النص الكامل لمقابلة الرئيس السوري بشار الأسد على قناة الميادين
يمني برس _ سوريا:
الميادين:
سيدي الرئيس، نحن في أزمة طاحنة على مستوى سورية والعالم العربي، ولكن نحن نتحدث عن سورية بشكل أساسي، لو سمحتم لي سأعود لما قبل الأزمة، قبل ربما سبعة أو ثمانية أسابيع.. فقد تحدثتم لصحيفة وول ستريت جورنال وقتذاك عندما سُئلتم عمّا إذا كان ما حدث في تونس يمكن أن يحدث في سورية أجبتم بالنفي.. هل أخطأتم في حساباتكم وتقديراتكم؟
الرئيس الأسد:
عملياً ما حصل منذ عامين ونصف، منذ تلك المقابلة حتى اليوم، يؤكد تماماً بأن ما قلته كان صحيحاً.. فما حصل في سورية يختلف تماماً عما حصل في تونس ومصر.. وخاصة لناحية التدخل الأجنبي.. لناحية إرسال الإرهابيين من الخارج ودفع الأموال من أجل خلق الفوضى في سورية… في تلك المرحلة التي سبقت الأزمة في سورية وتحديداً قبل الأزمة بحوالي شهرين أي في كانون الثاني وشباط 2011 كان هناك تحريض شبه يومي في كل وسائل الإعلام من أجل القيام بمظاهرات، وسؤال تلك الصحيفة بُني على أن ذلك التحريض لم يتمكّن من إخراج شخص سوري واحد إلى الشارع حتى ضُخّت الأموال بشكل مباشر وحُرّك المرتزقة في سورية، فعملياً كل يوم يُثبت بأن ما يحصل في سورية هو شيء مختلف تماماً، وذلك لخصوصية سورية كما هي خصوصية مصر وتونس وغيرها من الدول، وللوضع الجيوسياسي في سورية، وللسياسة الخارجية وبنية الدولة وسياستها عبر خمسين عاماً في سورية. كل هذا يؤكد بأن ما قلته كان صحيحاً.
الميادين:
لكن ألا تعتبرون سيادة الرئيس أن هناك جزءاً لا بأس به من الشعب السوري كان أيضاً يرنو إلى التغيير والإصلاح.. لم يكن بالضرورة مدفوعاً بمال أو مرتزقة وغير ذلك، وبالتالي ربما طلباته كانت محقّة ومشروعة وطبيعية؟
الرئيس الأسد:
هذا صحيح، وأنا قلت هذا الكلام في أكثر من خطاب وفي أكثر من مقابلة، ولكن من تحرّك في البداية لم يكن هؤلاء، وإلا لماذا لم يتحركوا عندما بدأ التحريض ولماذا لم يتحرّكوا في الأسابيع الأولى.. تحرّكوا لاحقاً بعد أسابيع أو بعد أشهر واعتقدوا بأن هناك تغييراً وكان هناك تشويش وانخداع بما يحصل، اعتقدوا أن ما يحصل هو حركة باتجاه الأفضل أو الديمقراطية ولكن نفس هذه القوى عندما اكتشفت الحقيقة تراجعت وانكفأت وتركت الشارع للمرتزقة ولاحقاً للإرهابيين والمتطرفين.
الميادين:
كيف تطورت الأمور من وجهة نظركم، أو من معلوماتكم طبعاً؟
الرئيس الأسد:
الأزمة مرت بمراحل.. المرحلة الأولى كما قلت لم يكن هناك تأثير للتحريض، المرحلة الثانية بدأت من خلال دفع الأموال للمظاهرات مع دخول مسلحين بشكل خفي من أجل إطلاق النار على الشرطة وعلى المتظاهرين بهدف خلق حالة من الصدام وسفك الدماء وبالتالي تنتشر هذه الفوضى بشكل عفوي وطبيعي، ونجحوا في عدة أماكن بهذا الشيء. مع ذلك لم تتطور المظاهرات بالشكل الكافي لإسقاط الدولة السورية بعد ستة أشهر وتحديداً بعد رمضان 2011 فبدأ في ذلك الوقت العمل من أجل زيادة التسليح والنزول المسلّح إلى الشارع بشكل علني. هذه هي المرحلة الثانية. حتى نهاية العام 2012، وبعد توجيه ضربات قاسية من القوات المسلحة للإرهابيين أو الذين سمّوا بالجيش الحر، وهي مجموعة من عصابات مختلفة، عندها دخلت القاعدة على الخط وأصبحنا الآن في مرحلة الصراع مع القاعدة وتفرعاتهاالمختلفة، ما يسمى داعش وجبهة النصرة وغيرها من المسمّيات. هذه هي المراحل الرئيسية لما حصل.
الميادين:
في هذه المراحل كان هناك في رأيكم أو معلوماتكم مواكبة خارجية لها أو هي انطلقت من الداخل وربما تم استثمارها من الخارج؟
الرئيس الأسد:
بدايات الأزمة ابتدأت من الخارج.. التحريض ابتدأ من الخارج ولم يبدأ من الداخل، والدليل عدم الاستجابة الداخلية في البداية.
الميادين:
والسلاح منذ البداية أيضاً؟
الرئيس الأسد:
السلاح موجود في سورية، منذ حصل غزو العراق تم دخول كميات كبيرة من السلاح إلى سورية، فالسلاح متوفر بشكل طبيعي، ولكن المشكلة هي الظروف المهيئة لاستخدامه بالإضافة إلى توريد كميات أخرى من الخارج، دفع الأموال، المظاهرات في البداية التي تحدثنا عنها والتي نسميها المرتزقة، كانت مظاهرات من أجل المال فقط، يخرج المتظاهر لمدة نصف ساعة يقبض المال على هذه الصورة أو الفيديو ويعود لمنزله، هذه كانت الأمور بكل بساطة، وكانت المجموعات المسلحة، مجموعات مختلفة، تأتي لهذه المظاهرات تحت عنوان الحماية وتقوم بإطلاق النار.
الميادين:
سيادة الرئيس، يمكن أن يفهم المشاهد كأنه لا يوجد الآن معارضة في سورية؟ لا يوجد اعتراض، لا يوجد عدم رضا عما هو حاصل، بينما نحن نعرف أن هناك مثقفين معارضين، هناك معارضة حقيقية، وهي بالمناسبة ذات مواقف وطنية وتتناغم معكم بشكل كبير خصوصاً فيما يتعلق بإسرائيل، وبالصراع العربي العام بشكل أساسي؟
الرئيس الأسد:
كل ما قلتُه لا ينفي أبداً وجود معارضة، ولا علاقة بين الأمرين، أن تكون هذه الأحداث تمّت لا يعني بأنه لا يوجد معارضة، ولا يمكن أن ندّعي في أي دولة في العالم، مهما كانت صغيرة وعدد سكانها محدود، أن يكون كل الناس فيها على إجماع حول سياسة واحدة، من الطبيعي أن يكون هناك تيارات مختلفة ومتناقضة أحياناً، ولكن المعارضة هي مفهوم سياسي، المعارضة هي بنية سياسية لها قاعدة شعبية ولها برنامج سياسي واضح، هي بنية داخلية، ليست مرتزقة من الخارج ولا تأخذ أوامرها من الخارج، برامجها ليست من الخارج، لا تقبل بالتدخل الخارجي ولا تحمل السلاح، لا يمكن أن تكون معارضة سياسية وتحمل السلاح، بمجرد أن حُمل السلاح تحوّلت التسمية إلى تمرّد أو إرهاب وليست معارضة. هذا هو تعريفنا للمعارضة، أما المعارضة فهي موجودة دائماً في سورية.
الميادين:
طبعاً المعارضة موجودة دائماً في سورية، ولكن أنا أتحدث عن هذا المخاض الذي حصل في سورية، نحن نتحدث بعد عامين ونصف العام وما لاحظناه الآن أولاً أن مساحات جغرافية لم تعد في يد الدولة.. وثانياً درجة الاعتراض تكثّفت تماماً، كما أن الذين تراجعوا عن اعتراضهم الأول كُثر أيضاً، الذين انشقوا عادوا بشكل كبير. سؤال بعد عامين ونصف العام، عندما يشاهدك المشاهد السوري والعربي يقول: سيادة الرئيس الدكتور بشار الأسد.. تحدثتم قبل فترة عن بعض المؤامرات الخارجية التي حصلت وعن التسليح الخارجي، إلى كل ذلك، ألا يمكن الإقرار بأن هناك أزمة ونحن مدعوون إلى إيجاد حلول لهذه الأزمة بشكل واضح؟
الرئيس الأسد:
طبعاً، من البديهي عندما يكون هناك تدخل خارجي فهو يستند على خلل داخلي، لو لم يكن لديك خلل داخلي لا يمكن أن ينجح التدخل الخارجي، مجرد نجح فهذا يعني بأنه لديك خلل داخلي، وأنا دائماً أتحدث عن مسؤوليتنا نحن كسوريين أولاً فيما يحصل، نستطيع أن نلوم الغرب ودول الخليج وتركيا ولكن بالمحصلة النهائية نحن المسؤول الأول، الوطن هو المنزل… عندما تفتح أبوابك للصوص فلا تستطيع أن تلوم اللص لأنه لص، هو يقوم بما تعلّم أو تربّى عليه، فإذاً نحن لدينا مشاكل داخلية، هذا موضوع آخر، طبعاً لدينا حاجة للإصلاح، لدينا فساد، لدينا الكثير من الأشياء التي طُرحت قبل الأزمة وفي بداية الأزمة، لكن كم من هذه الأشياء طُرح بشكل صادق وجدّي، وكم من هذه الأشياء طُرح كقناع من أجل خلق الفوضى، هذا سؤال آخر.
الميادين:
هل تعتبرون بأن سورية مستهدفة بشكل أساسي بسبب استراتيجيتها الخارجية ومواقفها المعروفة؟
الرئيس الأسد:
هذا جانب مؤكد لا نستطيع أن ننفيه، وإلا هناك الكثير من الدول المحيطة بنا والقريبة منا، الأنظمة فيها تعود لقرون إلى الوراء في تطورها ومع ذلك لا يتحدث الغرب عنها ولا يقول كلمة حول الديمقراطية فيها.
الميادين:
كيف نؤكّد هذا الأمر، كيف نؤكد أن استراتيجيتكم الخارجية هي التي كانت تقلقهم وتزعجهم بشكل أساسي حتى تدخّلوا بهذا الشكل المعروف؟
الرئيس الأسد:
لسبب بسيط… لأن سورية تحت الضغط والتهديد منذ عقود.. لم يأت الضغط والتهديد بشكل مفاجئ، نحن دائماً تحت الضغط، حتى بمراحل الانفتاح مع الغرب كنا تحت الضغط، وليس كما يبدو للمشاهد بأنه شهر عسل أو فترة ارتخاء. سورية دائماً تحت الضغط وتحت التهديد في كل المفاصل بدون استثناء، فهذا جزء من هذه المراحل، نحن نتحدث عن سياق كامل، هي ليست حالة منعزلة لكي تقول بأن الغرب قرر فجأة أن ينقلب على سورية لأسباب ترتبط بسياساتها الخارجية، فإذاً هناك سياق.
الميادين:
الحقيقة ليس الغرب فقط وإنما دولٌ عربية، وحتى دول إقليمية وصديقة، ودول كانت حليفة ولكن سنتحدث عن هذا الأمر لاحقاً، عندما تحدثتم سيادة الرئيس عن هذه الجماعات التي وصفتموها بأنها متطرفة سواء من جبهة النصرة أو داعش والتي أتت من الخارج إلى غير ذلك، ولكن نحن نعلم أيضاً بأن هناك سوريين عددهم لابأس به قد انخرط في هذه الجماعات المتطرّفة وحتى التكفيرية. إذاً، كيف يمكن أن البيئة السورية التي تتباهون دائماً بأنها ليست بيئة أمان فقط ولكن حتى بيئة مدنية تسمونها علمانية، ولكن هي بيئة مدنية في حكمها وتشريعاتها وعلاقاتها، هذه البيئة أوجدت كل هذا النمط وهذا الكمّ من التطرف والتكفير؟
الرئيس الأسد:
هذا صحيح، أن نتحدث عن البيئة العلمانية في سورية ونتباهى بها لا يعني بأنه لم يكن لدينا بؤر تطرف موجودة في سورية، وهذا التطرف أيضاً عمره عقود ولكن اشتد بشكل كبير وتسارع بصورة كبيرة تحديداً بعد 11 أيلول، وبعد الحرب على أفغانستان والحرب على العراق، لذلك نحن كنا دائماً نعارض هذه الحروب ونريد أن نمنع وقوعها لأننا كنا نخشى من انتشار التطرف، وأنا قلت هذا الكلام لأكثر من مسؤول غربي في ذلك الوقت، فإذاً كنا في حالة صراع مع هذا التطرف، ولكن عندما حصلت الأزمة فمن الطبيعي عندما يكون لديك فوضى ويضعف تأثير الدولة في عدد من المناطق الجغرافية في سورية فلابد أن يأتي التطرف ويملأ هذا الفراغ ويخلق الحاضنة الضرورية لنموّه ولتوسّعه. هذا ما حصل. لكن هذا لا يعني بأن التطرف لم يكن موجوداً في سورية فنحن جزء من هذه المنطقة، وهذه المنطقة تعاني، كما قلت، منذ عقود.. منذ أكثر من عقد من الزمن من دخول الإرهاب إلى أقصى المغرب وإلى أقصى المشرق في المنطقة العربية.
الميادين:
أشرتم الآن إلى 11 أيلول، وقلتم أنكم حاربتم التطرف وقتذاك، هل تعاطيتم مباشرة مع الولايات المتحدة الامريكية في هذه النقطة بالذات؟ ليس فقط الولايات المتحدة الأمريكية، ربما حتى دول أوروبية أخرى.. تعاطيتم أمنياً وسياسياً مباشرة في محاربة ظاهرة التطرف؟
الرئيس الأسد:
في عام 1985 على خلفية العمليات الإرهابية التي قام بها الأخوان المسلمون في سورية في نهاية السبعينيات وبداية الثمانينيات، طرحنا موضوع التحالف لمكافحة الإرهاب، في ذلك الوقت لم يهتم أحد في العالم بهذا المصطلح، ما هي أهمية الإرهاب بالنسبة لهم، لا شيء في ذلك الوقت..
الميادين:
كانت حرب أفغانستان وقتذاك وكان الإرهاب ربما يعتبر جهاداً..
الرئيس الأسد:
تماماً، كان الإرهاب جهاداً.. وكانوا يُسمَّون من قبل ريغن “مقاتلو الحرية”.. أو شيء من هذا القبيل.. فعندما بدأ العالم يتحدّث عن الإرهاب لم نتردّد في التحالف مع كل الدول الساعية من أجل مكافحة الإرهاب بما فيها الولايات المتحدة، هذا لا يعني بأننا نتفق معهم حول الوسائل المتبعة.. ولكن كمبدأ، نعم نحن تعاملنا مع معظم الدول في العالم بشأن مكافحة الإرهاب..
الميادين:
مع الولايات المتحدة الأمريكية؟..
الرئيس الأسد:
نعم، والولايات المتحدة الأمريكية..
الميادين:
بعد أحداث 11 أيلول؟..
الرئيس الأسد:
بعد وقبل، لكن طبعاً توسّع التعاون بعد أحداث 11 أيلول..
الميادين:
وكان الأمريكيون منفتحين عليكم أمنياً في هذا التعاون بشكل أساسي؟..
الرئيس الأسد:
لا، هم لا ينفتحون حتى على أقرب حلفائهم، هم يعتمدون دائماً على مبدأ أن كل الدول والأجهزة تعمل من أجل خدمتهم، وهنا كانت نقطة الخلاف بيننا وبينهم، هم يتعاملون مع مكافحة الإرهاب وكأنك تجلس أمام الحاسوب وتمارس لعبة، فكلما ظهر عدوّ على الشاشة تقوم بقتله.. نحن نتصرف بطريقة مختلفة، مكافحة الإرهاب هي مكافحة شاملة، وحتى الموضوع الأمني يعتمد على المعلومات وعلى اختراق المجموعات الإرهابية وبحاجة لنَفَس طويل، كنا نقول لهم عندما تقتل شخصاً بهذه الطريقة عليك أن تتوقّع تكاثُر عشرة أشخاص بالمقابل كما يحصل في الحاسوب، لم يقتنعوا بهذا الكلام، اليوم بعد إثني عشر عاماً تقريباً على مرور 11 أيلول نكتشف بأن الإرهاب أكثر قوةً وأكثر انتشاراً في العالم من قبل.
