مشترك في موضع الشبهات
بقلم :عبد الملك المثيل
نحاول جاهدين فهم العقلية التي يستخدمها قادة المشترك في التعامل مع الثورة اليمنية ، لعلنا نلتمس لهم عذرا يبرر سيرهم المتواصل خلف سراب الحوار والمبادرات ، فعجزنا في فك رموز الفهم ، ليس لأننا لا نجيد قراءة الواقع بكل معطياته ، ولكن لأن قادة المشترك يصممون على التغريد خارج الواقعين الجغرافي والتاريخي ، مما أدى إلى خلق حالة من الغضب الشديد في أوساط الجماهير اليمنية من تصرفات قادة المشترك ، لأن ما يقومون به لا يمت إلى الثورة بصلة ولا يحقق مطالب الشعب اليمني القادر على فرض ارادته رغما عن الجميع في الداخل والخارج.
قلنا في موضوع سابق ، أن هناك فارق كبير بين الثورة والأزمة السياسية ، وأن ما يحدث في بلادنا ثورة حقيقية بكل مقوماتها ومعطياتها ، ولأنها كذلك فالثورة ليست بحاجة لمن يأتي ويقدم لأجلها قرابين من المبادرات السمجة ، وعليه فقادة المشترك بحاجة
ماسة لفهم هذه الحقيقة حتى يتمكنوا من العودة للأرض والتعامل مع أحداثها ، فهم منذ بداية الثورة حتى اللحظة يحققون بقصد او بغباء ما يتمنى علي صالح حدوثه ، فها هو يملي شروطه التي تتكاثر يوميا ، وها هو ينتزع عفوا عاما عن عصابته التي عاثت في شعبنا قتلا وفسادا ، وها هو يناور ويراوغ ويكسب الوقت لعل وعسى أن تحدث معجزة ما ، تبقيه رئيسا لليمن سنين أخرى .
يحتاج قادة المشترك لفهم أمر آخر ، وهو أن علي عبدالله صالح قد انتهى سياسيا في الداخل والخارج ، وهم من يمنحونه الوقت ليبقى ، والخوف كل الخوف أن يقوموا ببث الروح في جسد نظامه الميت ليحيا من جديد ، نتيجة تصرفاتهم المخالفة لأعراف الثورة ورغبة الشعب ، ولهذا فعليهم الآن وفورا أن يخرجوا إلى الناس ليعلنوا فشل كل المبادرات والتوبة النصوح من العودة إلى طريقها ، مهما كانت الوعود والعهود ، وليتوقفوا عن استخدام لغة التهديد والوعيد ، لأن من يرسلون له رسائلهم البالية لا يفهم ولا يعي شيء من ذلك كله ، بل إنه من حيث لا يشعرون جرهم بخبثه المعروف إلى مواجهة الثورة والثوار عندما حصر الأحداث الجارية بأنها أزمة سياسية بين معارضة وسلطة في خطاباته وتسويقه للقوى الإقليمية والدولية ، وقد حقق له قادة المشترك ذلك بتقديم المبادرات وقبولها من أطراف أخرى .
لسنا دعاة حرب أو فتنة كما قال البعض بخصوص موضوع ” قادة الزحف إلى دار الرئاسة ” ولكننا نتعامل مع ثورة شعبنا العظيم وفق معايير الثورات المتعارف عليها ، ولهذا فدعوتنا للخروج من طريق المبادرات والعودة السريعة لطريق الثورة ، مبنية على أساس ضرورة الإستجابة للرغبة الشعبية ، أما إن صمم قادة المشترك على التعلق بأحرف المبادرات المشكوك فيها أصلا ، فوجب علينا القول أنهم بحاجة للخروج من المشهد السياسي اليمني جنبا إلى جنب مع علي صالح وسلطته الفاسدة ، وعليهم ان يبحثوا عن قصور مقاربة لقصره في مدينة جدة السعودية بعد رحيله ورحيلهم ، حتى يواصلوا الحوار والنقاش حول بنود المبادرات التي لن تحتاج بعدها لسفر أي مسؤول خليجي إلى اليمن ، لأن شعبنا ساعتها سيكون مشغولا بتنظيف مخلفات صالح وسلطته وبناء حاضره ومستقبله .
