المنبر الاعلامي الحر

غزة.. ومن حولها من الأقزام

غزة.. ومن حولها من الأقزام

يمني برس/عبدالرحمن المختار/

عشرةُ أشهرٍ بلياليها وأيامِها وساعاتِها ودقائقِها وثوانيها وأجزائِها، أوشكت على الانقضاء، وكُلُّ مساحةٍ زمنيةٍ منها سجَّلت مآسيَ يعجزُ عنها الوصف، ناتجة عن أفعال قوى استعمارية موغلةٍ في التوحش والإجرام.
كشفت غزةُ زيفَ تلك القوى وتضليلَها لعقود من الزمن، روَّجت خلالها لرعاية وحماية حقوق الإنسان في منطقتنا العربية تحديداً، وهي مجتمعةٌ اليومَ ومشتركةٌ في جريمة إبادة جماعية، على مدى المساحةِ الزمنية المنصرفة من مأساة غزة، في مساحة جغرافية صغيرة، دمّـرت بُنيانَها وبنيتَها بشكل شبه كامل، وقتلت وجرحت وشرّدت وهجّرت نسبةً كبيرةً من سكانها، دونما تمييزٍ بين طفل صغير، ومسن كبير، وذكر وأنثى، الجميعُ تحت القصف، ليس العشوائي، بل المتعمَّد والممنهج.

وتعملُ قوى الإجرام على تجميعِ أكبرِ عدد من السكان في مناطقَ توهمُهم بأنها آمنة، وما إن يتجمعوا تبادر باستهدافِهم في ذروة تجمعهم، كما هو الحال عند إلقاء الوجبات من الطائرات، وما حصل مؤخّراً في منطقة مواصي بخان يونس، كتجسيد حي لسلوك تحالف قوى الإجرام، التي طالما تلبست بلباس المدنية، وتدثَّرت بثوب الإنسانية، لتتعرَّى اليومَ تماماً، وينكشف سوؤها وسواءتُها للجميع، بما في ذلك شعوبها، التي انخدعت بترويجها خلال العقود الماضية للديمقراطية، والحريات العامة، وحقوق الإنسان، فخرجت الشعوبُ لتندّدَ بأفعال الإبادة التي تقترفُها أنظمتها المجرمة، منذ عشرة أشهر بحق الشعب الفلسطيني في قطاع غزة.

وحقيقةً إنَّ قوى الإجرام الصهيوغربية، كانت مفضوحةً مكشوفةً خلالَ العقود الماضية، لكُلِّ ذي بصر وبصيرة، وهي تروِّجُ وتضلِّل، وتدمّـرُ قِيَمَ الشعوب ومقوماتِ حياتِها، وبعضُ مَن أدرك حقيقةَ قوى الإجرام الصهيوغربية، إمَّا أنه تجنَّبَ الخَوضَ عميقاً في ذلك؛ بسَببِ نفوذِها وتغلغلها في أجهزة ومؤسّسات بلده، وسطوتِها التي يمكن أن تفتكَ به، فألزم نفسَه حالَها؛ خشيةَ ما قد يؤولُ إليه مآلُها، والبعضُ كتب وتحدّث عن خطط ومخطّطات تلك القوى، لكن بشكلٍ خافت، والبعضُ اعتقد خطأً أن قولَه قد لا يكونُ له أثرٌ يُذكَرُ في خِضَمِّ التدفق الهائل للزيف والتضليل عبر مختلف الوسائل.

وفي ذلك الخضم الهائل من الزيف والتضليل، تحَرّك السابقون بالخيرات، من يرون بنور الله، ويدركون تمام الإدراك أن محياهم ومماتَهم لله، وفي سبيل الله، ولن يتأتى ذلك إلَّا بمقارعة الطغاة المتسلطين المجرمين الظالمين المعتدين على المستضعفين من عباد الله في أرض الله، لا اعتبارَ لديهم لقوة الطاغوت وجبروته؛ فهو في ميزان الله سبحانه وتعالى لا يساوي قشة، وعلى هذا الأَسَاس انطلق السيد القائد الشهيد/ حسين بن بدر الدين الحوثي، بمشروعه القرآني حاملًا هَمَّ الأُمَّــة، مدركًا حالةَ الاستضعاف التي أوصلها إليها حكامُها، عبيدُ أعدائها.

