البصيرة ثم الجهاد
البصيرة ثم الجهاد
الإمام زيد بن علي عليه السلام هو رمز من رموز الأمة الإسلامية العظماء الذين صنعوا تاريخاً مشرقاً بنور الإسلام وتركوا للأمة موروثاً فكرياً وثقافياً وجهادياً وثورياً مليئاً بالوعي والبصيرة والعزة والكرامة والمسؤولية سيبقى ما بقيت الليالي والأيام، رضع مبادئ وقيم وأحكام وتشريعات الدين الإسلامي الحنيف من منبعه الأصلي ومن معينه الصافي ومن مسافة قريبة متصلة بجده رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وتشرب ثقافة القرآن الكريم حتى صار حليفاً للقرآن يتحرك بحركته ويستمد منه طاقته الإيمانية والعملية بل كان بالنسبة له سلاحاً فكرياً وثقافياً ومعرفياً وتربوياً وجهادياً وعلمياً وثورياً وعلى أساسه انطلق مجاهداً في سبيل الله في مواجهة فساد وظلم بني أمية، ومما يؤكد مدى علاقته الكبيرة بالقرآن الكريم كان يقول في إطار عمله الجهادي والثوري (والله ما يدعني كتاب الله أن أسكت) فهو لا يسكت عن باطل ولا عن ظلم ولا عن فساد لأنه يؤمن بالقرآن الكريم إيماناً عملياً صادقاً فكان يتحرك بحركة القرآن على كل المستويات الثقافية والجهادية والتربوية وفي بقية المجالات.
جمع الإمام زيد بن علي عليه السلام بين الفطرة الإنسانية السليمة والمبادئ الإيمانية العظيمة والروح الثورية الجهادية فكان عبارة عن منظومة من القيم العظيمة يتحرك بحركة الإسلام المحمدي الأصيل يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر ويصدع بالحق ويعلم الناس أمور دينهم لما فيه صلاح دنياهم وآخرتهم وكان قوياً في معرفته بالله وعلاقته بالقرآن الكريم حتى لُقٍّب بحليف القرآن، وكان صادقاً في ترجمة ما يؤمن وما يدعو إليه حيث ترجم صدق إيمانه بالخروج في ثورة جهادية ضد الطاغية هشام بن عبدالملك بن مروان من أجل إقامة الحق ومحاربة الظلم والفساد والجور والطغيان والانحراف والتحريف وبذل روحه ودمه في سبيل الله تعالى فكان ولا يزال قدوة للإنسان المؤمن المجاهد الصادق في إيمانه ونموذجاً راقياً لأهل البيت عليهم السلام الذين يخوضون غمرات الموت من أجل الحق حيث كان، حيث كان هدفه الأبرز هو إصلاح واقع أمة جده رسول الله محمد صلى الله عليه وآله، كما قال ذلك في عبارته المشهورة (والله لوددت أن يدي ملصقة بالثريا فأقع إلى الأرض أو حيث أقع فأتقطع قطعة قطعة وأن الله أصلح بي أمر أمة محمد).
وكان من أهم المبادئ والأسس التي تحرك على أساسها الإمام زيد عليه السلام في ثورته ضد ظلم وطغيان وفساد هشام بن عبد الملك بن مروان هو صناعة الوعي والبصيرة في نفوس الناس، لأنه يدرك جيداً أن المجتمع بدون الوعي والبصيرة لن يستطيع تغيير واقعه إلى الأفضل ولن يتحرك لمواجهة الطواغيت والثورة ضدهم ولو تحرك لكان تحركه هزيلاً وضعيفاً ولن يصل إلى النتيجة التي ينبغي تحقيقها، ونستطيع القول أن الإمام زيد عليه السلام جاهد في سبيل الله بالسيف والقلم والكلمة والموعظة والدعوة، جاهد التدجين والتحريف والانحراف والضلال والإفساد والظلم والطغيان ولم يستسلم للواقع الذي فرضه بنو أمية بل تحرك واثقاً بالله متوكلاً عليه من منطلق الشعور بالمسؤولية التي تقتضيها المرحلة ويفرضها الواجب الديني والإنساني والأخلاقي والقيمي.
لهذا يعتبر الإمام زيد عليه السلام امتداداً لسيرة نبوية علوية حسينية جهادية من بدر وحنين والنهروان وصفين وكربلاء الحسين إلى معركة الكوفة التي خاض غمارها الإمام زيد في مواجهة جيش هشام بن عبد الملك ابن مروان وسطر فيها أروع الملاحم البطولية حتى لقي الله شهيداً بعد أن أمر بالمعروف ونهى عن المنكر وجاهد في سبيل الله وصدع بالحق وقارع الظلم وسطر لهذه الأمة دروساً تربوية إيمانية جهادية عملية تبدأ بالوعي والبصيرة والخروج والثورة على الظالمين والتضحية والشهادة في سبيل الله ، فكان ولا يزال مدرسة جهادية ثورية تنهل منها الأمة الدروس والعبر والمواقف القوية الجهادية في معركة الحق ضد الباطل.