مبعوث صهيوني للدول العربية.. مرحلة جديدة من التطبيع
لم يعد التطبيع العربي الصهيوني أمرًا جديدًا أو مفاجئًا أو يحتاج إلى المزيد من التحليلات والأدلة، فالنفي الذي تبذل فيه العديد من الدول العربية مجهودات دبلوماسية خارقة لإقناع شعوبها به بات أمره مفضوحًا، ومحاولات بعضها التظاهر بالاهتمام بالشأن العربي والقضايا المركزية مثل القضية الفلسطينية أصبحت زائفة ولا تستقيم أمام العقل والأدلة الملموسة، حيث قطعت العديد من الدول العربية وخاصة الخليجية أشواطًا في التطبيع مع العدو الإسرائيلي، وقدمت كل ما يلزم من قرابين لإثبات ولائها للاحتلال، وهاهو الأخير يتخذ أولى خطواته علانية لمكافأة تلك الدول على مجهوداتها.
مبعوث إسرائيلي للعرب
في سابقة هي الأولى من نوعها، اتخذ وزير الدفاع الإسرائيلي، أفيجدور ليبرمان، قرارًا بتعيين مسؤول سابق في جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، كمبعوث خاص له إلى العالم العربي، وقالت القناة العاشرة الإسرائيلية، إن ليبرمان، عيّن إريك بن حاييم، مبعوثًا خاصًا له إلى الشرق الأوسط، ومسؤولًا بشكل خاص عن الاتصالات مع العالم العربي، ونقلت القناة عن مسؤول إسرائيلي، لم تسمه، أن “القضية المركزية الأساسية الأولى التي سيتعامل معها بن حاييم هي الأزمة الإنسانية في قطاع غزة، والجهود لتجنيد الدعم المالي العربي والدولي لتمويل مشاريع كهرباء ومياه في غزة”.
هذه الخطوة تعتبر تطورًا طبيعيًا للمجهودات التي بذلتها بعض الدول العربية مؤخرًا للتقارب مع الاحتلال الصهيوني وكسب ثقته وتأييده، وهو ما حدث بالفعل، فقد أعرب العديد من مسؤولي وقادة الاحتلال الإسرائيلي خلال الأشهر القليلة الماضية وفي مناسبات مختلفة عن سعادتهم بالتقارب الملحوظ وغير المسبوق بين الكيان وبعض الدول العربية، التي لم يسموها، لكنها أصبحت مفضوحة بعلاقاتها وتصريحاتها المتصهينة، وقد أكد مسؤولون إسرائيليون مؤخرًا أن التطورات الأخيرة في المنطقة العربية أحدثت تقاربًا ما بين إسرائيل وبعض الدول العربية التي لا تقيم علاقات دبلوماسية معها، وفي أواخر يناير الماضي، أشار وزير الدفاع الإسرائيلي، إلى رغبته في “فتح سفارات لإسرائيل في كل الدول العربية المعتدلة”، وأضاف حينها “أريد أن يكون هناك سفارات في إسرائيل لكل الدول العربية المعتدلة ورحلات مباشرة فيما بيننا”.
من المؤكد أيضًا أن خطوة ليبرمان، المتعلقة بتعيين مبعوث خاص للدول العربية، لم يكن الاحتلال يقدم عليها دون استشارة الحليف الأمريكي الذي يسعى بكل ما يملك من إمكانيات إلى تقريب وجهات النظر بين الدول العربية والاحتلال، بذريعة أن الأخير لم يعد عدوا للشرق الأوسط، مستغلًا في ذلك الفزاعة الإيرانية، والأدهى من ذلك أن قرار ليبرمان، ما كان ليعلنه بهذا الشكل دون أن يكون قد تلقى الضوء الأخضر من تلك الدول العربية التي يسميها “دول الاعتدال”، وليس مستبعدا أن يكون قد زار بعض العواصم العربية سرًا والتقى برؤسائها وملوكها من أجل الحصول على المباركة لهذه الخطوة، ناهيك عن وعود بفتح المقار الأمنية والسفارات وربما المطارات أيضًا لتسهيل مهمة المبعوث الجديد، وهي المهمة التي قد يبدأ فيها عقب افتتاح السفارة الأمريكية في القدس، والمزمع فتحها في 15 مايو المقبل.
لم يعد سرًا أن المملكة العربية السعودية هي القائد الفعلي لقاطرة التطبيع مع الاحتلال الصهيوني، وهو ما ظهر في تصريحات هامة وصادمه أطلقها ولي العهد السعودي، والمتحكم الفعلي في شؤون المملكة، محمد بن سلمان، عندما اعترف بحق الإسرائيليين في العيش على أرضهم بسلام، وفق مزاعمه، وقال الأمير الشاب الذي بات على بعد خطوات قليلة من العرش السعودي، “إنه ليس هناك أي اعتراض على وجود إسرائيل”، وأضاف خلال مقابلة مع مجلة “ذي أتلانتيك” الأمريكية، خلال زيارته إلى الولايات المتحدة في مارس الماضي: “أعتقد أن لكل شعب في أي مكان كان، الحق في أن يعيش في وطنه بسلام، أعتقد أن للشعبين الفلسطيني والإسرائيلي الحق في أن تكون لكل منهما أرضه”، كما أكد: “إسرائيل اقتصاد كبير مقارنة بحجمها، واقتصادها ينمو بقوة، بالطبع هناك الكثير من المصالح التي نتقاسمها مع إسرائيل، وإذا كان هناك سلام، فستكون هناك الكثير من المصالح بين إسرائيل ودول مجلس التعاون الخليجي ودول أخرى مثل مصر والأردن”.
