جمعة رجب وإسلام اليمنيين
يمني برس _ أقلام حره
جمعة رجب وإسلام اليمنيين
بقلم / حميد رزق
جمعة رجب أوعيد رجب ، مناسبة يختص بها اليمنيون ، أو بالأصح يخصها اليمنيون بالاهتمام والتكريم ، إلى درجة جعلها عيدا يحل في المرتبة الثالثة بعد عيدي الفطر والأضحى ، إن لم ينزلوها منزلتهما ، فليس في الأمر ابتداع أو مغالاة قدر ما انه تعبير عن عمق الاعتزاز بهذا اليوم الذي شهد دخول اليمنيين في الإسلام أفواجا، قال الزمخشري في تفسير سورة إذا جاء نصر الله والفتح أن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) كان بالمدينة إذ قال : “الله أكبر جاء نصر الله والفتح ، وجاء أهل اليمن”
ويربط اليمنيون بين أول جمعة في رجب وبين دخولهم الإسلام وتقام في منطقة الجند احتفالات بالمناسبة كبيرة وعظيمة يتوافد إليها الآلاف من مختلف المحافظات ويحضرها العلماء والنساء والأطفال والشيوخ أما في المحافظات الشمالية فيتم إيلاء جمعة رجب في مدينة صنعاء كثيرا من الترقب والتكريم وحفاوة الاستقبال وشراء الثياب الجديدة وإظهار مباهج الفرح وتزيين الشوارع والحارات وصلة الأرحام وتبادل الزيارات وقد التقينا في هذا العدد بعدد من الأشخاص سألناهم عن ماذا تعني لهم جمعة رجب
· فكان الأول الأخ/ صالح علي الخولاني في منطقة انس محافظة ذمار يقول الأستاذ صالح علي الخولاني ، جمعة رجب تشبه إلى حد كبير العيد المتعارف عليه ويقوم الناس بإظهار علامات البهجة بارتداء الملابس الجديدة وتبادل السلام والإحسان إلى الأقارب وصلة الأرحام وتبادل الزيارات ونحر الذبائح
· الأخ/ زاهر المطري من بني مطر محافظة صنعاء قال : إن مظاهر البهجة والاحتفال بجمعة رجب مستمرة إلى اليوم ولا فرق بين هذا اليوم وبقية الأعياد المتعارف عليها لدى اليمنيين ، وفي إجابته على من يقول ببدعية هذه المناسبة قال: إنها تعتبر عادة اجتماعية وليست تشريعاً دينياً مثلها مثل أعياد الميلاد “عيد ميلاد لأول جمعة أقيمت في اليمن” ولماذا لا ينتقد دعاة تبديع الاحتفال بجمعة رجب أعياد الميلاد التي تقام على المستوى الفردي والجماعي وبمختلف المناسبات المدنية والوطنية المتعارف عليها بين الناس في هذا البلد وفي غيره. وعند حلول هذه الذكرى أشار إلى انه يذهب إلى قريته في بني مطر لزيارة أقاربه وصلة أرحامه وتناول الغداء والمقيل مع الأهل والأصدقاء.
· الأخ/ علي عبدالوهاب الدرواني من يريم محافظة إب قال: إن الناس في جمعة رجب يلبسون جديد الثياب ويتواصلون مع الأرحام ويتصافحون، كما في عيدي الأضحى والفطر، ما عدا الذبح وصلاة العيد وأضاف: إن آخر مرة عرف فيها ما يسمى عيد رجب في أوائل التسعينيات . وعندما عجز الناس عن تحمل نفقات العيد ومصاريفه بدءوا يتخلون عنه تدريجيا إلى أن انتهى واضمحل نهائيا ولم يعد يعرف اليوم من عيد جمعة رجب إلا اسمها فقط ولا زال البعض يفضلون إجراء مراسم الزواج لأبنائهم في هذه الجمعة تبركاً بها.