الميادين:
هل الولايات المتحدة الأمريكية تقدّم دعماً مباشراً أو غير مباشر لهذه الجماعات التي تصفونها بالإرهابية، وهي في عُرفهم أيضاً إرهابية؟
الرئيس الأسد:
لا يوجد لدينا دليل بأنهم قدموا دعماً مباشراً لجماعة القاعدة، وأعتقد بأن هذا الموضوع صعب عليهم، ولكن بالممارسة عندما تدعم الفوضى، فأنت تدعم هذه المجموعات… عندما تقف ضد الدولة التي تكافحهم فأنت تدعم هذه المجموعات، أعني الإدارة الأمريكية… عندما تؤمن الغطاء السياسي للفوضى والإرهاب في سورية، فهي تدعم بشكل مباشر الإرهاب الآخر… هم يدعمون.. سياسة الولايات المتحدة وسياسة أوروبا، أو بعض الدول الأوروبية والقسم الأكبر من الأوروبيين، وبعض الدول العربية والإقليمية، هي التي ساهمت في مجيء القاعدة إلى سورية، في بعض الحالات عن قصد، وفي بعض الحالات عن غير قصد.
الميادين:
إذا كان هذا التعاون قد تمّ على مدى سنوات بينكم وبين الولايات المتحدة الأمريكية لمكافحة الإرهاب وهذه الجماعات، ألديكم تفسير لماذا -لا أقول لم تكافئكم- ولكن لم يتمّ تعاون معقول ومقبول بينكم وبين الإدارة الأمريكية في هذا الشأن؟
الرئيس الأسد:
هذا جزء من طبع الإدارات الأمريكية المتعاقبة، هم لا يقدّرون شيئاً، هم أنانيون جداً يفكّرون بمصلحتهم، حتى التعاون مع طرف آخر بالنسبة لهم هو تعاون من أجل مصالحهم وليس من أجل المصالح المشتركة.. بالنسبة لنا نحن نبحث عن مصالح مشتركة بشكل دائم، وهذا الشيء قطعي بالنسبة لنا، لكن هم ينظرون للموضوع بشكل أناني، وعندما تنتهي هذه المصلحة فأنت لا تشكّل شيئاً بالنسبة لهم، هذا بالنسبة لدولة لا يتفقون معها ومع سياساتها كسورية، لكن هذا بديهي عندما نقارن ما فعلوا بحلفاء لهم من شاه إيران حتى برويز مشرف مروراً بكثيرين الآن في الدول العربية.. حلفاء قدموا لهم كل شيء على مدى عقود، وفي اللحظة المحدَّدة، ألقوا بهم..
الميادين:
بمن فيهم عرب..
الرئيس الأسد:
طبعاً بمن فيهم عرب، لكي لا نتحدث الآن عن الوضع العربي، فهو أصبح معروفاً.. ولكن هذه حالة عامة بالنسبة للولايات المتحدة، من يبحث عن الوفاء لدى الإدارات الأمريكية واهم، نحن نتحدّث معهم فقط من خلال مصالح مشتركة، هم لا تجمعهم المبادئ مع كثير من دول العالم وإنما مجموعة مصالح..
الميادين:
وأنتم حريصون على هذا الأمر حتى في المستقبل، إذا سويّت الأمور هنا في سورية، أنتم حريصون على علاقات طبيعية مع الولايات المتحدة الأمريكية تقوم على المصالح المشتركة؟
الرئيس الأسد:
طبعاً، لا شك بأن الولايات المتحدة دولة عظمى وتؤثّر في مسار الأحداث في العالم، فإذا كنت قادراً على خلق علاقة تخدم مصالحك فهذا الشيء جيد، ولا يجوز أن نتردّد به بغض النظر عن الاختلافات، ولكن من الخطير أن تبني معهم علاقة تعمل من أجل مصالحهم فقط، لأنهم سيطلبون منك أن تعمل من أجلها ضد مصالحك، وهذا شيء مرفوض بالنسبة لنا.
الميادين:
بصراحة سيادة الرئيس هناك أيضاً من يقول أنكم تتحملون مسؤولية مباشرة.. أنتم كدولة، كحكومة، كسلطة، كنظام، في تنامي هذه الجماعات التي تصفونها بالإرهابية والتكفيرية.. لا شك بأنكم ساعدتم وسهّلتم الطريق أمام هذه الجماعات من أجل الدخول إلى العراق فيما كانت تسمى بالمقاومة العراقية، هل انقلب سحركم عليكم؟
الرئيس الأسد:
هذا الكلام يعني أو يحمل في طياته بأن سورية كانت تستخدم الإرهابيين كورقة تضعها في الجيب لكي تستخدمه في مكان ما لهدف ما، نحن قلنا بشكل واضح في أكثر من مناسبة بأن الإرهاب لا يُستخدم كورقة، وأنا أشبّه الإرهاب دائماً بالعقرب، إذا وضعته في جيبك، فعندما يصل إلى الجلد سوف يقوم بلدغك مباشرة.. هذا غير ممكن.. نحن دائماً ضد الإرهاب وكان هذا أحد نقاط الخلاف بيننا وبين العراقيين، بأن سورية ضد الإرهاب، ولكن لا يمكن ضبط الحدود، اليوم مثلاً هناك إرهاب يأتي عبر الحدود العراقية بشكل مكثّف، كميات كبيرة، ولكن سورية لا تتّهم الحكومة العراقية، لأننا نقدّر بأن ضبط الإرهاب يكون في الداخل وليس على الحدود، الحدود هي مظهر من مظاهر الضبط، وليست الضبط، لا تُغلَق الحدود، أنت تقضي على الإرهاب في الداخل، فعندما يكون هناك فوضى في سورية وهناك فوضى في العراق لا يمكن لسورية والعراق أن يضبطا الحدود، فلذلك أؤكد مرة أخرى بأننا لم نكن في يوم من الأيام مع الإرهاب، نحن دائماً في حالة حرب مع الإرهاب، ولكن لم نكن نعلن هذا الشيء، نقوم بعمليات عسكرية، أمنية، استخباراتية، سمّها ما شئت، ولكن لم نكن نعلن ذلك.
الميادين:
على الحدود؟
الرئيس الأسد:
على الحدود وفي الداخل، لأن الإرهابيين كانوا يستخدمون سورية كممر ما بين لبنان والعراق..
الميادين:
في ذلك الوقت؟..
الرئيس الأسد:
قبل هذه الازمة كان التمركز الأساسي للإرهابيين من لبنان إلى العراق وبالعكس..
الميادين:
بعد حرب العراق..
الرئيس الأسد:
نعم.. كان بشكل أساسي من لبنان إلى العراق وبالعكس، وكانت سورية مجرّد ممرّ، فكنا دائماً نعمل على إغلاق هذا الممرّ من خلال عمليات استخباراتية، طبعاً هذا الكلام مستحيل أن يكون بشكل مطلق، ولكن عندما بدأت الأزمة في سورية، وتغيّرت الأحوال الأمنية في سورية انتقلت القاعدة إلى سورية كهدف، وحوّلتها لهدف رئيسي كأرض للجهاد.
الميادين:
إذاً، بصراحة سيادة الرئيس، أنتم لم تقدموا تسهيلات بشكل رسمي أو غير رسمي لهذه الجماعات حتى تدخل العراق بصفتها جماعات مقاومة؟
الرئيس الأسد:
لو كنّا نريد أن نقوم بهذا الشيء فهذا يعني بأننا نعمل ضد مصلحتنا بشكل مباشر، لأن انتشار الإرهاب في العراق سيأتي إلى سورية وهذا ما نراه الآن، انتشار الإرهاب في لبنان سيأتي إلى سورية وهذا ما نراه الآن أيضاً، وانتشار الإرهاب في أي بلد مجاور سيؤثر عليك بشكل مباشر، فهذا يعني أن نطبق المثل الذي يقول بأنه يطلق النار على قدمه، وهذا مستحيل.
الميادين:
لكنكم كنتم مع المقاومة في العراق وأعلنتم هذا الأمر، أنتم كنتم تعتبرون بأن هناك مقاومة، ومقاومة الاحتلال هي أمر مشروع في العراق..
الرئيس الأسد:
أولاً الإرهاب غير المقاومة، والإرهابيون الذين تتحدّث عنهم، وتحديداً جماعة القاعدة لم يقوموا بعملية واحدة ضد الأمريكيين، كل العمليات كانت ذات طابع طائفي في العراق، كانوا يقتلون المدنيين وليس الأمريكيين، المقاومة كانت تقوم بعمليات ضد الأمريكيين، هذا أولاً.. ثانياً نحن ندعم المقاومة بالمعنى السياسي، نحن لا نعرف من هي المقاومة في العراق ولا يوجد أي تواصل بيننا وبينها، لأنها لم تأت إلينا، ولم تطلب منا، ولم تتواصل معنا، فنحن نقول المقاومة ضد الاحتلال حق في أي بلد، هذا ما كنا نقوم به.
الميادين:
تعرف سيادة الرئيس، موضوع العراق هو موضوع مفصلي، لا أتحدّث عنه الآن ولكن مرحلة غزو العراق هي مرحلة مفصلية، الولايات المتحدة الأمريكية تعاطت معها على أساس أنها تحوّل استراتيجي، ويؤكد انتصارها التاريخي في المنطقة وربما يثبّت هيمنتها في العالم، والحقيقة أنها تعاطت مع مختلف الدول على هذا الأساس ومن بينها سورية.. إذاً محطة الغزو العراقي كانت محطة أساسية وقتذاك.. كيف تعاطت الولايات المتحدة الأمريكية معكم في غزو العراق؟
الرئيس الأسد:
حاولت الولايات المتحدة كثيراً أن تقنع سورية بأن تكون جزءاً من الحملة على العراق، كان ذلك قبل قمة شرم الشيخ التي انعقدت في بداية شهر آذار في عام 2003، ومن خلال مجيء المسؤوليين الأمريكيين إلى سورية، كان هناك محاولات ترهيب وترغيب -على الأقل بالحد الأدنى- من أجل أن نصمت، طبعاً في قمة شرم الشيخ كان موقفنا واضحاً ومعلناً وكان ربما الصوت الأعلى في رفض الحرب، لأننا رأينا بأن قمة شرم الشيخ كانت قمة التسويق لحرب العراق، أو للغزو الأمريكي للعراق، فكان لا بدّ من أن تدفع سورية الثمن، وكانت زيارة كولن باول المشهورة في ذلك الوقت بعد 3 أسابيع من غزو العراق وكان العالم في ذلك الوقت من دون استثناء قد انبطح أمام ما اعتقدوا بأنه النصر الأمريكي، وبدأوا بتقديم فروض الطاعة والولاء، فأتى كولن باول في ذلك الوقت وكان مزهوّاً بنفسه ويتحدّث عن كيف دخلت القوات الأمريكية خلال أسابيع إلى بغداد، ويلمّح إلى أن الكونغرس الأمريكي يحضّر لقانون آخر لمحاسبة سورية، أكثر شدّة وقسوة من القانون السابق، وكل الكونغرس ينتظر عودة كولن باول لكي يقرّر ما الذي سيفعله مع سورية..
الميادين:
هكذا كان يحدثكم؟
الرئيس الأسد:
تفصيلياً.. حرفياً..
الميادين:
أي بلغة التحذير والتهديد؟
الرئيس الأسد:
تماماً.. قال إنه لم يبق لكم صديق أو أمل سوى أنا وزيارتي.. وهي الزيارة الأخيرة، ومبنيّة على عدة مطالب.. وهي بشكل أساسي إخراج الفصائل الفلسطينية أو قياداتها حماس والجهاد الإسلامي والجبهة الشعبية، خارج سورية..
الميادين:
أي جبهة شعبية؟
الرئيس الأسد:
الجبهة الشعبية القيادة العامة.. إخراجها خارج سورية إلى أي مكان يختارونه في العالم، هذا البند الأول..
الميادين:
لم يعطكم مكاناً؟..
الرئيس الأسد:
لا.. أي مكان..
الميادين:
لم يسمّ مكاناً؟
الرئيس الأسد:
قلت له عادة عندما تُخرج شخصاً تعيده إلى وطنه، هل مسموح لهؤلاء أن يعودوا لوطنهم، إذا كان مسموحاً لهم أن يعودوا لوطنهم، نحن نريدهم أن يعودوا إلى فلسطين بدون طلب من أي دولة، وهم يريدون ذلك أيضاً، ولكن أن يُطرد شخص إلى أي مكان في العالم هذا كلام مرفوض بشكل قطعي..
النقطة الثانية، هي منع دخول وتسليم أي من القيادات العراقية المطلوبة للولايات المتحدة، وللقيادة العسكرية بعد الغزو.. طبعاً إيقاف التعامل مع حزب الله والمقاومة في لبنان ووقف كل أشكال الدعم.. ولكن الطلب الأخطر الذي لم أذكره سابقاً هو أنهم طلبوا منا منع دخول أي من الكفاءات العلمية والعلماء وأساتذة الجامعات إلى سورية.
الميادين:
العراقيون؟
الرئيس الأسد:
نعم العراقيون.. وهذا ما فُسِّر لاحقاً بعمليات الاغتيال المنهجية للكفاءات العلمية في العراق.. أنا أعتقد بأن هذا الطلب كان أخطر من الطلبات الأخرى، طبعاً كان ردّنا بأننا استقبلنا من تمكّن من المجيء إلى سورية من هذه الكفاءات، وقمنا بإيجاد شواغر لهم في الجامعات السورية، الجامعات الخاصة والجامعات العامة، هذه هي المطالب الرئيسية..
الميادين:
إذاً أربعة طلبات أساسية وقتذاك، أولاً ألا يتم استقبال القيادات السياسية والعسكرية العراقية السابقة، والنقطة الثانية هي أن تخرج القوات المقاومة الفلسطينية وتحديداً حماس والجهاد الإسلامي والقيادة العامة، وثالثاً عدم التعاون مع حزب الله وعدم تمرير السلاح له وقطع العلاقات معه، قطع العلاقات تماماً معه..
الرئيس الأسد:
تماماً.
الميادين:
والنقطة الرابعة التي تكشفها لأول مرة عدم السماح بدخول الكفاءات العلمية، يعني هذا الطلب كان طلباً أمريكياً أم طلب طرف آخر؟..
الرئيس الأسد:
طلب أمريكي.. وتمّت عمليات التصفية لاحقاً كما تعلم، قتلوا مئات من العلماء، أي أنها عملية تجهيل حقيقية، وهو ما كان مطلوباً لتدمير العراق حقيقة.. تدمير هذه العقول.
الميادين:
سيادة الرئيس قبل لحظات تحدّثتم عن أنه قبل الغزو كانت هناك محاولات الترغيب والترهيب، هل نستطيع أن نفهم ما هي محاولات الترغيب والترهيب، من قدمها لكم.. رجال سياسة.. رجال أمن.. أمريكيون مباشرة.. أوروبيون.. أصدقاء عرب.. مَن؟..
الرئيس الأسد:
بشكل أساسي وليم بيرنز معاون وزير الخارجية في ذلك الوقت.. الترغيب كان من خلال أن الولايات المتحدة ستقوم بإطلاق عملية السلام، قلنا أن هذه الوعود سمعناها في عام 1991، على خلفية مشاركة سورية في حرب تحرير الكويت، ولم يحصل شيء، لم تقم الولايات المتحدة بأي عمل جدّي من أجل إنجاح عملية السلام.. تهربّت من كل التزاماتها، فنحن بالنسبة لنا أي وعد أمريكي هو مجرد وعد وهمي، لا نثق بالولايات المتحدة، وهناك تجارب سابقة طبعاً في عدم الثقة بيننا وبينهم..
الميادين:
على أساس أن يكون لكم دور…أي أن تعاد عملية السلام وأن يكون لكم دور محوري أنتم كسورية أم ماذا؟..
الرئيس الأسد:
تماماً.. أي أن نستعيد أرضنا في الجولان، ويتم إنجاز عملية السلام، وهو كان مطلباً سورياً قديماً منذ ما بعد حرب 1973، ولكن هي مجرد وعود وهمية كما قلت.. الترهيب طبعاً يحتمل كل المعاني بأن الوضع سيكون صعباً، ستكون سورية معزولةً.. هناك أشخاص معادون لسورية في الولايات المتحدة.. وغير ذلك من الكلام الذي لا يعطي – لنقل – طريقة معينة لمعاقبة سورية لاحقاً ولكن يوحي بالعقوبة.
