(فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَـمْ يَحْتَسِبُوا)
(فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَـمْ يَحْتَسِبُوا)
يمني برس- بقلم- د. يوسف الحاضري
في كل المعارك عبر التاريخ والمذكورة في القرآن الكريم يبين الله عز وجل أنه من أيد ونصر عباده المؤمنين (فأتاهم الله من حيث لم يحتسبوا ) و (اذا جاء نصر الله والفتح ) و (فهزموهم بإذن الله) و (لقد نصركم الله في مواطن كثيرة) و (إلا تنصروه فقد نصره الله ) و (وما النصر الا من عند الله) وغيرها من آيات عديدة تثبت لنا وتعلمنا سنة من سننه الثابتة الدائمة لكل زمان ومكان، وهذه السنة الإلهية مرتبطة بعدة أمور يجب على المؤمنين القيام بها ك(الاعداد ما استطاعوا من قوة – الثقة بالله عز وجل – الصبر في مقام العمل – وغيرها) وكل جوانب النصر التي سردها الله عز وجل جاءت بطرق وجوانب متعددة ومختلفة بل (وغير محسوبة) لا لأصحاب الحق ولا لأصحاب الباطل كحال جيش طالوت الصغير الذي رغم ثقته بنصر الله (كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله) الا أنهم لم يكونوا يعملون كيف سيكون ذلك عندما يتقابل ٣٠٠ جندي ضد ٢٠ ألف من جيش جالوت المدجج بالسلاح، ولم يكن لأي منهم على الإطلاق ان يحتسب ويتوقع ان النصر سيأتي من طريق الجندي (داوود) وبطريقة بدائية لم يستخدم فيها أي من السلاح والتسليح والتدريب الذي أعده جند طالوت بل من خلال رمي حجر بأداة بدائية جعلها الله كصاروخ أرض رأس الى رأس جالوت فخره صريعا وأنتهت المعركة (وكفى الله المؤمنين شر القتال) وقذف في قلوب ال٢٠ ألف الرعب وأنكسروا وأنهزموا.
اليهود كان لهم نصيب كبير في القرآن الكريم خاصة في صراعهم ضد الحق المتمثل بالنبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم حيث كانوا تجمعات مدنية متواجدة حول المدينة وبطبيعة الحال حبهم للحياة جعلهم يقومون بكل الأعمال والاجراءات التي تحميهم وتحمي مصالحهم وبيوتهم ومدنهم لذلك أستمروا لمئات السنين في تثبيت وجودهم وتحصين أنفسهم والتدريب والتأهيل حتى وصلوا نفسيا إلى مرحلة أنهم تيقنوا يقينا لا مجال للشك فيه أنه لا يوجد قوة قادرة على أن تصمد أمامهم عوضا عن قدرتها على اسقاطهم واسقاط مدنهم وهذا ما وضحه الله عز وجل في يهود بنو النضير والذين تجاوزت نفسيتهم الواثقة أنه لن يستطيع حتى الله عز وجل أن يقوم بذلك (وظنوا أنهم ما نعتهم حصونهم من الله) ، رغم انهم يؤمنون بالله عز وجل غير انهم تجاوزوا الحقارة في تعاملهم مع الله عز وجل فتارة وصفوه بالبخيل وتارة بالفقير والان بالضعيف أمامهم (ما نعتهم حصونهم من الله) وهذا أيضا ما سمعناه اليوم من رئيس وزرائهم نتنياهو الذي قال لن يستطيع أحد ان يهزمنا حتى الله عز وجل ، (وظن) في القرآن تعني اليقين وهذا ما وضحه الله في القران الكريم ، فتخيلوا أي وضعية عسكرية وأمنية يعيشها هؤلاء من الثقة الى ما يمتلكونه من ماديات الجيوش والتحصينات !!!
