فشل جهود التحشيد الدولية ضد اليمن: زيفُ دعاية “حماية الملاحة” يضاعفُ مأزِقَ إدارة ترامب
فشل جهود التحشيد الدولية ضد اليمن: زيفُ دعاية “حماية الملاحة” يضاعفُ مأزِقَ إدارة ترامب
يمني برس- تقرير- ضرار الطيب
مع قُـــرْبِ مُرُورِ شهرٍ كامِلٍ على بَدْءِ العدوان الأمريكي الجديد ضد اليمن، وعلى عكس عناوين “الحسم السريع” التي روَّجتها إدارةُ ترامب في البداية، أصبحت مخاوفُ طول أمد المعركة واستنزاف الموارد الأمريكية فيها بلا جدوى، هي أكثرُ ما يتصدَّرُ واجهةَ المشهد، الأمر الذي بدأ بإثارة تساؤلاتٍ تكشفُ جوهرَ المغالطة الأمريكية بشأن “حماية الملاحة” في البحر الأحمر.
خلال الأيّام القليلة الماضية، نُشرت تقاريرُ أمريكيةٌ تحدثت عن ضرورة أن تترك الولايات المتحدة مهمة مواجهة القوات المسلحة اليمنية في البحر الأحمر للدول الأُورُوبية ودول الشرق، وقد جاء هذا الطرحُ مدفوعًا بأمرَينِ أَسَاسيين:- الأول هو حقيقة أن إدارةَ ترامب غيرُ قادرة على تحقيق أهدافِ عدوانها على اليمن، بل إنَّها تسيرُ على خُطَى إدارة بايدن في الفشل، وحصد نتائج عكسية ذات تأثيرات كبيرة على الموارد العسكرية الأمريكية وعلى سُمعة الولايات المتحدة ونفوذها، والأمر الثاني هو أن الاندفاعَ الأمريكيَّ للعدوان على اليمن وخوضَ معركةِ استنزاف لا أُفُقَ لها لا ينسجمُ مع دعايةِ “حماية الملاحة”؛ لأَنَّ دولَ أُورُوبا والمنطقة تعتمدُ على الملاحةِ في البحر الأحمر أكثرَ من الولايات المتحدة، ومع ذلك لا تريدُ المشاركةَ في العدوان على اليمن.
في محادثةٍ تَـــمَّ تسريبُها بعد بَدْءِ العدوان الجديد على اليمن، قال نائبُ الرئيس الأمريكي إنه يرى في العدوان “إنقاذًا” لأُورُوبا التي تعتمد في حركتها الملاحية على البحر الأحمر أكثرَ من الولايات المتحدة، وقد أصبح هذا التعليقُ يتردّد الآن في التناولات بشأن انسدادَ أفق العدوان على اليمن، والتكاليف الهائلة التي تتحملُها الولاياتُ المتحدة وحيدة، لكن هذه التناولات تطرح تساؤلًا مهمًّا يقوِّضُ دعايةَ “حماية الملاحة” بأكملها، ذلك أنه لو كانت الحركةُ الملاحية للدول الأُورُوبية ودول المنطقة مهدَّدةً بالفعل من قبل اليمن، لما تركت الولاياتِ المتحدةَ وحيدةً.
بعبارة أُخرى، إن دولَ أُورُوبا ودولَ المنطقة لم تُحْجِمْ عن المشاركة في العدوان الأمريكي فقط؛ بسَببِ عدم رغبتها في تحمُّلِ عبء؛ بل لأَنَّها تدرِكُ تمامًا أن العملياتِ البحريةَ اليمنيةَ تستهدفُ فقط الملاحةَ الصهيونية، وليست عشوائيةً كما تصوِّرُها الولايات المتحدة، بل إنَّ السفنَ الأمريكيَّةَ نفسَها لم تكن مستهدَفةً منذ وَقْفِ إطلاق النار في غزةَ إلى ما قبل العدوان الجديد، وبالتالي فَــإنَّ دعايةَ “حماية الملاحة في البحر الأحمر” لا علاقَةَ لها بالتحَرّك الأمريكي أصلًا.
والحقيقةُ أن إدارةَ ترامب نفسَها قد قدمت رسائلَ متناقضةً بهذا الخصوص؛ فعندما شَنَّت العدوان على اليمن زعمت أن الهدف هو وقف الهجمات (التي لم تكن قائمة أصلًا) على السفن الأمريكية، وبالتالي فَــإنَّ العودة الآن إلى رفع دعاية حماية الملاحة الدولية، ومحاولة إلقاء اللوم على دول العالم لعدم المشاركة، غير منطقية؛ إذ لا معنى لمطالبة العالم بالاشتراك في حملة عسكرية عدوانية لحماية حركة الملاحة الأمريكية، التي يقول الأمريكيون أنفسُهم أنها لا تعتمدُ على البحر الأحمر بشكل كبير!