وقد تعرَّضَ مشروعُ الشهيد القائد في بداية الأمر إلى التشويه، حين سلَّط النظامُ العميل الحاكم في العاصمة صنعاء كُـلَّ ألسن السوء؛ للتصدي لمشروع إنقاذ الأُمَّــة، خدمةً لقوى الإجرام والطغيان وتنفيذاً لتوجيهاتها، لكن ذلك لم يُثْنِ صاحِبَ المشروع عن مسار مشروعه الفكري النهضوي، ولم يستطع المجرمون وقفَ مسيرته المظفرة، وحين قرّر الطغاة مواجهة المشروع وصاحبه عسكريًّا، لم ترهبه ولم تفُتْ في عضده طوابيرُ الدبابات والمدرعات، ولا أزيرُ الطائرات، فواجه ومعه أوائلُ المجاهدين قوى الإجرام، حتى نال وسامَ الشهادة في سبيل الله سبحانه وتعالى.

واستمرت مسيرةُ المشروع الظافرة المظفرة، حين حمل لواءَه السيدُ القائد/ عبد الملك بن بدر الدين الحوثي -يحفظه الله- الذي فتح الله على يدَيْه لشعبنا فتحًا مبينًا، بعد سنوات من مواجهة قوى الشر والإجرام، توج اللهُ سبحانه وتعالى فتحَه المبين، بخروج القوى الإجرامية صاغرةً ذليلةً من صنعاءَ عاصمةِ يمن الإيمَـان؛ ولأَنَّه من السابقين بالخيرات، وحال الأُمَّــة على رأس أولوياته، تحَرّك مستعيناً بالله سبحانه وتعالى، معلناً إسنادَ الإخوة من أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، غيرَ آبِهٍ بإرجاف قوى الشر والإجرام، وما جلبته من عتاد حربي مهول؛ لردع كُـلّ من تسول له نفسه مناصرة مظلومية أبناء الشعب الفلسطيني بأي شكل من الأشكال.

ومثلما سجلت المساحةُ الزمنية في ذاكرتها، وحشيةَ وهمجية وطغيان واستكبار القوى الموغلة في الإجرام، وسجلت مواقفَ الصادقين من أبناء الأُمَّــة العربية والإسلامية، وهم قِلَّةٌ، مقارنةً بالكثرة الغُثائية، وسجلت تلك المساحةُ الزمنية أَيْـضاً صمودًا وصبرًا واستبسالًا وثباتًا منقطعَ النظير، لإخواننا في قطاع غزة، سواء المجاهدين المواجِهين للطغاة المجرمين، أَو السكان عُمُـومًا، الصابرين على ما أصابهم، المحتسبين ذلك لله، وفي سبيل الله.

 

أنظمةٌ عربية عميلة:

ولعل أخطر ما سجَّلته مساحةُ الزمن الماضي، من فصول جريمة الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مواقفُ الخزي والذُّلِّ والعار، للأنظمة العربية العميلة لقوى الاستكبار، التي واكبت وتواكبُ فصولَ الجريمة بشكل مباشر على أحدث وأدق الشاشات، ومع ذلك، ورغمَ كُـلّ ذلك، لم تحَرّك تلك الأنظمةُ ساكناً، بل الأسوأُ من كُـلّ ذلك، هو انتظارُ أغلب تلك الأنظمة بفارغ الصبر للحظة التي تسدلُ فيها القوى الإجراميةُ ستارَ الجريمة، معلنةً انتهاءَ فصولها، ولو بسحق غزة بما فيها ومن فيها، لا تأثيرَ لذلك مطلقاً على المواقف المخزية المتخاذلة الذليلة المهينة لأنظمة العمالة العربية!

ولم تجد تلك الأنظمةُ العميلةُ حرجاً في مَدِّ يدِ العون والمساعدة، لقوى الاستكبار والإجرام، بكل ما من شأنه إسنادُها في تنفيذ فصول جريمتها، لتكونَ شريكةً لها في الجريمة، فمنها من أعلن تقديمَ الأموال والتعويضات لقطعان المستوطنين، ومنهم من فتح مخازنَ القواعد الأمريكية في بلاده، لنقلِ أفتكِ أنواع الصواريخ والقنابل والمعدَّات العسكرية، بالآلاف الأطنان إلى الكيانِ الصهيوني المجرم، لتُلقَى على قطاع غزةَ، وتدمِّـرَ بُنيانَها، وتمزِّقَ أجسادَ أبنائها أشلاءً.

