آل سعود والأمم المتحدة.. وسقوط الأقنعة
يمني برس- عبدالعزيز المكي- (تقرير)
مازالت فضيحة الأمم المتحدة بسحب اسم السعودية من القائمة السوداء، المخصصة لقتله الأطفال، مازالت هذه الفضيحة تتفاعل على أكثر من صعيد، في اليمن وفي خارجه، ففي اليمن بعث أطفاله في 16 يونيو 2016برسالة إلى بان كي مون، يتهكمون فيها على موقفة المعيب ويؤكدون له ارتكاب السعودية جرائم حرب بحق الطفل اليمني. ولذلك نرى من الضرورة بمكان إلقاء الضوء على هذه الفضيحة، لأن لها أبعادا وتداعيات مستقبلية، بقدر ما توضح الحيف والظلم الذي مارسته هذه المنظمة على الدول والشعوب في السنوات والعقود الماضية…
فمن المعروف أن الأمم المتحدة، وفرت للنظام السعودي فرصة الإدعاء بأن عدوانه على الشعب اليمني يحظى بالشرعية الدولية!! لان الأمم المتحدة اعترفت بالرئيس الفار والفاقد الصلاحية عبد ربه منصور هادي، الذي قالت السعودية أنها استندت لدعوة الأخيرة إلى التدخل العسكري في اليمن للقضاء على ما اسماهم ” الانقلابيين “،أي أنصار الله وحلفائهم في المؤتمر الشعبي، وهنا تجدر الإشارة إلى أن هادي وفي حديث له مسجل بالصوت والصورة، سُرَّب قبل شهرين قال انه لم يعلم بقرار السعودية شن الحرب على اليمن، وسمع من الإعلام أن السعودية استجابت لطلبه في التدخل العسكري في اليمن!! على أي حال، الأمم المتحدة ليس أنها أخفت شرعية مزيفة على العدوان السعودي على اليمن إرضاءاً لآل سعود وحسب، وإنما تواطأت مع هذا العدوان طيلة تلك المدة، أي منذ بدء العدوان العام الماضي وحتى اليوم. فرغم توفر الأدلة الدافعة على ارتكاب الطيران السعودي المجازر الوحشية تلو المجازر بقصفه المدن المكتظة بالسكان، سيما الأسواق والمدارس فيها، ورغم قيام جهات ومنظمات مهتمة بحقوق الإنسان، بإعداد تقارير متواترة حول جرائم آل سعود بحق الشعب اليمني، سيما الأطفال والنساء، فالإحصاءات تقول إن الطيران السعودي دمر في صعدة وحدها أكثر من 200مدرسة،فضلاً عن تدمير المراكز الصحية والمشافي، ومولدات الكهرباء، واسالات المياه وكل مقومات البنية التحتية…رغم كل هذا الدمار والقتل الوحشي الّا أن الأمين العام للامم المتحدة ظلَّ بما طل ويقول إننا سنجري تحقيقا حول الجهات التي ترتكب هذه الجرائم بحق الشعب اليمني، ويطلق مواقف غامضة وفضفاضة، وإذا شكلت الأمم المتحدة لجنة للتحقيق، فإنها تحمّل الطرفين المسؤولية عن ارتكاب تلك المجازر، في حين أن أنصار الله وحلفائهم لا يمتلكون طائرات ولا يقصفون مدنهم وأهلهم.
وظل الموقف الاممي طيلة تلك الفترة متواطئاً مع العدوان السعودي، حتى تواترت تقارير المنظمات الدولية المهتمة بحقوق الإنسان مثل منظمة هيومن راتيس ووتش الأمريكية، ومنظمة العفو الدولية…وغيرهما، والموثقة بالأدلة الدامغة على ارتكاب النظام السعودي الجرائم المروعة في اليمن…حيث لم تجد المنظمة الدولية مناصاً من التهرب من الحقيقة، ومن التخلص من الحرج الشديد، فأقدمت على وضع السعودية ومشاركيها في العدوان، في القائمة السوداء للجهات التي تقتل الأطفال في العالم.ولا أستبعد أن تكون الأمم المتحدة قد تلقت إشارة من الولايات المتحدة، للقيام بهذه الخطوة من أجل الضغط على النظام السعودي، ومحاولة ابتزازه أيضاً.