الميادين:
عفوا سيادة الرئيس.. ربما هذا سؤال كان يمكن أن أطرحه في النهاية، ولكن منهجياً حتى نفهم هذا السياق… الآن، عندما تتحدث عن هذه الإشارات وربما ستحدثنا عن تفاصيل أخرى ونحن حريصون بصراحة أن تحدّثنا عن بعض التفاصيل وبعض الكواليس. ترغيب وترهيب قبل غزو العراق وبعد غزو العراق.. كانت الولايات المتحدة الأمريكية القوة الأعظم، كانت متباهية بأنها انتصرت على الإرهاب في أفغانستان، غزت العراق وباتت تستأثر على كل شيء… الروس، الصينيون، العالم كله كان دونياً أمامها ومع ذلك كله كنتم تتصرفون بهذه الطريقة، ترفضون الطلبات وتعاندون… على أي قاعدة فكرية سياسية استراتيجية.. واسمح لي أيضاً بكل صراحة على أي قاعدة شخصية.. من هو بشار الأسد مع الاحترام حتى يرفض ويعاند الأميركيين بهذه الطريقة وتصلون لما وصلتم إليه؟
الرئيس الأسد:
لو عدت للسياسة السورية عبر عقود، فليس من سمات السياسة السورية العنتريات، هذا أولاً. ثانياً هي سياسة مؤسسات تعكس مصلحة الشعب… هنا نتحدث عن القاعدة التي تُبنى عليها السياسة السورية… هذا السياق العربي الذي كانت سورية جزءاً منه خلال عقود -على الأقل منذ أن تشكل وعيي على هذه الدنيا- هو سياق سيئ ينتقل من سيئ إلى أسوأ ولا ينتقل من سيئ إلى أقل سوءاً.. فكنّا دائماً كدول عربية أمام الخيارين السيئين أو مجموعة خيارات سيئة في القضايا المختلفة.. فهنا عليك أن تختار الخيار الأقل سوءاً.. والخيار الأقل سوءاً في مثل هذه الحالة هو أن تعارض هذه المشاريع.. أي أننا لو سرنا معها لكان الوضع أسوأ.. هذه النقطة الأساسية. النقطة الأخرى نحن لا نعاند مصالح الولايات المتحدة، نحن نقف مع مصالحنا بمعنى لو وقفنا معهم في حرب العراق… نحن الآن نرى أنه بعد عشر سنوات ثبت بأن ما كانت تخشاه سورية يحصل… عدم الاستقرار في العراق… المزيد من سفك الدماء… احتمالات التقسيم التي ما زالت تلوح في الأفق والتي نراها من وقت لآخر، والبعض يقول بأنها على الواقع موجودة… هناك شيء من التقسيم موجود بفعل الأمر الواقع… هذه الأشياء ستؤثر مباشرة على سورية.
نفس الشيء عندما تدخلت سورية في لبنان منذ بضعة عقود… أيضاً كانت لأهداف مختلفة، واحد منها هو حماية المصالح السورية.. فإذاً القضية ليست أنه كان أمامك خيار جيد ولكنك اخترت الخيار الأصعب.
الميادين:
عفواً سيدي الرئيس توصف بأنك عنيد… عنيد جداً… لا تؤاخذني بهذه الكلمة.. الرئيس حافظ الأسد أيضاً تعاون مع الولايات المتحدة الأميركية في عاصفة الصحراء عندما احتُلت الكويت…
الرئيس الأسد:
نعم.. ولكنه لم يتعاون من أجل دعم الولايات المتحدة… تعاون من أجل تحرير الكويت، وكان الموقف واضحاً كان انطلاقاً من فكرة أنه لا يجوز لبلد عربي أن يحتل بلداً عربياً، ولا يجوز أن تقوم الولايات المتحدة بتحرير الكويت والدول العربية غير موجودة… هذا للذاكرة، للتاريخ غير جيد، فكان هناك مبادئ مختلفة.. لم يكن الهدف هو دعم الولايات المتحدة، هي لم تكن بحاجة لدعم سورية على كل الأحوال… كانت بحاجة لغطاء عربي.. ولكن نحن رأينا بأن هذه العلاقة العربية العربية ستتأثر بالمستقبل إن لم تساهم سورية وطبعاً مصر ودول عربية أخرى.. هذا هو المبدأ.
الميادين:
أنا الآن عربي معك، ولكن لو سألك شخص أمريكي أو غير أمريكي، وحتى نحن العرب معنيون بهذا الأمر… أعطني عنواناً واحداً كنتم فيه مرنين، متعاونين، براغماتيين؟
الرئيس الأسد:
أولاً: مكافحة الإرهاب.. عندما تعاونّا مع الاستخبارات الأميركية في موضوع مكافحة الإرهاب، لأن مكافحة الإرهاب مصلحة مشتركة وهي تحقق مصلحتنا… ضرب الإرهاب في أي مكان في العالم ينعكس علينا بشكل مباشر أو غير مباشر حسب الحالة. عملية السلام تعاونّا معها في التسعينيات وكنّا في خضمّ عملية السلام قبل الأزمة بشكل مباشر على خلفية الوساطة التركية في عام 2008 والتي استمرت لاحقاً ودخلت الولايات المتحدة على خط هذه الوساطة واستجبنا وبدأنا بالتعاون وكان هناك اتصالات وزيارات بيننا وبينهم… فإذاً كان هناك تعاون، سورية مرنة وليست متعنتة، فالتعنت شيء، وأن تكون متمسكاً بحقوقك شيء آخر.. نحن متمسكون بحقوقنا وبمصالحنا… لايمكن أن نذهب بعكس هذه المصالح، وإلا نعود للنقطة الأولى بين السيئ والأسوأ… نكون قد اخترنا الأسوأ وليس السيئ.
الميادين:
سيادة الرئيس عندما كنا نتحدث عن كولن باول وفترة الـ 2003 وقلت وقتذاك كانت هناك محاولات للترغيب والترهيب وقدم لكم تلك الشروط والتي رفضتموها.. ولكن الجانب الفرنسي أيضاً دخل على الخط.. كان الرئيس جاك شيراك آنذاك، وفي شهر تشرين، على ما أعتقد، غوردو مونتان كان موجوداً هناك.. بين هاتين الفترتين كأن هناك مخاضاً قد حصل.. وحتى عين الصاحب قد حصلت آنذاك.. ما سرّ العلاقات بينكم وبين فرنسا وكل هذه المحاولات التي حصلت ويقال أنها كانت جزءاً من التهديدات ومن التحذيرات التي لم تستجيبوا لها ؟
الرئيس الأسد:
جاك شيراك بعد دخول القوات الأميركية إلى بغداد اعتبر بأن الوقت قد حان لكي يغيّر سياسته بالشكل الذي يوافق الولايات المتحدة، كما قلت في بداية المقابلة بأن الكل تعامل مع الولايات المتحدة كمنتصر وأصبح المطلوب أن يقدم أوراق اعتماده للإدارة الأميركية.. أهم ورقة اعتماد يقدمها شيراك هي السياسة السورية.. فأتى في ذلك الوقت مبعوث من قبل الرئيس جاك شيراك في شهر تشرين الثاني عام 2003 وبدأ يتحدث حول المخاطر التي تحيق بسورية وبأن الرئيس جورج بوش الابن غاضب جداً من سورية ومن الممكن أن يقوم بأي عمل “حتى ذكر كلمة حرفية.. قال لي بأن الرئيس بوش قال لجاك شيراك بأنني “أمناستي”.. بمعنى مؤذي أو شرير أو ما شابه وعلينا أن نقوم بشيء ما من أجل أن نؤمّن حماية لسورية” .. ماهي هذه الحماية؟ أن تقوم سورية بالاعتراف بإسرائيل أوما سمّاه بالاعتراف بالدولتين، طبعاً لم يذكر عملية السلام ولم يذكر كل هذا الكلام.
الميادين:
الدولتين، بمعنى الدولة الفلسطينية والدولة الإسرائيلية ؟
الرئيس الأسد:
الدولة الإسرائيلية.. وبمعنى أن ندعم خارطة الطريق، نحن رفضنا أن نتدخل في موضوع خارطة الطريق لا سلباً ولا إيجاباً، على اعتبار أن خارطة الطريق كانت تهدف للتركيز على المسار الفلسطيني، فكان موقف سورية بأنه لا يمكن أن نكون جزءاً من خارطة الطريق إن لم تتحدث بشكل واضح حول استعادة الجولان أو ما نسميّه المسار السوري، فكانت زيارة مونتان في هذا الإطار.. عندما فشلت الزيارة ولم يأخذ ولم يلحظ أي استجابة تجاه هذا الموضوع بدأ التحوّل السريع في السياسة الفرنسية.. وكما هو معروف بدأ الاتفاق بين شيراك وبوش في العام 2004 من أجل العمل للضغط على سورية في لبنان من أجل إخراج لبنان، ولاحقاً، كما كانوا يتوقعون، سقوط الدولة في سورية على خلفية الخروج من لبنان، هكذا كانت البدايات في ذلك الوقت.
الميادين:
فيما يتعلق بالمحور الداخلي.. نعلم أن الداخلي والخارجي كله مرتبط طبعاً طبقاً لتصوركم ولما هو أصبح مكشوفاً بشكل كبير.. أنتم أشرتم سيادة الرئيس بأن السلاح هنا في سورية كان موجوداً وحتى دخل من الخارج.. منذ متى بدأ إدخال السلاح.. متى استُخدم السلاح في سورية وبدأ إدخاله؟
الرئيس الأسد:
في الأزمة؟
الميادين:
نعم في الأزمة
الرئيس الأسد:
كما قلت، السلاح موجود من قبل على خلفية غزو العراق، وربما موجود قبل ذلك، فتهريب السلاح ممكن دائماً وهناك الكثير ممن يرغب باقتناء السلاح.. أما استخدامه في الأزمة فتم من الأيام الأولى لأنه سقط شهداء من الشرطة ومن الأمن منذ الأيام الأولى.. كيف يسقط شهداء من خلال المظاهرات؟
الميادين:
لكن نُقل عنكم أيضاً أنكم قلتم إن السلاح بدأ استخدامه بعد ستة أشهر
الرئيس الأسد:
لا.. أنا قلت الحرب المعلنة بدأت بعد ستة أشهر، وقلت هذا الكلام قبل قليل عندما ذكرت المراحل، عندما ظهر إلى العلن كحرب مع صور ومع سيارات عليها مختلف أنواع الأسلحة بعد ستة أشهر.. بعد رمضان 2011.. لكن السلاح كان موجوداً منذ الأيام الأولى ولكن كان يُستخدم ويقال بأن من قَتل هو الأمن أو الدولة أو الجيش وكان يُستخدم ويسوَّق بأن كل ما يحصل هو سلمي ولكن الدولة تقمع المظاهرات السلمية.
الميادين:
سيادة الرئيس.. هؤلاء الذين استخدموا السلاح منذ البداية هم كانوا بأنفسهم أم كانوا أيضاً بتعاون مع الخارج؟
الرئيس الأسد:
بتعاون مع الخارج.. حتى الإخوان المسلمين في أكثر من تصريح لمسؤولين تحدثوا بشكل واضح كيف جلبوا السلاح قبل الأزمة إلى سورية وكيف ساهموا في هذا الموضوع.. هذا كلامهم هم.
الميادين:
أي خارج تعاون معهم؟ أنا أسأل أي خارج ساعد أو سهّل أو ساهم في ..
الرئيس الأسد:
الآن نتحدث عن بديهيات.. قطر كانت تدعم علناً هذه المجموعات.. قطر تكفّلت بهذا الموضوع في بداياته حتى مرور سنتين أو أقل بقليل حتى دخلت السعودية على الخط، ولكن كانت قطر بالدرجة الأولى وتركيا بالدرجة الثانية.. قطر بالتمويل وتركيا بالدعم اللوجستي.
الميادين:
والأردن؟ كان بعيداً عن الجانب … ؟
الرئيس الأسد:
الأردن ممر.. في المراحل الأولى الأردن كان بعيداً، لكنه دخل على الخط مؤخراً منذ أقل من عام.
الميادين:
فيما يتعلق أيضاً بالجانب الداخلي.. قبل قليل سيادة الرئيس قلتم نعم، هناك معارضة في سورية.. حالة اعتراض في سورية قبل الأزمة وخلالها، وبالتالي أنتم تقرّون بشكل صريح وواضح بأن هناك معارضات وتعتبرون بأنها موجودة.. سؤالي بوضوح هل تعتبرون هذه المعارضة شريكاً في نحت سورية المستقبل أم لا؟
الرئيس الأسد:
المعارضة الخارجية تقصد ؟
الميادين:
أنتم إذا تميّزون بين المعارضات؟
الرئيس الأسد:
لا أنا لا أميز ولكن المصطلحات تميّز
الميادين:
أنتم تفرّقون بين المعارضات؟
الرئيس الأسد:
لا، أنا لا أفرّق.. المصطلحات المستخدمة بالنسبة لي – كما قلت قبل قليل – المعارضة لكي تكون معارضة وطنية شرطها أن تكون معارضة داخلية، جذورها بالداخل.. كلمة معارضة خارجية تعني بالدرجة الأولى أنها ترتبط بالخارج.. هذا ما نفهمه.. تعني أنها شُكِّلت في الخارج.. تعني أن جذورها في الخارج وليس لها قواعد شعبية في الداخل.. فهذه لا نسمّيها معارضة، لذلك أنا أقول المعارضة الخارجية بالمصطلح المتداول وليس بمفهومنا نحن في سورية.
الميادين:
وإذا قلنا هي معارضة في الخارج وليست خارجية.. اضطُرّ هؤلاء لأن يكونوا في الخارج.. في النهاية تعرف هناك أناس لوحقوا، هناك أناس قبل الأزمة وحتى خلال الأزمة سُجنوا واضطروا بعد ذلك أن يخرجوا وبالتالي هم معارضة داخلية سورية حقيقية ولكنها اضطرت لأن تكون موجودة في الخارج..
الرئيس الأسد:
دعنا نسأل سؤالاً منطقياً.. لماذا نطارد معارضة ولا نطارد معارضة أخرى.. لماذا نسمح لمعارضة أن تكون في سورية وتعارض ونطارد أخرى لكي تهرب للخارج؟
الميادين:
بكل صراحة لأنها توصف بأنها ديكور وبأنها مرتبطة بكم
الرئيس الأسد:
لا، أنت تحدثت عن جزء من المعارضة يُتَّهم بهذا الشيء وهناك جزء لا يتَّهم.. هناك جزء معارض بشكل حقيقي وليست له أي علاقة بالدولة ويرفض العلاقة مع الدولة وهم موجودون في سورية.. هناك لدينا أنواع متهم وغير متَّهم.
الميادين:
واستنتاجكم بهذا الطريقة ما هو؟ أي انكم حتى المعارضة الموجودة في الخارج يمكن أن تتعاطوا معها.
الرئيس الأسد:
الملاحق هو شخص خرق القانون، والجزء الأكبر من هؤلاء هم الإخوان المسلمون.. والإخوان المسلمون بالعرف السوري والقانون السوري وبمفاهيمنا هي مجموعة إرهابية
الميادين:
حتى الآن؟
الرئيس الأسد:
حتى الآن وهي الآن أكثر إرهاباً من قبل.
الميادين:
يا ساتر..أي أن الوضع لم يتغير سيادة الرئيس
الرئيس الأسد:
لا، بالنسبة للإخوان المسلمين هم يسيرون من إرهاب إلى إرهاب أشدّ.
الميادين:
نظرتكم أنتم لم تتغير تجاه الإخوان المسلمين؟
الرئيس الأسد:
بالعكس.. تثبَّتت نظرتنا أن هذه المجموعة هي مجموعة إرهابية وانتهازية.. والسنوات منذ مجيئي لهذا المنصب حتى الأزمة السورية أثبتت في أكثر من مفصل بأنها مجموعة انتهازية تعتمد على النفاق وليس على الدين.. تستخدم الدين من أجل مكاسب سياسية.. وثبت هذا الشيء في مصر مؤخراً ويثبت في سورية كل يوم.. هذه وجهة نظر لا تتغيّر.. تثبتها أحداث، ليس لأننا متمسكون بها ولكن الواقع لا يتغيّر،فكيف نغيّرها.
