واقع يلخّص حال عملية “النصر الذهبي” في الحُديدة حيث لم تفلح ضربات التحالف السعودي – الإماراتي خلال الأسابيع الماضية في حصد أي ثمرة يمكن وضعها على طاولة المفاوضات، التسمية التي تعيد إلى الأذهان عملية “السهم الذهبي” في الجنوب اليمني باتت اليوم تنحصر بين تسميتين لا ثالث لهما، إما الهزيمة الذهبية أو النصر الخشبي.
لا شكّ أن المشهد الميداني القائم سيلقي بتبعاته على المشهد السياسي وما بعده، ولاسيّما أن التحالف وضع كلّ بيضه في سلّة الحُديدة حيث لم يترك حتى نافذة واحدة للتراجع “المشرّف”، ولو تحت شعارات غير واقعية، ولكن يمكن من خلالها إقناع الجماهير.
بعيداً عن الصراع القائم بين أعضاء التحالف ذاته، ولا سيّما بعد اتهامات للإمارات والسعودية بقصف الألوية المحاصرة حتى لا تشكّل ورقة ضغط تعرقل مسار العملية العسكرية، وبصرف النظر عن الأنباء التي تتحدّث عن انسحاب بعض الألوية الجنوبية، هناك سيناريوهات متعددة قد يعتمدها التحالف خلال الأسابيع المقبل في معركة الحُديدة، والهدف الرئيسي منها تأمين مخرج هادئ من المعركة:
مجازر ضخمة: لطالما استخدم التحالف سياسة “المجاز الكبرى” بغية الخروج من أزمة العجز الميداني، فمن مجزرة الصالة الكبرى في صنعاء وعشرات المجازر المماثلة، ترى قوى العدوان في هذه المجازر مهرباً لها، فمن غير المستبعد لجوء التحالف إلى ضربات واسعة للمدنيين في الحُديدة كورقة ضغط عليهم من جهة، ولجعلهم يدفعون الثمن من جهة أخرى بسبب عدم تعاونهم مع التحالف والخروج ضد قوات الجيش واللجان الشعبيّة، بعد التطورات الميدانية الأخيرة ونجاح قوات الجيش واللجان الشعبية في نقل المعارك إلى ساحات بعيدة نسبياً عن الوجود السكاني الأمر الذي حدّ من موجات النزوح، يبدو أن التحالف يسعى للضغط على المدنيين عبر استهدافهم، الأمر الذي يؤمن الأرضية لسيناريوهات أخرى سنعرضها تباعاً.
معركة جديدة: منذ اليوم الأول للعدوان والتحالف يتحدّث عن “تحرير” صنعاء والوصول إليها من “فرضة نهم”، اعتاد التحالف خلال السنوات الماضية على الترويج الإعلامي لأي معركة، ولكن في حال فشلها نراه ينتقل للحديث عن معركة أخرى، لتخمد المعركة السابقة تلقائياً دون الاعتراف منه بفشلها، على سبيل المثال بعد الأفول الميداني في الأسبوع الثاني للهجوم على الحديدة، بدأ الإعلام السعودي والإماراتي بالحديث عن مفاجآت لـ”الحوثي” في صعدة، ربما يعمد التحالف إلى تضخيم جبهات أخرى في بقية المحافظات وتحديداً صنعاء وصعدة، لكن الهدف الرئيسي من هذا الضغط هو حرف الأنظار عن فشل العدوان على الحُديدة.
هادي والحل السياسي: لا نستبعد أن يتمّ الدفع بهادي مجدداً للحديث عن الحل السياسي، تماماً كما تمّ الدفع به منذ بدء العدوان على الحُديدة، بإمكان الرئيس المستقيل والمنتهية ولايته عبد ربه منصور هادي أن يشكّل مخرجاً للتحالف من معركة الحُديدة، ومن هنا لا نستبعد حضوره السياسي خلال الأيام المقبلة بعد أن كان مهمّشاً.
ملفات أخرى: اعتاد ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان منذ تعيينه وزيراً للدفاع على سياسية الهروب إلى الأمام، هرب إلى العدوان على اليمن لتعزيز أوراقه الداخلية بعد تعيينه وزيراً للدفاع، لاحقاً رؤية 2030 وحصار قطر وغيرها، من هنا لا نستبعد حرف الأنظار عن هذا الأمر بخطوة أخرى كصفقة القرن مثلاً، أو خطوة جديدة تجاه قطر أو غيرها من الدول الخليجية.
أعمال انسانيّة: يستخدم التحالف “شمّاعة” الأعمال الإنسانية لأهداف عدّة، بعضها يتعلّق بإعطاء الخيار العسكري هامشاً أكبر، وهذا بالفعل ما شاهدناه منذ بدء العدوان على الحُديدة حيث يعمل الإعلام السعودي والإماراتي وكذلك بعض بعثات هذه الدول في أوروبا وأمريكا لإظهار البعد الإنساني والمساعدات التي تدّعي تلك الدول تقديمها، فضلاً عن تسييرها سفن الإغاثة دون عرقلة، من دون أن تذكر أي شيء عن المعركة، البعض الآخر من الأعمال الإنسانية يأتي على العكس تماماً، وهو ادعاء هذه الدول بعد فشلها العسكري، وقفها للمعركة حرصاً منها على الأوضاع الإنسانيّة، وفي كلا الحالتين تكيل الاتهامات لقوات الجيش واللجان الشعبية في عرقلة مسار المساعدات الإنسانيّة سواء أيّدت الأمم المتحدة هذا الأمر أم خالفته.
الأمم المتحدة: الأمم المتحدة التي أثبتت منذ اليوم الأول انحيازها إلى جانب تحالف العدوان تعدّ من الطلقات الأخيرة في جعبة السعودية والإمارات، وبالتالي تناور هذه القوى عبر مبادرات منحازة من المبعوث الأممي في حال فشل خيارها العسكري، ولكن عادة ما يتم مقابلة هذا المبادرات بالرفض كونها تسعى لتحقيق أهداف التحالف سياسياً بعد أن فشل في تحقيقها عسكرياً، بعدها يتمّ التركيز على مبادرات جديدة، تتزامن مع إعلان التحالف إعطاءه هامشاً للمناورة السياسيّة حفاظاً على حياة المدنيين، ليشكلّ هذا الأمر مخرجاً لقوى العدوان من معاركها الخاسرة بطريقة سلسة ودون أن تقرّ بالفشل.
بصرف النظر عن السيناريو أو السيناريوهات التي ستستخدمها قوى العدوان خلال الأيام المقبلة في الحُديدة، الأمور تتجه إلى المفاوضات والحديث عن تدويل الميناء بصرف النظر عن إمكانيته على أرض الواقع، إلا أن الراسخ الوحيد هو الفشل الكبير لقوى العدوان أمام رجال كزبر الحديد في الحُديدة.