النافذة الذهبيه الوحيده التي يستطيع من خلالها المواطن اليمني أن يطل على مستقبله ويستشرفه هي ماضيه؛ وأقصد بماضيه تاريخه بالمعنى الأوسع، إذ إن الضائعين من أبناء اليمن في غاب الحياة هم أولئك الذين نسوا آثارهم، فصاروا يتخبطون في سبلهم تائهين سائمين متعبين، يقتلهم الندم وتكفنهم الشكوك وتدفنهم الحسرات ويبحثون على الاتكاء بالغير لان الشعوب الضائعة هي تلك التي أضاعت تاريخها فتاهت في حاضرها دون رؤية نحو المستقبل، حتى جعلت تأتي عليها المآتي فتحول مصيرها نحو وجهة لا تدريها، بل تدريها فقط الأمم التي ألمّت بتاريخها وتاريخ غيرها فمسكت بزمام الكل. كذلك حين يمسك المبصر بيد الأعمى، فإن الوجهة تحددها إرادة الأول، وإن كانت للثاني عاطفة وعاقلة.
لنوسع إطار نقاشنا، متأملين في حال بلادنا اليمن بعيدا عن الرمي بسهام النقد والتقويم. إذا نظرنا إلى اليمن اليوم، إلى ضعفه الاقتصادي يقابله السير الثقافي والحضاري الثري والنشط ، فهل يغدو هو اليمن نفسه الذي أراده ابنائه منذ عقود رغم الحرب والحصار والمعاناه وكثرة الاعداء ؟ خير مقياس لذلك يتحقق من خلال إلقاء نظرة تفحصية للمشروع الثوري الوطني الذي سنّه واسسه قائد الثوره ، واحجارالاساس التنموية الوطنيه التي وضعت بزمن الحرب، ورؤى السيد القائد و النخب الثوريه والوطنيه الشريفه التي دونت الملاحظات وخطّت المسارات الجديده.. أو إلى التاريخ القريب باختصار، ثم مقاربة كل ذلك وغيره بالواقع المعاش.. فتأتي حينئذ القدرة على إعطاء الجواب القويم…
نحن اليمنيين بعد كل شيء لن نقول إن هذا البلد تدمر من الحرب، وفي الوقت نفسه لن نبالغ كثيرا في الإخبار عن تقدمه ونهضته بمجالات معينه، وما يبقى لنا في الأخير سوى التشبث بفكرة “الاستقرارثم البناء”. ليس استقرارا سياسيا وكفى، وإنما استقرار حضاري ثقافي معرفي علمي أيضا، هذا النوع الأخير الذي نتج عن تيهنا. في الاستقرار الثقافي والحضاري تضعف الذاكرة وتتلاشى فتنسى ما رسمته من أهداف وما التزمت به من مقاصد. أو ليس أقطع دليل على ذلك التيه ضياع اليمن طيلة عقود ليرى المستقبل المتوسط والبعيد !من منا يخبرنا كيف سيكون تعليمنا بعد ثلاثة عقود؟! وإذا أخبرنا.. فكيف نصدقه وحاضر تعليمنا حرب طاحنه صنعها التائهين الضائعين بالماضي بعكس ما أُخْبِرْنَا به قبل ثلاثة عقود؟! لقد تغير اليمن شيئا كبيراً، وكيف لا يتغير وتلك سنة الحياة في الإنسان والطبيعة! أجل، قد حقق اليمن ما لم تحققه كافة الدول العربية والاقليميه الأخرى على مستوى التنمية البشرية والدفاعيه في الاربعة الاعوام الأخيرة؛ غير أن هذا لا يقنعنا لحد بعيد بنتائج ما خططنا له وطمحنا له أدى التخطيط والطموح الى تفجير ثورة21 سبتمبر منذ أكثر من اربعة سنوات.. فهل قبل أكثر من اربعة سنوات كنا ضائعين .نعم..لكن اليوم..لسنا ضائعين..بل الضائعين التائهين من صنعوا الضياع والتيه باليمن طيلة عقود ولازالوا ولكن بالمنفى ؟إنه وإن كان في مقارنة دولة بأخرى شيء من الأهمية والفائدة، فمقارنة الدولة بمحطات تاريخها يبقى الأولى والأجدى. أهمية التاريخ لا يثبتها سوى التاريخ ذاته. حيث أول ما تهدف إليه البشر من أجل ترسيخ هزيمة أعدائها وذلها هو محو ذاكرتها وما يكمن فيها من التاريخ والحضارة والخطط والرؤى. مثل ذلك تصنعه الحروب بالشعوب حيث تقصي تاريخها وتعدله حسب ميول وقيم الغالبين. وهذا مايسعى اليه الغزاه من خلال مشاريعهم الاستعماريه ان يمحو ذاكرة اليمنيين من تاريخهم وحضارتهم وروؤاهم وطُموحاتهم لبناء بلدهم من أجل ترسيخ الهزيمه والاستسلام للعوده بهم الى زمن الضياع والتيه والارتهان لكنهم فشلوا..ما يستطيعه الإنسان تجاه ماضيه إذن ليس تغييره، بل المحافظة عليه فقط كما يقول قائد الثوره . أما في المحافظة فتنبع الأساليب لتغيير المستقبل وفق ماأشار اليه السيد القائد “المعلّم الاول”..
إن الناظر إلى المنظومة الاعلاميه والتعليمية اليوم باليمن مقارنة بالخطط والرؤى الطموحه لن يقتنع بأدائها ونتائجها من قبل مسؤولي الاعلام والتعليم الرسمي ، والمنصت إلى جل الشرائح اليمنيه والمشاهد السياسية فسوف يشك حتما في حركة الزمن! لانريد اليوم ان يكون اليمن ضائعا بعد هذه التضحيات وغير هذا الكثير؟ شعبنا العزيز يكتشف قوّته كلما غاص في حقائق تاريخه.. و ينبغي أن لا ننسى، ففي الوقت الذي نقلب فيه صفحات التاريخ نحقق شيئا من توازننا، ونكتشف بعض ما ضاع منا. فما الحاضر سوى حلقة ترتبط بوثاقة إلى حلقات مسلسل انطلق منذ زمن، هذا المسلسل الذي وجب علينا معاودة مشاهدته حتى نستوعب مسارنا، فنكشف نقاب الضياع الذي غرقنا فيه طيلة عقود ، ونستعيد الرؤية المستقبلية. إنه على أساس الرؤية المستقبلية نزداد قوه ومنعه واستقرار، من مواقع مسؤولياتنا أفرادا ومكونات موحدة، تشبثا بمبادئنا الثوريه والوطنيه، ونجدد معرفة مقاصدنا ومقاصد التضحيات الجسيمه التي نخوضها ضد الغزاه المجرمين المستعمرين وضد المرتزقه والخونه الضائعين التائهين وضد الغموض والتمويه وأعداء الذاكرة…وللحديث بقيه