لم يكد المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، ينهي زيارته للعاصمة صنعاء بعقد مؤتمر صحافي طغى عليه طابع التفاؤل، حتى بدأت في وسائل الإعلام السعودية والإماراتية حملة تشكيك في نيات الرجل، تعكس حجم الضيق الذي بلغه تحالف العدوان في خياراته السياسية والعسكرية والإعلامية. بدا الأمر أشبه بتعميم وُزِّع، عقب انتهاء الزيارة، على الوسائل الإعلامية والناطقين العسكريين والسياسيين الخليجيين، لنسف الأجواء الإيجابية التي حرص غريفيث على
وكان للصحف الخليجية في كل من الرياض وأبو ظبي ولندن نصيبها من ذلك التشكيك، حيث شددت على فشل المبعوث الأممي في تحقيق أي اختراق في ما يتعلق بملف الحديدة ومينائها، مع إضفاء الكثير من الغموض على الأهداف التي يعمل عليها الرجل، بل إن بعضهم ذهب إلى رميه بالجهل بطبيعة مهمته، وعدم معرفته بالسياسة اليمنية وطبائع لاعبيها.
حملة تبدو مستهجَنة ومضحِكة في آن؛ إذ إن ناطقي جبهة «التحالف» ظهروا كأنهم يعوّلون بالفعل على أن يحقق المبعوث الأممي لهم ما لم تستطع تحقيقه آلتهم العسكرية الضخمة في معركة الحديدة. وما يثير الدهشة أيضاً أن بعض الإعلام الخليجي نقل عن مسؤولين خليجيين قولهم إن تصريحات غريفيث الإيجابية تتعارض مع التحولات المتسارعة على الأرض، واتهامهم إياه بالحرص على منع تحرير الحديدة عن طريق عدم ممارسة أي ضغوط على صنعاء، والحيلولة دون تقدم قوات «التحالف»، الذي لا تزال ماكينته متمسكة بـ«إنجاز تحرير مطار الحديدة» في وقت يتجول فيه وزراء حكومة الإنقاذ بحرية داخل المطار.
حرص الإعلام الخليجي على نسف الأجواء الإيجابية التي أشاعها غريفيث
المفارقة، في حملة التشكيك الخليجية، أن المستهدَف منها (غريفيث) إنما يمثّل المجتمع الدولي (واشنطن، ولندن، وباريس) الذي يتبنى بالمطلق دعم تحالف العدوان من خلال المشاركة الاستخبارية واللوجستية، وتزويد الطائرات بالوقود، وحتى المشاركة المباشرة بفرق عسكرية خاصة (فرنسية وأميركية تحديداً)، فضلاً عن تأمين الغطاء السياسي الكامل للحرب في المحافل الدولية. كذلك، لا يستطيع المبعوث الأممي التحرك خارج نطاق توجهات مجلس الأمن، المنحازة دائماً إلى الجانب السعودي. وقد حاول الرجل، قبل بدء الهجوم على الحديدة، انتزاع المدينة من «أنصار الله» بالطرق السلمية، غير أن الحركة رفضت العرض بالمطلق، وجلّ ما قبلت به هو الرقابة التقنية على الميناء.
حملة وسائل الإعلام الخليجي على مارتن غريفيث، والتي انخرطت فيها حتى تلك التي تُصور نفسها على أنها إعلام موزون، إنما تؤكد أن ليس لدى «التحالف» إلى الآن خطة بديلة بعد فشل غزوة الحديدة أو رؤية محددة سوى قذف المسؤولية باتجاه الآخرين. كما تثبت هذه الحملة أن تحالف العدوان وصل إلى مرحلة بات فيها عاجزاً عن التعمية على وقائع ملموسة، إن لجهة فشله العسكري أو لجهة عجزه عن استثمار تفوقه في تحقيق إنجازات. ومع ذلك، تواصل ماكينة «التحالف» اشتغالها على تحريف الوقائع، وإيهام الرأي العام والمجتمع الدولي بانتصارات متخيلة، رغم تيقن القيادتين السعودية والإماراتية من أنها باتت خارج متناول اليد. وما هجومها المثير للسخرية على غريفيث إلا جزء من تلك الاستراتيجية، التي لم يعد أصحابها قادرين على إخفاء مخاوفهم من انعكاس هزيمة الحديدة على المشاورات التي يجريها المبعوث الأممي.