية، شُنَّتْ سِتُّ حروبٍ على محافظة صعدة، استُخدِمَتْ فيها القوات الجوية والبرية، وجحافل من الجيوش الرسمية والميلشوية الوهابية ، وبدعم لوجستي كبير من (أمريكا والمملكة السعودية)، وتدخل مباشر من الطيران الحربي السعودي، والقوات البرية السعودية، ولكن الله ثبت هذه الثورة وترسخت دعائمها بالإستشهاد الحسيني للسيد القائد (حسين إبن بدرالدين الحوثي) .. ذلك الإستشهاد الذي جعل إخوته ومناصريه من المجاهدين يزدادون يقيناً بوعد الله، وثباتاً وإصراراً على إستمرار المواجهة ضد النظام العميل، ومليشياته الوهابية السعودبة من المتأسلمين، والأدوات الأمريكية في المنطقة .. وتوج ذلك الثبات بالنصر التاريخي في 21 سبتمبر عام 2014 م بثورة شعبية يمنية كبرى، غيرت مجرى الخارطة السياسية والثقافية في المنطقة، بقيادة علم الهدى وحفيد المصطفى وابن المرتضى، عليهم صلوات الله وسلامه، السيد القائد (عبدالملك إبن بدرالدين الحوثي).
وهكذا، كانت ثورة الإمام الحسين هي البداية الثورية المنهجية، التي رسمت مسار كل الثورات الحسينية المتعاقبة، حتى خلصت إلى المسيرة القرآنية، التي مثلت الوعاء المنهجي والثوري الجامع والشامل، الذي صنع أعظم مواجهة ضد محور الطغيان العالمي، وتجلت عظمتها للأسباب التالية:
1) وصول التغييب المنهجي القراني إلى ذروته، من قبل الأدوات الأمريكية والإسرائيلية، كأحزاب ومذاهب وأفكار وسلطة، وذلك من خلال تقديم المنهج القرآني تقديماً فقهياً تقليدياً مشوهاً، يستهدف حقيقة الدين الإسلامي.
2) صَنَعَ الطاغوتُ الفكري المذهبي مع أوليائه من اليهود مسافة فارقة متباعدة وسحيقة، بين الأمة وبين الصفوة من عترة نبيها، في محاولة لضرب الثابت الإستراتيجي لنجاة الأمة، ألا وهو قول المصطفى صلى الله عليه وآله، كوصية تنقذ الأمة: (تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبداً. كتاب الله وعترتي آل بيتي). ومثلت هذه المسافة الفارقة المصطنعة بين الأمة والعترة، عامل توهان وضعف، جعلا من العمل الثوري في إطار المنهج القرآني، عملاً مستحيلاً.
3) تمحور بعض المكونات السياسية، القومية منها أو الدينية التقليدية، التي كانت عبر التاريخ تتموضع ضد المنهج القرآني وأعلام الهدى، بدءاً من الخوارج، ومروراً بالمشروع الأموي، والدولة العباسية، ثم الدولة العثمانية، وغيرها من الأيوبيين، والأكراد، والمماليك، وصولاً إلى المملكة السعودية الوهابية، التي أنتجت القوى التكفيرية (الداعشية، والسلفية) التي قامت عقيدتها على مبدأ بغض آل البيت عليهم السلام.
4) إستهداف ثروات اليمن المتعددة والمتنوعة، من الذهب الأسود والغاز ومشتقاتهما، والثروة السمكية، ناهيك عن الموقع الجفرافي الإستراتيجي، المتمثل في الساحل اليمني الممتد من أقصى الدولة اليمنية مروراً بأهم مضيق بحري في العالم وهو باب المندب، وصولاً إلى أهم ميناء تجاري في عدن، وانتهاءً بجزيرة سقطرى، والتي تعد موقعاً بحرياً مسيطراً على المساحة البحرية الممتدة من شرق اليمن إلى غربها، وعمقاً عسكرياً دولياً.
5) إتساع جبهات المواجهة على طول الأرض اليمنية وعرضها، بين قوى الحامل الوطني من جهة، بقيادة الأنصار، وبين قوى العدوان الإقليمي والدولي، بقيادة أمريكا واسرائيل.
6) الفارق المهول بين إمكانات أطراف المواجهة، حيث استخدم العدوان ترليونات من المال الخليجي والآلة العسكرية الأمريكية والأوروبية والمخابرات العالمية وأجهزة النفير الإعلامي، ضد شعبٍ محاصرٍ برّاً وبحرا وجوّاً، منهوبة ثرواته ومرتباته.
7( إستخدام الحرب البيولوجية، عبر الفيروسات المُعدية المتعددة والمتنوعة، وفي الوقت نفسه منع الأدوية والعقاقير الطبية من الدخول إلى البلد، إلا عبر تكاليف مضنية وخيالية، أثقلت كاهل الشعب اليمني، فكانت النتيجة مئات آلاف الضحايا اليمنيين، من أطفال ونساء ورجال.
وعلى الرغم من تلكم الأسباب القوية والعوامل الإستثنائية في تاريخ الحروب، إلا أن صمود الثورة الحسينية حقق انتصاراً أدهش العالم بأسره، وأربك المشروع الأمريكي الإسرائيلي ، بأدواته المحلية والإقليمية.
وهكذا ينتصر النهج الحسيني، الذي بدأ بالحسين السبط وأصحابه، سلام الله عليهم، وصولاً إلى حسين العصر وأنصاره عليهم السلام. متوجاً بعلم الهدى وحفيد المصطفى وابن المرتضى السيد القائد عبدالملك ابن بدرالدين الحوثي روحي له الفداء____
* كاتب وباحث