المنبر الاعلامي الحر

الإمام علي.. فوزٌ في محراب الدَّم

الإمام علي.. فوزٌ في محراب الدَّم

يمني برس-بقلم- غيداء شمسان

في ليلة من ليالي القدر المباركة، ليلة الغفران والرحمات، ليلة تعتق فيها الرقاب من النيران، وتتنزل فيها الملائكة والروح الأمين، سطعت جريمة نكراء، خطفت نورها، وأطفأت قنديل الحق، وهزت أركان السماء غضبًا وحزنًا، وأدمت قلوب المؤمنين قاطبة، في تلك الليلة المشؤومة، فجعت الأمة الإسلامية قاطبة بفقد عمادها، ونور دربها، باستشهاد الإمام علي بن أبي طالب -عليه السلام-، قمر بني هاشم الساطع، وكعبة الآمال التي قصدها المستضعفون، وباب العلم النبوي الذي منه استقى العالمون.

كان الإمام علي -عليه السلام- في محرابه، يناجي ربه بدموع الخشوع، ويتضرع إليه بقلب منكسر، ويؤدي صلاته بخشوع وخضوع، وكأنه يرى ربه عيانًا كان يطيل الركوع والسجود، ويسبح ويهلل ويكبر، وكأنه يودع الدنيا، ويستعد للقاء ربه، راضيًا مرضيًّا وبينما هو ساجد، وقد غرق في بحر التعبد، إذ انقض عليه أشقى الأشقياء، ابن ملجم المرادي، الخارجي المارق، وضربه بسيف مسموم غدرًا وخيانة على رأسه، فشقه نصفين، ليطفئ بضربته نور العدل، ويخمد شعاع الحق.

وقد وقعت الضربة الغادرة على مكان الضربة التي ضربه عمرو بن عبد ود العامري، بطل الشرك، في واقعة الخندق، فتمايل الإمام، وهو يخور في دمه الطاهر الزكي، ولسانه يلهج بذكر الله، وشفتَاه تتمتمان بالحمد والثناء، وقلبه ينبض بحب الله والرسول، صاح الإمام بصوت مدو، هز أركان الظلم، وأشعل نار الثأر في قلوب المؤمنين: “فزت ورب الكعبة!”. كلمات قليلة، ولكنها تحمل في طياتها معاني عظيمة، تدل على فوز الإمام بالشهادة، ونيله للمرتبة العليا، وانتصاره الساحق على الظالمين، وتحقيقه لوعد الله له بجنة الخلد ورضوانه الأكبر.

فارتجت الكوفة، واهتزت الأرض من تحتها، وكادت الجبال أن تندك، وضجت الملائكة في السماء، وعج الكون بأصوات الحزن والأسى، وهبت ريح عاصفة سوداء مظلمة، قاصمة، مذكرة بيوم القيامة، ونادى جبرائيل الأمين بين السماء والأرض، بصوت قطع نياط القلوب: “تهدمت والله أركان الهدى، وانطمست والله نجوم السماء وأعلام التقى، وانفصمت والله العروة الوثقى، قتل ابن عم المصطفى، قتل الوصي المجتبى، قتل علي المرتضى، قتل سيد الأوصياء، قتله أشقى الأشقياء”.

إن استشهاد الإمام علي عليه السلام ليس مجرد فاجعة تاريخية عابرة، بل هو خسارة عظيمة للأمة الإسلامية جمعاء، وفجيعة لن تندمل جرحها أبدًا، وصرخة تدوي في وجه الظالمين على مر العصور، ونبراس ساطع يضيء طريق الثائرين، ويلهمهم الصمود، ورمز للعدل والإنصاف والإخلاص، وللحق والقوة والمنعة لقد كان الإمام علي عليه السلام قمة شامخة في الزهد والورع، والعلم والحكمة، والشجاعة والكرم، والعدل والإنصاف، كان ناصرًا للمظلومين، ومعينًا للمحتاجين، ومحاربًا للظالمين، وقاهرًا للمتجبرين.

فلنتذكر الإمام عليا في هذه الذكرى الأليمة، ولنستلهم من سيرته العطرة الدروس والعبر، ولنتأس به في أقوالنا وأفعالنا، ولنجعل من استشهاده دافعًا لنا على التمسك بالحق والعدل، وعلى مواجهة الظلم والاستبداد، وعلى العمل من أجل وحدة الأمة الإسلامية وتقدمها وازدهارها، وعلى نصرة المستضعفين في كل مكان.

سلام عليك يا أبا الحسنين، يا أمير المؤمنين، يا قتيل المحراب، يا رمز العدل والإيمان، يا حيدر الكرار، يا أسد الله الغالب، يا علي بن أبي طالب. سلام عليك يوم ولدت، ويوم قاتلت، ويوم جاهدت، ويوم صليت، ويوم استشهدت، ويوم تبعث حيًا، ويوم تدخل الجنة آمنًا مطمئنًا.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com