غزة العربية.. والأمم المتحدة
يبدو أن غزة لا تعد في ميزان منظمة الأمم المتحدة سوى مليارات من الدولارات، ووفقا لوكالة الأنباء الفرنسية، فقد قدرت منظمة الأمم المتحدة تكلفة إعادة إعمار غزة بمبلغ أربعين مليار دولار، هذا الرقم فقط هو ما يهم منظمة الأمم المتحدة، وهو أيضا ما يهم الرأسمالية المتوحشة، أما الإنسان في قطاع غزة فمنظمة الأمم المتحدة وكما هو واضح غير معنية به، وهي تكتفي بالإشارة إليه كرقم فحسب، أو الإشارة إلى ما يحدث في غزة بأنه مروع، وكأننا لا نعي ولا ندرك بأن ما يحدث مروع، إلا بإشارة منظمة الأمم المتحدة!
والواضح أن منظمة الأمم المتحدة تعمل ومنذ تأسيسها، وبشكل ممنهج بنفس عنصري تجاه العرب عموما، والفلسطينيين خصوصا، فلا تقيم اعتباراً لما يتعرض له في قطاع غزة منذ أكثر من سبعة أشهر، وما سبق أن تعرض له أبناء الشعب الفلسطيني خلال ما يقرب من ثمانية عقود من الزمن، ولو كانت منظمة الأمم المتحدة تقيم أدنى اعتبار للإنسان العربي، لأوقفت أفعال جريمة الإبادة الجماعية، التي تعرض لها، ولا يزال يتعرض لها أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، فهذه المنظمة تملك الصلاحية اللازمة وفقا لميثاقها، لوقف تلك الأفعال الإجرامية، لكن النفس العنصري يحول دون ذلك، ويمنح الكيان الصهيوني، والقوى الاستعمارية الغربية الشريكة معه، الوقت الكافي لاستكمال فصول جريمة الإبادة الجماعية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.
وحقيقة أنه مما يدعو للاستغراب، قدرة منظمة الأمم المتحدة ودقتها الفائقة في تحديد الرقم اللازم ككلفة لإعادة إعمار قطاع غزة، وعدم قدرتها، وعدم دقتها في تقييم أفعال جريمة الإبادة الجماعية، التي يرتكبها الكيان الصهيوني وشركاؤه من القوى الاستعمارية الغربية، بحق سكان قطاع غزة، وهو ما يعني أن الإنسان الفلسطيني العربي غير ذات قيمة في ميزان منظمة الأمم المتحدة، ولو كان للإنسان الفلسطيني خصوصا والعربي عموما أي قيمة، لكانت منظمة الأمم المتحدة قد استدعت المبادئ المنصوص عليها في ميثاقها، وعملت على تفعيلها بشكل فوري على حالة الإنسان العربي في قطاع غزة!
إنه لمن المخجل، ومن العار على منظمة الأمم المتحدة، أن يتضمن ميثاقها مبادئ إنسانية على درجة عالية من السمو والرقي، وعلى أرض الواقع ترتكب جريمة إبادة جماعية على مرأى ومسمع من هذه المنظمة، التي ورد في مقدمة ميثاقها التزام واضح وصريح نصه (… أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي في خلال جيل واحد جلبت على الإنسانية مرتين أحزانا يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء، وللأمم كبيرها وصغيرها من حقوق متساوية، وأن نبين الأحوال التي يمكن في ظلها تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات الدولية وغيرها من مصادر القانون الدولي، وأن ندفع بالرقي الاجتماعي قدما، وأن نرفع مستوى الحياة في جو من الحرية أفسح)!
هذه المبادئ ورد النص عليها في ميثاق الأمم المتحدة عند تأسيسها سنة 1945، ولم يكن هناك حديث عن تقدير ما دمرته الحربان العالميتان الأولى والثانية من عواصم ومدن غربية، وكان كل الاهتمام منصبا على تقرير المبادئ التي تكفل حماية الأجيال، ومنع تكرار المآسي والأحزان، التي جلبتها الحرب، فمن هي الأجيال المقصود حمايتها، وعدم تعريضها لمخاطر الحرب؟ إنها بالتأكيد أجيال شعوب القوى الاستعمارية الغربية، ولو كان المقصود حماية الأجيال الإنسانية بشكل عام، لما شهدنا اليوم كل تلك الفظائع المآسي والأحزان في قطاع غزة! وما تعرضت له عدد من شعوب الأمة العربية خلال العقود الماضية من مآس وأحزان يعجز عنها الوصف!
ويبدو اليوم واضحا وجليا أن تلك المبادئ الإنسانية الراقية، المكرسة في ميثاق الأمم المتحدة خاصة بالإنسان الغربي، ولا تشمل الإنسان العربي، باعتبار أن الواقع يؤكد وبما لا يدع مجالا للشك، أنه مستثنى من الحماية التي نص عليها ميثاق الأمم المتحدة، ومن لا يدرك ذلك فهو اعمى البصر والبصيرة، وواقعا يمكن وبكل سهولة إدراك هذه الحقيقة من خلال تصرف القوى الاستعمارية الغربية، حين يسقط جندي من جنودها، أو مواطن عادي من مواطنيها، كيف تقيم الدنيا ولا تقعدها! وكيف توجه أفعالها الانتقامية! وبدون سقف تحت عنوان الدفاع عن النفس! رغم كونها هي القوى المحتلة، وهي القوى المعتدية! ويجد سلوكها هذا كل الترحيب من منظمة الأمم المتحدة! في الوقت الذي يقتل ويجرح فيه عشرات الآلاف من العرب بدون ذنب، ودون أن يحظوا بالحماية المقررة في ميثاق الأمم المتحدة!