التراجع الأممي…العذر أقبح من الذنب
لم يستمر إدراج النظام السعودي وحلفائه في القائمة السوداء أكثر من ثلاثة أيام، حتى أعلنت الأمم المتحدة سحب السعودية من القائمة المذكورة!!
أمينها العام بان كي مون برر هذا التراجع بالضغوط السعودية والدولية، وبتهديد النظام السعودي بقطع الأموال عن المنظمة الدولية، وبالتالي تعرض مؤسساتها الاغاثية لأزمة مالية، وفي هذا السياق قال بان كي مون…” إن قرار إزالة التحالف الذي تقوده السعودية من تقرير أطفال اليمن،كان أحد أصعب القرارات التي كان علىَّ اتخاذها ” وتابع بان كي مون القول مبرراً هذا التراجع قائلاً ” فعلت ذلك جزئياً بسبب مصير الأطفال الآخرين الذين سيتضررون إذا سحبت السعودية وغيرها المساهمات المالية إلى وكالات الأمم المتحدة التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين وفي جنوب السودان وسوريا “.
ويبدو أن ضغوط الولايات المتحدة نفسها، وضغوط الكيان الصهيوني كان لها الأثر الكبير على بان كي مون وحملة على سحب اسم السعودية من القائمة، فالتقارير الواردة من هناك تقول إن السفير السعودي في الأمم المتحدة استعان بسفير الكيان الصهيوني في المنظمة الدولية داني دانون من أجل ممارسة الضغط على بان كي مون وإقناعه بحذف اسم السعودية من القائمة، نظراً للنفوذ الذي يحظى به السفير الصهيوني في المنظمة الدولية.
خطوة بان كي مون هذه وجهت ضربة قاصمة للأمم المتحدة، وكشفت الكثير من الأمور المهمة حول المنظمة الدولية، سنشير إليها في السطور القادمة. والفضيحة، لأنها كانت مدوية، أن دفعت القائمين على بعض منظمات حقوق الإنسان إلى الاعتراض ووصف العمل بأنه عار…فنائب مدير برنامج المرافعة بمنظمة هيومن راتيس ووتش الدولية لحقوق الإنسان فيليب بولو بيون قال تعليقاً على هذه الخطوة ” مكتب الأمين العام لأمم المتحدة بلغ مستوى جديد من التدني برضوخه للضغوط الكبيرة التي تمارسها السعودية…أطفال اليمن يستحقون أفضل من ذلك، بما أن قائمة العار التي تصدرها الأمم المتحدة صارت خاضعة للتوجيه السياسي، فهي حتما فقدت مصداقيتها فضلاً عن أنها لطخت موروث الأمين العام في مجال حقوق الإنسان”. أما ممثل منظمة العفو الدولية ورئيس مكتبها لدى الأمم المتحدة، ريتشارد بينيت فقد قال ” إنه لم يسبق للأمم المتحدة أن تخاذلت وانحنت أمام الضغوط على هذا النحو وغيرّت تقريراً نشرته بنفسها بشأن الأطفال في النزاع المسلح، ومن غير المعقول أن يتم ذلك تحت ضغوط مارستها احدى الدول عينها. التي أتى التقرير على ذكرها” وأضاف ريتشارد القول ” من شأن هذا الاسترضاء الصريح أن يقوض عمل الأمم المتحدة من أجل حماية الأطفال الذين تتهددهم الحرب. ويتعين لحظر الذي أعلنه الأمين العام أن لا يرضخ أمام الضغوط على نحو يقوض الدور المهم الذي يقوم به ممثله الخاص، فإقدامه على ذلك، يكون قد الحق أذىً شديداً بمصداقية الأمم المتحدة وما تمثله” واستطرد ممثل منظمة العفو الدولية قائلا…” إن هذا مثال فاضح على صحة المطالبات بأن تنهض الأمم المتحدة بدورها في الدفاع عن حقوق الإنسان وعن مبادئها هي نفسها،حتى لا تصبح وربما في الغد القريب جزءاً من المشكلة وليس من الحل “.
