أعيادنا جبهاتنا، شعارٌ جعل منه اليمنيون عنواناً عريضاً لأعيادهم في ظل العدوان والحصار، يتركون منازلهم ويودّعون أسرهم وذويهم للالتحاق بإخوانهم المجاهدين في جبهات العزة والكرامة لقضاء أيام العيد معهم، يتقاسمون تغاريد الرشاشات وإيقاعات المدافع، ويرقصون على أوتار الانتصار وهم يمضغون “جعالة” العيد الرطبة بلعاب النشوة والسعادة التي منحتهم إياها قداسة التلال والشعاب، يرون في الدفاع عن وطنهم الجريح عيدية يتوجّب عليهم دفعها، وفي الانتصار لقضيتهم ومظلوميتهم فرض عين لا يسقط عن مؤمن إسلامه الولاء وعقيدته الانتماء، يذبحون الأضاحي في العيد ولا تغيب عن مخيّلتهم طقوس العدوان وهو يقدّم إخوانهم أضحيات بالجملة على مدار العام تقرّباً وطاعة لأرباب الكفر وعتاولة الطغيان، ومع هذا لا يغزوهم الخوف ولا تجتاحهم مهولات القنوط، بل يزدهم ذلك صلابة وشدة، وعزيمة وقوة للثأر والعقاب والدفاع عمّا تبقى من آدمية تحت رحمة الإبادة والاحتراب.
لأربعة أعوام متتالية، تأتي فريضة الحجّ لتأخذ نصيب الأسد من تبعات الصراع وظلال الحرب، فلم يستطع اليمنيّون أداء الركن الخامس من أركان الإسلام، وأن يأخذوا حقّهم الديني في ضيافة الرحمن، بالتزامن مع استغلال السعودية لجغرافيا المشاعر المقدّسة وطقوسها، ومحاولة إقحام الخلاف السياسي في أمور الدين، فمشاعر المسلمين المقدّسة، ابتداءً من بيت الله الحرام، مروراً بمنى ومزدلفة، وانتهاءً بعرفات، ليست ملكاً لدولة دون أخرى، وليست حكراً على نظام دون آخر، ومن حقّ أيّ مسلم، أيّاً كان مذهبه أو كانت جنسيّته، أداء هذه الفريضة بعيداً عن ملفّات الصراع، وبعيداً عن توجّهات الأنظمة السياسية، التي تقع تلك المشاعر في إطارها الجغرافي، وهذا أمر بالغ الخطورة، قد يتسبّب في شقّ الهوية الدينية للبلدان والأقطار، وقد تعلو الأصوات المنادية بأحقّية كلّ الدول الإسلامية في تنظيم هذه الشعيرة.
يحرم اليمنيون هذا العام من ميقات “المجازر” التي تتوالى دون حسيب، وتزهق أرواح أبنائهم بكل الفئات، ومن متارسهم المحصّنة بالإيمان يطوفون طواف الإفاضة مكبرين بشعار يبدأ بـ الموت لأمريكا وإسرائيل وينتهي بالنصر للإسلام، ويستبدلون الصفا والمروة بالمراوحة بين الدفاع والهجوم سعياً وهرولة، يبيتون في منى العزيمة لشحذ الهمم وتقوية الخطوط بالاعتصام بحبل الله المتين الواعد بنصر الحق ولو بعد حين، وفي التروية يتناوبون على جمع الغنائم والعتاد، ويفتكون بفلول العدوان القابعة في محاور السقوط والانكسار، أما وقوفهم في حجهم الأكبر فهو الوقوف الشامخ والشجاع في جميع المواقع والجبهات، يكسرون زحفاً، ويسيطرون على موقع، يستهدفون مدرعة ويقنصون شبحاً منافقاً، يرسمون إرادة النصر بريشة الفعال، ويعمّدون البطولات بتضحيات الشهداء، حتى إذا ما هلّت أيام التشريق رموا شياطين الجرم بصواريخ الردع وباليستيات الانتقام، لتعود ممالك العدوان كيوم ولدتها أمها.
يبدأ اليمنيون بتجهيز قوافل الغذاء والمال منذ وقت مبكر لتسيّرها للمجاهدين في مختلف المواقع والجبهات، وتعكف القبائل على شراء السلاح والآليات ولوازم القتال، وتدريب أبنائها على فنون الالتحام والاقتحام والمواجهة ليلتحقوا بإخوانهم في معركة العزة والكرامة، أما المرأة فإلى جانب مساندتها أخوها الرجل في كل المواقف والوحدات والدوائر والمربعات، تشاركه في قافلة العيد وصناعة الكعك وأطباق الحلوى وتجهيز الزبيب والمكسرات وبعض من نفائس المأكل والمشرب.
من الجهات الأربع تشرق الشمس بميلاد يوم جديد شرقاً، وتغرب غرباً بمماته، وشمالاً، يؤمّم اليمنيّون نواصيهم خمس مرّات في اليوم والليلة، مصلّين لربّهم، ولاهجين بالدعاء على “تحالف” بدأ من الشمال ذاته، حتّى أخذ منهم أرواحهم وممتلكاتهم واقتصادهم، ولم تكن أركان إسلامهم، هي الأخرى بمنأى عن تداعيات إعادة “الشرعية” التي لا شرعية لقلبها وقالبها. فالصلاة أصبحت مهدّدة الإقامة في بيوت الله، وأصبح المسلمون يؤدّونها دون خشوع، وبمشاعر من خوف وأخرى من قلق في ظلّ تنظيم لوكر الإرهاب يفرط في التفجيرات والاغتيالات، ويرى أن مهر الحور العين لا يتأتّى إلّا بحصد أكبر عدد من أرواح الناس، ولا سيّما أثناء تلبيتهم لنداء حيّ على الفلاح، واستطاعت طائرات العدوان السعودي أن تواصل ما بدأه ذلك التنظيم، في استهدافها المساجد والمصلّين بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق استهداف أهداف مدنية لا تخلو من دور العبادة.
وممّا سبق، نستطيع القول إنّه في ظل العدوان وأدواته القبيحة لم يتبقّ لنا من أركان الإسلام الخمسة ما نستطيع إقامة شعائره بحرّية واطمئنان دون قيود، إلّا “الشهادتين” سرّاً وجهراً، حتّى أن الشهادتين ذاتهما لم تسلما من مآلات العصر وتراكماته وإفرازاته، فانتقلتا إلى رايتين اثنتين، الأولى راية خضراء تمثّلت في علم “رأس هذا التحالف”، والأخرى راية سوداء تمثّلت في علم “داعش”، التي ما برحت تستظلّ تحت سقف “التحالف”، وتنفذ أجنداته بكرة وعشيّا.