الفتنة نائمة .
بقلم/ إبراهيم شرف الدين
منذ الأيام الأولى لثورة الشباب وإعلام السلطة يعمل على إثارة الكثير من الشبهات بهدف التدليس والتغرير على بعض العوام الإمعة الذين قد تختلط عليهم الأمور خصوصاً في ظل سياسة التجهيل التي انتهجتها السلطة لثلاث وثلاثين سنة…
لذلك ولأن نفي الشبه وردها هو أحد المجالات التي يبرع المحامون فيها، فإن من المناسب- باعتباري محامياً- أن أتطرق إلى بعض تلك الشبه لأفندها شبهةً شبهة إن أسعفني الوقت.
الشبهة الأولى: الفتنة نائمة لعن الله من أيقظها.
الفتنة لفظ مشترك في اللغة بين عدة معانٍ، منها ما يحصل من اضطراب في معايش الناس وأرزاقهم، كما يطلق هذا اللفظ ويقصد به ما يَقَعُ بينَ النّاسِ من القِتالِ.
إذن فالظاهر أن المرجفين من عبدة الطاغوت يشيعون هذه الشبهة ويستهدفون بها شريحتين: شريحة العوام المترددين الذين لا يملكون إلا مصدر دخل يومي، ولبعدهم عن الله وعدم ثقتهم به يظنون أن انقطاعهم عن العمل يومًا واحدًا سيترتب عليه انقطاع رزقهم، فهذه الشريحة عندما يستهدفها المرجفون بهذه الشبهة إنما ذلك لتأليبهم على المعتصمين بعد إقناعهم بأن المعتصمين هم من يسبِّب أزمة اقتصادية يتجرع المواطن آثارها على مستوى دخل الفرد.
وأما الشريحة الثانية فهي شريحة الشباب المعتصمين الذين بلغوا من النضج مرحلة يبعد معها أن تنطلي عليهم الشبهة بمعناها الأول (اضطراب الحياة الاقتصادية)، وبالتالي فإن إعلام السلطة عندما يوجه هذه الشبهة نحو هذه الشريحة الواعية والناضجة فإنما يعني بذلك التهديد بحربهم وسفك دمائهم وهتك أعراضهم.
وعليه نقول للشريحة الأولى: اعلموا أن المعتصمين في ساحات التغيير خرجوا من ديارهم وقد يكون بعضهم أحسن حالاً منكم، وما كان خروجهم إلا للمطالبة بالحياة الكريمة لكم ولهم، مستجيبين في ذلك لأمر الله ولفطرة الله التي فطر الناس عليها، حياة يستوي فيها القوي والضعيف، حياة ينتزع فيها حق الضعيف من القوي، وأما الفتنة التي يشيعها المرجفون بينكم فأنتم تعيشونها منذ أكثر من ثلاثة عقود، فالتردي الاقتصادي، والتدني الثقافي، والانشقاق الاجتماعي، هو حال اليمن خلال الفترة التي حكم فيها هذا النظام، اختلاس ونهب الأموال والممتلكات ا?عامة والخاصة، تفشي الرشوة بين موظفي القطاع العام والخاص حتى أن المواطن أصبح عاجزًا عن الوصول إلى الحق، إلا بعد أن «يعشي ويرشي» بما قد يزيد عن حقه الذي يطالب به، وتردد المواطن على المحاكم لسنوات دون أن يصل إلى حقه بعد أن يبيع كل ما يملكه دون أن يجني من تلك السنوات سوى القهر واليأس والكَبَد، في حين يصل أصحاب النفوذ والقوة والسلطان إلى حاجتهم المشروعة أو غير المشروعة بمجرد رفع سماعة الهاتف، أليس كل ذلك هو الفتنة؟! عندما تقدم ثروات بلادنا وخيراتها ومدخرات شعبنا إلى الخارج دون مقابل عدا ما يحصل عليه القائمون عل? السلطة من عمولات ومنافع شخصية أليس ذلك هو الفتنة؟! عندما تتجه سياسة السلطة إلى فتح أبواب البلاد للاقتصادات الخارجية حتى على مستوى المياه الصحية التي تستورد من الخارج دون أن يمنعها مانع، ودون أن تبالي هذه السلطة بما يؤدي إليه ذلك من إعدام للمزارعين والحرفيين اليمنيين، حتى أصبح الشعب اليمني مجرد شعب مستهلك، لا يملك قوتًا للعيش سوى ما يقدم إليه من الخارج وعلى أسوأ المواصفات، أليس ذلك هو الفتنة؟! وفوق كل هذا عندما يصرخ الواحد منا أو الجماعة من ضيق الحال، أو عندما يقف أحدنا لتوعية الناس وإرشادهم إلى السبل التي?يجب عليهم أن يسلكوها للخروج من ضائقتهم ماذا يكون حالهم؟ تشن السلطة عليهم حربًا دامية إبادية، تستخدم فيها جميع أنواع الأسلحة، تلك الأسلحة التي هي أصلاً ملك الشعب، وتتلقى الدعم المادي والمعنوي من الخارج لإسكات صوت الحق، أليست هذه هي الفتنة؟!