على أن ما جعل الفضيحة مضاعفة،هو اعتراف المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، بأن المنظمة حينما اتخذت قرار وضع اسم السعودية في قائمة العار استندت إلى أدلة موثوقة، حيث أكد دوجاريك ” إن التقرير الذي أدان التحالف يستند إلى معلومات موثوق بها وذات مصداقية “.
دوجاريك في تصريحاته الآنفة أشار إلى أن الأمم المتحدة يمكن أن تعيد السعودية للقائمة السوداء، ولكن هذه الإشارة، جاءت لامتصاص وردود الفعل العنيفة ضد المنظمة الدولية، فمثل هذا الكلام لا قيمة له.
بيد أن سحب بان كي مون اسم السعودية من قائمة العار كشف الكثير من المعطيات غاية في الأهمية نذكر منها ما يلي:
1- إن المنظمة الدولية،ليست جهة محايدة يحتكم إليها في النزاعات، إنما هي أداة بيد قوى مؤثرة مثل الولايات المتحدة والكيان الصهيوني والنظام السعودي، فهذه القوى عبر النفوذ وعبر السطوة والهيمنة الإدارية والمالية توجه هذه المنظمة وتحولها إلى طرف لا يقل ظلما وحيفاً مما تمارسه قوى الاستكبار وعلى رأسها الولايات المتحدة الأمريكية.
2- سقوط أخلاقي مرعب للمنظمة الدولية ولأمينها العام، فلا يحق لها بعد الآن التشرف بالدفاع عن الحقوق وعن القيم الإنسانية، لأنها داست هذه القيم مقابل صفقة من الأموال السعودية.
3- بهذه الخطوة، أوجدت سابقة خطيرة في علاقات الدول وفي تصرفاتها، فيمكن لدولة ما أن ترتكب جرائم ومذابح بحق دولة أخرى ظلماً وعدوانا، ومن ثم تفلت من العقوبات، لأن المنظمة الدولية التي ترجع إليها الدول في النزاعات، وذات القرارات النافذة على الدول، مسيسة، وتبرأ هذا الطرف أو ذاك بحسب ما يتناسب ومصالح القوى النافذة والمؤثرة، ما بعني ذلك زيادة الأخطار التي باتت تتهدد المجتمع الدولي، في ظل منظمة دولية لا تتمتع بالحيادية والاستقلالية.
4- سقوط مصداقية الأمم المتحدة بشكل لم يسبق له مثيل، وبالتالي إن أي قرار يصدر منها مستقبلاً سيكون فاقدا التأثير وغير ذي قيمة،خصوصاً إذا كان هذا القرار صادر بحق احدى الدول المحمولة مثل السعودية، أو المهيمنة مثل الولايات المتحدة الأمريكية.
5- يكشف سقوط المنظمة الدولية، مقدار الحيف والظلم الذي تعرضت له دول وشعوب، بسبب قرارات هذه المنظمة تحت الفصل السابع الذي يجيز استخدام القوة العسكرية ضد الطرف الذي صدرت بحقه مثل تلك القرارات، فالعراق دمرته أمريكا وغزته وحاصرته وأوصلته إلى هذه المرحلة من التخريب والدمار بواسطة هذه القرارات الأممية الجائرة،وكذا الأمر بالنسبة إلى أفغانستان وليبيا واليمن وما يجري في المنطقة من مآسي وأزمات كلها نتاج هذه القرارات الدولية، أو شكلت لها هذه القرارات غطاءاً يشرع التدخلات الدولية والإقليمية فيها.
