العلامة المتوكل:يدعو إلى نشر ثقافة المحبة والتسامح ونبذ العنف بكل أشكاله… ويؤكد بأن من ارتكب جريمة القتل في ذكرى عاشوراء لن يجرنا إلى الفتنة الطائفية وسينال جزاءه العادل.
يمني برس | صنعاء :
دعا صاحب الفضيلة العلامة الدكتور طه بن أحمد المتوكل خطيب جامع الحشحوش بصنعاء في خطبة الجمعة بتاريخ 16/محرم1434هـ الموافق 30نوفمبر2012م إلى نشر ثقافة المحبة والتسامح ونبذ العنف بكل أشكاله قائلا: أتكلم اليوم معكم عما يدور في العالم من عنف وقسوة،وقمع وقهر،وقتل وتشريد نتيجة عدم الرجوع إلى مبادئ الإسلام الذي هو دين الرحمة والعدالة، ومن المؤسف اليوم أن الواحد منا عندما يفتح شاشة التلفاز أو يقرأ الصحف فإنه يرى مظاهر العنف قد انتشرت بكل أنواعها،ويرى أيضا مناظر القتل والدماء والأشلاء والمجازر والتفجيرات،وكأنما أصيب الإنسان في عصرنا الحاضر بلوثة من الجنون،فالعنف اليوم أصبح السمة البارزة في هذا العصر،فقد دمّر العنف العلاقات ونشر الأحقاد والضغائن،كل ذلك بسبب الابتعاد عن تعاليم ديننا الإسلامي الحنيف،فدين الإسلام يدعو إلى المحبة والتسامح،ويدعو أيضا إلى مسك اليد والقلب واللسان،فقد قال النبي صلى الله عليه وآله وسلم (لا تنزع الرحمة إلا من شقي)وقد قال أيضا عندما رأى رجلا يريد أن يذبح شاته:(إن رحمتها رحمك الله تعالى)فالرحمة عند النبي وفي الدين الإسلامي في كل شيئ حتى في ذبح الحيوان،فالذين يرتكبون الجرائم والقتل وكل عنف قد نُزِعَت الرحمة والمشاعر من قلوبهم وأفئدتهم،وصاروا بارتكابهم تلك الجرائم البشعة أشد من الوحوش والذئاب فقد قتلوا المبادئ والقيم،وقتلوا أيضا المعارف والعُرف.
وأضاف فضيلته قائلا:حينما يطغى الإنسان ويتجبر فإن العاطفة والرحمة تنزع منه،فيصبح الحيوان أكثر عاطفة ومشاعرا منه؛ولنتأمل حينما قتل الطغاة الإمام الحسين عليه السلام فقد كان فرسه ذو الجناح يلوذ يمنة ويسرة دفاعا عن الإمام الحسين حتى أن عمر بن سعد قال:اقتلوا ذلك الفرس فإنه من جند الحسين،فبلغت لآمة القوم أن قتلوا الحيوان الذي مع الحق؛وبذلك أصبح ذلك الجواد أفضل وأطهر من أولئك الطغاة اللئام.
وقال العلامة المتوكل: مشكلة العالم اليوم هي مشكلة النفس الخبيثة، هي عقلية الإلغاء الذي لا يسمح لحياة أحد غيره، فالذي يرتكب أي جريمة في الأرض هو يظن أن الحياة لا تصلح إلا له دون غيره لا يفكر هذا المجرم بأن الحياة لي ولك وللناس جميعا.
وتساءل فضيلته: ما الذي يحدث في العالم اليوم حتى أصيب بلوثة جنون العنف وما هو السبب في ذلك؟!
والسبب في ذلك أن كثيرا من الناس يعتبر أن أمامه خصما يجب إبعاده وإفساحه وإزالته بل يجب تصفيته من الحياة، فعقلية الإلغاء والأنانية المسيطرة على حياتهم ينطبق عليها قول الله تعالى: (كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون).
وأكد فضيلته بأن الإسلام علّمنا وأدّبنا كيف نتعامل مع كل إنسان بل مع العالم كله، فنبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم حينما دخل مكة منتصرا قال لهم: (ماذا تظنون أني فاعل بكم)، نظروا إليه وقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم، فقال : (اذهبوا فأنتم الطلقاء) فهذا هو دين الإسلام الذي يجب أن نعيشه في حياتنا.
وهانحن نقول للناس جميعا، ونقول أيضا لمن يريد قتلنا وحربنا وإقصاءنا بأن مبادئنا وثقافتنا هو ما قاله الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام: (والله ما دفعت الحرب يوما إلا وأنا أطمع أن تلحق بي طائفة فتهتدي بي وتعشو إلى ضوئي، وذلك أحبّ إلي من أن أقاتلها على ضلالها وإن كانت تبوء بآثامها) فهذه هي عقيدتنا ومبادئنا.
وكذلك ما قاله الإمام الحسين حينما سئل في صبيحة كربلاء: لماذا تبكي يا ابن بنت رسول الله؟ هل لأنكم ستقتلون؟ أم لأن زينب ستفجع؟….الخ، فقال الإمام الحسين: (لا، وإنما أبكي على هؤلاء القوم الذين يستحلون بحرمتي ما يدخلون به نار جهنم) يبكي على أعدائه كما بكى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على أعدائه حينما قال: (اللهم اغفر لقومي فإنهم لا يعلمون)، فهذه مبادئنا وسياستنا وهكذا يجب أن نربي أولادنا وأجيالنا، وأن نرفض مبدأ إلغاء الآخر وتصفيته.