الميادين:
هل استنتاجي دقيق، أنكم مستعدون للتعاون مع كل المعارضات ماعدا من تصفونهم بالجماعات الإرهابية التكفيرية، وحددتم الآن أيضاً الاخوان المسلمين؟
الرئيس الأسد:
لا، هذا الكلام ليس دقيقاً، لأننا بعد أزمة الأخوان المسلمين في سورية في الثمانينيات حاورنا الأخوان كمجموعة، كتيار، كحزب، بغضّ النظر عن التسمية، أو كجماعة كما يسمّون أنفسهم.. وأثبتوا بأنهم غير صادقين بالعودة للخط الوطني. مع ذلك حاورنا شخصيات منهم وقرروا الانسحاب من الجماعة والعودة للعمل الوطني، وعادوا إلى سورية. البعض منهم عاد إلى العمل الدعوي في المجال الديني، وهذا شيء جيد، ولكنهم خرجوا من العباءة السياسية للإخوان. فنحن لايوجد لدينا مشكلة أن نحاور أي جهة بشرط أن تبتعد عن السلاح، تبتعد عن الإرهاب، تبتعد عن دعوة الأجانب للتدخل في سورية عسكرياً أو سياسياً أو بأي شكل من الأشكال، أي مجموعة تريد أن تأتي للمساهمة في بناء الوطن وليس في تهديمه تحت أي عنوان.
الميادين:
أي جهة؟
الرئيس الأسد:
أي جهة..
الميادين:
أي جهة تبتعد عن مسألتين الارتباط بالخارج، واستخدام السلاح؟
الرئيس الأسد:
تماماً.
الميادين:
أما عن الاخوان المسلمين؟
الرئيس الأسد:
هناك جانبان.. أولاً، تجربتنا مع الاخوان المسلمين، وهي تجربة مليئة بالإرهاب منذ الخمسينيات حتى هذه اللحظة لم تتغير هذه التجربة بمضمونها الحقيقي. هناك جانب آخر هو أنه في الدستور السوري وبقوانين الأحزاب في سورية وبقانون الأحزاب الحالي غير مسموح لأي جهة تشكيل حزب على أساس عرقي أو ديني لأنه يضرّ بالمصلحة الوطنية، فحتى لو كان هناك حزب غير الاخوان المسلمين لا يوجد لديه هذا التاريخ الإرهابي، لا يمكن له أن يتواجد في سورية على أساس ديني لأسباب لها علاقة ببنية المجتمع السوري. القبول بهذا الشيء يعني القبول بتفتيت المجتمع السوري ربما على المدى المتوسط.
الميادين:
معذرة سيدي الرئيس، ألا تعتبرون الآن بأن جزمكم وحسمكم بعدم التعاون مع الأخوان المسلمين، وعدم السماح لهم بالنشاط كجماعة يعسّر سبل الحل، هذه في النهاية جماعة موجودة فرضت نفسها، وجماعة موجودة ومسلحة، وهناك جماعات أيضاً لهذه الحركات الإسلامية موجودة ومنتشرة في العالم العربي.
الرئيس الأسد:
لا.. في سورية محدودة جداً، لم تكن منتشرة.
الميادين:
الآن؟
الرئيس الأسد:
لا الآن ولا في السابق، كانت دائماً محدودة.. والآن هي محدودة أكثر من قبل، لأن الحاضنة الاجتماعية ترفضها، لأنه في البدايات، في السبعينيات كان هناك انخداع في حقيقة هذه الجماعة، وكان البعض يعتقد بأنها تعمل من أجل نشر الدين، وثبت بأن هذا الكلام غير صحيح. الأهم من ذلك أن هذه الأزمة فصلت ما بين العمل السياسي والعمل الدعوي في عقول الناس. فالعمل الدعوي هو عمل جيد وضروري لأي مجتمع من المجتمعات، ولكن لا يجوز الخلط بين الدين والسياسة. الدين في مقام والسياسة في مقام آخر، لا يجوز أن نخلط بين الموضوعين، فعندها نضرّ بالدين ونضرّ بالسياسة.
الميادين:
حول الجماعات المعارضة بشكل عام، هل “الجيش الحر” أو العناصر التي انشقت من الجيش السوري وشكل جزء منها عناصر وضباط “الجيش الحر”، هل أنتم مستعدون لمعاودة احتضانهم من جديد؟
الرئيس الأسد:
طبعاً أنا دائماً دقيق في التعريف، هؤلاء فارّون. الانشقاق هي قضية أكبر، الانشقاق هو جزء مرتبط بالمؤسسات وليس هروب شخص. هروب شخص لوحده لا يُسمّى انشقاقاً، ولكن لو أردنا أن نستخدم هذا المصطلح تجاوزاً لا يوجد مشكلة. نقول كل هؤلاء الذين هربوا لأسباب مختلفة.. فمنهم من فرّ بسبب الخوف، ومنهم من فرّ تحت التهديد المباشر له أو لعائلته، ومنهم من فرّ عن قناعة. جزء كبير من هؤلاء- لا أريد أن أبالغ- لكن جزءاً لابأس به قرر العودة أيضاً لأسباب مختلفة لسنا في صدد شرحها الآن، فكنا مرحبين بهذا الشيء، البعض منهم عاد إلى عمله في كنف الدولة، البعض من هؤلاء الذين تتحدث عنهم يقاتل مع الجيش وسقط منهم شهداء خلال الأشهر الأخيرة.
الميادين:
عادوا إلى عملهم فعلاً؟
الرئيس الأسد:
عادوا إلى الجيش، وسقط منهم شهداء.
الميادين:
عناصر وضباط عادوا واستقبلتموهم؟
الرئيس الأسد:
عناصر، مجندون، متطوعون، ضباط بمختلف الأشكال عادوا إلى الجيش ويقاتلون معه الآن. البعض منهم طبعاً يتعاون مع الجيش، لا يجرؤ على العودة خوفاً من انتقام المجموعات الإرهابية، ولكن يتعامل بشكل ممتاز.
الميادين:
التهديدات التي تعرضتم لها.. نحن كنا قاب قوسين أو أدنى من عدوان حقيقي.. من حرب هنا على سورية. أولاً هل تستطيع أن تعطينا سرّ تراجع الإدارة الأميركية عن ما حصل، وهل أن المبادرة الروسية فيما يتعلق بالكيماوي فعلاً كانت مبادرة مفاجئة سريعة، حتى أنه قيل أن سورية هرولت، فعندما كان السيد وليد المعلم هناك في موسكو تحدث جون كيري في لندن.. السيد لافروف يجيب إيجابياً.. ثم السيد وليد المعلم.. في يوم واحد وجدنا كل الأمر حصل هرولة.. كأن سورية كانت تشعر بحالة من الجذع ومن الخوف ما اضطركم أن تقدّموا كل هذه التنازلات؟
الرئيس الأسد:
حتى لو أردنا أن نهرول، هل يمكن أن نهرول في موضوع من هذا النوع بساعة واحدة، نحن بحاجة لعدة أيام لكي نهرول.. لايمكن بساعة واحدة.. الفاصل بين تصريح جون كيري وتصريح وزير خارجيتنا كان ساعة أو أقل ربما من ساعة، هذا الكلام يدل على أن الأمور محضرة مسبقاً، كله كان معروفاً مسبقاً.. هذا الموضوع مناقَش.. حتى لو أردت أنا أن آخذ قراراً كرئيس في موضوع كبير واستراتيجي من هذا النوع.. كيف آخذ هذا القرار والفريق السياسي والدبلوماسي كله موجود خارج سورية.. لا الزمن يسمح ولا وجود الفريق في الخارج يسمح.. هل ناقشته مع نفسي وأخذت قراراً في دقائق؟! هذا كلام غير منطقي، من ناحية أخرى، جون كيري أعطانا في التهديد مهلة أسبوع.. كنا نستطيع أن ننتظر بضعة أيام على الأقل، ولكن الجواب المباشر يعني بأن الأمور كانت محضّرة مسبقاً وقبل ذلك بأسابيع.. الحقيقة، هذا الشيء كان متفقاً عليه من قبل، ولكن جون كيري اعتقد في تصريحه بأن هذا التهديد لسورية، وهي غير محضّرة لهذا الموضوع، سيجعلها ترفض، أي أن كيري كان يتوقّع رفضاً سورياً للموضوع، لم يكن يتوقع بأن الأمور محضّرة.
الميادين:
كان يتوقع رفضاً؟
الرئيس الأسد:
بكل تأكيد.. الطريقة التي طرح بها بأن سورية أمامها أسبوع، فهذا إما أن يعني الرفض بالدرجة الأولى.. وإن لم يكن رفضاً فعلى الأقل سورية خضعت للتهديد الأمريكي وهذا يعطيه داخل الولايات المتحدة نوعاً من المبرّر ليقول أنه انتصر.. هدّد وحقّق ما يريد ولم يعد هناك من داعٍ للحرب، أما أن نقول بأن موضوع الكيماوي أوقف الحرب فهذا كلام غير دقيق تماماً.. أولاً لأن الولايات المتحدة دولة عدوانية وتستطيع كل يوم أن تبحث عن مبرّر لكي تشنّ حرباً، والدليل هو كيف شنّت الحرب على العراق، عندما أخرج كولن باول العبوة المزيّفة وكذب على كل العالم وقال لدينا دليل بأن صدام يصنع أسلحة دمار شامل، فلو أنقذت نفسك بهذه المبادرة، بعد شهر سيكون هناك مبرر آخر تخترعه الولايات المتحدة من أجل التهيئة لحرب جديدة على سورية، لكن بنفس الوقت، قبل المبادرة الروسية بأقل من أسبوعين أتانا خبر من بعض الأصدقاء في إحدى الدول وأخبار مؤكدة بأن الضربة ستكون في اليوم المحدد غداً الساعة المحددة صباحاً، فحضّرنا أنفسنا على هذا الأساس ولم تحصل الضربة.
الميادين:
حضّرتم أنفسكم وقتذاك، وكنتم مهيئين للرد؟
الرئيس الأسد:
هذا موضوع آخر، الموضوع العسكري لن نعلنه، سنبقي خططنا عسكرية طي الكتمان، لايمكن أن تعلن، ولكن حضّرنا أنفسنا بحسب إمكانياتنا لهذه الضربة ولم تحصل.. لو أردنا أن نهرول لهرولنا قبل ذلك التاريخ وليس بعده، فإذاً موضوع المبادرة الروسية أتى في إطار مختلف تماماً.. طبعاً لا شك بأن جانباً من هذه المبادرة كان يهدف إلى استبعاد أي عمل عسكري، ليس فقط هذه الضربة وإنما أي عمل عسكري بشكل عام، لنقلِ القضية السورية من الإطار العسكري إلى الإطار السياسي.. هذا لا شك كان جانباً، ولكن هناك جوانب أخرى، الجانب الأهم، لاحظ بأن دخول الروسي إلى قمة العشرين كان دخولاً منعزلاً ومن خرج منعزلاً من هذه القمة هو الرئيس الأمريكي وليس العكس، نحن الآن أمام توازن دولي جديد، وكانت المبادرة الروسية جزءاً من الأدوات السورية والروسية لتعزيز هذا التوازن الدولي الجديد بالشكل الذي يخدم مصالح سورية، فأن نقول بأن هذه المبادرة أوقفت الحرب هي نظرة محدودة وضيقة جداً وبعيدة عن الواقع وساذجة، هناك توازن دولي عُزز بعد هذه المبادرة.. كان من الضروري لسورية أن تقوم بالاستجابة لهذه المبادرة مع الأخذ بعين الاعتبار بأن السلاح الكيماوي تم إيقاف إنتاجه في سورية منذ عام 1997، وسورية في عام 2003 طرحت مبادرة لنزع أسلحة الدمار الشامل من الشرق الأوسط، أي أن سورية منذ ذلك الوقت مستعدة للتخلي عن هذا السلاح ولكن كان المطلوب أن نستخدم هذه الورقة في إطار آخر، أتت هذه الظروف المستجدة الآن لكي تجعلنا نستخدم هذه الورقة لموضوع مختلف ولكن يخدم الوضع السوري بشكل إيجابي.
الميادين:
سيادة الرئيس، هل تعتقدون بأن مؤتمر جنيف2 سيحصل، وما قيل عن موعد في الثالث والعشرين والرابع والعشرين من تشرين الثاني. هل أُبلغتم به بشكل رسمي؟
الرئيس الأسد:
لا، رسمياً لا يوجد أي موعد حتى هذه اللحظة.
الميادين:
هل تعتقدون أن مؤتمر جنيف سينعقد.. سيتم؟
الرئيس الأسد:
لا يوجد موعد، ولا يوجد عوامل تساعد على انعقاده الآن إذا أردنا أن ينجح. بمعنى من هي القوى المشاركة فيه؟ ما هي علاقة هذه القوى بالشعب السوري؟ هل هي قوى ممثِّلة للشعب السوري أم قوى ممثِّلة للدول التي صنعتها؟ إذا إرادت هذه القوى المساهِمة في المؤتمر أو في الحوار لاحقاً أن تطرح طرحاً ما، على أي أساس نستجيب لها كدولة.. من تمثِّل، هل تمثِّل شعباً؟ هل تمثِّل جزءاً من الشعب؟ ما هو الدليل على ذلك؟ هل لديها قواعد انتخابية واضحة ساهمت في تقديم ممثّلين لها في انتخابات أوصلت ممثلين لها في هذه الانتخابات. كيف يمكن لهذه القوى أن تكون ممثّلة للشعب وهي تعيش في الخارج.. لا تجرؤ على المجيء إلى سورية.. وهي تدّعي بأنها تسيطر على 70 بالمائة من الأراضي السورية؟ أسئلة كثيرة مطروحة حول المؤتمر.. ما هي هيكلية المؤتمر؟
الميادين:
لكن معترف بها في الخارج. الائتلاف الوطني أليس هو الائتلاف المعترف به الذي يعبّر عن المعارضة في الخارج؟
الرئيس الأسد:
الحل السوري هو حل سوري بامتياز، وليس حلاً أجنبياً لقضية سورية.
الميادين:
هل لديكم تحفظ حيال حضور بعض الأطراف مؤتمر جنيف؟
الرئيس الأسد:
أولاً، نتحدّث عن بنية المؤتمر قبل أن نتحدّث عن التحفّظات، الحلّ يجب أن يكون حلاً سورياً سواء اعترف بها الخارج أم لم يعترف.. لايهمّ. المهم أن يعترف بها الشعب السوري. فلا قيمة لكل الاعترافات الخارجية بالنسبة لنا، سواء اعترفوا أو رفضوا لا يعنينا. القضيّة قضيّة سوريّة، وبيان جنيف نصّ في الفقرة الأولى على أن يكون الحل حلاً سورياً وتحدث عن رغبات الشعب السوري وإرادة الشعب السوري.. هذا ما يحدد هذا المؤتمر. فأن يعقد هذا المؤتمر أو لا يعقد ليست هي القضية الأساسية، القضية الأساسية إذا عُقد المؤتمر هل ينجح أم لا ينجح؟ هذا هو السؤال. حتى الآن عوامل نجاحه غير متوفرة.
الميادين:
لكن في كل الأحوال سيادة الرئيس، إذا كان سيعقد مؤتمر جنيف، هل ستشاركون؟
الرئيس الأسد:
المشاركة ليس فيها مشكلة، وليس فيها محاذير، وليس لها شروط.
الميادين:
هل تعتبرون بأن مخاض مؤتمر جنيف سيشكّل الحلّ السياسي بغطاء دولي للأزمة في سورية؟
الرئيس الأسد:
إذا تضمّن مؤتمر جنيف وقف تمويل الإرهابيين فلا يوجد مشكلة في سورية. عندما يتوقّف تمويل الإرهابيين بالمال وإمدادهم بالسلاح ومساعدتهم على المجيء إلى سورية لا يوجد أي مشكلة في حلّ الأزمة في سورية. المشكلة السورية ليست معقّدة كما يحاول البعض إظهارها. التعقيدات تأتي من التدخّل الخارجي.. والحقيقة هي ليست تعقيدات.. هي إذكاء النار المشتعلة.
الميادين:
السيد الأخضر الإبراهيمي يفترض أن يزورك هنا في دمشق، تتوقعون منه شيئاً، تطلبون منه شيئاً؟
الرئيس الأسد:
نطلب منه أن يلتزم بمهامه. أن لا يخرج عن إطار مهامه.
الميادين:
بمعنى؟
الرئيس الأسد:
هو مكلّف بمهمة وساطة، الوسيط يجب أن يكون حيادياً في الوسط، لا يقوم بمهام مكلّف بها من قبل دول أخرى، وإنما يخضع فقط لعملية الحوار بين القوى المتصارعة على الأرض، هذه هي مهمة الأخضر الإبراهيمي.
الميادين:
حين تقولون هذا الكلام، هل بدر منه شيء في الماضي لا يوحي بوساطته وحياديته؟
الرئيس الأسد:
الزيارة الأولى والثانية، كانت زيارات حوار ..
