من يحكمنا؟! سؤال قديم جديد لا احد يمكنه تصديق أو حتى تخيُّل كم يبلغ عمر هذا السؤال؟! ولا احد أيضا يستطيع مواجهة حقيقة أن أمة بأكملها من أولها وحتى آخرها مازالت تعجز مجتمعة ومتفقة أن تجيب على هذا السؤال الذي وُلِد مع وفاة مؤسسها الأول الرسول الأعظم والنبي الخاتم وحلقة الوصل الأخيرة بين السماء والأرض والمُتَلقِّي والمستضيف الأخير للوحي والروح الأمين صاحب الرسالة الأتم والدين القويم الصالح للتطبيق في كل حين حتى يوم الدين.
ولكن المستغرب أكثر أن يظل هذا السؤال معضلة عصية على الحل كل هذه القرون وان تفشل كل تجارب الإجابات المفترضة على صورة اجتهادات نظرا لادعاء عدم وضوح النص في أمر الحاكم أو الحديث عن سكوت الشارع الحكيم عن تحديده وهو الذي قال (اكملت) و (اتممت)! وأيضا فشل تجارب الإجابات المفروضة في الأغلب بالمكر والخديعة أو بالحرب والسيف والتي تسببت في إعاقة دور الأمة وسفك دمائها وانتهاك حرماتها وتحجيم فاعليتها في العالم.
لقد جربت الأمة الإسلامية أكثر من طريقة في إدارة الحكم وكلها لم تنجح في تحقيق النموذج الإسلامي الكامل, فالشورى نظرية افتراضية لم تطبق ولو في ابسط صورها وما يسمى أهل الحل والعقد ربما عقدوا بلا إرادة حرة ولكنهم لم يحلوا مطلقا وخلافة الأربعة انتهت بمقتل ثلاثة منهم وما تلاها حكم وراثي عضوض جبري ربما نجح في بعض مراحله كملك ولكنه فشل كنظام وكذلك السلطنة والإمارة كلها أنظمة فرضتها قوة السيف وليس الشرع الحنيف وكلها بنيت على مظالم وهدمت على هزائم وكل ما انتجته في كل تلك الفترات من حضارات كانت شهوة الملك والتوسع روحها لا قيم الدين القويم.
ومؤخرا ومع الحالة الأضعف والوضع الاسوأ للأمة على الإطلاق ومع حالة اليأس التي وصلت إليها من إعادة أي من تجارب الحكم السابقة لعدم انسجامها مع روح الإسلام واحتياجات الإنسان وتطورات العصر انطلق أبناؤها للبحث عن إجابة للسؤال القديم الجديد : من يحكمنا؟! ولكن للأسف لم تعد إلى الفكر الإسلامي ومرجعيته الخالدة الثابتة المنزهة من التحريف والتبديل بل يممت عقولها شطر الفكر الغربي مبهورة بما حققه من نجاح مادي فجاءوا بالاشتراكية التي فشلت وتخلى عنها ابناؤها والعلمانية التي فصلت الدولة عن دين الكنيسة المحرف وكهنوتها, فهل الإسلام دين كهنوت وزيف حتى يبحث البعض عن فصله عن الدولة؟! ومع كل تلك الإخفاقات لم تزل الديموقراطية هي الحلم الوردي الأجمل الذي ينام ويصحو عليه الغالب من سواد الأمة ولكن دون جدوى وكل محاولات تطبيقها أخفقت إخفاقا ذريعا.
إن كل أنظمة الحكم التي جُربت في هذه الأمة ما بين ديكتاتوريات أنتجت ظلما واستبدادا وفسادا وبين ديموقراطيات أفضت إلى الفوضى والخراب والفساد أيضا ومع كل ذلك ورغم مرارة التجارب السابقة وفداحة خسارتها مازال اغلب الأمة يرفضون إعادة النطر والمراجعة لمرجعيتهم الثابتة (القرآن) بحيادية وتجرد ويفتشون عمّا ورد فيه بهذا الشأن وسيجدون الإجابة عن سؤال من يحكمنا!؟ ولو حتى من باب التفكير في الأمر كحل ممكن تجربته ابتداءً.