وبالمقابل كيف سينظر اليهم جزء من المسلمين خاصة اولئك أصحاب الحسابات المادية وما أكثرهم سواء في عهد النبي او في عهدنا والذين وصل ببعضهم اليوم رغم ان اسمهم علماء دين يسخرون من حديثنا بقدرة الله على نصرنا ونصر حماس ونصر حزب الله على الصهاينة وامريكا وحلفهما بقوله (لا نضحك على انفسنا عندما نقول أن فوق طائرات اسرائيل الله عز وجل فهذه نظرة هبل) وتخيلوا كم سيسقط في فخ هذا الطرح الظان بالله ظن السوء والمستنقص من عظمة الله وقوته وقدرته وهؤلاء لا يقلون سوء عن اليهود الذين يظنون أنه لا قادر عليهم اليوم حتى الله عز وجل (وظنوا انهم مانعتهم حصونهم من الله) لذا قالت تلك الفئة من المسلمين او بالأصح عاشوا نفسية بينهم وبين انفسهم نفسية سلبية مفادها (ما ظننتم أن يخرجوا) أي ما حسبتم اطلاقا انه يمكن ان تقدروا عليهم وتنتصرون وفقا لفارق الإمكانيات المادية التي يمتلكها المسلمون ويمتلكها اليهود فأنعكست هذه النفسية على الأداء والتوجه العملي وحتى على التناقل الخبر بين المجتمع والذي قد يؤدي للتثبيط كما حصل في غزوة الأحزاب { وَإِذْ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ يَا أَهْلَ يَثْرِبَ لَا مُقَامَ لَكُمْ فَارْجِعُوا } وكما يحصل اليوم بشكل اوسع نظرا لتوسع وسائل الاعلام ووسائل التواصل وشدة ما يمتلكه ويقوم به المنافقون اليوم في هذا الجانب … ولكن كيف كانت النتيجة ؟؟
{فَأَتَاهُمُ اللهُ مِنْ حَيْثُ لَـمْ يَحْتَسِبُوا} لم يحتسبوا أصحاب الظنون والحسابات المادية سواء من اليهود وثقتهم مما يمتلكون أو من المسلمين أصحاب الظنون المرجفة الضعيفة المرتكزة أيضا على الحسابات المادية غير ان انتكاستهم كانت أسهل معارك النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأن النبي ومن معه من المؤمنين الواثقين بالله حق الثقة تحركوا كما ينبغي وتركوا لله الطريقة والأسلوب الذي يراه في النصر {قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ } رغم ان قوة المسلمين لم يكونوا يمتلكون من مقومات القوة ما تبعث في قلوب اليهود الرعب غير أن التدخل الإلهي لنصر عباده هو من قام بهذه المهمة القاصمة لظهر العدو والذي وصلت ثقتهم قبل ذلك الى ان يظنوا أنه لا قوة قادرة
يوسف الحاضري دكتور, [02/11/2024 08:44 م]
عليهم حتى الله عز وجل، وأنتهت المعركة وأنتصر الحق على الباطل.
هكذا سيكون نصرنا اليوم على اليهود القتلة الصهاينة في عصرنا الذين عاثوا في ارض غزة ولبنان وغيرهما فسادا فهناك تحرك من محور المقاومة كما ينبغي ويريد الله عزو وجل وهناك ظن كبير وشديد في قلوب الصهاينة على عدم قدرة احد عليهم نظرا لما يمتلكونه من قوة مادية وتحالف شر عالمي لا مثيل له وجواسيس ومنافقين كثر وايضا ظن الذين يدعون انتماءهم للاسلام بقوة ما يمتلكه هؤلاء المجرمين والذين انعكس على تحركهم وتوجهاتهم وغيرها مما يعلمه الكثير غير أن ثقتنا بالله عز وجل تلامس السماء وتخترقها سماء بعد سماء ولا نهاية لها ابدا بأنه سينصرنا بطريقة وأسلوب لا نحتسبها نحن المؤمنون ولا يحتسبها أيضا اليهود الصهاينة وكل من تحزب معهم لأننا استجبنا لله عز وجل وأعتبرنا عندما ختم هذه الآية بتوجيه لنا قائلا {فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ } ، ثقوا واصبروا واستمروا في التحرك والعمل والانفاق والجهاد فالنصر قاب قوسين أو ادنى بإذن الله وتأييده.
#د_يوسف_الحاضري