ومن تلك الأنظمة من خفَّف الضغوطَ الداخلية على كيان الجريمة، الناتجة عن نقص الإمدَادات الغذائية، وغيرها من الإمدَادات والاحتياجات، فأوجدوا طرقاً بديلةً، عن الطرق التي شملتها إجراءاتُ شعبنا البحرية الضاغطة على كيان الإجرام، فتحَرّكت الآلافُ الناقلات العملاقة مشكِّلةً جسراً برياً يمتدُّ من موانئ إمارات الصهينة العربية، عبر الأراضي السعوديّة والأردنية، إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة، محملةً بعشرات الآلاف من أطنان المؤن، والمواد الخام وغيرها من والاحتياجات.

ولا يُستبعَدُ أبداً أن تكونَ كُـلُّ تلك الشحنات معفيةً من الرسوم الجمركية! بل لا يُستبعد أبداً أن تكون كُـلّ تلك الشحنات، قيمتُها وأجورُ نقلها، هديةً من السعوديّة والإمارات، للكيان الصهيوني؛ مكافأةً له على إبادته لأبناء جلدتهم، فلا يشعر بأي اضطراب داخلي، نتيجةَ التذمر؛ بسَببِ نقص الإمدَادات الغذائية وغيرها من الاحتياجات، ليتفرَّغ ويركِّزَ جهودَه على استكمال فصول جريمته، وفي المقابل الأطفال في قطاع غزة يتضوَّرون جوعاً ويموتون عطشاً، وكلّ أهالي غزة يصرخون ويستغيثون، ولا مغيث ولا مجيب من أُولئك الذين بادروا بصمتٍ لتزويد الداخل الصهيوني بكل الاحتياجات!

ومن تلك الأنظمة من فعَّلَ دفاعتَه الجوية، لاعتراض الصواريخ والطائرات المسيّرة، المنطلقة من بلادنا، ومن بلدان محور المقاومة، والمتجهة إلى الأراضي الفلسطينية المحتلّة؛ لإسناد أبناء غزة في مواجهتهم لقوى الإجرام، وَإذَا بتلك الأنظمة العميلة، التي جنَّدت كُـلَّ إمْكَانيات بلدانها لخدمةِ الكيان الصهيوني، تتفاخَرُ باعتراض الصواريخ البالستية والطائرات المسيّرة، قبل أن تصلَ إلى أهدافها في عمق الكيان الصهيوني، ولا يتسع المقامُ هنا للحديثِ مطوَّلاً عن انحطاطِ أنظمة الخزي والذل والعار العربي!

وباستحضارِ بعضٍ من مواقف هذه الأنظمة في بعض الوقائع، التي تعد بالنسبة لشعوب الأُمَّــة العربية ذات صبغة داخلية، لمعرفةِ الكيفية التي تصرفت بها هذه الأنظمة، لمقارنتها بمواقفها اليومَ من جريمة الإبادة الجماعية، بحق أبناء الشعب الفلسطيني في قطاع غزة، لوجدنا فارقاً كَبيراً، رغم أن تلك المواقفَ صدرت عن حكامٍ لا يزالون هم أنفسُهم يقبعون على رأس تلك الأنظمة، ولم يغادروا مناصبَهم إلى اليوم، ولا نحتاجُ لإيراد أمثلةٍ بعيدةٍ زمنياً، فمثال واحد يكفي لبيانِ حقيقة أنظمة الذل والخزي والعار العربية.

فحين اجتمع حكامُ تلك الأنظمة في قمة شرم الشيخ سنة 2015م، لإعلانِ موقفِهم من العدوان على بلادنا، المسمَّى من جانبهم “عاصفة الحزم”، فقد تهافتوا تهافُتَ الذباب على القاذورات، لحضور تلك القمة، ولم يكن الحضورُ فيها كغيرها من القمم، السابقة أَو اللاحقة، حين يكلِّفُ بعضُ الحكام مَن يمثّله فيها، بل كان الحضورُ شخصيًّا، ولو على الكراسي المتحَرّكة بالنسبة لبعضهم!!، وقد كانت مواقفُ أُولئك الحكام العملاء، حازمةً كمُسَمَّى عاصفة حزمهم، وصرّح الكثيرُ منهم أن الخطر داهم، وأنه لا يحتملُ البحثَ والتدقيقَ، والواجبُ التحَرُّكُ الفوري لمواجهة ذلك الخطر، هكذا كانت المواقف؛ لأَنَّها فقط ضد بلد عربي مسلم، وأُولئك الحكام يدركون أنهم بمواقفهم تلك، إنما يخدمون قوى الاستكبار والإجرام العالمي، لترضى عنهم وتعمِّدَ بقاءَهم على كراسي الحكم لسنوات قادمة!

ولم يكن يعني أُولئكَ العملاءَ، ما سيتعرَّضُ له شعبُنا من قتلٍ وتدميرٍ لكل مقومات حياته، المهمُّ بالنسبة لهم لحظةُ النشوة، التي أعلنوا فيها مواقفَهم المرعِبة تجاه شعبنا، تلك المواقفُ المؤكَّـدُ أنها مدفوعةُ الثمن على الأقل بالنسبة لبعضهم، والمؤسفُ أنَّ بعضَ الأنظمة العربية العميلة لم تتخلَّ عن سلوكِها القذر في بيع مواقفها لمن يدفع، شريطةَ أن يأذنَ لها بالبيعِ مشغِّلُها الغربي، مع اختلافٍ في صيغة تلك المواقف، ففي الوقت الذي كانت فيه صيغةُ مواقفِ تلك الأنظمة المدفوعة الثمن، تقوم على أَسَاس الالتزامِ من جانبها بالقيام بعمل، يتوجب عليها شرعاً الامتناع عن ذلك العمل، وهي في قيامها به إنما تنفذ إرادَة مشغلها، كما هو الحالُ بالنسبة لمشاركة بعض تلك الأنظمة ضمنَ دول التحالف الإجرامي بالعدوان على بلادنا سنة 2015م.

وفي حالاتٍ أُخرى تكون صيغةُ مواقف أنظمة الخزي والعار المدفوعة الثمن، في شكل امتناعٍ عن عمل، واجبٍ عليها شرعاً القيامُ به، يفرض عليها مشغلها تلك الصيغة، وتقبض نظيرَ ذلك ثمناً محدّداً، كما هو الحال بالنسبة لمواقف بعض هذه الأنظمة، مما يجري في قطاع غزةَ من جريمة إبادة جماعية بحق أبنائها، وبينَ الحين والآخر نسمع أخباراً عن تلقِّي نظامٍ منها مِنحةً ماليةً بمليارات الدولارات من جهة غربية، وما تلك الأموالُ إلا ثمنُ الصمت المخزي عن جريمة الإبادة الجماعية، والشراكة في اقترافها بأشكال وصور متعددة.

وأبعدُ من ذلك عملت بعضُ هذه الأنظمة العميلة على صرف شعوبها، عن الاهتمام بما يجري على أرضِ الواقع في قطاع غزة، من إبادة جماعية بحق أهلها، فجلب القائمون على تلك الأنظمة شذاذَ الآفاق؛ لإطراب الشعوب بحفلات المجون، وكلّ أنواع التفاهات والسخافات، من مهرجانات الطيور، ومارثونات سباق الكلاب، وغيرها من الحيوانات، وكُلُّ ذلكَ بهَدفِ إشغال وقت الشعوب؛ لمنع تأثيراتِ ما يجري في غزةَ عليها؛ لكي لا تتحوَّلَ انفعالاتُ الشعوب إلى ثوراتٍ تجرفُ تلك الأنظمةَ العميلة.

وبتلك المواقفِ المخزيةِ للأنظمة العربية، مما تقترفُه القوى الاستعماريةُ الصهيوغربية من أفعال إبادة جماعية في قطاع غزة، وآخرُها جريمة المواصي، التي حصدت أرواحَ أكثرَ من تسعين من أبناء الشعب الفلسطيني، أغلبُهم من الأطفال، دون أن يهتزَّ جفنٌ لأنظمة العار والخزي والعمالة، التي تعملقت وتفاخرت بعنترياتها في عدوانها على شعبنا سنة 2015م رغم أنه لم تكن هناك جريمةٌ ولا مجرمٌ، ورغم بُعد النطاق الجغرافي، وليس كما هو حال مواقفها اليوم، رغم وقوعِ الجريمة واستمرار وتتابع أفعالها، وسفور مقترفيها، ورغم قُرب هذه الأنظمة من مسرح تنفيذها، لكن تلك الأنظمة ومن يقبعون على رأس هرم السلطة فيها، ليسوا سوى أقزامٍ حول أسوار غزةَ الافتراضية، مردوا على العمالةِ والخيانة والنفاقِ والانحطاط.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com