عندما تحكمنا حكومات مبطنة تكن الولاء للدول العظمى الرأسمالية، تنفذ سياساتها وتتلقى التوجيهات منها بما يحقق مصلحة تلك الدول بل مصلحة الشركات الصهيونية المسيطرة على تلك الدول، أليست هذه هي الفتنة؟!
إذن على المترددين الذين يعانون من ضيق الحال أن يعلموا بأن صوت الحق الذي رفعه المعتصمون اليوم هو لإخراجهم من الفتنة التي نحن جميعًا فيها منذ ثلاث وثلاثين سنة، وعليهم أن يقرأوا قول الله تعالى: بسم الله الرحمن الرحيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ (20) وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ قَالُوا سَمِعْنَا وَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ (21) إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ (22) وَلَوْ عَلِمَ اللَّ?ُ فِيهِمْ خَيْرًا لَأَسْمَعَهُمْ وَلَوْ أَسْمَعَهُمْ لَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ (23) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (24) وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ (25)). صدق الله العلي العظيم.
فالفتنة هي الاضطراب في أحوال الناس بسبب سياسة الظلمة واستكبارهم في الأرض، واستبدادهم بالأموال، واستعباد الناس بها، وعندما يتولى المؤمنون عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خوفًا من بطش الطاغوت أو طمعًا فيما عنده فإن الفتنة ستصيبهم لا محالة لأن الأزمات الاقتصادية لا تفرق بين ظالم ومظلوم وهذه سنة من سنن الكون، لا سبيل إلى تجنبها أو إلى القيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، حتى ولو بقولك للظالم «يا ظالم كفاك ظلمًا»، ولذلك يقول الله سبحانه وتعالى: (وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لَا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ ا?دِّينُ كُلُّهُ لِلَّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِمَا يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (39) وَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلَاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ (40)). فما يترتب على مواجهة الظالم ليس هو الفتنة، بل مواجهة الظلمة هي الوسيلة الوحيدة للخروج من الفتنة، أما الفتنة فهي كل ما يحل بالإنسان من فقر وجوع وخوف وقهر وذل واستعباد وكل ما يحل بنا عندما يتولى الظلمة على الناس فيسعون في الأرض فسادًا، ويهلكون الحرث والنسل، فيظل الناس على تلك الحال من الفتنة بسبب سكوتهم، يقول الله سبحانه و?عالى: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) صدق الله العلي العظيم.
أما الذين يهددونا بالقتل، فعودوا إلى رشدكم ولا تبيعوا الحياة الدنيا بالآخرة ولا تبيعوا رضى الله بسخطه، ولا تكونوا عبدة للطواغيت الظلمة المستبدين، قال الله سبحانه وتعالى: (قُلْ هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ وَعَبَدَ الطَّاغُوتَ أُولَئِكَ شَرٌّ مَكَانًا وَأَضَلُّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ (60)) صدق الله العلي العظيم.
وأما للطواغيت الذين يوجهون سلاح الشعب لإبادة الشعب، ومال الشعب للقضاء على الشعب، نقول لهم ما قاله الله لهم ولأمثالهم: بسم الله الرحمن الرحيم: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَالَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ) صدق الله العلي العظيم.