المنبر الاعلامي الحر

ترامب: الوجهُ العاري لأمريكا بين الواقع والاستشراف

ترامب: الوجهُ العاري لأمريكا بين الواقع والاستشراف

دونالد ترامب ليس مُجَـرّد رئيس أمريكي أَو شخصية سياسية مثيرة للجدل، بل هو تجسيدٌ لوجه أمريكا الحقيقي، الذي يختفي خلف أقنعة الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان.

ترامب لم يأتِ من فراغ، بل هو نتاج طبيعي لسياسة أمريكية قائمة على الهيمنة والاستغلال، حَيثُ تُستخدم القوة بلا مواربة، وتُستغلّ الشعارات البرّاقة لتبرير التدخّلات والاحتلالات. إنّه الوجه العاري لأمريكا، الذي يكشف عن حقيقةٍ مؤلمة: أنَّ القيم التي تُروّج لها واشنطن ليست سوى أدوات لتحقيق مصالحها، وليست مبادئً تُؤمن بها.

في قضية غزة، يظهر ترامب بوجهه الإجرامي بوضوح. يُقدّم “التحرير” كمبرّر للاحتلال، ويُحوّل الحقوق الإنسانية إلى مُجَـرّد شعاراتٍ فارغة. ما يريده ليس تحريرًا حقيقيًّا، بل إخضاعا، وليس سلامًا، بل تدميرًا. لكنّ التاريخ يُعلّمنا أن محاولات تهجير الشعوب وإذلالها لم تنجح أبدًا على المدى الطويل. غزة، كغيرها من الشعوب المقاومة، ستظلّ صامدة؛ لأَنَّ إرادَة الحياة أقوى من كُـلّ أدوات القتل والتهجير. ترامب، ومن يقف خلفه من صنّاع القرار في واشنطن، قد يُحاولون فرض إرادتهم بالقوة، لكنّهم لن يستطيعوا كسر إرادَة شعبٍ يؤمن بحقّه في الوجود والحرية.

وفي العلاقة مع السعوديّة، يكشف ترامب عن طبيعة التحالفات الأمريكية: ليست سوى صفقات تجارية تُقاس بالدولار.

فبدلًا عن أن تحصل السعوديّة على مكاسب حقيقية من وجود القواعد العسكرية الأمريكية على أراضيها، تُجبَر على دفع ترليونات الدولارات مقابل بقاء هذه القواعد. هذه هي “الشراكة الاستراتيجية” في عرف واشنطن: علاقة غير متكافئة، تُكرّس التبعية وتُعزّز الهيمنة. ترامب، بصراحته المعهودة، كشف هذه الحقيقة دون مواربة، لكنّ ذلك لم يمنع النخب الحاكمة في المنطقة من الاستمرار في الانسياق وراء الوهم الأمريكي.

وهنا تكمن المفارقة الكبرى: الشعوب تدرك، لكنّ حُكّامها لا يدركون. الشعوب العربية، التي عانت لعقودٍ من الاستبداد والتبعية، بدأت تُدرك حقيقة السياسة الأمريكية وأهدافها. لقد رأت هذه الشعوب كيف تُدعم الأنظمة الديكتاتورية من قبل واشنطن طالما كانت تُحقّق مصالحها، وكيف تُترك لتواجه مصيرها بمفردها عندما تتعارض مصالحها مع الأجندة الأمريكية. لكنّ الحُكّام، أَو على الأقل جزءٌ كبيرٌ منهم، ما زالوا يعيشون في وهم الشراكة الاستراتيجية مع أمريكا. هم يرون في العلاقة مع واشنطن ضمانةً لبقائهم في السلطة، دون أن يُدركوا أنّهم مُجَـرّد أدوات في لعبةٍ أكبر، وأنّ مصيرهم سيكون التخلّي عنهم عندما تتعارض مصالحهم مع الأجندة الأمريكية.

لكنّ السؤال الأكبر يبقى: متى ستفيق الشعوب، وخَاصَّة النخب العربية، من غفوتها؟ متى ستدرك أنّ “الحرية الأمريكية” هي وهمٌ يُخفي وراءه العبودية، وأنّ “الديمقراطية الأمريكية” هي ستارٌ للاستبداد؟ النخب العربية التي ما زالت منبهرة بأمريكا والغرب، رغم كُـلّ الانكشافات، تُشكّل جزءًا من المشكلة. انبهارها ليس سوى دليل على أزمة وعي عميقة، تجعلها عاجزة عن قراءة ما بين السطور، وعن فهم أنّ مصالحها لا يمكن أن تتحقّق إلا بالتحرّر الحقيقي من التبعية. هذه النخب، التي تتعامل مع أمريكا كشريكٍ استراتيجي، تنسى أَو تتجاهل أنّ واشنطن لا ترى في المنطقة سوى ساحةٍ لمصالحها، وحلبةٍ لصراعاتها.

ترامب، بكلّ ما يحمله من صراحةٍ فجّة، كشف عن حقيقة السياسة الأمريكية التي كانت تُمارَس دائمًا، لكنّها كانت تُخفي نفسها خلف شعاراتٍ برّاقة. لكنّ هذا الكشف، رغم قسوته، قد يكون بدايةً لصحوةٍ جديدة. الشعوب العربية بدأت تستيقظ، وبدأت تُدرك أنّ الحرية لا تُمنح، بل تُنتزع. وأن شعار الموت لأمريكا ليس مُجَـرّد شعار، بل هو تعبير عن رفضٍ للهيمنة، وإعلان عن إرادَة التحرّر.

في النهاية، ترامب ليس سوى حلقة في سلسلة طويلة من السياسات الأمريكية التي تُمارس القمع تحت شعارات برّاقة. لكنّ الشعوب بدأت تستيقظ بعد رؤيتها لليمن وما فعلة في معركة طوفان الأقصى، وبدأت تُدرك أنّ المستقبل لا يُبنى بالتبعية، بل بالاستقلال الحقيقي. ترامب قد يكون الوجه الأكثر بشاعةً لأمريكا، لكنّه أَيْـضًا الوجه الذي يُذكّرنا بأنّ الحقيقة -مهما كانت مُرّة- هي الخطوة الأولى نحو التحرّر. الشعوب تدرك، لكنّ حُكّامها ما زالوا غارقين في أوهامهم. والسؤال الذي يبقى معلّقًا: متى سيُدرك الحُكّام العرب أنّهم جزءٌ من المشكلة، وليسوا جزءًا من الحل؟

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com