هناك ما يكاد يكون ثابتاً تاريخياً: أي طرف يمني يضع يده بيد السعودية، في أية دورة من دورات الصراع، لا تلبث المملكة أن تخذله، ولا يلبث أن يخسر.
من أين نبدأ؟!
حسناً فليكن من اللحظة الطرية، وتنازلياً حتى الوصول لأبعد نقطة في تاريخ التدخلات السعودية:
1- العام 2011: وقفت المملكة بقوة مع الرئيس علي عبد الله صالح، في وجه المظاهرات المطالبة بإسقاطه، حتى أن جمهور صالح كان يخرج، لتأييده، رافعاً صور الملك عبد الله بن عبد العزيز وولي عهده، تعبيراً عن الشكر والامتنان.
ثم مالبث صالح أن وقّع تنازله عن السلطة داخل قصرٍ في الرياض، ومالبثت السعودية، بعد أربع سنوات، أن خاضت حرباً شرسة تطالب برأسه، هي الحرب التي نعيشها.
2- العام 1994م: وقفت المملكة مع علي سالم البيض وخيار الانفصال، فانهزم البيض وغادر اليمن، وعادت الرياض لتضع يدها مجدداً في يد صالح.
3- العام 1967م: وقفت المملكة مع بقايا السلاطين في الجنوب ضد قوى الاستقلال، وأنشأت للهبيلي جيشاً ومنحته معسكراتٍ في “شرورة” (كما تمنح حلفائها الآن)، ثم ما لبث الهبيلي، وصفّه، أن انهزموا وتلاشى تأثيرهم ووجودهم تماماً.
4- العام 1962م وما بعده: وقفت المملكة مع الملكيين، ومدتهم بالموقف والمال والسلاح، في وجه الجمهوريين، وما لبث الملكيون أن خسروا المعركة، وتحولوا إلى لاجئين في الطائف وجدة.
5- العام 1948م: دعمت المملكة استعدادات عبد الله الوزير، و “الدستوريين”، للإطاحة بالإمام يحيى حميد الدين. وبعد أن قتلوا هذا الأخير، وتحرّكٓ ولي عهده (أحمد) لخوض معركة استرداد، استنجد الوزير بالملك السعودي، فرد عليه: آسف لا أستطيع، نعم نحن اتفقنا ولكن لم نتفق على أن تقتلوا هذا الشائب.
ومالبثت “الحركة الدستورية” أن سقطت، وما لبث الإمام الوزير أن أُعدم.
6- العام 1926: دعمت المملكة الإمام الحسن بن علي الإدريسي وإمارته في تهامة، وقد لجأ هذا إلى الملك السعودي (عبد العزيز) مستنجداً به ضد استعدادات الإمام يحيى لشن حربٍ لضم أقاليم تهامة إلى اليمن المحررة. منح الإدريسي عبد العزيز، بموجب معاهدة بين الطرفين، حق السيطرة على إمارته الممتدة على عسير وجيزان وأجزاء من تهامة؛ مقابل أن يقره الأخير والياً عليها.
ومالبث الملك السعودي أن انقلب على المعاهدة، ففر الإدريسي عائداً إلى التحالف مع الإمام يحيى. وحدثت الحرب اليمنية السعودية الأولى، بعد ذلك، وانتهى الإدريسي وتلاشت إمارته إلى الأبد.
وبعد:
الإخوة واضعي أيديهم في يد السعودية، هذه ملاحظات يرسلها لكم التاريخ مع التحية.
لا حل (بالطبع بعد إيقاف العدوان السعودي) إلا بالتسوية بين اليمنيين، أما الرياض فمن دخلها من اليمنيين لا يعود، في العادة، أبداً.
في اليمن: الداخل فقط هو من يستطيع أن يرفع ويخفض، أن يبني ويسقط..
تحديات الداخل أسقطت هادي وصالح ومعظم من سبقهما.. وتحديات الداخل هي من سيسقط تحالف الحوثيين وصالح في حال فشلهما في مواجهتها؛ كما فعلت مع من سبقوهما.
إن كنتم تريدون مستقبلاً لليمن؛ مستقبلاً تكونون أنتم فيه أيضاً، فكونوا شجعاناً وابحثوا عن تسوية يمنية يمنية عادلة ؛ مادام الوقت لا يزال يسمح.
نخاطبكم بحكم كونكم الأقوى (خارجياً)، بتحالف دولي (وليس إقليمياً فحسب)، وبحكم كونكم المبشرين بديمومة الحرب، والداعين إلى استمرارها.. باستمرار، ولدرجة اتهامكم لكل من يطالب بإيقافها بأنه “داعم للانقلاب ومدعوم من المليشيا”، كما تفعلون الآن، بدون خجل، مع الأسكتلندي جيمي ماكغولدرك ممثل الأمم المتحدة المقيم في اليمن.