صراع النفوذ السعودي الأمريكي في اليمن
بقلم / علي البخيتي
لم يكن تعديل قانون العمل السعودي في هذا التوقيت بمنأى عن ما يدور داخل اليمن من صراع نفوذ غير معلن بين الرياض وواشنطن, خصوصاً أن التعديلات لم تستثني العمالة اليمنية بحكم الجوار والاتفاق الضمني المرافق للاتفاقية الحدودية.
ترى السعودية أن سيطرتها على القرار السياسي في اليمن بدأت تضمحل لصالح اللاعب الأمريكي الجديد والقوي, والذي كانت علاقته باليمن تمر عبر الرياض, لكن الربيع العربي وما رافقه من تغير في موازين القوى وإدراك المجتمع الدولي أن السعودية لم تعد قادرة على الامساك بالملف اليمني, بشكل يحفظ الحد الأدنى من الاستقرار المطلوب لحماية الملاحة البحرية, وتأمين منابع النفط, كل ذلك دفع مختلف القوى الدولية الى البحث عن دور تلعبه في اليمن الجديد.
فقدت السعودية دورها الكبير في اليمن منذ أن تدخلت في حروب صعدة كطرف, خصوصاً في الحرب السادسة, وتخلت بذلك عن دور الوسيط الذي طالما حاولت لعبه خصوصاً بعد توقيع اتفاقية جده بين الملكيين والجمهوريين في بداية السبعينات من القرن الماضي, دخولها الحرب كطرف أفقدها ثقة شريحة واسعة من ابناء اليمن وسبب لها الاحراج أمام القوى الدولية والمجتمع الدولي, ليس بسبب الهزيمة التي تلقاها جيشها الجرار من مجموعة مسلحة يمنية, تمكنت من دخول الكثير من المواقع السعودية وأسر بعض الضباط والجنود السعوديين والاستيلاء على الكثير من المدرعات والأطقم المسلحة, لكن لأنها كانت تُقدم نفسها أنها الضامنة لأمن اليمن واستقراره السياسي والاقتصادي, فإذا بها طرف في صراع داخلي, وكان العالم يتعامل مع اليمن من خلال الرياض وليس صنعاء, بل ان بعض الدول كانت تنظر الى اليمن أنها إحدى المناطق السعودية التي تتمتع بقدر واسع من الحكم الذاتي.
تغيرت الأوضاع بعد الثورة الأخيرة أو الأزمة كما يسميها البعض, فمع أن المبادرة سميت ” الخليجية” لكنها كانت دولية بشكل رئيسي, وكان دور السفير الأمريكي ” المفدى” أكثر حضوراً من السفير السعودي, وهو الضامن لها لدى الكثير من الأطراف التي فقدت الثقة في الدور السعودي.
التواجد الأمريكي في اليمن بحاجة الى الأموال الخليجية والسعودية بشكل خاص, لذلك يعطي الأمريكيين دوراً شكلياً للمملكة أشبه بالدور البروتوكولي, وحكام الرياض غالباً يسعون وراء الصورة بغض النظر عن المضمون, خصوصاً أن المتطفل الجديد هو أحد الداعم الرئيسي لاستقرار نظام آل سعود, وبالتالي فمن الصعوبة بمكان الدخول في مواجهة مباشرة معه.
لذلك فقد لجأت السعودية الى الضغط على الطرف الضعيف وهو اليمن, عبر مئات الآلاف من المغتربين الذين قد تؤدي عودتهم الى أزمة مشابهة لأزمة عودة المغتربين في عقد التسعينيات من القرن الماضي, اضافة الى الجدار العنصري العازل الذي تنفذه بالمخالفة لاتفاقية الحدود, وتوغلها في بعض الأرضي اليمنية وبشهادة تقارير دولية , كما أنها دفعت بالكثير من حلفائها لعرقلة الحوار الوطني عبر افتعال الكثير من الأزمات, فموقف حميد الأحمر والتابعين له ليس ببعيد عن ذلك, اضافة الى أن تلغيم فريق قضية صعدة بالكثير من العناصر المسجلين في “اللجنة الخاصة السعودية” – التي تتولى صرف مرتبات النافذين في اليمن – كل ذلك يشكل أداة بيد الملكة للضغط على السلطات اليمنية عبر إفشال الحوار.
الولايات المتحدة والأوربيين يريدون نجاح الحوار ليستقر اليمن بشكل نسبي لأن هناك ملفات ساخنة أكثر, تقتضي الاستقرار في هذا الجزء من العالم المشرف على أهم طرق النقل والملاحة البحرية.
تستشعر السعودية الخطر من نجاح الحوار الوطني الذي انحصر دورها فيه على توقيع الشيكات, فيما الادارة أصبحت للمجتمع الدولي من خلف الكواليس, وتحاول من خلال تلك الأزمات التي تثيرها وتنوي اثارتها أمام الحوار أن تستعيد دورها, ودور حلفائها في الداخل المهدد من قوى وتيارات جديدة.
أكثر ما يزعج السعودية في الموضوع أنها تحولت الى مجرد ” أمين صندوق ” لدى الادارة الأمريكية, فيما الأمريكيين يتركون مجالاً واسعاً لتحركات الأمم المتحدة وإشرافها على الحوار, فما يهمهم هو الإمساك بالملف الأمني ” المخابراتي ” والعسكري وبناء القواعد السرية والعلنية واستمرار الضربات الجوية.
” نقلاً عن صحيفة الأولى اليومية ”
علي البخيتي [email protected]