السعوديّةُ والورطةُ الكبرى
حشودٌ مليونيةٌ غيرُ مسبوقة على الإطلاق في ميدان السبعين بالعاصمة صنعاء، ومشاهدُ الفيديو تتحدثُ عن صورة مماثلة في باقي المحافظات، فكانت غضبةً شعبيّةً موحَّدةً أوصلت العديدَ من الرسائل نستخلصُ منها على عجالة رسالتَينِ في غاية الأهميّة:
الأول: البركان المدمدم الذي يغلي في صدور اليمنيين ضد النظام السعوديّ، فما أن سمعوا نداءَ قائد الثورة السيد عبدالملك الحوثي بالتوجّـه إلى الساحات لإسماعِ العالم -والسعوديّ تحديداً- رأيَ الشعب في استهداف العمق السعوديّ؛ رداً على حربه الاقتصادية، حتى لبّوا النداءَ وضاقت بهم الساحاتُ والميادين، في رسالة نارية تعبر عن تعطش الشعب للانتقام من السعوديّ والاستعداد لتحمل التبعات أياً كانت.
الثاني: الصلابة منقطعة النظير لهذا الشعب المقاتل بطبيعته؛ إذ لم تفت في عضده عشر سنوات من الحرب والحصار الشاملين بقيادة السعوديّ والأمريكي، استخدمت فيها كُـلّ الخطط والخيارات والأوراق العسكرية الرابحة دون جدوى.
إنها بحق ورطة كبرى للنظام السعوديّ الذي أصابته لعنة الشعب اليمني، ولم يستطع الخروجَ من مستنقع اليمن، وها هو اليوم يواجه يمناً مختلفاً كُـلَّ الاختلاف عن اليمن الذي عرفه طوال سنوات العدوان والحصار؛ فاليمن بعد (طوفان الأقصى) قوة عسكرية متطورة، وقد خاضَ حرباً إقليمية معقَّدة جَبُنَت عنها كُـلُّ المنظومة العربية، وصواريخه وطائراته التي جابت بحار اليمن والمحيط الهندي ووصلت ضرباتها المسدَّدة البحر الأبيض المتوسط، تمكّنت بفضل الله وبأس هذه اليد الطولي من فرض حصار بحري خانق على كيان الاحتلال عجزت عن مثله الدول العربية مجتمعةً طوال الصراع العربي الإسرائيلي، أما المعركة البحرية المباشرة مع أمريكا وبريطانيا فكان بأسُ اليمنيين فيها هو سيد الموقف حتى سمع العالم صراخ الضباط والقادة العسكريين من أصعب معركة بحرية منذ الحرب العالمية الثانية، ورأى العالم أَيْـضاً كيف أُجبرت حاملة الطائرات “آيزنهاور” رمز القوة البحرية الأمريكية على الهروب والهروب والهروب حتى نفذت بجلدها من البحر الأحمر بالكامل تاركةً خلفها تاجَ نصر على رأس الجيش اليمني الذي هشّم نظرية الردع الأمريكية وأحال “تحالف الازدهار” إلى مسخرة.
أراد النظام السعوديّ تحت الضغط الأمريكي اختبار فاعلية تلك المعطيات والحقائق الصادمة عن يمن ما بعد الطوفان القوة المتطورة والدور القيادي على مستوى المنطقة، فجاءه الردُّ حاسماً، طوفانًا بشريًّا يزمجر غضباً ونقمةً على النظام السعوديّ الذي لو قُدِّرَ له أن يشاركَهم لدقيقةٍ واحدة لرفعَ الراية البيضاء وأظنه قد فعل مستخدِماً المبعوثَ الأممي وحكومةَ الفنادق سُترةَ نجاة من هذا القدر اليمني المكشر عن أنياب الموت الزؤام.
يبقى السؤال الأهم هو: إلى أي مدى بات النظام السعوديّ مقتنعاً بأن الأمريكي يدفعُه إلى ورطة أسوأَ بكثير من العدوان على اليمن؟ ثم لماذا لا نرى الإماراتِ تبادرُ لتنفيذ الإملاءات الأمريكية وهي صاحبة اليد العليا في جنوب اليمن لدرجة أن حكومة الفنادق لا تستطيعُ دخولَ عدن إلا بموافقتها؟ ألا يثير هذا الغيابُ الإماراتي الكثيرَ من علامات الاستفهام؟
لقد فهم الأمريكي بلا ريبٍ المصيرَ الأسودَ الذي ينتظر السعوديّ إنْ هو عاد لمحاربة اليمن اقتصاديًّا، فهل سيكونُ ذلك كافياً للنظام السعوديّ لإقناع الأمريكي بإعفائه من هذه المهمة التي تضعُ منشآته الاقتصادية العملاقة في مرمى الصواريخ الفرط صوتية؟ أم أنَّ أياديَ خفيةً لن تكُفَّ عن استدراج النظام السعوديّ من جديدٍ للدخول منفرداً في مواجَهةٍ مع القوة اليمنية للخَلاصِ من التهديد الاقتصادي لرؤية 2030؟