رئيس اليمن الشهيد صالح الصماد شخصية تتمتع بحصانة تحميها اتفاقيات دولية تنظم حالات الحرب، وأعراف تحكم كل الحروب في السعي لتفاوض ينهي الحرب باتفاق سياسي، وهو لم يكن إلا شخصية سياسية مرموقة، مفاوض لبق، يشهد كل مَن عرفه عن قرب بأخلاقه وتواضعه، لا يضيف استهدافه لسجل قَتَلته علامة شجاعة ولا دليل قوة، بل جريمة جديدة تُضاف لسجل الجرائم التي لن يلغيها التعامي الدولي المدفوع عنها، وستبقى تلاحق مرتكبيها، وستنتقم أرواح الضحايا منهم مهما طال الزمن. فالجريمة الموصوفة في اليمن عارٌ على البشرية، والصمت عن القتلة لقاء المال لا يشرّف القتلة ولا الصامتين.
لن يغيّر اغتيال الشهيد الصماد في معادلة الحرب إلا أخذها للمزيد من التصعيد، ولن يغيّر في مصادر قوة أنصار الله إلا شعورهم بالرغبة بالانتقام وتعليق التعاون مع مساعي الحلول السياسية والمسار التفاوضي، ولا يفيد مَن قتلوه التباهي بجريمتهم فهو هدف مدني من ضمن لائحة الأهداف التي نالوا فيها من عشرات آلاف اليمنيين بدم بارد، ولم يحدث من قبل أن قام غير النظام السعودي بمثلها. فكل عمليات الاغتيال لمسؤولين مدنيين في مواقع قيادية وفي حال الحرب تُحرج أصحابها فيخجلون من إعلان مسؤوليتهم عنها، بل حتى اغتيال المسؤولين العسكريين ما لم يكن مقتلهم في مواقع عسكرية وفي مواجهات مباشرة يبقى طي الكتمان ولا يتباهى القاتل بفعلته، لأنه يعتبرها شائنة تنتقص من كرامة جيشه ومخابراته وتظهرها آلة قتل عمياء، إلا النظام السعودي يباهي.
على مستوى ترتيبات ما بعد الصماد قامت المؤسسة السياسية بتسمية خليفته، وبكاه رفاق دربه وأقسموا على الثأر لدمائه، وأعلن قائد أنصار الله السيد عبد الملك الحوثي أن الحساب سيكون عسيراً، وبدأت جولة من التصعيد الصاروخي على جبهة الحدود اليمنية السعودية، والمزيد من التعقيد في المسار السياسي، من دون أي تأثير على قوة ومناعة جبهات القتال ولا على هيكيلية البنية العسكرية ومعنوياتها، بحيث لا يمكن إلا لأحمق القيام بعملية الاغتيال التي لا تشبه إلا توريط الرئيس السابق علي عبدالله صالح في سلسلة الرهانات الخاطئة للنظام السعودي، من دون أخذ العبر والدروس من الفشل المتراكم، ومواصلة الإنكار لحقيقة أن الخروج من المأزق اليمني لن يتمّ دون الإقرار بأن أنصار الله مكوّن يمني لا يمكن تحقيق سلام في اليمن من دون عملية سياسية يكون مشاركاً رئيسياً فيها.
الطريقة التي تدير بها العقلية السعودية مشاكلها والتي يقدّم مثالاً مبسطاً عنها احتجاز رئيس الحكومة اللبنانية سعد الحريري، وهو الحليف القريب الذي يعتبر كما قال الملك سلمان واحداً من العائلة، تقول شيئاً واحداً إن عقلية المطوّعين الذين جرى سحبهم من الشوارع بطلب أميركي انتقلوا للسكن في عقول قادة النظام الذين لا يتقنون التعامل مع الحلفاء الأضعف إلا بعقلية المطوّع، فكيف بالخصوم، ويرتضون معاملة الحليف الأقوى، بالعقلية ذاتها، ويبدو أن هذا ما أدركه الرئيس الأميركي دونالد ترامب فعرف الطريق الأقصر إلى ثرواتهم، ومشكلة هذه العقلية أنها عندما تصطدم بمن يضعون الكرامة فوق المصلحة تقع في المأزق، وكلما حاولت الخروج وقعت أكثر، وكلما توهّمت الاقتراب من برّ الأمان وجدت أنها في قلب الموج العاتي تتجه نحو المجهول.