في ذات الإطار، فإن إعلان وزير الدفاع الصهيوني عن تعيين مبعوث للشرق الأوسط، يأتي بعد أيام قليلة من نشر صحيفة “ذا ناشيونال انترست” الأمريكية، تقريرًا يؤكد ذوبان جليد العلاقات بين إسرائيل وعدد من الدول العربية الخليجية، وخصوصًا السعودية، وأشار الكاتب جميس روبينز، إلى أن ثمة استعدادًا لتطبيع تاريخي للعلاقات بينهما، مضيفًا: “لن يمر وقت طويل قبل أن نرى سفارة السعودية في مدينة القدس المحتلة”، واستند الكاتب في مقاله إلى عدة دلائل، في مقدمتها اجتماع جرى في 13 مارس الماضي، اجتمع فيه ممثلون من المملكة العربية السعودية وقطر والبحرين والإمارات العربية المتحدة ودول أخرى، في البيت الأبيض، وعُقد المؤتمر من قبل المستشار البارز في إدارة ترامب حول السلام في الشرق الأوسط، جاريد كوشنر، والأمر الأكثر جدارة بالملاحظة هو أن وفدًا إسرائيليًا حضر أيضًا الاجتماع، وهو أول اجتماع دبلوماسي معترف به علنًا تشارك فيه تلك البلدان إلى جانب الكيان الإسرائيلي.
وأضاف روبينز: تبقى علامات التغيير قادمة، فمنذ أسبوع، حلقت طائرة تابعة لشركة طيران الهند من نيودلهي عبر المجال الجوي السعودي في طريقها إلى مطار بن غوريون في إسرائيل، وكانت هذه أول رحلة طيران منتظمة تم السماح لها باتخاذ هذا المسار، ويوفر المسار الجديد ساعتين عن الرحلة، وهو ما يعيق عمل شركة الطيران الوطنية الإسرائيلية “العال” التي ترفع دعوى قضائية ضد الحكومة حتى تتمكّن أيضًا من استخدام الطريق الأقصر والأقل تكلفة، وفي هذه الأثناء، حلقت نفاثات من إسرائيل والإمارات العربية المتحدة جنبًا إلى جنب في مناورة عسكرية مشتركة تسمى “إنيوشوس 2018” في اليونان، كما ألتقى الأسبوع الماضي، ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، في مدينة نيويورك بممثلي المنظمات الأمريكية اليهودية الكبرى، بما في ذلك “آيباك” ومؤتمر الرؤساء، واتحادات شمال أمريكا، و”آي دي أل” و”آي جي سي” و”بناي بريث”.
على خطى السعودية تسير الإمارات، وكشفت مصادر قبل أقل من أسبوعين عن بوادر تطبيع علني بينها وبين إسرائيل، مؤكدة أنه تم عقد عدة لقاءات سرية مشتركة جمعت مسؤولين رفيعي المستوى من الجانبين، وأضافت المصادر الخليجية أن الإمارات قرّرت فتح صفحة غير مسبوقة في تاريخ علاقاتها مع الاحتلال، مُستدلّة على ذلك بـ”لقاءات عُقدت بين الجانبين في عدة عواصم خلال الأسابيع القليلة الماضية”، وأضافت المصادر أن “الإمارات أرادت أن تحذو حذو السعودية لفتح باب جديد من العلاقات مع إسرائيل لتحقيق تطبيع سياسي واقتصادي كامل، يحظى بدعم من الإدارة الأمريكية والرئيس دونالد ترامب شخصيًا”، وأشارت المصادر إلى أنه “قبل أسابيع قليلة عُقدت عدة لقاءات سرية مشتركة جمعت مسؤولين إماراتيين وآخرين إسرائيليين رفيعي المستوى، في العديد من العواصم، من بينها واشنطن، فضلاً عن لقاءات مقبلة ستُعقد في العاصمة الإماراتية أبوظبي”، وأكدت المصادر أن بعض الملفات التي يتم تناولها خلال تلك اللقاءات ذات طابع سياسي تتعلّق بالوضع الراهن في المنطقة، خاصة صفقة القرن التي ينوي ترامب تنفيذها في الشرق الأوسط، وتحدّثت المصادر أيضًا عن ملفّات اقتصادية يجري تناولها خلال اللقاءت السرية بشأن إقامة مشاريع مشتركة بتكلفة مالية عالية.
ووفقًا للمصادر، فإن “العلاقة بين الإمارات وإسرائيل تتطوّر تدريجيًا، خاصة بعد الأزمة الأخيرة التي حدثت على خلفيّة اغتيال الموساد للقيادي في حركة حماس وذراعها العسكري كتائب القسام، محمود المبحوح، في 19 يناير عام 2010، فبعد حادثة المبحوح جرت اتصالات ولقاءات عديدة بين مسؤولين إماراتيين وإسرائيليين، تجاوزت قضيّة الاغتيال ووصلت إلى حدّ إقامة علاقات اقتصادية وأمنية متينة قد تتطور لأن تصبح سياسية علنية.