وبالإضافة إلى ذلك، فَــإنَّ الهدفَ الحقيقيَّ من العدوان الأمريكي على اليمن قد ظهر بكل وضوح، سواء من خلال توقيته الذي سبق استئناف العدوان على غزة بأيام قليلة، وتزامن مع إعلان القوات المسلحة عن إعادة الحصار البحري على السفن “الإسرائيلية” الأمر الذي كشف عن محاولة أمريكية واضحة لاحتواء الرد اليمني على التصعيد الصهيوني، أَو من خلال التعليقات الصريحة، حَيثُ نقلت صحيفة “معاريف” العبرية عن مسؤولين قولهم إن الولايات المتحدة لجأت إلى رفع شعار “حماية الملاحة والمصالح الأمريكية” بشكل متعمد كمناورة إعلامية تهدف لتصوير عدم وجود علاقة بين العدوان على اليمن والوضع في غزة، وبالتالي تسهيل “تجنيد” دول إقليمية وعالمية ضمن التوجّـه الأمريكي، بعد أن وجدت إدارةُ بايدن صعوبةً في فعل ذلك؛ بسَببِ عدمِ رغبةِ أيةِ دولة في التورُّطِ ضمنَ أي تحَرّك داعِمٍ للعدوِّ الصهيوني.
وقد كانت التقييماتُ “الإسرائيلية” لفعالية العدوان على اليمن، خلال الأسابيع الماضية، معتمدة بشكل أَسَاسي على الإخفاق في منع إطلاق الصواريخ والطائرات المسيرة اليمنية على عمق الأراضي المحتلّة، وهو ما غطى بشكل كامل على دعاية “حماية الملاحة” سواء الأمريكية أَو الدولية.
ويبدو أن إدارة ترامب لم تتعلم شيئًا من تجربة إدارة بايدن في ما يتعلق بالتعامل مع الجبهة اليمنية؛ فخلال العام الماضي كان نطاق العمليات البحرية اليمينة المساندة لغزة أوسع نطاقًا مما هي عليه الآن في قائمة الأهداف، حَيثُ شملت السفن التابعة لشركات تتعاملُ مع العدوّ، بغضِّ النظر عن ملكيتها ووجهتها، وقد طال ذلك شركاتِ شحن أُورُوبية أصرت على مواصلةِ التعامل مع العدوّ، وهو أمرٌ فشلت الإدارة السابقة في توظيفه لتجنيد الدول الأُورُوبية في العدوان على اليمن؛ لأَنَّ هذه الدولَ أدركت بوضوح أن الارتباطَ بالعدوّ الصهيوني والتعامل معه هو المعيار الثابتُ للعمليات اليمنية؛ ولذلك كان أقصى ما استطاعت جهود التحشيد الأمريكية الوصول إليه هو تشكيل عملية “أسبيدس” الأُورُوبية التي اقتصر نشاطها على مرافقة بعض السفن التي لم تكن مستهدفة في الأغلب، وسَرعانَ ما تقلَّصَ حضورُها بشكل سريع لعدم رغبة الدول الأُورُوبية في الانخراط بصراع محتدم تخسر فيه الكثير لأجل مساندة العدوّ الصهيوني.
ونتيجةً للفَشَلِ في التعلم من تجربة الإدارة السابقة، أصبح من المكشوف أَيْـضًا أن السفن الحربية الأمريكية التي تزعم إدارة ترامب أنها تحمي الملاحة في البحر الأحمر، هي التهديدات التي تواجهها الملاحة، حَيثُ لا يزال مركز المعلومات التابع للقوات البحرية الدولية المشتركة في المنطقة يوصي السفن بالابتعاد عن القطع الحربية الأمريكية، لتجنب تعرضها للنيران التي تطلقها هذه القطع، أو للضربات التي تنفذها القوات المسلحة؛ رَدًّا على العدوان.
وبالمحصِّلة، فَــإنَّ اصطدامَ العدوِّ الأمريكي بزيفِ دعاياته، كنتيجةٍ لفشل العملياتي أمام اليمن، يمثِّلُ دليلًا إضافيًّا على التقديراتِ الخاطئة بالكامل التي يستندُ إليها في موقفه العدواني ضد اليمن، كما يُمَثِّلُ دلالةً على أن موقفَ صنعاء الصائب متماسِكٌ وقوي بالشكل الذي ينسِفُ كُـلّ التضليلات ويجعلُ العدوَّ محشورًا بين أكاذيبه وفشله.