“أسرارُ الفوضى الأمنية” بقلم / يحيى الشامي
موجة من الاغتيالات تضرب اليمن بصورة لم يعهدها من قبل ، وتُغيّب الكثير من الشخصيات السياسية والعسكرية والمدنية بشكل شبه يومي وفي حركة تراجيدية انتقامية تنسجم تماماً مع المخططات الأمريكية ؛ ففي الوقت الذي تُنفّذ أمريكا غاراتها بواسطة طائراتها بدون طيار لملاحقة وقتل من تسميهم بعناصر القاعدة ، تقوم هذه العناصر بدورها بالإنتقام على الأرض عبر سلسلة اغتيالات طالت الكثير من ضباط وأفراد الجيش اليمني بل وحتى شخصيات سياسية ومدنية ، يُصنّف البعض هذه العمليات في إطار العنف والعنف المضاد وهو باعتقادي تصنيف سطحي لا يستند إلى رؤية جذرية لحقيقة المؤامرة الجاري تنفيذها على الأرض ، فنظرة واحدة إلى قائمة ضحايا الانفلات الأمني الحاصل في البلد تُظهر أن عملية تصفية كبيرة و ممنهجة تجري في صفوف المؤسسة العسكرية اليمنية ، كما أن الولايات المتحدة وبواسطة غارات طائراتها بدون طيار المتصاعدة بشكل لا فت في الآونة الأخيرة تغطي وتغذي هذا الانفلات الأمني الكبير والغير مسبوق في اليمن وفي نفس الوقت تتخذ منه ذريعة لحربها الغير معلنة التي تشنها على اليمنيين أولاً وأخيراً قبل أي اعتبار آخر أو تصنيف ، بدليل الانحسار المفاجئ للطوفان الإعلامي الكبير الذي بدأ قبل أسبوعين بعد ما قيل عنه اتصال هاتفي بين قيادات ما يسمى القاعدة والذي أسفر عن حالة استنفار أمني وإغلاق سفارات غربية وإجلاء موظفين لينكشف الواقع عن حقيقة مغايرة تماماً .. فبينا كانت وسائل الإعلام الغربية تقرع طبول حرب محتملة بين التنظيم والدول الغربية كانت وزارة الحرب الأمريكية تقوم بأكبر عملية إنزال لجنود أمريكيين على الأراضي اليمنية تترافق مع عملية إنزال – شبه دورية – لمعدات وآليات عسكرية وصفها مسؤول عسكري يمني مُطّلع بأنها متطورة وحديثه .
الكارثة لا تكمن هُنا بقدر ما هي في سكوت الطبقة السياسية والنخبة الثقافية والإعلامية الذين -لا شك – يُدركون المخاطر الجسيمة التي تُحدق باليمن جراء هذا التماهي الممارس من قبل السطات اليمنية التي اعتمدت سياسة الصمت ، الصمت الذي وضع لهُ حدّاً فخامة الرئيس هادي قبل أيام في خطابه أمام طلاب كلية الشرطة مُعلناً انحيازه لصالح هذه الغارات الأمريكية وتخليه عن شعبه مُتجاهلاً حالة السخط الشعبي المتنامي ومُكرّراً إعجابه بـ” الدرونز” القاتل اللاأخلاقي وبتقنيتها العالية ويُبرّر هادي موقفه هذا قائلاً : إن اليمن وقّع اتفاقية تعاون دولي لمكافحة الإرهاب في عهد صالح وليس علينا سوى الالتزام بهذه الاتفاقية ” هكذا يتحدّث وكأن لا ثورة وقعت ولا خبر حصل ، وهل يا هادي إلا على مثل هذه الاتفاقيات ثار اليمنيون؟ ثم هل نحن ملزمون باتفاقيات تنتهك السيادة وقبل ذلك تقتل من تشاء أين شاءت ؟ وبلا محاكمة وبطريقة لا إنسانية أثارت حتى الأمريكيين أنفسهم من حقوقيين ونشطاء مدنيين؟
ثُم إن السلطات لا تخجل في عقد وتوقيع اتفاقيات تعاون عسكري جديدة مع الأمريكيين من قبيل التي كشفت عنها وسائل إعلامية قبل أيام مكرّرة بذلك نفس الخطأ الذي تتهم به غيرها.
وأما عن سر هذه تصاعد هذه الغارات بالتزامن مع انعقاد جلسات الحوار الوطني فليس من المستبعد أنها تسعى لفرض مسارات و أجندة تزيد من حجم التدخلات الأمريكية في المرحلة القادمة التي ستتبلور ملامحها بناءً على مخرجات الحوار الوطني من قبيل الإمساك بكل أطراف العملية السياسية وفرض وجهة النظر الأمريكية في كل تفاصيل المشهد السياسي
فضلاً عن أن استمرار وتيرة هذه العمليات، قد تؤدي إلى احتقان المشهد اليمني، وربما يتسبب بانفلات أمني كبير يوقف العملية السياسية برمتها ، ويدخل اليمن في مزيد من الفوضى والفوضى المضادة .
وفي المحصّلة هناك علاقة طردية لا يُمكن تجاهلها بين ما يجري على الأرض من حالة انفلات أمني واغتيالات وبين تلك الغارات الأمريكية التي لا تريد منها أمريكا سوى مساعدة اليمنيين في حربهم ضد ” الإرهاب “..!!
إنها مهزلة أبطالها في الجو طائرات بلاطيار يتحكم بها ويخرج مسلسلها إنسان بلا أخلاق ، ويكتمل المشهد على الأرض بالدور الهام الذي تؤدّيه العناصر المسلحة الذين ينتقمون من الغارات الأمريكية بقتل واغتيال وتفجير أخوانهم من اليمنيين مدنيين وعسكريين.