المنبر الاعلامي الحر

“المعمداني” تحت النار.. قصفٌ يقتلُ حياةَ المدنيين في غزة

“المعمداني” تحت النار.. قصفٌ يقتلُ حياةَ المدنيين في غزة

يمني برس- تقرير- عبدالقوي السباعي

في الساعة الأولى من فجر اليوم الأحد، وبينما كان بعضُ الجرحى يئنُّون من آلامهم في أروقة المستشفى الأهلي العربي “المعمداني”، حلّقَ الموتُ فوقَ سماء غزة بصوتِه المألوف.

وألقى الاحتلالُ بصواريخه الحاقدةِ على ما تبقى من نبضٍ صحيٍّ في المدينة، ليحوَّلَ المستشفى الذي يحمِلُ رمزيةً إنسانيةً، إلى كومةٍ من الرماد، ومصدرِ وجعٍ آخرَ يُضافُ إلى الذاكرةِ الداميةِ لسكان غزة.

مشهدُ الجريمة: المرضى في الشوارع

18 دقيقةً فقط، مهلةٌ أعطاها جيشُ الاحتلال للمرضى والأطباء والجرحى لمغادرة المستشفى، قبل أن تنهالَ الصواريخُ على مبنى الاستقبال والطوارئ، ولم تكن المهلةُ كافيةً لإخلاء الأرواح، ولا لطمأنة مَن كانت أعضاؤهم بين الحياة والموت.

مرضى فُرِضَ عليهم الهروب، ليس إلى مستشفى بديل، بل إلى الشارع، إلى البرد، إلى المجهول، وعشرات المرضى جرُّوا على النقالات أَو ساندهم ذووهم بصعوبة، ومَن لم يستطع المغادرةَ بَقِيَ مصيرُه معلَّقًا ما بين نيران الاحتلال وفقدان الأمل.

لم يكن المستشفى المعمداني مبنىً طبيًّا، فحسب؛ بل هو أحدُ أَقْدَمِ المؤسّسات الصحية في غزة؛ إذ أُسِّسَ عام 1882م، ويُديرُه منذُ ذلك الحين مجلسُ الكنيسة الأسقفية الإنجليكانية في القُدس.

ومع تدمير مَجْمَعِ الشفاء الطبي والمستشفيَينِ الإندونيسي وكمال عدوان، تحوَّلَ المعمداني إلى منارة أملٍ مواطني سكان قطاع غزة.

اليوم، أُخرِج المعمداني عن الخدمة، وفي مشهدٍ سريالي، بات المرضى يُداوون تحتَ ضوء القمر، إن وُجد دواء أَو طبيب.

ليست هذه المرة الأولى التي يقصف فيها الاحتلال مستشفى المعمداني، ففي 17 أُكتوبر 2023م، استُهدف المستشفى خلال تواجد مئاتِ النازحين داخله؛ ما أسفر عن استشهاد 471 مدنيًّا، وجرح المئات.

حينها، صعق العالمُ من حجم المأساة، واليوم، تُعاد المأساة أمام أعين لم تعد تدمَـع، وأخرى تحجّرت من هولِ ما رأت.

بحسب وزارة الصحة في غزة، فَــإنَّ الاحتلال دمّـر عمدًا 34 مستشفىً منذ السابع من أُكتوبر 2023م، وأخرجها عن الخدمة، ضمن خُطَّةٍ إبادة ممنهجة، والنتيجةُ أكثرُ من 51000 شهيد، و116000 جريح، دون بنى تحتية صحية قادرة على التعامل مع حجم الكارثة.

أصواتُ الغضب.. إداناتٌ وصرخات

ردودُ الفعل لم تتأخر، حماس تصفُ القصف بـ “جريمة حرب جديدة”، بينما قالت حركة الجهاد الإسلامي: إن ما جرى هو “صعودٌ جديدٌ نحو قمة الإجرام”، وحمّلت المسؤوليةَ الكاملة للإدارة الأمريكية.

حركة المجاهدين رأت أن ما يحدُثُ هو “محاولةٌ لقتل كُـلّ مظاهر الحياة في القطاع”، والسلطة الفلسطينية وصفت الجريمة بأنها “أبشعُ أشكال التهجير القسري”.

أما وزارةُ الصحة الفلسطينية، فدعت إلى تحَرُّكٍ فوري لحماية ما تبقى من المنظومة الصحية، مؤكّـدة أن المرضى في غزة يُذبحون مرتين: مرةً بالصواريخ، ومرةً بالإهمال الدولي.

وفي ظل تواطؤ دولي، وأمام أعين مؤسّسات الأمم المتحدة والمجتمع الدولي، تستمر المجازر بلا رادع.

ولم يعد القصفُ الإسرائيلي لمستشفيات غزة يُثيرُ استغرابًا أَو صدمة، بل أصبح جزءًا من روتين الموت اليومي، وحتى اللحظة، لم يصدر عن مجلس الأمن أي قرار جاد لوقف هذه الإبادة الجماعية.

قصف مستشفى المعمداني ليس مُجَـرّدَ خبرٍ عابر، بل هو جرحٌ مفتوحٌ في جسد الإنسانية، ففي وقت يُنظَرُ فيه إلى المستشفيات على أنها ملاذٌ آمن، تحوّلت في غزةَ إلى مقابرَ جماعية.

وما لم يتحَرّك العالم اليوم؛ فقد لا يبقى في غزة لا مستشفى ولا مريض.. بل فقط أسماء على شواهد القبور إن ظل هناك قبورٌ.

قد يعجبك ايضا
WP Twitter Auto Publish Powered By : XYZScripts.com