· يقول الدكتور عبدالرحمن عبدالواحد الشجاع في كتابه اليمن في صدر الإسلام ما نصه: بينما كان الإسلام يحارب في قريش ويطارد إتباعه إذ أقبل الفتح من خارج مكة، من اليمن ويثرب وغيرهما ، فقد روى الإمام أحمد عن جابر بن عبدالله قال:{كان(صلى الله عليه وآله وسلم) يعرض نفسه على الناس بالموقف فيقول: هل من رجل يحملني إلى قومه ، فان قريشا قد منعوني أن أُبلغ كلام ربي عز وجل فأتاه رجل من همدان فقال : “ممن أنت” قال الرجل: من همدان قال: “فهل عند قومك من منعة”؟ قال: نعم، ثم إن الرجل خشي أن يحقره قومه فأتى رسول الله فقال : آتيهم فأخبرهم ثم آتيك من عام قابل، قال : “نعم” فانطلق وجاء وفد الأنصار في رجب}
· وجاء في كتاب الإكليل أن القادم على رسول الله هو قيس بن نمط بن قيس من بني سفيان الهمداني ثم الارحبي فما بدرت على النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) الأنصار وقدم عليه قيس بن نمط في المدينة سماه رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الوفي.
· وفي كتاب الدر المنثور من فضائل اليمن الميمون ورد من رواية بن هشام بن محمد بسنده أن الرجل الهمداني رجع ليأخذ النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى قومه همدان فقال له رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): “نعم وافد القوم قيس″ . وقال: “وفيت وفى الله لك” ، قلت: واسم الرجل كما في الإصابة وغيرها” قيس بن مالك بن لائي الارحبي ، قبيلة من همدان مشهورة بأرحب ، باق اسمها إلى الآن.
وعن البراء بن عازب رضي الله عنه قال: بعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)خالد بن الوليد إلى اليمن ، يدعوهم إلى الإسلام ، قال البراء: فكنت ممن خرج مع خالد بلن الوليد ، فأقمنا ستة أشهر يدعوهم إلى الإسلام فلم يجيبوه ، ثم إن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)بعث عليا عليه السلام وأمره أن يقفل خالداً إلا رجلا ممن كان مع خالد أحب أن يعقب مع علي قال البراء وكنت فيمن عقب مع علي عليه السلام فلما دنونا من القوم خرجوا علينا ثم تقدم بنا ، فصلى بنا علي كرم الله وجهه ثم صفنا صفا واحدا وقرأ عليهم كتاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) (صلى الله عليه وآله وسلم) فأسلمت همدان جميعا، فكتب علي إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)يخبره بإسلامهم، فلما قرأ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الكتاب خر ساجدا ثم رفع رأسه فقال السلام على همدان السلام على همدان ثم تتابعت أهل اليمن على الإسلام.
· وفي تاريخ ابن الأثير وابن خلدون أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كرر ” السلام على همدان ” ثلاث مرات
وعن أبي ثور القمامي قال : كنا عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يوما فأُتي بثوب من ثياب المعافر فقال أبو سفيان بن حرب :لعن الله هذا الثوب ولعن من يعمله فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم):”لا تلعنهم فإنهم مني وأنا منهم”.