الميادين:
لم يعرض شيئاً.. لم يقدّم شيئاً؟
الرئيس الأسد:
في الزيارة الأولى والثانية.. لا.. في الزيارة الثالثة حاول أن يقنعني بضرورة عدم الترشح للرئاسة في الانتخابات المقبلة عام 2014، وهذا الكلام كان في نهاية 2012، طبعاً كان جوابي واضحاً، هذا الموضوع موضوع سوري غير قابل للنقاش مع أي شخص غير سوري.
الميادين:
حاول أن يقنعك كشخص أو هذه مبادرة من الخارج.. طلبٌ من الخارج؟
الرئيس الأسد:
هذا سؤال يُسأل للإبراهيمي..
الميادين:
ماذا فهمتم؟
الرئيس الأسد:
لم أحاول أن أفهم. الجواب كان واضحاً. سواء أكان منه أو من غيره. ولكن غالباً من الآخرين، لأن الولايات المتحدة تطرح هذا الكلام. والدول المعادية لسورية تطرح هذا الكلام. ماهذه المصادفة أن يطرح الإبراهيمي نفس الكلام؟ نأمل في هذه المرة أن يأتي الإبراهيمي ويعرف تماماً كيف يتم التعامل مع سورية، ويعرف تماماً حدود المهام المكلّف بها.
الميادين:
سيادة الرئيس بشار الأسد.. نحن سنتحدث الآن عن بعض الدول العربية، نريد أن نتحدث عن بعض الجزئيات التاريخية التي نتمنى أن تحدثنا عن كواليسها وخفاياها بشكل أساسي، ولكن نبدأ من الجامع العام التي تسمى جامعة الدول العربية، عندما تكون سورية خارج جامعة الدول العربية، قرار ماذا يعني؟
الرئيس الأسد:
هذا يتوقف على كيف ننظر إلى جامعة الدول العربية، هل هي المكان الذي تُعمَّد فيه كعربي؟ هي ليست كذلك، هي جامعة دول، هل هذه الدول تمثل العروبة في سياستها أو تصرفاتها، الحقيقة أنها كانت منظمة تهدف لتجميع الجهود العربية.. وعلى الأقل منذ أيام كامب ديفيد تحوّلت هذه الجامعة إلى جامعة لتسويق السياسات الغربية تدريجياً، أما مؤخراً، وفي العقد الأخير فتحوّلت إلى جامعة لتسويق الحروب على العرب، وهذا ما رأيناه قبل حرب العراق، وهذا ما رأيناه عندما ردّت اسرائيل على المبادرة العربية في عام 2002 بمجازر جنين وغيرها وأتت القمم اللاحقة واجتماعات وزراء الخارجية لتغطّي على هذه المجازر، وقبل آخر إجراء كانت الحرب على ليبيا، والأخير كان تغطية الحرب على سورية.
الميادين:
أنتم تعتبرون أن جامعة الدول العربية شكلت غطاءً للحرب أو التهديدات الأمريكية على سورية والحرب وقتذاك؟
الرئيس الأسد:
نعم بكل تأكيد، بغضّ النظر عن موقف بعض الدول العربية الموضوعي وعن موقف بعض الدول العربية الحيادي الذي لم يكن يرغب بالذهاب في ذلك الاتجاه ولكنه لم يجرؤ على أن يقول كلمة الحق في هذا المجال. عملياً الدول التي قادت هذا التوجّه سيطرت على جامعة الدول العربية وحوّلتها في هذا الإطار، فأصبحت جامعة مسؤولة عن قتل المواطنين العرب.. هذه هي الحقيقة.
الميادين:
أي أنتم، للتاريخ، تعتبرون أن جامعة الدول العربية شكلت غطاءً لما كان يمكن أن يكون عدواناً أمريكياً على سورية؟
الرئيس الأسد:
طبعاً، وقد تسأل لماذا كنا نقبل أن نكون في هذه القمم؟ حقيقة لم يكن لدينا أي أمل في أن الجامعة العربية ستقدم أي شيء للشعوب العربية، ولكن كنا ننطلق في سياساتنا وفي ممارساتنا داخل الجامعة العربية من منطلق أن نخفّف الخسائر، فكل اجتماع عربي على أي مستوى كان مليئاً بالألغام التي توضع من قبل الدول الأجنبية ويُكلَّف بوضع هذه الألغام بعض الدول العربية ذات الخبرة التقليدية في هذا الموضوع، وعلينا أن نفكّك هذه الألغام لكي نخرج بأقل الخسائر، وهذا ما ذكرتُه قبل قليل عندما تحدثتُ عن السياق العربي من سيئ إلى أسوأ.
الميادين:
هل نفهم سيادة الرئيس بأنكم لا تفكرون بالعودة إلى جامعة الدول العربية لو استدعيتم من جديد؟
الرئيس الأسد:
لكي لا نعمل بشكل انفعالي، لا بد أن يكون هذا القرار قراراً شعبياً، ولكن إذا قرَّر الشعب السوري، ربما يكون عبر استفتاء أو ما شابه، لأن هذا الموضوع طُرح في سورية، ولكن لا أريد أنا كمسؤول أن أضع نفسي محلَّ كل الشعب السوري، وأقول بأننا سنعود أو لا نعود. يفضَّل أن يكون هذا القرار قراراً وطنياً في سورية، ولكن وجود سورية في الجامعة أو عدم وجودها في الجامعة لايعني أن تكون سورية منتمية للعروبة أو غير منتمية، هذا موضوع آخر. جامعة الدول العربية لم تعبّر في يوم من الأيام عن العروبة، إلا ربما أيام عبد الناصر، لكن منذ السبعينيات وبعد ذلك، وبشكل أكثر دقة، بعد حرب 1973 ودخول مصر في ذلك الوقت في اتفاقيات الفصل وبعدها كامب ديفيد، خرجت الجامعة العربية عن هذا الخط.
الميادين:
إذاً عندما نتحدث عن الخضوع لهذه التوازنات، نتحدث عن بعض الدول بشكل صريح، نبدأ سيادة الرئيس بعد إذنك بالمملكة العربية السعودية رغم أن الجميع ينتظر أن نتحدث عن قطر وعن تركيا.. ولكن نبدأ بالمملكة العربية السعودية ليس فقط لأنها تبدو الآن وكأنها تتصدر المشهد فيما يتعلق بالأزمة السورية ولكن بلا شك هي دولة كبرى وأساسية والأهم أنكم كنتم في محور ثلاثي سورية – مصر – السعودية ما الذي حدث حتى تغيّر الوضع بهذا الشكل الدراماتيكي علماً أن آخر مشهد كنا نعرفه أو عرفناه جميعاً ذلك المشهد بينكم وبين العاهل السعودي الملك عبد الله في دمشق ثم سوية إلى بيروت.
الرئيس الأسد:
أنت تتحدث عن ثلاث دول بينها مصر والسعودية في ذلك الوقت عندما كان هناك محور ثلاثي.. هاتان الدولتان خاضعتان للأهواء الأمريكية ولا تخرجان عن السياسة الأمريكية.. فتشكُّل هذا المحور الثلاثي كان خاضعاً للموافقة الأمريكية في ذلك الوقت أيام إدارتي بوش الأب وكلينتون، تراجع هذا المحور..
الميادين:
عفواً.. فعلاً هو كذلك؟! تشكُّل ذلك اللقاء الثلاثي كان برغبة أمريكية؟!
الرئيس الأسد:
أنا متأكد أنك لا تسألني بشكل جدّي.. لأن كل مواطن عربي يعرف هذا الشيء، هذه العلاقات العربية – العربية تخضع وبكل تأكيد للأهواء الغربية والأمريكية تحديداً، فلذلك عندما تأتي إدارة بوش ولا ترضى عن سياسة سورية فتبدأ هذه الدول بالانكفاء تدريجياً إلا إذا كان هناك قبول بهذا التقارب من جديد، أو تكليف بمهمة للتواصل مع سورية من أجل غاية معينة، هذه هي حقيقة العلاقات العربية – العربية في معظمها وليس بشكل مطلق، طبعاً الخضوع للسياسات الغربية أيضاً متفاوت، هناك دول تخضع بشكل جزئي وليس بشكل كلي، ولكن لا تستطيع أن تقول بأن هناك استقلالية كاملة.. فعندما أتت إدارة بوش وغضبت من الدور السوري بدأت العلاقات تتراجع منذ عام 2003 وتحديداً بعد الحرب على العراق، وظهر بشكل جليّ بعد عام 2004.. وأتت قضية الحريري لتكون المبرّر لقطع العلاقات والتراجع إلى الحد الأكبر فيها.
الميادين:
ولكن عادت بعدئذٍ، سويَّ الأمر بعدئذٍ، أنا سؤالي لماذا تعتقدون هذا الدور السعودي فيما يتعلق بسورية؟
الرئيس الأسد:
عادت مع الانفتاح الغربي على سورية ..
الميادين:
هل الأمران مترابطان بهذا الشكل؟
الرئيس الأسد:
تماماً، لو نظرت إلى المخطط البياني لرأيته متطابقاً مع المخطط البياني للعلاقات السورية الغربية.. لايوجد أي فصل.
الميادين:
معذرة سيدي كأنك تصف المملكة العربية السعودية كأنها دولة تابعة ومستزلمة للغرب والإدارة الأمريكية تحديداً ؟
الرئيس الأسد:
هل هناك من يجرؤ على وصفها بأنها دولة مستقلة بشكل موضوعي؟
الميادين:
لا أحد يجرؤ عفواً على وصفها بأنها دولة تابعة ومستزلمة.
الرئيس الأسد:
السعودية هي دولة تنفّذ سياسات الولايات المتحدة بكل أمانة.
الميادين:
لدينا دلائل قد لا تصادق هذا الكلام سيادة الرئيس، الموقف من مصر، المملكة العربية السعودية الآن تؤيد بشكل كبير التغيير الذي حصل في مصر بعد الثلاثين من يونيو، بينما تبدو إدارة الرئيس أوباما ليست متناغمة مع هذا الأمر، الدليل الثاني: السعودية ترشّحت وانتُخبت عضواً غير دائم في مجلس الأمن الدولي، وبعد أقل من 24 ساعة اعتذرت المملكة العربية السعودية وقالت بوضوح أن هذا المجلس يطبّق ازدواجية المعايير وبالتالي هي توجّه رسالة سلبية مباشرة إلى الإدارة الأمريكية في هذا الموضوع.
الرئيس الأسد:
أنا لم أتحدث عن مصر الحالية، أنا كنت أتحدث عن مصر في التسعينيات وبعد تلك المرحلة، أما مصر الآن فيها تحوّلات كبيرة من المبكر أن نحكم عليها. لابد أن ننتظــر بعــض الوقت وأن لا نكون متسرعين في مثل هذه الحالة، أما السعودية فوضعها معروف عبر التاريخ منذ نشأت العلاقة بين آل سعود والإدارات الأمريكية المتعاقبة منذ أكثر من ستة عقود، الموضوع ليس بجديد، هذه العلاقة الخاصة وقيام السعودية بإقناع بعض الدول بما تريده الولايات المتحدة، هذا الشيء ظاهر للجميع.
الميادين:
سيادة الرئيس، بماذا تقوم المملكة العربية السعودية الآن في سورية؟
الرئيس الأسد:
تقوم بشكل علني بدعم المجموعات الإرهابية في سورية، إمدادها بالمال، إمدادها بالسلاح، وطبعاً دعمها سياسياً وإعلامياً.
الميادين:
هل نستطيع أن نقول أن هذا الدعم هو دعم لجهة، لشخص. يُقال بكل صراحة ووضوح بأن رئيس الاستخبارات الأمير بندر بن سلطان، هو الذي يقف وراء هذا الأمر بينما ربما جناح آخر أو قيادة أخرى داخل المملكة ليس لها علم أو ليست راضية عن هذا الأمر؟
الرئيس الأسد:
هذا مجرد تضخيم أيضاً ومبالغة للأمور.. هو مجرد شخص في منظومة، وهذه المنظومة جزء من منظومة غربية تقودها الولايات المتحدة، فكل هؤلاء يخضعون للمنظومة الكبرى.. فهو شخص مُنفّذ، أما المبالغات حوله بالإعلام أعتقد أنها غير مجدية، المنظومة كلها تعمل ضد سورية، فأي شخص، هذا الشخص أو غيره.. هم منفّذون أمينون للسياسة الأميركية بكل بساطة.
الميادين:
إذاً بوضوح الرئيس بشار الأسد يقول إن المملكة العربية السعودية بقيادتها ومنظومتها مجتمعة هي التي تحاربه الآن في سورية؟
الرئيس الأسد:
نعم، بكل تأكيد..
الميادين:
هل هذا يعني قطيعة دائمة ثابتة مع المملكة العربية السعودية وهي قوة محورية مركزية في المنطقة العربية؟
الرئيس الأسد:
القوة المحورية يجب أن تكون في البناء وليس في التخريب، هذا إذا أردنا أن نقول عن دولة أنها محورية، يجب أن تكون محورية في خلق الاستقرار، وليس في نشر الإرهاب والتطرف والتدخل في شؤون الدول الداخلية. أما موضوع القطيعة فبالمحصلة الدول تبحث عن مصالحها ومصالح شعوبها، أي علاقة تخدم مصالح الشعوب يجب ألاّ نتلافاها عندما تتراجع تلك الدول عن أخطائها وتغيّر سياساتها، أما أن تكون عودة العلاقات من ناحية مزاجية أو تشبيهها بعلاقة شخصين صديقين كل واحد في منصب يتحكم بمصير الشعبين، فهذا الكلام غير مقبول، القضية قضية مؤسسات ومصالح شعوب، فإذا أردنا أن نسأل أنفسنا هذا السؤال: هل تعود أو لا تعود، الجواب: هل هناك مصلحة أم لا يوجد مصلحة في هذا الشيء.
الميادين:
هل أستنتجُ سيادة الرئيس بأن هذه السياسة السعودية التي تتهمها صراحة وبشكل مباشر بأنها تتدخل في سورية، وهي جزء من منظومة تخريب، ربما تتغيّر إذا حصلت تسوية ما وتغيّر الموقف الأمريكي أم سيبقى هذا الموقف السعودي ثابتاً؟
الرئيس الأسد:
بما أنه جزء من منظومة لا يمكن أن يبقى ثابتاً، لابد أن يتغيّر معها، هو خاضع لها بشكل كلي فلا بد أن يكون جزءاً من هذا التحول وإلا يعزل نفسه ويبقى خارجاً.
الميادين:
إذاً أنتم لستم معنيين بالسعودية، أنتم ربما معنيّون بالأميركيين وبالأطراف الأخرى صاحبة ربما القول الفصل فيما يتعلق بسورية؟
الرئيس الأسد:
تماماً، إذا كان عليك أن تفاوض أو أن تبحث مع طرف، فلتبحث عن المدير، مدير العملية أو قائد العملية، ولا تتفاوض مع منفّذين.
الميادين:
كنا نعتقد أن هذا الكلام ينسجم عندما تشيرون إلى المعارضة التي تصفونها بأنها مُدارة من الخارج، لكن تتحدثون عن هذه الدول كأنها كلها أدوات بيد الراعي الأمريكي أو المدير الأمريكي؟
الرئيس الأسد:
هو ليس اتهاماً، كثير من الدول العربية – التي كما قلت لك قبل قليل – تقف في قلبها مع سورية ولكنها لا تجرؤ على المجاهرة بهذا الشيء، تقول لنا نحن معكم ولكن لا نجرؤ، هم يعلنون ضعفهم في بعض الحالات والبعض الآخر يعلن بشكل غير مباشر تبعيّته، هم لا يخفون هذا الشيء، لايوجد حياء في هذا الموضوع بالنسبة لكثير من الدول العربية أو لكثير من المسؤولين العرب.
الميادين:
سيادة الرئيس، المملكة العربية السعودية.. أكثر من مسؤول صرح بشكل واضح أن هناك تناقضاً في السياسات، تناقضات لأنكم تقمعون شعبكم، تناقضات لأنكم تدعمون إيران التي تهيمن على المنطقة، تناقضات لأنكم تتدخّلون في الشأن اللبناني وأنتم الذين تورّطتم في كثير من الأحداث داخل لبنان، تناقضات أيضاً لأنكم تدعمون الجماعة الإرهابية المسماة حزب الله، تناقضات لأنكم في العراق أيضاً لكم موقف، هناك تناقضات معيّنة، فكيف يمكن أن تردّوا على هذه النقاط ؟
الرئيس الأسد:
لا يحق للمملكة أو الدول المشابهة أن تتحدث بكل هذه النقاط، أولاً في الشأن الداخلي، فهذه الدول من أكثر الدول تخلفاً من ناحية الإصلاح السياسي على مستوى العالم، على مستوى العالم قاطبة.. هم من أكثر الدول تخلفاً في هذا المجال وأقل مواطنين لديهم حقوق هم مواطنو تلك الدول وخاصة السعودية التي تأتي في مقدمة هذه الدول، القمع، الاستعباد، وغيرها من الأمور، لايعرفون الديمقراطية، لا يعرفون ماذا تعني انتخابات، لم يساهم المواطن في تلك الدول بوضع دستور يحدّد ما هو شكل الحكم الذي يريده، فلا يحق لهم أن يتحدثوا في هذا الموضوع.. أما العلاقة مع إيران، إذا كانوا يغضبون من سورية لأنها تفتح العلاقات مع إيران وتطورها وتمتنها وتعمّقها، لماذا يهرولون للمسك بيد الرئيس الإيراني في مناسبة وبدعوته للحج في مناسبة أخرى..أنت تغضب من سورية بسبب إيران وتقوم بالهرولة من أجل فتح علاقات مع إيران. هذا هو النفاق، هذا غير مقبول وليس له وزن بالنسبة لنا.
