معبر الوصول
يمني برس | معبر الوصول بقلم / حسن الصعدي
إن أي حركة أو جماعة أو فئة تنطلق إلى العمل السياسي إنما تنطلق وفق مرجعية فكرية وأيديولوجية معينة, وهذا ما يمنحها تماسكا وتأثيرا يفسح لها المجال للتحرك في المحيط الذي تعمل جاهدة على ترسيخ كيانها فيه وصولا إلى تحقيق غاياتها في إطار الوطن الواحد أو حتى خارجه .
وإذا كانت الحركات الإسلامية قد مرت بأطوار لعل من أهمها تلك التي تنقل فيها وعايشها الإخوان المسلمون بكل تموجاتها وأفرزت الكثير من التحولات في وسائل العمل الحركي لديها فإن مصطلح (الراديكالية) الذي يعني في الأساس ، العمل على إحداث إصلاح جذري وشامل وعميق من التحولات في بنية المجتمع, هذا المصطلح يمكن التعامل معه بنفور أو بإقبال وفق مقررات وبرامج وآليات أصحابه أولا, ثم وفق موقفهم من المكونات والجماعات الأخرى التي تتقاسم معهم الموطن والمعاش .
والمقال هنا لا يهدف إلى النيل من هذه الفئة أو تلك ممن يمكن أن يصدق عليه مفهوم (الراديكالية) أو (الأصولية) أو غيرها من خلال التوصيفات أو المسميات ، ولكنه يسعى للبحث عن أرضية مشتركة للعمل السياسي وغيره، من خلال الإشارة إلى رؤية توفيقية تتبنى التعايش الأفضل مع أي توجه أو مكون على هذه الأرض الطيبة بعيدا عن كل ما يؤدي إلى الشقاق الذي لا يخدم إلا المتربصين بنا جميعا والساعين إلى وأد هذه الثورة الرائدة وأهدافها التي لا يمكن أن تختزل في إبدال شخص أو أشخاص بآخر أو بآخرين .
إن الأطوار التي مرت بها الجماعات الإسلامية كانت كفيلة بتحصيل ثروة ضخمة وهائلة من الخبرات تساعد في خلق بيئة صالحة للعمل السياسي والاجتماعي الناجح لا سيما في البيئات العربية الإسلامية . ولكن حين ينطلق المرء من فكرة (حاكمية الله) , فإنه قد يشعر بثقة تدفعه إلى التحرك والعمل باعتباره يحقق هدف الخالق الذي له الحكم والأمر, وهو في الحقيقة إنما ينطلق من النصوص (النقل) التي قد لا يتفق معه على صحة كثير منها, جماعات أخرى منطلقة كذلك من أيديولوجية إسلامية . وعلى فرض الاتفاق على صحة المنقول (النص) فإنه تبقى مسألة تفسيره محل خلاف, وبعد ذلك كله يبقى الخلاف على موقع (العقل) حين يصادم (النقل) وهل يعد حجة أو مرجعية أو لا . إذن قد يكون الهدف مشتركا لكن طرق الوصول إليه قد تتشعب ، فهل يمكنني أن أحملك على سلوك معين من خلال الاتكاء على مقولات مثل: (الحاكمية لله) ؟
وإذا كنا نرفض إملاءات الغرب ولا نقبل ما يفرضه علينا من قوانين وأنظمة حياة باعتبار أن لنا رؤانا ومرجعياتنا وحضارتنا وظروفنا … الخ , فإن مجتمعاتنا تجد داخلها كذلك ما يتعارض مع الإملاء والفرض لرؤى ومفاهيم بعينها ولو كانت من الداخل وترتدي عباءة الدين ! وإن تحقيق الغايات النبيلة يقتضي الحرص على التصرف بحكمة ومراجعة المواقف كي لا نعود إلى المربع الأول أو نكرر تجارب مرة طالما ذقنا جميعا مرارتها ونكون كالمستجير من الرمضاء بالنار.
وإذا كانت ساحة التغيير (كنموذج مصغر للتعايش) قد اتسعت لكل هذه الاختلافات والرؤى في وقت من الأوقات واستطاعت أن تتجه لهدف مشترك وتعمل على تحقيقه بقوة, فإنه من المؤسف أن يكون هذا اللقاء والالتقاء معبرا للوصول وسبيلا إلى غايات ذاتية ضيقة لا يوضع فيها حساب للآخر الذي كان ينظر إليه بوصفه شريكا فاعلا في صناعة الثورة وإنجازاتها !
وإذا كانت الجماعات الإسلامية قد تخلت في كثير من المراحل, نتيجة للظروف والمتغيرات وتبدل الرؤى, عما كانت تعده ثوابت, فإنها يجب أن تستصحب هذه الخبرة في تعاملاتها مع الآخر وتقبلها لما عنده وتغاضيها عما تراه أو تظنه يصادم ما عندها, وبالتالي يجب أن تحذر كل الحذر من التشدد اليوم في أمور قد تتخلى عنها أو عن جزء منها غدا تحت مبررات قد تضطر لها مستقبلا وتجد حرجا كبيرا في طرحها وشرحها وإقناع الناس بها في ذلك الوقت وهو ما يوقعها في تناقض يسوؤها أن يسجل عليها كونه ينال من رصيدها الذي تعول عليه في الوصول إلى أهدافها وتطبيق نظرياتها التي طالما بشرت بها وعملت على تسويق نفسها من خلالها ، وكما ينبغي أن لا تسرف في المثالية (كما تراها) فإنها يجب أن لا تنزلق إلى مسلك براجماتي ، إذا جاز لنا هذا القول، فلا تؤسس لنهج معين ربما يخدم مشروعها مؤقتا لكنه سيكون عبئا عليها وهاجسا مرعبا في يوم ليس ببعيد .حينما تتغاضي عما يمس أو يخل بالوطن والمقدسات والثوابت لقاء مكاسب لا يصح الرهان على تحققها أو بقائها وحينما تسعى لتوظيف المال العام أو الوظيفة أو الجيش لتحقيق مصالح حزبية أو قبلية أو غيرها لأنها حينئذ تكون بعيدة عن خيار الشعب ومصالحه الحقيقية وتتناقض مع قيم الأمة وقضاياها .
إن الديمقراطية تحتاج لمزيد من المرونة حين تصبح خيارا يضمن التعايش . وإن الشراكة تستدعي الجدية في تغليب الصالح العام على المصالح الضيقة ، لأنه لا يمكن أن نأتي إلى الحق من طريق الباطل، كما لا يمكن أن ينتج الاستئثار والإقصاء والتحريض و..الخ المصطلحات التي تولدها حالة الاستعلاء واحتكار الدين أوالحقيقة ومنطق التفرد وغيرها مما يسلم البلد إلى مزيد من الصراعات التي لا تخدم المشاريع الوطنية المخلصة والصادقة