كيف استطاع الرئيس الشهيد صالح الصماد انتزاعَ اعتراف العالم؟
يمنين برس / ..
بالتزامُنِ مع جريمةِ اغتيالِ الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد، أجرت صحيفةٌ سعوديةٌ مقابلةً مع وزيرِ الحرب الإسرائيلي، أفيغدور ليبرمان، في ظِــلِّ التطبيعِ بين الطرفين؛ ليؤكِّـدَ الأخيرُ أن الكيانَ الصهيوني لديه رؤيةٌ متطابقةٌ مع النظام السعودي فيما يتعلق بملفات اليمن وسوريا وإيران وحزب الله، لافتاً إلى أن التنسيقَ والتوافُقَ مع الأنظمة العربية بلغ مرحلةً كبيرةً وتمثل 75%، ومعتبراً أنه لم تعد هناك أيَّــةُ مشكلة في التفاهُـمِ مع قادة الدول العربيةـ معترفاً أيضاً أن المشكلةَ الأكبرَ والأصعب التي تواجه الكيانَ تتمثلُ في نسبة 25% وهي التي تتعلّـقُ بموقف الشعوب العربية والإسلامية من وجود إسرائيل، تلك النسبةُ بالضبط هي التي نعت الرئيسَ الشهيد صالح الصمَّـاد، أي الشعوب العربية والإسلامية والحكومات والفصائل المناهِضة للمشروع الأمريكي الإسرائيلي.
حكم الرئيسُ الشهيد الصمَّـادُ لمدة 20 شهراً دولةً محاصَرةً وتتعرضُ لأكبر عدوان في تأريخها، وفي وقت لعبت الهيمنةُ الأمريكية والمالُ السعودي دوراً كبيراً في جَعْـلِ مجرَّدَ التضامُنِ مع هذه الدولة مصدرَ مشاكلَ كبرى للمتضامنين، ولم يكن تحتَ سلطة الشهيد الصمَّـاد الأموالُ التي يمكن أن يغدقَ بها على أي طرف داخلي أَوْ خارجي، ورغم ذلك كان مفاجئاً بالنسبة لي شخصياً وللكثيرين، حجمُ ردود الأفعال في الداخل في إطار الدول العربية والإسلامية الغاضبة من جريمة الاغتيال.
ورغم محدوديةِ الوسائل الإعلاميةـ وخصوصاً القنوات الفضائية لديناـ والتي تتعرَّضُ لحربٍ شعواءَ تنزلها من الأقمار الصناعية، إلا أنني لاحظت أن تحَــرّكاتِ وخطاباتِ الرئيس الشهيد كانت تحظَى بمتابعة واسعة في إطار الدولِ العربيةِ والإسلامية، من خلالِ الكتاباتِ التي مثّلت لنا مفاجَأةً غيرَ متوقعة حول الرجل ومواقفه، والتي خطّتها أقلامُ كُتَّـاب وسياسيون وإعلاميون وأكاديميون من فلسطين والعراق وسوريا ولبنان ومصر وتونُس والجزائر وباكستان وإيران وغيرها.
تلك المتابعةُ الدقيقةُ لتحَــرّكاتِ ومواقفِ الرئيس الشهيد خلقت وعياً كبيراً لدى أولئك الكُتّاب من مختلف الدول بطبيعة المشروع التحرّري والثوري الذي كان يمثّلُه الرئيسُ الشهيد، وبالتالي خلق لديهم رؤيةً واضحةً ومعرفةً كاملةً بهُوية قاتليه الأمريكيين، أياً يكن الأداةُ المنفذة للجريمة، مستحضرين حوادثَ من التأريخ الحديث لاغتيال قادةٍ عربٍ وإسلاميين وقادة عالميين حملوا مشاريعَ مناهضةً للهيمنة الأمريكية وانتهى بهم المطافُ بأن تم اغتيالُهم بتخطيطٍ من وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية CIA والتي نفّذت عبرَها بشكل مباشر أَوْ عبر وكلاء.
والمتابعُ لحوادث اغتيال القادة والزعماء المناهضين للمشاريع الأمريكية أَوْ القارئ لاعترافات المخابرات الأمريكية حول جرائم الاغتيالات التي رُفعت عنها السرّية، وكذلك المتابِعُ لطبيعة وأهداف العدوان على اليمن، يستطيعُ بسهولة التوصُّــلُ إلى أن أمريكا تقفُ وراءَ اغتيال الرئيس الشهيد لاعتبارين رئيسيين، الأول: انتماء الرئيس الشهيد لمشروع قُــرْآني مناهِضٍ للكيان الصهيوني.. والثاني: انتماءُ شهيدِنا لمشروعٍ مناهضٍ للهيمنة الأمريكية؛ ونظراً لانكشاف أوراق أمريكا في المنطقة التي لم تعد خافيةً، وجدنا كم كان مستوى الوعي عالياً لدى الفلسطينيين خاصةً، بما يمثلُه اغتيالُ الرئيس الصمَّـاد من خسارة للقضية الفلسطينية؛ ولذلك وجدنا صُوَرَه ولافتاتِ الإدَانَة لاغتياله تُرفَــعُ يوم الجمعة الماضية في مسيرات العَودة الكبرى في قطاع غزة، في وقت كان الفلسطينيون يقومون بإحراق صور ملك السعودية وولي عهده والرئيس الأمريكي في تلك المسيراتِ، انطلاقاً أيضاً من وعيهم بما يمثلُه هؤلاء من خطر على القضية الفلسطينية.
ما لفت انتباهي أيضاً كصحفي وأنا أتابعُ ردودَ الأفعال الإيجابية والسلبية تجاه جريمة اغتيال الرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد، رغم أنه حكم اليمن لفترة قصيرة وعبر مجلس سياسي أعلى غير معترَفٍ به دولياً، إلا أنه فرض نفسَه كرئيس يمني معترَف به في الواقع العملي، في وقتٍ لم يلتفت أحدٌ على المستوى الداخلي أَوْ الخارجي لوجودِ الفار هادي، في ظل الإقامة الجبرية بالرياض، رغم أنه معترَفٌ به دولياً، علاوةً على أن مَن تستضيفُهم الشاشات الفضائية بمختلف توجُّهاتها ما يزالون يخطئون في اسمه؛ لأنَّه مجرد أداة لم تستطعْ أن تترسخَ في الأذهان ولو على مستوى حفظ اسمه، مقارنةً بالرئيس الشهيد صالح الصمَّـاد.
أخيراً، فإنَّ الرئيسَ الشهيدَ صالح الصمَّـاد فَــرَضَ نفسَه كرقم صعب؛ لما يتمتعُ به من صفاتٍ ذاتية كقائد يمتلك قدراتٍ عاليةً وكاريزما خاصةً، وهو الجانبُ الذي يجعَلُ من رحيله خسارةً يصعُبُ تعويضُها، ومن جانب آخر فرض نفسَه كقائد انطلاقاً من المشروع القُــرْآني الذي كان يمثلُه والذي شكّل شخصيتَه، وهذا هو عزاؤنا بأن المشروعَ باقٍ ومستمرٌّ في الوجود، وهذا الجانبُ هو ما جعل جريمةَ اغتياله لا تمثّل أيَّ مكسَبٍ للعدوان الأمريكي السعودي، وهو ما ظهَرَ واضحاً من خلال تماسُكِ الجبهات وعدم تأثُّرها وكذلك تماسُك الدولة والجبهة الداخلية.