الميادين:
وفيما يتعلق بلبنان، وفيما يتعلق بحزب الله، وفيما يتعلق بضرب حلفائهم في لبنان وفي كل المنطقة…
الرئيس الأسد:
هل لبنان محميّة سعودية أو محميّة سورية، لبنان بلد مستقل فيه شعب.. هل طالب الشعب اللبناني السعودية بأن تقوم بالدفاع عنه لكي تتنطّح هذه الدولة وتضع نفسها محلّ الشعب اللبناني، هناك دولة وهناك شعب، هو يحدّد.
الميادين:
طالما أن هذا الأمر يتعلق بلبنان.. سياسة ما سمّي النأي بالنفس التي اتبعت على مدى العامين الماضيين، هل كانت سياسة جدية حقيقية وهل ساعدتكم ؟
الرئيس الاسد :
ما المقصود بالنأي بالنفس؟
الميادين:
بمعنى أن لبنان لا يتدخل بشكل مباشر كحكومة، كدولة، كأطراف في الأزمة السورية.
الرئيس الاسد :
الحقيقة لبنان لم ينأَ بنفسه، الواقع أن لبنان ساهم بشكل مباشر من خلال السماح للإرهابيين بالمرور عبر أراضيه.. السماح بمرور السلاح.. السماح بالتحريض.. سمح لكل ذلك عبر الحدود السورية اللبنانية للمساهمة في إشعال النار في سورية.. فعملياً لم يكن هناك نأي بالنفس.. وإذا افترضنا بأنه يريد أن ينأى بنفسه فماذا يفعل عندما تمتد النار، وهذا ما رأيناه خلال العام الماضي ، بدأت تأثيرات الأزمة السورية تؤثر بشكل مباشر على الوضع في لبنان .
الميادين:
وحليفكم حزب الله يتدخل أيضاً في سورية؟
الرئيس الاسد :
هو يقوم بالدفاع عن المقاومة وهذا واجب، المقاومة ليست فقط باتجاه العدو، المقاومة هي أن تحمي المقاومة بكافة الاتجاهات عندما تتعرض المقاومة لأي عدوان.. والعدوان على سورية كان عدواناً على نهج سورية ، ماذا تعني الدولة السورية بالنسبة لهم؟ تعني النهج، النهج السياسي للدولة السورية.. فهذا النهج هو نهج مقاوم سواء كانت سورية أو إيران أو المقاومة.. المقاومات الصادقة في المنطقة، هذا يعني بأن هذه الأطراف كلها معنية بالدفاع عن بعضها البعض لأن المستهدف هو النهج.. فضرب أي طرف من هذه الأطراف يؤدي إلى ضرب الأطراف الأخرى.. في هذا الاتجاه تستطيع أن تفهم الدور الذي يقوم به حزب الله في سورية، وفي هذا الإطار تستطيع أن تفهم الدور الإيراني الداعم لسورية.
الميادين:
هذا ربما عن حزب الله كحزب مقاومة وهو يدافع عن مقاومته ونهجه.. ولكن هناك أطراف أخرى رأيناها كأنها ضد هذا الحراك الشعبي.. وكأنها معكم بشكل كبير، دعني، إذا سمحت لي مثلاً، أن أتحدث عن العماد ميشال عون، العماد ميشال عون كان خصماً قوياً وبات حليفاً كبيراً أو على الأقل صديقاً كبيراً.. وحتى في هذه الأزمة كانت مواقفه منذ اللحظة الأولى واضحة وما تزال ثابتة.. كيف تنظر إلى هذا الأمر؟
الرئيس الاسد :
العماد ميشال عون عندما اختلف مع سورية اختلف معها عن قناعة.. لم يختلف معها ويصطدم معها لأن هناك دولة طلبت منه ذلك.. لم يأته توجيه من أمريكا بأن يختلف مع سورية.. كان لديه قناعات.. نتفق معها نختلف معها.. كان صادقاً فيها واختلف مع الكثير من اللبنانيين حول هذه القناعات.. هذا الشيء يجب أن نحترمه ونحن نحترمه بشكل كبير وعندما اتفق مع سورية بناء على زوال الأسباب كان صادقاً في مواقفه.. هذا بشكل عام بالنسبة للعلاقة بين سورية وميشال عون قبل الأزمة، علاقة العماد ميشال عون أو مواقفه المرتبطة بهذه الأزمة تنطلق من قناعاته كمواطن لبناني..هو لديه نفس القناعات بأن النار في سورية لا بد أن تمتد إلى لبنان.. فانطلاقاً من وطنيته لا يمكن أن يقبل بأن يرى فوضى وإرهاباً وقطع أعناق في سورية لأنها ستمتد إلى لبنان وستصيب كل مواطن لبناني وستؤثر سلباً على المصالح اللبنانية.. هكذا نرى مواقف العماد ميشال عون .
الميادين:
سيادة الرئيس أنا لا أريد أن اذكر أسماء كثيرة.. خصوصاً في لبنان هناك عدد كبير من الأسماء، نتحدث عن رمزية ميشال عون لأنه يعبّر عن حالة معيّنة ولأنني لا أريد أن أُدخلك سيادة الرئيس في لعبة الأسماء، ولكن الرئيس ميشال سليمان ينتظر اتصالاً منكم منذ عام سيادة الرئيس.. منذ قضية ميشال سماحة، ويقول إنه ينتظر اتصالاً منكم؟
الرئيس الاسد :
ونحن ننتظر منه دليلاً على تورّط سورية في قضية ميشال سماحة التي اتُّهمتْ بها سورية زوراً .
الميادين:
السيد حسن نصر الله قال بشكل صريح أن سورية كانت شريكاً كبيراً في صمود وانتصار عام 2006.. بل ذهب أبعد من ذلك وقال أنكم لستم شركاء في الموقف فقط بل حتى ميدانياً وعملياً.. أنتم من قدمتم السلاح والصواريخ.. صواريخ الكورنيت، وحتى صواريخ أخرى.. هل العلاقة مع حزب الله متينة وقوية ومستمرة بهذا الشكل حتى هناك في مواجهة اسرائيل طبعاً؟
الرئيس الأسد :
مواقفنا من المقاومة معلنة.. لا يوجد شيء مخبأ بالنسبة لنا.. كل أنواع الدعم الممكن تقديمها للمقاومة سوف تُقدَّم من قبل سورية، سابقاً وحاضراً ولاحقاً.. هذا يختصر كل شيء.
الميادين:
بوضوح؟
الرئيس الأسد:
بوضوح.
الميادين:
ونحن نتحدث عن المقاومة وعن حزب الله وكل هذه النقاط سيادة الرئيس، فيما يتعلق بجبهة الجولان، أُعلن عن إمكانية فتحها، هل هذا الأمر ثابت؟ قرار، وناجز؟
الرئيس الأسد:
المقاومات في أي مكان من العالم لا تُعلن ولا تُقررَّ، هي ليست قراراً حكومياً، وليست إنتاج دولة، هي إنتاج شعبي. ظهور المقاومة بحاجة لظروف موضوعية هي التي تجعله أمراً واقعاً، أوّلها هي سياسة الدولة، عندما تتخلى الدولة عن سياساتها من أجل تحرير الأراضي على سبيل المثال، فلابد أن يكون التيار الشعبي باتجاه تحرير هذه الأراضي ويبحث عن أدوات. عندما تكون القوات المسلحة في تلك الدولة موجّهة باتجاه آخر غير تحرير الأراضي، أيضاً يبحث المواطنون عن تشكيل جيشهم الخاص المعني بتحرير تلك الأراضي والذي يُسمَّى المقاومة. هناك الكثير من اللغط حول هذا الموضوع بالنسبة لسورية، كأن يقال بأن سورية تدعم المقاومات وتغلق جبهة الجولان. على جبهة الجولان هناك جيش سوري مهمته تحرير الأرض والدفاع عن هذه الأرض، لذلك لم تكن هناك ظروف موضوعية وشروط موضوعية لنشوء مقاومة في سورية، ولم تنشأ مقاومة ومنعتها الدولة وقمعتها. من الناحية الواقعية معروف هذا الشيء. أما في الدول الأخرى كلبنان وفلسطين فلم يكن هناك في وقت من الأوقات دولة تقوم بهذا الواجب، وكانت إسرائيل تعتدي بشكل مستمر، هذا أيضاً أحد العوامل الهامّة وهي الاعتداء المستمر، كل هذا شكّل ضرورة لنشوء المقاومة. عندما طُرح هذا الموضوع على خلفية الاعتداءات الإسرائيلية الأخيرة كان انطلاقاً من هذه العوامل. الجيش السوري الآن متفرّغ لمقاومة الإرهابيين في الداخل بالدرجة الأولى. العدوان الإسرائيلي تكرّر أكثر من مرة وهناك نقمة شعبية على الإسرائيليين، فكان هناك رغبة شعبية عارمة في هذا الإطار. فالقضية ليست أن نقبل أو لا نقبل، أو نوافق أو لا نوافق، عندما تتوفر الظروف الموضوعية للمقاومة سوف تنشأ رغماً عن الدولة، أي دولة.. لكي أكون واضحاً حول هذه النقطة.
الميادين:
ولكنكم لم تقمعوها؟
الرئيس الأسد:
هي حركة شعبية لا يمكن أن تقمعها، هي تعبّر عن تيار شعبي. لا تنجح المقاومة إلا إذا كانت حالة شعبية، لا يمكن أن تنجح إذا كانت من اختراع دول.
الميادين:
إذاَ الأمر وارد أن تفتح جبهة الجولان وتتشكل مقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي؟
الرئيس الأسد:
كما قلت، كلامي واضح حول هذا الموضوع، عندما تتوفر الظروف الموضوعية سيكون هناك جبهة مقاومة شاءت الدولة أم أبت.
الميادين:
طالما نتحدث عن حزب الله والمقاومة ، ما سرّ التدهور الدراماتيكي في علاقتكم مع حماس؟
الرئيس الأسد :
جزء من هذا السؤال يجب أن يُطرح على حماس.. لا نستطيع أن نجيب عن كل هذا الموضوع خاصة أن هناك أشياء تخصّ حماس نحن لم نطلع عليها ربما.. ولكن نحن نستطيع أن نجيب عن جزء يتعلق ببداية الأزمة في سورية عندما شبّه القرضاوي تدخّل الجيش لحماية المدنيين في درعا بحصار غزة.. ونحن أكثر دولة دفعنا ثمناً من أجل حماس ومن أجل المقاومة بشكل عام بما فيها موقفنا من حصار غزة، كان موقف سورية يكاد يتقدم على موقف حماس بالنسبة للعدوان الإسرائيلي على غزة في القمة التي عُقدت في قطر في بداية عام 2009، هناك الكثير من السوريين لاموا حماس لأنها صمتت لمجرّد أن القرضاوي هو شيخ الاخوان المسلمين، نحن اعتبرنا بأن هذا فيه تخلٍ عن واجب معنوي ووفاء تجاه سورية، هل من الممكن أن تشبّه سورية التي دافعت عن الفلسطينيين على مدى عقود من الزمن ودفعت ثمن ذلك من قوت شعبها وأمانها وغير ذلك أن تبخل حماس عليها بردّ على القرضاوي؟ هذا بكل بساطة.. هذه كانت بداية تدهور العلاقة وفقدان الثقة بيننا وبين حماس وفقدان مصداقية حماس بالنسبة للمواطنين السوريين.. عندما اعتبرت بأن الجماعة أكبر من المقاومة.. بالنسبة لنا المقاومة أكبر من أي شيء.. المقاومة أكبر من الدولة..أكبر من الحدود ومن كل الأشياء الجزئية الأخرى.. بالنسبة لهم كانت جماعة الاخوان أكبر من المقاومة.. هنا بدأ الانفصال.
الميادين:
في الآونة الأخيرة بدا كأن هناك مراجعة تقويمية مع خالد مشعل الذي قال بوضوح نحن وإن كنا مع حرية الشعوب لكن لا نريد أن يتمّ هذا الأمر بالعنف والتدمير، والبوصلة يجب أن تكون موجهة لتحرير فلسطين وضد العدو الإسرائيلي، موسى أبو مرزوق تحدث على شاشة الميادين مع سامي كليب وقال بوضوح: لسنا متورطين في الشأن السوري وما يقال عن أننا دعمنا المعارضة المسلحة غير صحيح وغير دقيق ونحن اضطررنا للخروج، واسماعيل هنية تحدّث قبل يومين وكان واضحاً.. تقريباً المواقف ذاتها مع موسى أبو مرزوق ومع خالد مشعل.. هل تعتبر أن هذه المواقف المستجدة، إذ صح التعبير، لحركة حماس قد تعيد الصلة بينكم وبين حركة حماس؟
الرئيس الأسد :
لا يكفي أن نأخذ المواقف كما هي بشكل منعزل عن توقيتها.. ما هو السرّ في توقيت هذه المواقف؟ لماذا لم تُعلَن قبل أشهر؟ هناك من يربطها بسقوط مرسي.. هذا شيء سيّء.. هذا يدلّ على انتهازية.. لا يدلّ على مصداقية.. هذا يذكرّني بموقف الإخوان المسلمين السوريين الذين أعلنوا في العام 2009 الهدنة مع الدولة السورية على خلفية موقفها من غزة.. أي أنهم يكافؤننا على ذلك الموقف!! لماذا لم يعلنوا نفس الموقف على خلفية موقفنا من العدوان على لبنان عام 2006.. نفس العدو ونفس المبدأ.. المقاومة وكل شيء كان متشابهاً.. هذا يعني بأنهم وقفوا مع الجماعة.. لم يقفوا مع مبدأ المقاومة.. إن لم يحدَّد سبب التوقيت لا نستطيع أن نعتبر بأن هذه المواقف هي مواقف صادقة.
الميادين:
لنعتبر سيادة الرئيس أن هناك تحولاتٍ وتغييراتٍ في المنطقة حصلت وأنّ هذا يفرض على حركة المقاومة أن تحصّن نفسها، ربما في البداية قد تكون قرأَت الأمور بطريقة أخرى، ما الذي يمنع الآن عودة حركة المقاومة إذا البعض أعرب عن رغبته بأن يعود إلى سورية، هل هذا الأمر غير وارد؟
الرئيس الأسد:
أعتقد أن الشيء المنطقي لأي مقاومة أن تكون مقيمة على أراضيها، أراضيها الوطنية.. كان هناك ظرف لمجيء حماس، عندما طُردوا من الأراضي الفلسطينية ولاحقاً من الأردن، أما أن يكونوا قادرين على الإقامة في أرضهم فلا أعتقد بأن هناك مبرراً للخروج لأي دولة أخرى بغضّ النظر عن الافتراق بيننا وبينهم، كانت القيادات موجودة في الأراضي الفلسطينية.. لماذا تخرج؟ حسب المبرّر.. لا يوجد مبرّر.. من يريد أن يقاوم يسعى قدر المستطاع أن يكون على أرض الوطن وليس العكس.خذ نموذج لبنان.. هل سمعت بأن المقاومة اللبنانية تسعى لقيادة المقاومة من خارج لبنان..هذا الكلام غير منطقي، إن لم يكن هناك ظروف قاهرة تُخرج هؤلاء الأشخاص، لايجوز أن يخرجوا.