أطفال اليمن…وهزيمة المنظمة الدولية وآل سعود
صحيح ان سقوط المنظمة الدولية،وفضيحتها شكل ضربة كبيرة لأطفال اليمن، واستخفافاً من جانب المنظمة الدولية بهؤلاء الأطفال الذين يتعرضون للإبادة نتيجة استمرار العدوان السعودي على اليمن، ونتيجة تواطأ المجتمع الدولي مع النظام السعودي، وصحيح أن أطفال اليمن يستحقون وقفة دولية للدفاع عن حقهم في الحياة وفي الدراسة وفي الحماية من القصف البربري السعودي…كل ذلك وغيره صحيح، لكن إذا نظرنا في الجانب الآخر للموضوع نجد أن أطفال اليمن حققوا إنجازات مهمة على أكثر من صعيد منها ما يلي:
1- كشف حقيقة المنظمة الدولية، وسقوطها الأخلاقي كما بينا قبل قليل، وبالتالي نسف ما يسميه النظام السعودي شرعية العدوان على اليمن، وبالتالي تعرية هذا النظام من كل المبررات التي كان قد ساقها لشن العدوان،وبدون شك أن ذلك يترتب عليه استحقاقات قانونية، بإمكان أبناء الشعب اليمني توظيفها وملاحقة النظام السعودي ومعاقبته واجباره على تعويض كل الخسائر المادية والبشرية التي ألحقها بالشعب اليمني…وما ينطبق على ما يسمونه ” شرعية العدوان “ينطبق أيضاً على القرار 2216 وبقية القرارات التي يعتبرها النظام السعودي ومرتزقته من اليمنيين مرجعية لأي تسوية لليمن، فهذا القرار سقط بسقوط المنظمة الدولية وبات بإمكان أبناء الشعب اليمني التخلص من هذا القرار وتبعاته، ولا يمكن للأمم المتحدة الاعتراض أو التهديد بالبند السابع وما شابه ذلك.
2- نجح أطفال اليمن، من خلال غباء النظام السعودي، ومن خلال سقوط المنظمة الدولية،في تعريف العالم والرأي العام الغربي والأمريكي بشكل خاص، بقضيتهم، من ناحية الظلم الذي يمارس بحقهم،والمجازر التي يرتكبها الطيران السعودي البربري بحق أهاليهم ومناطقهم، فعلى الرغم من أن النظام السعودي نجح في سحب أسمه من قائمة العار لكن كل العالم عرف همجية هذا النظام وإجرامه، وعرف أن هذا النظام يشتري المواقف ويغطي على جرائمه بالأموال النفطية، وبدون شك أن لهذه المعرفة بحقيقة النظام السعودي، آثارها وتداعياتها على صعيد نظرة العالم إلى هذا النظام الذي يرتكب المجازر، وعلى سمعته وموقعيته الدولية، ولعل الحملة الإعلامية الغربية حتى الأمريكية المضادة والفاضحة لهذا النظام ولجرائمه، من بواكير هذه التداعيات.
3- إن انكشاف مظلومية أطفال وشعب اليمن وبهذا الشكل أمام الرأي العام العالمي من شأنه أنه يعطي للمنظمات الدولية وللأوساط السياسية والإعلامية الغربية دفعاً إضافياً في ممارسة الضغوط على النظام السعودي، وعلى الأنظمة الغربية التي تقدم الدعم العسكري والسياسي لهذا النظام، من أجل وقف هذا العدوان ومن اجل توفير الحماية لأطفال الشعب اليمني من القصف والفتك السعوديين ، وبالتالي ستشكل هذه الضغوط رافعة باتجاه وقف توريد الأسلحة المحرمة دولياً للنظام السعودي، وهو ما بدأت بعض الحكومات الغربية الأقدام عليه مؤخرا.