وفي جانب المكاتبات والرسائل التي بعثها الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى البلدان المختلفة أرسل إلى كسرى عظيم فارس أسلم تسلم … الخ فلما قرأه شقه وقال : يكتب ألي هذا الرجل ويكتب اسمه مقدما على اسمي ثم كتب إلى باذان باليمن يريد منه أن يبعث إلى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) في الحجاز رجلين جلدين فليأتيانه به ، فبعث باذان رجلا اسمه نابوه وكان كاتبا حاسبا ورجلا آخر من الفرس يقال له ” خرخسرو” وكتب معهما كتابا إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) يأمره أن يذهب معهما إلى كسرى وقال لنابوه: أن يفحص حقيقة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ويأتيه بها ، فخرجا فلما بلغا الطائف وكان فيه حينئذ جمع من أشراف قريش مثل أبي سفيان وصفوان بن أمية وغيرهما .. فسألا عن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) فقيل لهما إنه بيثرب ، فلما سمع أبو سفيان بن حرب وصفوان بن أمية بمضمون كتاب باذان وغرض الرجلين فرحا وقالا: للجمع أبشروا فقد نصب له كسرى ملك الملوك كفيتم الرجل ، فخرج الرسولان من الطائف إلى المدينة وقد ما على رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأخبراه بما قدما لأجله وقالا إن قدمت معنا كتب باذان فيك إلى كسرى وان أبيت فهو يهلكك وقومك، فقال لهم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم): “أذهبا وأتياني غدا”. وأتى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) الخبر من السماء أن الله تعالى قد سلط على كسرى ابنه سيرويه فقتله ، فلما عادا من اليوم القابل إلى النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) قال لهما ” إن ربي قد قتل الليلة ربكما سلط عليه ابنه شيرويه حتى بقر بطنه” وأخبرهما أن الإسلام سيبلغ ملك كسرى, وأمرهما ن يقولا لباذان إنك إن أسلمت أعطيتك ما تحت يدك وملكتك على قومك من الأبناء فخرجا من عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وانطلقا حتى قدما صنعاء على باذان وأخبراه الخبر. فقال: والله ما هذا بكلام ملك وإني لأرى الرجل نبيا ، ولننظر ما قال فلئن كان حقا فلا يسبقني أحد وان لم يكن كذلك فسنرى فيه رأينا، ولم يلبث طويلا حتى قدم عليه كتاب شيرويه يخبره فيه انه قتل كسرى غضبا لفارس ، وقال له إذا جاءك كتابي هذا فخذ لي الطاعة ممن قبلك وانظر الرجل الذي كان كسرى كتب إليك فيه فلا يهيجه حتى يأتيك أمري فيه، فلما انتهى كتاب شيرويه إلى باذان ، قال إن هذا الرجل لرسول الله حقا فاسلم وأسلمت الأبناء من فارس من كان منهم باليمن فبعث بإسلامه وإسلام من كان معه إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) ورضي عنهم وأقره عليهم.
معاذ بن جبل:
لما بعث النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) معاذ بن جبل إلى اليمن روي أنه قال له : يا معاذ إنطلق حتى تأتي الجند وحيث بركت بك هذه الناقة فأذن وصَلَ ، وابتن فيه مسجداً ، فلما وصل معاذ دارت به الناقة وأبت أن تبرك ، فقال هل من جند غير هذا ؟ قالوا نعم جند ركامة، فلما أتاه دارت وبركت فنزل معاذ بها فنادى بالصلاة ثم قام فصلى.
وعن معاذ بن جبل أن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قال له: “كيف تقضي إذا عرض لك قضاء” قال: اقضي بكتاب الله، قال: “فان لم تجد”؟ قال” فبسنة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)قال: “فان لم تجد”؟ قال: أجتهد رأيي ولا آلو، قال: فضرب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) على صدري وقال: “الحمد لله الذي وفق رسول رسول الله”.
تجدر الإشارة إلى أن التيارات المذهبية الدخيلة على المجتمع اليمني تعمل بشكل دائب لمحاربة ظاهرة الاحتفال بجمعة رجب وتمكنت في العديد من المناطق التي اكتسحتها بفعل عوامل عديدة من تصوير مناسبة عيد رجب باعتبارها ابتداعا محرما في الدين لا أساس له من كتاب أو سنة ، كما ساعد على ذلك ضمور فاعلية علماء المذهب الزيدي وتراجع التيار الزيدي وضموره في مختلف المناطق.
إضافة إلى الحالة المعيشية المتردية لليمنيين كل ذلك وغيره من العوامل والمتغيرات ، أخذت في القضاء التدريجي لظاهرة الاحتفال بجمعة رجب في المحافظات الشمالية، غير أن الأمر مختلف جذريا لدى المناطق الشافعية ففي بداية رجب من كل عام تشهد منطقة الجند في محافظة تعز أضخم التجمعات الشعبية الجماهيرية يشترك فيها العلماء والنخبة ويتم إحياء ليالي الأسبوع الأول من رجب بالموالد وحلقات الذكر والإشادة بمقدم الصحابي الجليل معاذ بن جبل رسول رسول الله إلى اليمن لتبليغ رسالة الإسلام كما أن مناطق كثيرة في تريم وزبيد والحديدة تشهد نفس الفعاليات بالمناسبة.