الميادين:
لكن هذا سينسحب على حلفاء آخرين لكم كالجهاد الإسلامي والقيادة العامة وغيرها.. هؤلاء أيضاً موجودون في دمشق ولا يستطيعون العودة إلى الداخل؟
الرئيس الأسد:
أي مقاومة يجب أن تكون على أرضها.. فأي مقاومة تأتي إلى سورية لأن هناك ظروفاً قاهرة منعتها من العودة إلى أراضيها الوطنية، أما إذا كان هناك ظروف ستأتي بحماس إلى سورية، وهذا هو جوهر سؤالك، أعرف تماماً ما الذي تقصده إذا كان هناك ظروف ستأتي بحماس إلى سورية.. السؤال هو: هل سيقبل الشعب السوري باحتضان حماس كما احتضنها في السابق؟ فالأهم من احتضان الدولة السورية لحماس في العقد الماضي هو احتضان الشعب السوري الذي فتح بيوته لحماس وقدّم التبرعات ووضع مصالح الشعب الفلسطيني أمام مصالحه.. السؤال هل سيقبل الشعب السوري بهذا الاحتضان.. فإذا احتضنّا نحن مجموعة، كدولة، والشعب السوري لا يقبل بهذا الاحتضان لا قيمة لهذا الاحتضان.. لن يؤدي إلى النتائج المأمولة منه.
الميادين:
بكل صراحة سيادة الرئيس، هل المشكلة مع كل حركة حماس بما فيها الجناح العسكري أو مع بعض القيادات التي تعتبرون بأنها ربما أخطأت أو كما يقول بعضكم هنا تورطت..؟
الرئيس الأسد:
لا يوجد مشكلة، نحن دعمنا حماس انطلاقاً من كونها مقاومة، فإذا قرّرت حماس أن تكون مقاومة حقيقية وصادقة فنحن معها، إذا قررت أن تكون “إخوان مسلمين” فلا داعي لهذه العلاقة بكل وضوح.
الميادين:
ما الذي حصل بينكم وبين قطر.. إن كانت هناك إشكالات وتناقضات وغيرها مع المملكة العربية السعودية، في اللحظة الأخيرة أنتم حلفاء، أنتم أصدقاء، أصدقاء على كافة المستويات الشخصية والعائلية والسياسية والتحالفات. ما الذي حصل مع قطر؟
الرئيس الأسد:
هناك عدة نقاط، ولكن الأهم بأن ما حصل في تونس وفي مصر جعل قطر تعتقد بأنها قادرة على إعادة صياغة الدول العربية بالشكل الذي يناسبها، وإذا تمّ هذا الشيء فهذا يعني بأن قطر ستصبح الوكيل الحصري للسياسات الأمريكية في المنطقة بدلاً من دول كبرى أخرى كانت منافسة في ذلك الوقت.. ما بين قطر ومصر من جانب وما بين قطر والسعودية من جانب آخر، فهذا الشعور بالعظمة وبالقدرات الكبيرة اللامحدودة جعلهم يفكرون بأن حسم الموضوع في سورية سيكون هو الجائزة الأكبر التي تُقدَّم للولايات المتحدة والغرب لكي يرضى عن قطر ويعتمدها كوكيل، ولكن كان هناك عدة نقاط أيضاً يأتي جانب منها في إطار المنافسة عندما رضيت السعودية بأن يكون الرئيس نجيب ميقاتي رئيساً للحكومة بدلاً من سعد الحريري..
الميادين:
في كانون الثاني 2011.
الرئيس الأسد:
تماماً.. أرادت قطر أن تحلّ محلّ السعودية في رعاية الشأن اللبناني من خلال الضغط على سورية لكي تضغط سورية على أصدقائها في لبنان للقبول بعودة سعد الحريري. رفضت سورية الدخول في هذا الموضوع..
الميادين:
حصل هذا الأمر؟
الرئيس الأسد:
نعم، حصل، خاصة خلال القمة الثلاثية التي جمعتني أنا وأمير قطر السابق وأردوغان في دمشق وحاولوا لخمس ساعات إقناع سورية بالتدخل وبقي أمير قطر في اليوم التالي.
الميادين:
كان الاجتماع من أجل لبنان وقتذاك؟
الرئيس الأسد:
كان اجتماعاً غريباً، قمة غير محضّرة، طلب كل منهم على حدة أن يأتي إلى سورية، فاكتشفت لاحقاً بأنهم متفقون على أن يكون هناك قمة ثلاثية، ولكن لم يكونوا راغبين على ما يبدو بطرح هذا الموضوع مسبقاً فأنت ستسألهم: قمة ثلاثية حول ماذا؟ ولكن عندما جلسنا حول الطاولة مع بعض تحوّلت إلى قمة.
الميادين:
إلى هذه الدرجة؟
الرئيس الأسد:
نعم..
الميادين:
أي أنه كان هناك اتفاق قطري تركي على هذا الأمر؟
الرئيس الأسد:
تماماً، فعندما رفضت سورية.. يعني نستطيع أن نقول بأن…
الميادين:
عفواً، طُلب منكم أن تدعموا عودة الشيخ سعد الحريري وقتذاك؟
الرئيس الأسد:
نعم، وكان ردّنا بأننا لن نتدخل في هذا الموضوع، لن نتدخل لا سلباً ولا إيجاباً، نحن سحبنا يدنا من هذا الموضوع واعتبرناه لا يعنينا..
الميادين:
ولكن أكيد لم يصدقاك، عفواً سيادة الرئيس؟
الرئيس الأسد:
لم أقل لسنا قادرين على التدخل، أنا قلت لن نتدخل .. أنا واضح في هذه المواضيع.. لم أقل أننا نستطيع ولدينا حلفاء أولا يوجد لدينا.. نحن لم يكن لدينا رغبة بالتدخل في هذا الموضوع تحديداً..
الميادين:
لأنه لم يكن لديكم رغبة في عودة سعد الحريري؟
الرئيس الأسد:
لم يكن هناك قبول له في ذلك الوقت من قبل كثيرين، حتى من كانوا حلفاء لوالده رفضوه، ولم نرَ بأن هذا الشيء ضروري بالنسبة لمصلحتنا كسورية، لماذا نتدخل؟ ما هو المبرر للتدخل؟ لم يكن هناك مبرر حقيقةً للتدخل.. تركنا الموضوع يسير بإطار لبناني.. هذا الشيء أغضبهم، ولكن الموضوع الأكبر كان موقف سورية من موضوع الحرب على ليبيا في الجامعة العربية.. كما تعلم سورية هي الدولة الوحيدة التي وقفت بشكل معلن ضد العدوان على ليبيا، لأنه كان واضحاً بالنسبة لسورية بأنّ ما سُمي حظراً جوياً كان مقدّمة للعدوان، وهذا ما حصل. فهذا الموقف اعتُبر موقفاً معادياً، من وجهة نظرهم، للسياسة القطرية، وبعدها قرروا الانقلاب بشكل كامل.
الميادين:
لكن يُقال سيادة الرئيس، انه حصلت، ليس يُقال، حصلت اجتماعات هنا، زاركم وزير الخارجية السابق، رئيس الوزراء، زاركم أيضاً ولي العهد السابق الذي أصبح أميراً، هل زاركم ولي العهد السابق الذي أصبح أميراً وقتذاك في بداية الأزمة ؟
الرئيس الأسد:
بعد بداية الأحداث..
الميادين:
زاركم؟
الرئيس الأسد:
نعم ..
الميادين:
وكان معه وزير الخارجية؟
الرئيس الأسد:
لا، لوحده
الميادين:
ماذا كان في اللقاء؟ يقال إن الجانب القطري كان مرناً معكم، كان حريصاً وقدّم لكم، عفواً، النصائح ولكنكم لم تستجيبوا ولم تتعاونوا معه في هذا الجانب.
الرئيس الأسد:
هل قطر قادرة على تقديم النصائح في موضوع الديمقراطية والإصلاح. لتُصلحْ نفسها أولاً، لتحوِّل المواطن القطري لناخب، لتسمح له بالانتخاب، في اختيار ممثليه، في اختيار دولته، قطر ليست في موقع أن تنصح.
الميادين:
ما الذي قاله لكم الجانب القطري وقتذاك؟
الرئيس الأسد:
الجانب الأساسي هو أن قطر ليست منغمسة في الموضوع السوري كما يُقال، والجزيرة قناة مستقلة، كما قالوا، مع أننا لم نعلّق على الجزيرة، لا يعنينا الإعلام في هذا الموضوع، لم نكن قلقين من هذا الموضوع، ولكن بالنسبة لهم أرادوا أن يبرّروا بأن ما يحصل في قناة الجزيرة أو الإعلام القطري بشكل عام لا يعني بأن قطر تتدخّل، طبعاً قدّموا في لقاءات أخرى مع وزير الخارجية بعض الأفكار في بدايات الأحداث.. لماذا؟ لأنهم كانوا يعتقدون بأن الدولة السورية ستكون متعنّتة من خلال رفضها لأي إصلاح يُطرح عن حُسن نية أو عن سوء نية، ولكن نحن استجبنا بشكل مباشر فكانوا يعطون نصائح.. حوار وطني.. انتخابات.. بهذا الإطار. قمنا بكل هذه الأشياء.. وهم يقولون بأن سورية قدمت وعوداً ولم تلتزم. طبعاً نحن لم نقدّم وعوداً لأحد، هم كانوا ينصحون كأصدقاء ولكن ليسوا في موقع من يقول لنا ماذا نفعل أو أن نقدم له التزامات أو وعود. نحن دولة مستقلة.
الميادين:
هل الجانب القطري قدم دعما ً أكثر من السياسي والإعلامي والديني للمعارضة السورية المسلحة في سورية؟
الرئيس الأسد:
التمويل.. والتمويل يشمل كل شيء.. بالمال تشتري السلاح .
الميادين:
التمويل فقط؟
الرئيس الأسد:
التمويل.. هم يقومون بالشراء.. طبعاً لدينا معلومات بأنهم قاموا بشراء صفقات أسلحة من دول أوروبا الشرقية السابقة وتم نقل هذه الأسلحة إلى سورية، وإحدى هذه السفن التي تم إلقاء القبض عليها في لبنان الباخرة لطف الله منذ عام تقريبا أو أكثر.. فهذه مؤشرات واضحة .
الميادين:
سيادة الرئيس.. هناك أمير جديد في قطر.. وبحسب ما رصدنا على مدى العامين والنصف الماضية أن هذا الشخص تحديداً، الأمير الجديد تميم، لم يتورط في تصريحات، لم يتورط في مواقف.. هل أنتم مستعدون لتفاعل إيجابي مع تطوير العلاقات مع قطر الجديدة برئاسة الأمير الجديد؟
الرئيس الأسد:
الموضوع ليس بهذه السهولة.. قطر ساهمت كما تركيا كما السعودية الآن في سفك دماء السوريين.. فالتعاطي مع تلك الدول لا يمكن أن يخرج عن إطار القبول الشعبي في سورية.. لا يمكن أن يكون فقط رغبة رسمية.. لا شك بأن الأمير الحالي إذا أراد أن يغيّر السياسة القطرية فهي بحاجة إلى جهد كبير لأن الآثار كبيرة جدا ً.. ومسح آثار ما تمّ في سورية لن يكون بهذه السهولة.
الميادين:
تفضلتم وقلتم إذا أراد فعليه أن يبذل جهداً.. ما المطلوب؟
الرئيس الأسد:
أولاً، عدم التدخل في الشؤون الداخلية السورية وعدم دعم الإرهابيين.. هذا الحد الأدنى الذي تطلبه سورية من أي دولة ساهمت في سفك الدماء في سورية. ونحن لا نعرف إلى أي درجة تراجع الدور القطري.. صحيح السعودية حلّت محلّ قطر، ولكن إلى أي درجة؟ هل غابت تماماً. المواضيع ليس بالضرورة أن تكون ظاهرة بشكل كامل مئة بالمئة.. موضوع التمويل أو الدعم أو القيام بتشكيل لوبيات في الخارج سواء لضرب سورية أو للتدخل في سورية أو لإرسال أسلحة للإرهابيين وما شابه.
الميادين:
هل هذا يعني أنه إذا أعلنت قطر هذا الأمر عبر مسؤول فستعتبرونه مؤشراً إيجابياً؟
الرئيس الأسد:
طبعاً هو مؤشر، ولكن العبرة بالتنفيذ وبالتطبيق وبالممارسة .
الميادين:
هل نستطيع أن نفهم أيضاً سرّ الموقف التركي معكم، أردوغان بشكل أساسي؟ لا أعتقد أن المشاهدين الآن ربما سيعتبرون بأن معارضتكم أو رفضكم التدخل لإعادة الشيخ سعد الحريري سبب للسيد رجب طيب أردوغان حتى يتصرَّف بهذه الطريقة.. طبعاً موقفه واضح.. بالمناسبة هو مع الشعب السوري، هو مع الحريات، يعتبر النظام ديكتاتورياً دموياً.. سمّاكم بالاسم سمّى شقيقكم. أي أنه لم يترك شيئاً. ما هو السر ؟
الرئيس الأسد:
أردوغان ينتمي للأخوان المسلمين بشكل عقائدي وعميق وهو لا يخفي هذا الشيء ولم يُخفِه في السابق.. لم يقل بأنه منظّم ولكن اهتمامه بموضوع الأخوان المسلمين كان أكبر من اهتمامه بالعلاقات السورية التركية. هو يضع هذه الجماعة التي ينتمي إليها بفكره قبل الشعب نفسه، قبل الشعب التركي، والدليل أن أردوغان لم يتراجع عن مواقفه بالرغم من الأضرار التي لحقت بتركيا مادياً ومعنوياً على خلفية السياسات الأردوغانية.. فالسبب بالدرجة الأولى عقائدي، هو ينتمي بشكل واضح لهذا التيار.. هذا هو السبب .
الميادين:
فقط ؟
الرئيس الأسد:
هذا هو الشيء الجوهري والأساسي.
الميادين:
هل لو قبلتم مثلاً التعاون مع الأخوان المسلمين، الأمور كانت تسير بشكل طبيعي؟
الرئيس الأسد:
هو كان أيضاً يسعى لمجيء الأخوان المسلمين إلى الحكم في سورية لأنه يعيش حالة صراع مع العلمانيين منذ تم انتخابه.. وبالنسبة له كانت فرصة كبيرة أن يرى أن الأخوان يحكمون من أقصى المغرب إلى أقصى المشرق،لأن هذا يعني بأنهم لن يكونوا هم الأقلية كما كان يشعر في تركيا بل سيتحول إلى أكثرية وسيتخلص من العلمانيين داخل تركيا.. فلذلك بالنسبة له مجيء الأخوان إلى الحكم في سورية موضوع مصيري يتجاوز أية علاقة شخصية. قد يتساءل البعض: هل يعني هذا بأن أردوغان لم يكن محبّاً؟ أقول لا، ليس بالضرورة، ربما كان محبا ً على المستوى الشخصي، ولكن عقيدته وتعصبه أقوى بكثير من علاقاته الشخصية.. فالنسبة له هذه فرصة تاريخية تضمن استمرار هذا النهج .
الميادين:
لكن اردوغان شخص مرن. أصلا ً حزب العدالة والتنمية انقلب على حزب الرفاه وحزب السعادة الذي كان يُعتبر، البروفيسور أربكان، متشدداً.. تعاون مع الأمريكيين.. قبِل بالعلاقات مع إسرائيل.. الحلف الأطلسي موجود.. هو شخص مرن بشكل أساسي.. ليس لديه مشكلة. كيف يمكن أن تجزم لنا سيادة الرئيس بأن موفقه العقائدي هو الأساس.. وهل يمكن أن نستنتج أيضاً انطلاقاً مما تفضلتم أن أردوغان لديه رغبة بالهيمنة على المنطقة؟ لأنه إذا كانت قطر، كما تفضلتم قبل قليل، كانت تريد أن تكون الوكيل الحصري للولايات المتحدة الأمريكية، الآن تقولون بأن أردوغان يريد الأخوان المسلمين أن يحكموا سورية وبالتالي تكون ممراً إلى كل الدول العربية .. لديه هذه الرؤية للهيمنة على المنطقة انطلاقاً من رؤية تاريخية أم ماذا ؟
الرئيس الأسد:
أولاً، أن نقول بأن شخصاً ما مرن لا يدلّ على شيء، لأن الإنسان الصادق قد يكون مرناً، والانتهازي قد يكون مرناً.. فإذا قلت لي بأن أحداً من الناس هو مرن.. أقول هل هو انتهازي أم صادق؟ فأن يكون أردوغان مرناً لا يعني بأنه صادق بل يعني تماماً بأنه يجسد عقلية الأخوان المسلمين باستخدام الدين، وهي عقلية انتهازية.. ينتهز كل الفرص لكي يصل إلى هدف أساسي.. وهدفه هو السلطة واستمرارية هذه السلطة بأشكال مختلفة.. وقام بتبديل الدستور لكي يلائم مصالحه، ولم يفكر للحظة بموضوع مصلحة تركيا ككل. أما بالنسبة لرؤيته.. طبعاً وجود الأخوان يدعمه أولاً داخل تركيا وأيضاً يعطي قدرة لتركيا أن تحل محل الدول العربية الأساسية وخاصة مصر من خلال أنها الدولة الإسلامية الأكبر، وهي الدولة العثمانية، ويستعيد أمجاد العثمانيين من الناحية المعنوية ويسيطر على هذه المنطقة تحت شعار الدين الإسلامي.. هو كان يفكر بهذا الموضوع بشكل جدي .
