ثقافة الاستشهاد.. انتصار الدم على السيف
ثقافة الاستشهاد.. انتصار الدم على السيف
يمني برس- بقلم- إبراهيم يحيى الديلمي
لا يمكن للعدو الانتصار طالما تواصلت مواكب الشهداء في التساقط على أبواب السماء، معلنة انتصار الدم على السيف، هي الحقيقة الحية التي تؤكدها وقائع التأريخ، وتعزز في ميادين المواجهة الكبرى سردية الإصرار والتحدي والصمود في وجه الوحشية الصهيونية العالمية ومن يقف خلفها، والتي وصلت اليوم إلى درجةٍ لا تطاق، ولا يمكن لأي إنسان في هذا العالم تحملها وبلعها، وإنما يجد نفسه وبشكل لا إرادي، ملزما بإدانتها واستنكارها والتبرؤ منها، لأنها بطبيعة الحال لا تمثل الفطرة السوية للبشر وتقوم على أسس باطلة حتما.
الشهادة هي أسمى مراتب الفوز والتوفيق الإلهي التي منحها الله تعالى لعباده المؤمنين المخلصين، الذين صدقوا ما عاهدوا الله عليه، وجادوا بأرواحهم رخيصة في سبيله ومن أجل إعلاء كلمته منطلقين في ذلك من منطلق الوفاء والولاء المطلق والصادق له ولرسوله وأهل بيته صلى الله وسلم عليه وعليهم أجمعين.
هنا في اليمن الذي ما يزال يعاني منذ عشرة أعوام خلت من العدوان الأمريكي السعودي، وإن كان اليوم متوقفًا بشكل جزئي نتيجة اتفاق خفض التصعيد، لا يكاد يخلو بيت من بيوته إلا وتجد فيه شهيد مضى إلى رحاب الله والحياة الأبدية، بعدما كرّس معظم حياته في هذه الدنيا لخدمة ونصرة دين الله وجهاد أعدائه مهما كان مستوى قوتهم وجبروتهم، ودون أن تأخذه فيهم لومة لائم.
لو سألت والدة أو والد أي شهيد استشهد في ميادين الشرف ونحن في ذروة العدوان الأمريكي السعودي على اليمن، عن حقيقة شعورهما بعد رحيل ابنهما شهيدا في سبيل الله، لقالا أنهما لا يشعران بالأسف مطلقا على استشهاده، وإنما يشعران بالفخر والاعتزاز كونه أصبح واحدا من الشهداء وفي ركاب الخالدين الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.
ومن هنا ينبغي علينا، أن نعي جيدا أن الشهادة نعمة وكزامة كبيرة من الله أولاها لعباده الأصفياء وجعلها تنزيها وتعظيما لهم عند لقائه، وذلك لدورهم البارز الذي قاموا به من أجل إعلاء كلمته ورفع رايته وصولا إلى تحقيق النصر الكبير على أعداء الله والأمة.
أما هناك في غزة ولبنان اللتين تتعرضان منذ عام ويزيد، لأعنف عدوان صهيوني وحشي وهمجي عرفه تأريخ البشرية، فالأمر يختلف كليا حيث تعمل آلة الدمار الصهيونية والقتل الوحشي على مدار الساعة، وبتواطئ غربي وعربي جلي، ليصبح الحديث عن ثقافة الاستشهاد هاجسا يوميا يسترعي اهتمام الكثير من المسلمين في العالم، وخاصةً الذين يعرفون جيدا ما واجبهم تجاه غزة ولبنان والقضية الفلسطينية التي هي قضية كل المسلمين على السواء، فالشهداء في كل يوم، لا بل في كل ساعة تمر يتساقطون إلى الأعلى من هنا وهناك.
ولا جرم أن كل المنازل والشوارع المدمرة اليوم في قطاع غزة ولبنان، تكاد تكون شاهدا واقعيا وحيا على ما جرى ولا زال يجري من جرائم إبادة لا تفرق بين رجل وامرأة أو صغير وكبير، فكل الغزاويين الذين مازالوا أحياء يتهددهم الموت في أي لحظة، ولو سألنا تلك المنازل والشوارع عن عدد الشهداء الذين تساقطوا فيها أو مازالوا تحت أنقاضها لأجابت علينا.
إن استمرار المقاومة واستمرار دفق الشهداء يعني ولا شك الهزيمة الحتمية والمؤكدة للعدو الإسرائيلي، ناهيك عن أن ما يحدث اليوم في غزة يؤكد المسؤولية العامة الملقاة على كاهل كل المسلمين دون استثناء انطلاقا من قوله تعالى: (وقفوهم إنهم مسئولون) فجميع المسلمين اليوم وبلا استثناء، مسؤولون أمام الله تجاه كل ما يحدث في غزة من جرائم وفظاعات، وعليهم أن يتخذوا الموقف الصحيح والجاد، وعليه فالأمر يتطلب من الجميع استشعار خطورة ما يقوم به العدو الإسرائيلي من جرائم وحشية هناك، والقيام أيضًا ببث ثقافة الاستشهاد كسبيل لا بد منه لهزيمة العدو الصهيوني المحتل وتحرير الأرض، كما يوجب علينا التركيز على إحياء فريضة الجهاد وحث الناس على القيام بها كلٌ من موقعه.
في المسيرات الأخيرة التي شهدتها اليمن بعنوان “مع غزة ولبنان جهوزية واستنفار ضد قوى الاستكبار” أكدت لجنة نصرة الأقصى على ضرورة قيام الشعب اليمني والمسلمين كافة بتقديم الدعم المادي الممكن لصالح الشعب الفلسطيني وذلك كنوع من أنواع الجهاد في سبيل الله.
ومن جهته، دعا بيان المسيرات “إلى استمرار الحملات الشعبية للإنفاق في سبيل الله والتبرع لصالح الشعب الفلسطيني، وأن يتم تخصيص الأسبوع القادم للتبرع والإنفاق الشعبي لصالح النازحين من أبناء الشعب اللبناني ابتداءً من اليوم وحتى يوم الجمعة القادم، على أن تستمر وتتواصل حملة التبرع والإنفاق لصالح الشعب الفلسطيني.
أخيرا الشهادة تعني الحياة والتضحية والعطاء من أجل تحقيق أهداف أسمى وأرقى، وهي قبل كل ذلك ثقافة قرآنية لا بد من التسلح بها في بلدان المسلمين قبل غيرها، لكي يحظى المسلمون بالغلبة والنصر في مواجهة قوى التوحش والاستكبار إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا.