من المتعارَفِ عليه أن الحربَ العسكريَّةَ ومواجهة العدو وجهاً لوجه في أرض المعركة هو مَن يحسم المعركة غالباً، لكن يبدو أنها ليست الطريقةَ الوحيدةَ التي استخدمها عدوُّنا لمحاولة هزيمتنا وإصابتنا في مقتل..
فهناك الحرب الاقتصادية التي تشن علينا بشراسة لإضعاف اقتصادنا وإلهائنا عن المواجهة وإشغالنا بهموم البحث عن لقمة العيش.
وهناك الحربُ السياسيّةُ التي تدورُ رحاها في محافلهم الدولية كلما ضاق عليهم الخناقُ في ساحة المعركة العسكرية؛ كي يلتقطوا أنفاسَهم ويلملموا شعثهم ويسكتوا عويلَ جنودهم..
وأيضاً الحربُ الإعلامية التي تنشر الأقاويل والشائعات وتزيف الحقائق وتصنع من الوهم حقيقة ومن الهزيمة انتصار بضغطة زر أَوْ نثر كلمات هنا وهنا لرفع معنويات العدو وإضعاف معنوياتنا نحن..
ونأتي هنا لذكر الأسلوب الذي أصبح يزاحم الحروب التقليدية على الساحة وهو أسلوب (الحرب النفسية) وهي حرب تستهدف الروحَ؛ لتنهك العقل وتضعف الجسد وتعتمد على دراسات وبحوثات نفسية ومعلوماتية وفيسولوجية كي تُوجِه الضربات للشعوب بدقة بالغة..
فتبني أجيالاً مهزومةً نفسياً لا تأبه لما يقع عليها من جور وظلم ولا تحَـرّك ساكناً للانتصار لنفسها.
وليس بالضرورة أن تبدأَ الحربُ النفسية مع الحرب العسكرية مباشرةً، فقد تبدأ الحربُ النفسية قبل العسكرية بفترة كبيرة، فما نراه أن الشعوب العربية شنت عليها الحرب النفسية منذ القدم وما زالت إلى الساعة..
فعدونا يريد أن يحصد أكبر النتائج بأقل الخسائر.. طبعاً أقصد هنا خسائره هو؛ لذلك ضربت الأُمّة من الداخل بزرع الشك في أفكار عدوها ومعتقداته واتجاهاته؛ ليخلقوا بذلك نسقاً فكرياً جديداً يقلل من العدائية والسخط تجاهه، وبذلك يتجنب المواجهة العسكرية أَوْ يؤخّرها..
أَيْضاً من أساليب الحرب النفسية التشكيكُ في القيادة وفي الفكر والمنهج الذي تسيرُ عليه الأُمّة؛ ليسهل عندها تفكيك الجبهة الداخلية التي تعتبر من أهم الركائز للصمود والمواجهة؛ لتسهل عندها هزيمتنا بشكة إبرة بسيطة دون بذل أي جهد يذكر.
وكذلك بثّ الشائعات المحبطة للنفسيات بأن العدو يتقدم وأن خسائرَنا فادحة أَوْ أن الجبهات تتراجَعُ، وقد استُخدمت هذه الطريقة في عدة حروب وملاحم تأريخية وكانت سبباً في الهزيمة؛ بسبب انكسار النفسيات وتراجع المعنويات.
لذلك كانت الحرب النفسية من أخطر الحروب التي تشن علينا من قبل العدو الأمريكي وأدواته القذرة فمنذ أمد طويل وتلك الحرب تحمى وطيسها فوق رؤوسنا.
فقد استخدم العدو كُلّ إمكانياته التي تمت دراسة جدوائيتها على شعوب كثيرة، فحرفت ثقافاتها ومسخت تقاليدها وعاداتها بحيث أصبحت شعوباً مهزومةً نفسياً مفرغةً روحياً من الانتماء الفطري للإنسانية، لكن السؤال الذي يطرح نفسة هنا??
هل نجح العدو بإضعاف نفسياتنا وهزيمة معنوياتنا كتلك الشعوب؟?
ما نراه بل ما يراه العالم بأسره أن الشعب اليمني رغم القصف والحصار والدمار والفقر وقلة الإمكانيات المادية والعسكرية.. ما زالت معنوياته تناطح السحاب.. نفسيات أبية على الخضوع وعصية على الذل والامتهان..
ما يراه العالم أن عدو البشرية والإنسانية وبعد ارتكابه لمئات المجازر في اليمن.
يرى رجالاً ونساء وأطفالاً يخرجون من تحت الركام يتحدون الدمار لم تصب نفسياتهم بأذى، ما زالت قلوبهم مليئة بالإيمان بربهم وبعدالة قضيتهم.
يرى رجالاً مجاهدين في كُلّ الجبهات يتحدون كُلّ الصعاب تتساقط عليهم الصواريخ كالمطر المنهمر، وتراهم لا يهتزون ولا يرهبون صوتها أَوْ تعيقهم شظاياها التي تحاول اللحاق بهم وإيقافهم عن تقدمهم علها تحقق لأصحابها شيئاً من النشوة، لكن عبثاً تحاول، فهم يتقدمون نحو العدو وبضربات قوية وثبات عجيب يلقنونه أقسى الدروس ويسومونه عذاباً مريراً.
رجالٌ مؤمنون لديهم عقيدة ثابتة لم تتزحزح أَوْ تصب بأذى..
لم يخترق نفوسهم الوهنُ، أَوْ تضعف معنوياتهم.. رغم ترسانات العدو العسكرية والبشرية إلا أنهم يسطّرون أروعَ ملاحم البطولة والثبات.
لذلك قلبت الحربُ النفسية في اليمن السحرَ على الساحر وعوضاً من أن تنهزم نفسياتنا وتخبو روحُ النضال والثبات فينا ونسلّم للعدو أصبح العدو هو من يسعى للخروج بماء وجهه..
فقد ضربنا نفسياتِهم وأضعفنا معنوياتهم بسمو أرواحنا وقوة إيماننا وتماسُكنا الذي أحبط كُلّ أمانيهم، فحسمنا المعركة في ساحات القلوب الواعية، والتي بدورها هي من ستحسم المعركة التحررية بأسرها وبكافة أشكالها..
فعندما تكون نفسياتنا قويةً واعيةً سليمة من أي اختراق..
سترتفع عندها معنوياتُنا بحيث لا يمكن للعدو هزيمتنا وكسرنا بكل أساليبه ووسائله الخبيثة.. وبذلك نكون قد أفشلنا كُلّ تلك الحروب والمؤامرات التي تحاك ضدنا ونحن ماضون في طريق حريتنا ونجاتنا.