الميادين:
كان هناك لقاء طويل بينكم وبين وزير الخارجية أحمد داوود أوغلو استمر ساعات.. ما الذي قيل فيه آنذاك ؟
الرئيس الأسد:
كانت دردشة.. ثلاث ساعات منها محاضرات من داوود أوغلو عن الديمقراطية التركية التي حوّلت تركيا مؤخراً إلى أكبر سجن للصحفيين في العالم باعتراف المنظمات التي تدافع عن حقوق الصحفيين وهي منظمات غربية، أي أنها ليست موالية لسورية ولا تعجبها سورية. كان يتحدث عن كيفية التعامل مع المتظاهرين في سورية في ذلك الوقت.. ورأينا كيف تعامل مع المتظاهرين في ميدان تقسيم بالإضافة لتعاملهم مع الأكراد في تركيا و قتلهم للآلاف من الأكراد خلال السنوات القليلة الماضية.. وكان هناك جزء آخر بالنسبة لداوود أوغلو.. كان يريد أن يَطمئن عن طبيعة الإصلاحات التي ستجريها سورية لنفس الهدف القطري.. هو يريد أن يطمئن إلى أن هذه الإصلاحات ستأتي بالمجموعات الموالية لهم إلى الحكم في سورية.. هذا كان الهدف الرئيسي لداوود أوغلو، وبالتالي كانت عملية الحوار محاولة للتأثير على القرار السوري بعملية الإصلاح بالشكل الذي يأخذ هذا الإصلاح باتجاه تلك المجموعات.. وطبعاً دائماً الجوهر والمحور هو جماعة الأخوان المسلمين. في إحدى المرات في بدايات الأزمة عندما أصدرنا العفو، ربما الأول على ما أذكر، حول عدد من المعتقلين في سورية، اتصل أردوغان وكان السؤال الأول كم واحداً من الأخوان المسلمين خرج من السجن.
الميادين:
اتصل بكم ؟
الرئيس الأسد:
نعم. لم يسأل كم سورياً أفرج عنهم.
الميادين:
عفواً.. هل تتهمون تركيا أردوغان بشكل واضح ودقيق بأنها جزء من هذه الحرب المسلحة على أرضكم وعليكم؟
الرئيس الأسد:
لا داعي لأن نتهمه، أولاً لسنا محكمة لكي نتّهم، ولكن الوقائع هي التي تتّهم تركيا، الوقائع هي التي تقول بأن تركيا فتحت المعسكرات للإرهابيين.. هي التي فتحت مطاراتها للإرهابيين.. هي التي فتحت حدودها للإرهابيين للتحرك والإمداد والتنقل والمناورة وكل شيء، هذا ما تقوله الوقائع. فأنا أضع الوقائع وأقول هذه هي الوقائع.. من يتّهم .. هذا موضوع آخر.. الاتهام بحاجة إلى قاضي.
الميادين:
أتعرف سيادة الرئيس ما هو استنتاجي كمراقب الآن لكلامكم عن السعودية وقطر وعن تركيا وعن الجامعة العربية والأمين العام وغير ذلك.. كأنكم تتحدثون كمنتصر.. كأنك لست في مقابلة تردّ فقط على أسئلة، كأن الرئيس بشار الأسد الآن يتحدث كمنتصر، ربما كمنتصر استراتيجي؟
الرئيس الأسد:
موضوع الانتصار موضوع ذاتي.. كل إنسان ينظر إليه بشكل مختلف، البعض يعتقد بأن العرب انتصروا بحرب تشرين 1973 والبعض يقول لم يحرروا الكثير، فكيف يتحدثون عن الانتصار؟ فالمنطق يختلف كلٌ بحسب ما يراه مناسباً، فهناك من يعتقد بأن مجرد فشل المشروع الذي كان مخططاً لسورية، وكان هناك أكثر من مشروع مختلف.. كل دولة لها تصوّر.. البعض كان يسعى للتقسيم، البعض كان يسعى للحرب الأهلية، البعض كان يسعى فقط لإسقاط الدولة السورية.. وغيرها من المشاريع، مجرد إفشال هذه المشاريع يمكن أن يُعتبر انتصاراً، والبعض يعتقد بأن الانتصار لا يتحقق إلا بعد الخروج كلياً من الأزمة، أنا أتحدث دائماً بشكل واقعي، أستطيع أن أقول على الواقع بأننا نحقّق تقدماً للأمام.. هذا التقدّم له عدة عناصر، أحد العناصر هو التقدم العسكري على الأرض في الكثير من المناطق.. ولكن العنصر الأهم هو العنصر الداخلي حيث فقد الإرهابيون الكثير من عناصر القوة وفي مقدمتها الحاضنة الشعبية التي توفرت بشكل محدود على خلفية الانخداع بما طُرح في الإعلام والشعارات التي خدعت المواطنين في بداية الأزمة، خسروا الجزء الأكبر من هذه الحاضنة الشعبية وتعرّوا، هذا هو العامل الأساسي الذي أدى إلى العامل الأول وهو التقدم الميداني على الأرض. طبعاً نستطيع أن نضع في هذا الإطار أو نستطيع أن نؤكد على العامل الآخر وهو العامل الخارجي.. العامل الخارجي لا شك بأنه تبدّل من خلال معرفة كثير من الدول بأن الصورة على الأرض تختلف تماماً عما كانت تتخيّله في عقولها أو تراه على شاشات التلفزيون.. بعض الدول بسوء نية.. بأهداف تخريبية في سورية، وبعض الدول بحسن نية وقعت في فخ التضليل الإعلامي، فكل هذه العوامل غيّرت.. نسميّها انتصاراً.. أو لا نسميّها انتصاراً.. لا تهمّ التسمية، المهم المضمون.. هذا هو المضمون أنا أطرحه أمامك، ونترك للمشاهدين أن يسمّوه بالشكل الذي يريدونه.
الميادين:
تماماً كما تحدثنا عن بعض الجهات والدول التي كانت علاقاتكم جيدة معها ولكن تغيّرت مع الأزمة، هناك أيضاً أطراف كانت علاقاتكم سلبية.. سيئة ولكن باتت إيجابية وعلى رأسها العراق، ما الذي حصل، كيف تنظرون أولاً إلى المواقف الحالية للعراق ونوري المالكي مع سورية؟
الرئيس الأسد:
الموقف موضوعي جداً وصادق وثابت، ثابت تجاه الموضوع السوري، العراق يرى في مختلف تياراته السياسية الموجودة في الحكومة أن الخطر المحدق بسورية هو خطر محدق بالعراق، وبالتالي الوقوف مع سورية هو وقوف مع العراق، هذه هي الرؤية العراقية وهي التي تدفع الرئيس المالكي للوقوف بصلابة.. الموقف المعروف الآن والمشهود له فيه تجاه الأزمة السورية.
الميادين:
فيما يتعلق بمصر، التحوّل والتغييرات التي حصلت.. هل أنتم معها لأنها فقط أقصت الاخوان المسلمين والرئيس مرسي، سيادة الرئيس؟
الرئيس الأسد:
لا.. العلاقة موجودة حتى عندما كان الرئيس مرسي، كانت موجودة مع المؤسسات المصرية وكان هناك تعاطف كبير من قبل المؤسسات المعنية للعلاقة مع سورية.
الميادين:
من بالتحديد؟
الرئيس الأسد:
بشكل أساسي الأمن والأجهزة المدنية الأخرى.
الميادين:
والجيش؟
الرئيس الأسد:
لايوجد علاقة مباشرة الآن، ولكن ربما تكون الأجهزة الأمنية أحياناً هي قناة للمؤسسة العسكرية، ولكن كان لدينا معرفة بالتعاطف العام في مصر للعلاقة مع سورية، هذا شيء تاريخي.. كان هناك تباعد فرضته اتفاقية كامب ديفيد، وحتى العلاقة أيام الرئيس مبارك لم تكن علاقة حارة إلا في بعض المراحل بعد حرب الخليج، لكن العلاقة لم تنقطع، ونأمل الآن مع التغيّرات الجديدة في مصر أن يكون هناك انطلاقة أكبر في العلاقة.
الميادين:
كيف تنظرون إلى بوادر تقارب إيراني – أمريكي واضح الآن؟
الرئيس الأسد:
ننظر إليها بشكل إيجابي. أي تقارب إيراني مع أي دولة من الدول في العالم يخدم قضايا المنطقة إذا كان الطرف الآخر صادقاًفي هذا التقارب، بأسوأ الأحوال لن يكون هناك خسارة إذا كانت هذه الدول مخادعة في تقاربها مع إيران.
الميادين:
هذا التقارب ترونه إيجابياً ويخدم مصلحتكم أيضاً.. لا يوجد مشكلة؟
الرئيس الأسد:
طبعاً بكل تأكيد..كما قلت إذا كان هناك نتائج فعلية لا بد أنه يخدم مصلحتنا، لأن إيران لديها موقف واضح بالنسبة للاستقرار في المنطقة، فسوف تستخدم علاقاتها مع الدول الكبرى أو غير الكبرى لنفس الهدف.
الميادين:
هل ستترشحون للرئاسة.. بوضوح الآن. وهل المناخ ملائم بالأصل لإجراء انتخابات رئاسة في الوضع الذي نعرفه في سورية؟
الرئيس الأسد:
يستند هذا الجواب على نقطتين.. الأولى هي الرغبة الشخصية، والثانية هي الرغبة الشعبية. بالنسبة للنقطة الأولى والمتعلقة بي شخصياً لا أرى أي مانع من الترشح للانتخابات المقبلة. أما النقطة الثانية وهي الرغبة الشعبية.. فمن المبكر الآن أن نتحدث عن هذه النقطة.. لا يمكن أن نبحثها إلا في الوقت الذي يتم فيه الإعلان عن موعد الانتخابات الرئاسية.
الميادين:
سيادة الرئيس.. سؤالي الأخير.. المخاض ليس فقط في سورية، في كل المنطقة، نحن نتحدّث عن تغيّرات، عن تحوّلات، عن بنيات ثقافية واجتماعية وسياسية واقتصادية واستراتيجيات دولية بالكامل. هناك تساؤلات حول العروبة، حول القومية العربية، حول وضع العرب الراهن. الرئيس بشار الأسد، كيف ينظر لكل هذا المشهد السوري والعربي في المرحلة المقبلة على هذه المستويات التي أتحدث عنها؟
الرئيس الأسد:
نحن نمر الآن في مرحلة تحوّلات، وهي ليست طارئة وليست وليدة المظاهر التي نراها الآن والتي سُميت بالربيع العربي زوراً وبهتاناً، طبعاً نحن لا نوافق على هذه التسمية، فالربيع لا يمكن أن يكون ربيع القتل. ولكن ليست مرتبطة بهذا الموضوع، هي تحولات عمرها أجيال. أنا أعتقد بأن أخطر شيء في هذه التحولات هو انفصام الشخصية الوطنية أو القومية بالنسبة للعرب، موضوع الانتماء. الانفصال بين العروبة والإسلام، الانفصال بين القوميات المختلفة.. العرب والأكراد، العرب والأمازيغ.. والأشياء المشابهة. هناك أشياء كُرّست عبر أكثر من أربعة عقود في المنطقة العربية كرَّست هذه الانقسامات بين أبناء النسيج الواحد الذي هو في أساسه نسيج متجانس، متعايش مع بعضه بالمعنى الإيجابي، وليس التعايش بالمعنى السلبي، أي أن أعيش معك وإنما أن أتفاعل معك، هذا هو مفهومنا للتجانس، أن نعيش ككتلة واحدة ولكن لديها أوجه متعددة من الثقافات المختلفة، هذا هو الخطر الأكبر الذي يواجه الأجيال الحالية والأجيال المقبلة. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يمكن من خلالها أن يفجّروا المجتمع العربي من الداخل من دون استعمال أسلحة دمار شامل. سلاح الدمار الشامل الآن هو هذا الموضوع، ورأس الحربة في هذا السلاح هو موضوع التطرّف الديني.. هذا هو الخطر الأكبر الذي يواجهنا. إذا لم نعالج هذه المشكلة، أي إجراءات أخرى نقوم بها في أي مجال هي إجراءات فاشلة وليس لها أي وزن. الجانب الآخر هو التطور الاجتماعي والسياسي.. وعملياً لا يوجد قطاع سياسي، السياسة هي نتيجة المجتمع ونتيجة الاقتصاد، ونتيجة كل شيء، في محصلتها يكون هناك سياسة..فأنا أركّز دائماً على البعد الاجتماعي، المشاركة الشعبية في القرار السياسي، والقرار الاقتصادي، وفي بناء البلد، وفي بناء الوطن، وفي بناء الدولة، وفي القرار، وفي كل هذه الأمور، لابد أن تكون مشاركة واسعة. لم يعد مقبولاً بالنسبة للشعوب، خاصة في ظل وجود وسائل الاتصال الحديثة الموجودة حالياً وإمكانية انتشار المعرفة والمعلومة بشكل أكبر، لم يعد مقبولاً أن تكون هذه الشعوب خارج إطار المشاركة. لايمكن إقصاؤها، هذا الكلام مستحيل. إن لم تفهم الكثير من الدول العربية بأن هذه المشاركة أصبحت ضرورية وأصبحت مفروضة شئنا أم أبينا، فنحن نأخذ دولنا ومنطقتنا إلى المزيد من الانفجارات. ولكن هذا التطوير وهذه المشاركة لا يمكن أن تكون فقط عبر القوانين والدساتير، القوانين والدساتير هي أدوات، والديمقراطية هي وسيلة من الوسائل للازدهار. ولكن الديمقراطية الحقيقية تكون في العقول، تكون في المجتمع، لا يمكن أن نسير للأمام في العملية الديمقراطية والتيارات الظلامية تسير بنا إلى الخلف. لا يمكن أن يكون لدينا حرية تفكير وبنفس الوقت لدينا الكثير من المحرمات على التفكير، العملية متكاملة. عملية النهوض بالديمقراطية هي عملية فكرية بالدرجة الأولى. فيجب أن نفهم هذا الشيء كدول، كحكومات، وكمجتمعات.. عندها نستطيع أن نتجاوز هذه الأزمات بدروس مفيدة وليس بتراكمات تنقلنا من أزمة إلى أزمات أكبر في المستقبل وتؤدي إلى تفتّت المنطقة العربية وتنهي الوجود العربي. أما الجزء الأكبر الذي يعنيني أنا شخصياً بالنسبة للهوية هو موضوع العروبة.. العروبة ليست نظرية اخترعها حزب أو مفكّر كما يحاول البعض تصويرها. العروبة هي انتماء، هذه المنطقة العربية تنتمي إلى قاعدتين أساسيتين: العروبة والإسلام، وحتى قبل الإسلام في الجاهلية كان يقال عربي وأعجمي، وعندما أتى الإسلام أصبح يقال عربي وأعجمي ومسلم وغير ذلك. هذه العلاقة بين العروبة والإسلام هي التي خلقت التوازن عبر قرون من الزمن. ما يحصل الآن أحد أسبابه هو اختلال العلاقة بين العروبة والإسلام، وأول من ساهم بهذا الفصل هم الاخوان المسلمون في الخمسينيات. لذلك نحن نقول بأن العمل الديني هو عمل دعوي، هو أكبر من القضايا السياسية الإنسانية. العروبة هي شيء، انتماء طبيعي. العلاقة بين العروبة والإسلام هي علاقة طبيعية، هي التي تخلق التوازن بالنسبة للآخرين.. للقوميات الأخرى وللأديان الأخرى، لا تلغيهم.. لا تلغي أحداً. كل الأديان مهمة وكل الطوائف وكل القوميات مهمة. ولكن أكبر انتماءين لأي مواطن في المنطقة العربية هما العروبة والإسلام. فالربط بين هذين العنصرين وفهم معنى العروبة ومعنى الإسلام من دون تعصّب، خاصة أن العروبة لا تعني عرقاً.. هي تعني قومية بالمعنى الشامل، تشمل الجميع وتستوعب الجميع، إذا فهمنا هذه العلاقات المختلفة، عندها نستطيع أن ننتقل إلى المستقبل ونقدم للأجيال مستقبلاً مستقراً ومزدهراً.