تسقُطُ الأجسادُ لكن لا يسقُطُ المشروع. هذا هو مصداقُ حال «المجاهد الرئيس» صالح الصمَّـاد بمسيرته برفقة الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي مشروعها قُـرْآني لمقاومة المشروع الأمريكي الإسرائِيْلي في المنطقة، متبنياً آلام شعبه وآماله، بالتالي عليه أن يخوضَ النضالَ بيده وسلاحه، لا أن يسكُنَ برجاً عاجياً لا يلمسه فيه أحد.
الصمَّـادُ القادمُ من مهنة الزراعة والتجارة (ومن منطقة بني معاذ مديرية سحار محافظة صعدة)، مارسها كعادته ذكياً، لكن الجهاد كان نداءه الأبدي، كان يختصر كُـلّ شيء عنده، كان يترك أي شيء لأجل حماية المستضعفين والدفاع عنهم، أَوْ حتى حلقةٍ دراسيةٍ من حلقات المسيرة القُـرْآنية كان يعطيها لأَبْنَـاء منطقته المتعطشين لمعرفة مشروع المسيرة القُـرْآنية وقراءة ملازم الشهيد القائد التي كان يحفظها عن ظهر قلب، وما مقاطع الفيديو الكثيرة المنتشرة له إلا دليل بارز على المثقف والخطيب المفوه التي يمتلكها الشاب الثلاثيني.
كان شجاعاً باسلاً محبوباً بشدة من قبل الجميع، لم يكن ليختلف مع أحد، حتى إنه كان يصر على أنّه لا يريد صراعات جانبية وهامشية، فهذا يضعف “العداء” تجاه العدوّ الأَسَـاسي، ويغير شكل البوصلة، من هنا كانت بوصلته شديدة الوضوح: العدوّ هو أمريكا وإسرائِيْل، فقط لا غير.
ولأنه بطل عظيم كانت نهاية الباسل نهاية وطنيه عظيمة، اختارها هو بنفسه لا غير: أن يسقط شهيداً دفاعاً عن وطنه وشعبة ومشروعة العظيم التي آمن به. فهو الذي قال يوماً: (إن مسح الغبار من نعال المجاهدين، أشرف من كُـلّ مناصب الدنيا)، وهو من قال (دولة للشعب وليس شعب للدولة) هو صاحب المشروع الوطني (يد تحمي ويد تبني) المشروع الذي يرتكز على عدة جوانب منها بناء جيش وطني الانتماء، يمني الهُوية، ذاتي البناء، يحافظ على أمن واستقرار وسلامة أراضي الجمهورية اليمنية دون استثناء.
طبعاً هو كان يعرفُ أن أمريكا لن تسكُتَ على مشروعه الوطني المبني على العقيدة الإيْمَـانية المقاومة لمشروعها الاستعماري، فهو من كان يواجه أمريكا وأَدَوَاتها في الحرب القائمة العدوانية على اليمن، وهو من تحداها في عده خطابات، آخرها في اللقاء الذي جمعه بأَبْنَـاء محافظة الحديدة بعد رسائل واشنطن تهدد باحتلال الحديدة، قائلاً: “نريد من أَبْنَـاء الحديدة خلال هذا الأسبوع أن يوجهوا رسالة للسفير الأمريكي ويقولوا له سنستقبلك على خناجر بنادقنا في مسيرة عارمة يخرجون شاهرين سلاحهم ليعرف الأمريكي على ماذا سنستقبله”.
هو الشخص البسيط المتواضع المهموم بآلام شعبه، المجاهد الذي يدافع عن وطنه في مواجهة تحالف العدوان الأمريكي السعوديّ الإماراتي العالمي، يعمل ليلاً نهاراً لعزة وكرامة وطنه وشعبه.
هو من أوصل الجيش واللجان الشعبية وقوتها الصاروخية؛ لأنَّ يكون رقماً صعباً يحسب له ألف حساب.. لهذه الدرجة، كان الصمَّـاد عظيماً شجاعاَ باسل ينفذ العمليات العسكرية ضد قوى الغزو والعدوان، فضلاً عن اهتمامه بفكرة الشهادة في حد ذاتها، فهو كان قد عرف عنه أنَّه يتمنى الشهادة، حيث قال ذات مرةٍ في احدى خطاباته: “ليست دماؤنا أغلى من دمائكم ودماء رفقائكم في الجبهات ولا جوارحنا أغلى من جوارحكم”.
وفي وصيته الأخيرة فإنَّ الشاب الثلاثيني كان يعرف تماماً أيَّ طريقٍ اختاره، إذ كتب بخط يديه (أنا وما معي وما أملك في سبيل الله. وهذه وصية لأبي وأمي وإخوتي وأولادي، وأطلب المسامحةَ منهم وسيغنيهم اللهُ من فضله).
يُخيفُ صالح الصمَّـاد الأمريكيين ومن خلفهم أَدَوَاتها السعوديّة والإمارات كثيراً، يُخيفهم حياً ويخيفهم شهيداً ويضعهم أمام أسئلةٍ لا إجابات عنها، فأن يستطيعَ شاب ثلاثيني التغيير في مجتمعه إلى هذا الحد، وأن يختار نهايته بيده كما فعل، وأن يقاومَ بالكلمة والثقافة وأخيراً بالسلاح وبالشهادة، فهذا معناه أن كُـلّ المشاريع الأُخْــرَى ستبوء بالفشل، وبأنها ليست الخيارات الوحيدة المطروحة والمفتوحة الاختيار.