قد يقول البعض أننا بكلام كهذا نضع الثورة في مواجهة العامل الإقليمي والمؤثر بدوره على العامل الدولي ، وأنه من العدل أن نقر لقادة المشترك نجاحهم في تفكيك ذلك العامل الذي أتى بصالح للحكم وأبقاه فيه زمنا طويلا ، وقطعا نقول أن ذلك ليس صحيحا ، لأن العامل الإقليمي ( السعودية بالتحديد ) معروف بسعيه الدائم لسحق الجهود والتطلعات في بناء دولة يمنية حقيقية ، وهو من يواجه الثورة الآن ويعمل على الإلتفاف عليها ، أما عن نجاح المشترك في تفكيك التأييد لصالح من ذلك العامل ، فقد حدث لأن الثورة فرضت نفسها على الجميع ، ولو لم تكن هناك ثورة ما رأينا من ذلك شيء ، وإن افترضنا أن قادة المشترك نجحوا في ذلك فكان عليهم أن يرحبوا بالجهود الإقليمية شريطة ان تتوافق مع الثورة وأهدافها المتمثلة في رغبة وتطلعات الشعب اليمني .
إذن ، على قادة المشترك ان يدركوا أنهم وضعوا انفسهم في موضع الشبهات ، ومن وضع نفسه في ذلك الموضع فلا يلومن إلا نفسه ، ولا يجوز له ان يلوم من ينتقده ، والواضح أنهم بتعاطيهم الخاطئ هذا ، بحاجة لمذاكرة الماضي مع علي صالح فقد كانوا وبكل أسف ، المشرع له سنوات طويلة ، ولا يمكن ان يقوموا الآن بمنحه شرعية الخروج الآمن مع عصابته القبيحة ، بل أن من الواجب أن يعملوا على تقديمه للمحاكمة وبجانبه كل نفس خبيثة تسببت في القتل والفساد طوال فترة حكمه.
إن على قادة المشترك الآن ، ان يعلموا أنهم يفرغون الثورة من مضامينها ، وحتى لا يقال بأننا نتبلى عليهم ، أو نسعى للإسائة لما يقومون به ، وجب الإشارة إلى عدة أسئلة تؤكد وجوب حمل حقائبهم والإتجاه إلى ساحات الثورة والتغيير والعمل مع الشعب على تنفيذ البند الثوري الأخير حتى يسقط النظام عن بكرة أبيه ، وتلك الأسئلة تمثل في ذاتها لؤم وفشل المبادرات ، فكيف يمكن لثورة تسعى لإسقاط نظام كامل أن تقبل منحه خمسين في المائة من الحكومة القادمة ؟ وهل من المعقول أن يمنح القتلة واللصوص حصانة وعفوا عاما في ظل الثورة ؟ وعن أي ثورة تتحدثون وانتم تمنحون المجهول الفرصة ليصبح واقعا ،عندما يوقع ما يسمى المؤتمر وحلفائه على مبادرة لا أمل فيها على الإطلاق ؟ وهل أتت الثورة لتبقينا في دائرة الإحتلال السياسي الإقليمي والدولي ؟ أم أنها ستنجح في انتزاع سيادتنا من يد الآخرين ومنحنا كشعب الحرية الكاملة في تقرير مصيرنا ؟ .
الكلمة الأخيرة الواجب قولها ، كنصيحة لقادة المشترك هي ضرورة إيمانهم بالثورة فبها وحدها سيسقط النظام وستتحقق مطالب وأهداف الشعب ، أما إن كانوا يعتقدون أنهم بتلك المبادرات ينتزعون مكاسب من علي صالح وينتصرون عليه فلا حرج ان أقسم بالله أن جدتي رحمها الله وأسكنها فسيح جناته كانت تفهم في السياسة أكثر منهم بكثير .