القبائل والحكومة والتاريخ في اليمن .. بول دريش جامعة أكسفورد «94»
ترجمة: كاتبة يحيى السني- كندا
في يوليو/تموز 1979م حاول علي شويت من بني شريم حلّ النزاعات بين القبائل الثلاث نهائيًا وكانت قوائم المطالبات التي قدمتها الأطراف المختلفة طويلة للغاية بما في ذلك مطالبة من الأهنوم على سبيل المثال بخمسة وأربعين جملًا قالوا أنهم فقدوها في عهد الإمام يحيى،
في وقت ما من ثلاثينيات القرن العشرين لم يتم التوصل إلى تسوية شاملة لكن الأهنوم كانوا راضين إلى حد ما عن فتح الطرق الذي تحقق سابقًا بينما انزلقت عذار والعصيمات اللتان استمرت هدنتهما بعد الأحداث مع وايلة في قتال فيما بينهما، ذهب وفد كبير من الشيوخ بما في ذلك بعضهم من أماكن بعيدة مثل خولان العالية ومراد إلى أتباع المتنازع عليهم على حساب الأطراف المتنازعة وأخيرًا في أوائل عام 1981م جلسوا على الجانبين لمدة أسبوع محاولين انتزاع هدنة أخرى وكان خريف وبني شريم هم الضامنين تم اختيار قاضيين شرعيين وأرسلت القبائل وفودًا إلى صنعاء لحل الازمات والمشاكل المتعلقة بريف العاصمة ولم يحدث أي تغيير حاسم في الريف في صيف عام 1982م ذهب ستمائة رجل من الجيش الشعبي وهو التجنيد القبلي إلى الباطنة مع قائدهم عبدالله دارس من ذو محمد وفرضوا هدنة أخرى لكنهم انغمسوا بعد ذلك في الشجار فيما بينهم وفي غضون أسابيع قليلة عاد جميع جنود القبيلة الستمائة باستثناء عشرة منهم إلى ديارهم حاملين معهم النقود والأسلحة ثم بعد ذلك غزت مجموعة ضخمة من القوات النظامية من عمرين المنطقة واعتقلت بعض الرجال ثم انسحبت مرة أخرى ولم يُحسم شيء، تكاثرت الشائعات الآن وبدأت تنتشر أنواع القصص الغريبة عما كان يحدث قبل ذلك كانت القصص عن أحداث وحروب ونزاعات على الملكية بين القبائل في مناطق متفرقة، المحاولات القبلية من اجل فرض هدنة هنا وهناك واستمرت التجمعات على الحدود واجتماعات العلم والخبر وتبادل البنادق والثيران ووفقًا للعديد من الروايات كانت ملكية الشيخ الأعلى للأرض في الهيجة هي أساس المشكلة لم تكن الخلافات بين قبيلتي حاشد قابلة للحل إلا بسبب السعي وراء بعض المصالح الشخصية المتعلقة بهذه الأرض بوسائل خفية ثم في وقت حرب الحدود عام ١٩٧٩م تقريبًا مع جنوب اليمن توجه عدد من رجال القبيلتين إلى الجنوب لاستلام رواتبهم وتسلم الأسلحة إلا أن حكومة اليمن الشمالي أوقفت صرف رواتب جيشها الشعبي مما أثار تساؤلات حول الأسباب والدوافع وراء هذا القرار ونتيجة لذلك لجأ بعض رجال القبائل إلى احتجاز سيارات حكومية كوسيلة للضغط من أجل الحصول على مستحقاتهم، انتشرت شائعات تفيد بأن الخلاف بين بعض كبار الشيوخ ورجال القبائل المرتبطين بالجبهة هو السبب الرئيسي لهذا النزاع المستمر ويُقال إن شيوخ القبائل المتنافسة كانوا يسعون للحفاظ على نفوذهم من خلال إبقاء رجال قبائلهم في حالة عزلة عن الحكومة المركزية، استمر الصراع في نفس الاتجاه حيث كان يُتوقع من بعض شيوخ بني صريم أن يلعبوا دور الضامنين لمنع تفاقم النزاع خوفًا من أن تؤدي هذه التوترات السياسية إلى قطع الطرق مجددًا وعلى الرغم من ذلك يُقال إن هؤلاء الشيوخ الذين يمتلكون عددًا كبيرًا من الشاحنات قاموا بدعم رجال العصيمات بالأسلحة والمال لتحريضهم على قتال قبائل أظهر وكان الهدف غير المعلن من هذا الصراع هو إشغال العصيمات بمعارك داخلية مع أظهر لمنعهم من الدخول في مواجهة مع سفيان وهو ما كان سيؤدي إلى تصعيد أوسع يشمل التنافس بين حكومة صنعاء والجبهة كما أن التوترات هدّدت مرة أخرى بإغلاق الطريق الإسفلتي الرئيسي المؤدي إلى المملكة العربية السعودية ومع ذلك لا يوجد تأكيد قاطع لصحة أي من هذه الروايات فالمهم ليس دقة الأحداث بقدر ما هو انتشار هذه القصص وتطورها مع تطور النزاعات القبلية وكما هو الحال في الأنظمة السياسية ذات الطابع العقائدي كانت نظرية المؤامرة تفسيرًا شائعًا لهذه الأحداث لم تعكس هذه الروايات حقيقة الهويات القبلية بدقة حيث لم يكن شيوخ العصيمات يُصورون كأشرار في قصص أظهر والعكس صحيح ولم يقتصر الأمر على توجيه اللوم إلى قادة العصيمات فقط بل كان لكل طرف روايته الخاصة التي تُحمّل الجانب الآخر المسؤولية أما أولئك الذين كانوا أكثر ارتباطًا بهذه القضية فلم يجدوا تفسيرًا مقنعًا بأن مجموعة من الشيوخ كانت تتآمر ضد رجال القبائل على كلا الجانبين لتحقيق مصالحها الخاصة كان هذا رأي من هم على بُعد لكن ما يُحسب بُعدًا قد تغير أيضًا إذ أصبح الرجال أكثر انشغالًا بحياة جيرانهم من ذي قبل، إن فكرة وجود حقيقة خفية للأحداث السياسية ليست جديدة فهي شيء والنية شيء آخر لكن رجال القبائل نادرًا ما يفعلون ذلك فالأفعال والتصريحات الصريحة بين القبائل والتاريخ التي تُشير كثيرًا إلى المظاهر نفسها لا تُهم إلا عندما يحملون السلاح ويغلقون أبوابهم وما قد يفكر فيه الناس أو يفعلونه بين القبائل هو أكثر أهمية بالنسبة لهم بل قد يُحاصرون شاحنة أو يصادرونها وعندها تُشبه أفعالهم لغة الديون السابقة ويثبت تورط أي من الجانبين بوسائل علنية كتبادل البنادق لكن عندما يُعرقل السعي لتحقيق التوازن بوضوح لا يوجد مبدأ تفسيري سوى مبدأ الفعل الفردي وفي عالم أصبح فيه خطاب الوحدة الوطنية شائعًا يتخذ المبدأ قيمة مختلفة: ففي غياب علم اجتماع تُفسر المؤامرة الفوضى ليس للمشاركين بل للمشاهدين يبدو الصراع في الأراضي المنخفضة قرب شهارة وكأنه عمل أيادٍ خفية تمامًا كما هو الحال في وثيقة بئر المهاشمة حيث يُنسب الاضطراب الى عملاء السفارات الأجنبية ومندسين يسعون الى بث الفتن والتفرقة بين أبناء الوطن .