وقال فضيلته: يجب علينا أن تكون ألسنتنا ألسنة سلام وتحية لا ألسنة شتم وسب ونميمة يجب علينا أن نجعل من أيادينا أياد تصافح الآخر ويجب علينا أيضاً أن لا تكون أفعالنا ردة أفعال فتكون بذلك عنف في عنف فيصبح المجتمع في حالة من الهياج والقتل والفوضى.
وبيّن بأن هناك أنواعاً كثيرة للعنف فعلى سبيل المثال: عنف الحاكم مع شعبه، وعنف المدير في إدارته، وعنف المدرس في مدرسته، وعنف الأب في بيته مع زوجته وأولاده، وعنف إحراج وإهانة الناس في مجالسهم والتقليل من قدرهم ومكانتهم، وعنف الجيران على جيرانهم بإيذائهم وعدم احترام مشاعرهم، وعنف الإعلام والفضائيات، فبعض الفضائيات لا تبث إلا العنف والصور المرعبة والمخيفة، والبعض الآخر تبث الأحقاد والبغضاء والكراهية بين أوساط المجتمع، وهناك أيضاً عنف الخطاب الديني وهذه هي الكارثة وقاصمة الظهور فبعض الخطباء لا حديث له إلا القول بأن الشيعة أخطر من اليهود وأن إيران أخطر من إسرائيل!! فخطابهم وشغلهم الشاغل هو التحريض ونشر العداوة وبث الفرقة بين المسلمين وكم من القنوات يمولها آل سعود لنشر تلك الأغراض المقيتة، وهناك عنف عند الحكومات، لماذا يستخدم الأمن السياسي والقومي ضرب وتعليق وتعذيب الناس بالكهرباء وغير ذلك من الأمور التي ليست في ديننا الإسلامي، بالإضافة إلى أن الأمن السياسي والقومي تديره المخابرات الأمريكية.
لماذا كل هذا العنف ينتشر في أوساط المجتمع؟!
السبب في انتشار كل ذلك العنف هو الابتعاد عن تعاليم ديننا الإسلام الحنيف، والابتعاد أيضاً عن سيرة نبينا محمد صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة أهل البيت عليهم السلام.
ونوه المتوكل أن الغرب روج بأن الإسلام يحمل أفكار العنف وأن قطع يد السارق والقصاص من القاتل عنف!! ثم بعد ذلك أوجدوا الصراعات داخل العالم الإسلامي ليشوهوه ويضربوه بحجة الإرهاب، وليروجوا لبيع أسلحتهم، أليست الاستخبارات الأمريكية هي من صنعت ابن لادن والزرقاوي لنفس الغرض؟! فالجميع يعلم أن الغرب والشرق بأنه هو من يصدر ويرسل العنف بكل أشكاله،حتى أنهم صدروا العنف عبر ألعاب الأطفال والحروب الإلكترونية لينشئ الأطفال على العنف!! ألا يعلم هؤلاء أنهم قتلوا في الحرب العالمية الثانية سبعين مليون إنسان! وقطعوا أرجل ما يقارب من عشرين مليون شخص!.
واختتم فضيلته الخطبة قائلاً: ما حدث في الأسبوع الماضي من جريمة قتل للأبرياء حال خروجهم من ذكرى عاشوراء لتصعد بذلك أرواحهم إلى الفردوس الأعلى مع الحسين وأصحابه وأهل بيته، وكان لسان حالهم كما قال علي بن الحسين لابن زياد: (أتهددني بالموت يا ابن مرجانه؟! أما علمت أن الموت لنا عادة، وأن كرامتنا على الله شهادة) ولقد شُيّعوا بالأمس ليكون تشييعهم رسالة قوية إلى الطغاة والبغاة الذين يستحلون الحرمات، ولقد كان مشهد الأمس مشهداً مهيباً اجتمع فيه الآلاف من كل فئات الشعب، وندّدوا بتلك الحادثة الإجرامية البغيضة.
وليعلم الطغاة والقتلة بأن دماء الشهداء والجرحى وآلام أبنائهم وزوجاتهم وأصحابهم وإخوانهم ستلاحق القتلة إلى منامهم، فلن يهنئوا بنوم ولا عيش، وأقسم لكم بالله كما أقسم الحسين لعمر بن سعد حينما قال: يا عمر أتقتلني وأنا ابن بنت رسول الله؟! فقال عمر: نعم، فقال الإمام الحسين ما نقوله اليوم للطغاة: نقسم لكم بأنكم لن تهنئوا بعد قتلكم الشهداء لا بدنيا ولا بآخرة، وستنالون جزاءكم قريباً عاجلاً على أيدي المؤمنين الصابرين الصالحين.
وليعلم العالم بأننا لن ننجر إلى الحروب والفتنة الطائفية كما أرادها هؤلاء القتلة، ولن ننجر أيضاً إلى مربع العنف، وسيكون لسان حالنا هو قول الله تعالى : (لئن بسطت يدك إلي لتقتلني ما أنا بباسط يدي إليك لأقتلك إني أخاف الله رب العالمين) لكن إذا فعلت فعلتك فإن الله عز وجل قد أوجب القصاص ولا بد منه في الدنيا ففيه حياة، فهؤلاء القتلة الباغين هم مع الشمر وابن سعد ويزيد وابن زياد وحرملة بن كاهل، مع أولئك السفلة الذين بغوا وسعوا في الأرض فسادا، وأما الشهداء فهم مع الحسين وأصحابه وأهل بيته مع الأنبياء والصديقين والشهداء وحسن أولئك رفيقا.