لعل ذلك يرجع إلى أن تواجد العرب في منظمة الأمم المتحدة، لا يعدو عنه كونه تواجدا شكليا، لا وزن له، ولا قيمة له في التأثير، بما يكفل توفير الحماية للإنسان العربي، ووقايته من عدوان وإجرام القوى الاستعمارية الصهيوغربية، فلا حماية ولا حرية، ولا كرامة ولا رقي، ولا حقوق ولا عدالة، إلا للإنسان الغربي، أما الإنسان العربي فحقوقه وأسماها حقه في الحياة كلها مهدرة، والشعوب العربية من العراق إلى سوريا، إلى لبنان إلى فلسطين إلى ليبيا، وشعبنا اليمني كذلك، وغيرها من الشعوب العربية، أصبحت حقول تجارب لما تنتجه مصانع الآلة الحربية للقوى الاستعمارية الصهيوغربية من أسلحة فتاكة، أبادت بها ملايين من أبناء الشعوب العربية على مدى عقود من الزمن، والأمم المتحدة ترى أنها غير معنية بحماية الأجيال العربية من ويلات الحروب، التي تشنها القوى الاستعمارية الصهيوغربية، بل إن هذه القوى بوصفها صاحبة مبادرة إنشاء الأمم المتحدة، هي من اختلق الذرائع، لشن الحروب على الشعوب العربية، وأبادت الملايين من أبنائها، وما نتج عن جرائمها من مآس وأحزان يعجز فعلا عنها الوصف!
ومع أن ميثاق الأمم المتحدة، يؤكد على الإيمان بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، غير أن هذا التأكيد، وكما هو مشاهد في الوقت الراهن، لا يتجاوز الإنسان الغربي، أما الإنسان العربي فلا كرامة له ولا قدر، ولا حقوق له على أرض الواقع لا لكبير ولا لصغير! ولا لرجال ولا لنساء، وفي ميزان منظمة الأمم المتحدة لا قيمة ولا قدر إلا للجانب المادي، المتمثل في تكلفة إعادة الإعمار لقطاع غزة، الذي تم تحديده بشكل دقيق بأربعين مليار دولار!
ويتحدث ميثاق الأمم المتحدة في مقدمته، عن تحقيق العدالة واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون الدولي، غير أن هذا الالتزام لا يتعدى الجانب النظري بالنسبة للإنسان العربي، ولو أن لهذا الالتزام أدنى قيمة عملية لما استمرت أفعال جريمة الإبادة الجماعية، التي ترتكب من جانب جيش الاحتلال الصهيوني، وبشراكة كاملة من القوى الإجرامية الاستعمارية الصهيوغربية، فأين هو الالتزام باتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها؟ باعتبار أن هذه الاتفاقية تعد أهم مصدر من مصادر القانون الدولي المتعلقة بالإنسان! ونصوصها واضحة ومحددة في وصف أفعال جيش الكيان الصهيوني، وأفعال القوى الاستعمارية الصهيوغربية بأنها جميعها أفعال إبادة جماعية، وفقا لما نصت عليه اتفاقية منع جريمة الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها!.
وأين هو تحقيق العدالة، وأين هو احترام الالتزامات الناشئة عن هذه الاتفاقية؟ وأين هي منظمة الأمم المتحدة من كل هذه الالتزامات، ومن كل الأفعال الإجرامية بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة؟ بل أين هي منظمة الأمم المتحدة من الالتزامات الناشئة عن معاهدات جنيف الأربع والبروتوكولات الملحقة بها؟ وأين هي منظمة الأمم المتحدة من التزامات دولة الاحتلال تجاه الشعب المحتل؟ وأين هي منظمة الأمم المتحدة من جرائم الكيان الصهيوني في قطاع غزة خصوصا، وفي بقية الأراضي المحتلة عموما؟
ألا تشاهد منظمة الأمم المتحدة أفعال الإبادة الجماعية، والتهجير القسري، وأفعال التعذيب والحصار والتجويع والترويع، والإهانة والتصرفات الماسة بالكرامة الشخصية الإنسانية، وانتهاك حقوق الأطفال والنساء، والمساس بحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال؟ أليست هذه كلها التزامات ورد النص عليها في القانون الدولي؟ فأين هي منظمة الأمم المتحدة من كل تلك الانتهاكات الفظيعة؟ ألا يؤكد كل ما سبق أن هذه المنظمة عنصرية؟ لا تقيم وزنا لدماء العرب المسفوكة ظلما وعدوانا، ولا اعتبار لحقوقهم المهدرة، وثرواتهم المنهوبة، وبلدانهم المستباحة من قوى الإجرام الاستعمارية الصهيوغربية.